أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - خالد صبيح - انتفاضة آذار - ملامح ودروس















المزيد.....


انتفاضة آذار - ملامح ودروس


خالد صبيح

الحوار المتمدن-العدد: 418 - 2003 / 3 / 7 - 04:01
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


لم تصدر لحد الان، حسب اطلاعي المتواضع، اي دراسة موثقة عن انتفاضة اذار 1991 واكيد ان احد اهم الاسباب الاساسية لهذا النقص يعود الى ان النظام الفاشي مازال متسلطا على رقاب ابناء الشعب العراقي وتسلطه يحول دون امكانية الوصول بحرية الى ميادين الاحداث واللقاء بالذين شاركوا فيها. وتعود هنا وهناك ايضا اسباب تقنية اخرى تتعلق بطبيعة الحدث وصعوبة توثيقه، ولكن لاشك في ان هذا الامر سيكون ممكنا في المستقبل .هذا النقص في واقع الحال يعيق اي دراسة تقييمية للحدث تعتمد المعلومات الدقيقة. لكن وفي كل الاحوال وفي حدود المتاح من معطيات ومعلومات عن الانتفاضة، هناك حيز، وان كان محدودا، يتيح استخلاص بعض النتائج والتقييمات  ساحاول ان اعتمد  فيهاعلى السياق العام السياسي والفكري الذي  تفجرت في ظله الانتفاضة.
عوامل تفجر الانتفاضة وبشكلها الذي وقعت به كانت تعتمل بقوة في ثنيات حركة الحياة في المجتمع العراقي، من استبداد وقمع منفلت وهمجي وحرب طويلة( العراقية –الايرانية) غير مبررة ولامقنعة باسبابها ودوافعها ولامآلاتها، حيث كانت، وبكل المقاييس والنتائج، حرب عبثية توقد نفسها بنفسها. وانعكست اثار هذه الحرب بصورة شبه كارثية على الاقتصاد الذي امتدت اثاره على المجتمع، لاسيما الفئات الفقيرة منه التي وقع عليها الثقل الاكبرللحرب فصارت وقودا بشريا لها وضحية لعبء الازمة الاقتصادية الناتجة عنها.  كذلك حدت الحرب والازمة الاقتصادية من امكانات النظام في شراء الولاءات والتحالفات في قواعد المجتمع لتكريس سلطته مما سيؤذن بتخل واسع للعناصر المستفيدة من النظام من الالتفاف حوله ودعمه.
 كانعكاس لهذه الاوضاع بدات تتراكم اكثر فاكثر الميول الشعبية المعارضة للنظام وبدا يتشكل السخط الشعبي وتتسع رقعته متجاوزة فئة الشباب في المجتمع، المتضرر الاكبر من الحرب والدكتاتورية والازمة الاقتصادية ، وممتدة الى فئات المجتمع عامة.
كان تراكم عوامل الازمة هذه  بحاجة الى عنصر تنظيم وتوجيه وتحريك لتتحول الى كتلة معارضة مادية ذات قدرات فعالة في عملية التغيير لو قدر لها فسحة من الزمن تستطيع  ان تنمو فيها بهدوء وتبني كيانها وطاقاتها في سياق عملية مترابطة المراحل تهئ القدر الكافي من  الخبرة الميدانية لرسم ممكنات واقعية ونضج فكري وسياسي مناسب لادارة عملية سياسية تقود نشاطا معارضا فعالا،على خلفية الخراب الاقتصادي والاستبداد، بغض النظر عن الاشكال النضالية التي ستتخذها كادوات في ممارستها تلك. لكن واقعة اجتياح النظام الفاشي لدولة الكويت في آب 1990 وماحملت في طياتها من مغامرة ومقامرة في ممكنات البلد المتبقية، واستمرار الازمة وتطوراتها التي ادت الى عملية اخراج النظام من تلك الدولة بهزيمة عسكرية قاسية، في فترة قصيرة زمنيا لم تتجاوز الشهور الستة، عجلت بشكل كبير للغاية، بالاضافة للعوامل المتراكمة اصلا في قاع المجتمع، في تفجير الازمة الوطنية ووصولها الى حدود المواجهة المكشوفة مع النظام. لكن ذلك حدث  في وقت  لم  تبن به قوى الشعب المؤهلة للمواجهة مع النظام قدراتها بعد ولم تنضج ادواتها ولاان تتراص كتلتها في اطار منتظم يجمع ويوحد ويغربل في ذات الوقت عناصرها وطروحاتها، وفرضت عليها الظروف المواجهة في الوقت الذي لم تستكمل بعد مستلزماتها مما سيترك اثره الخاص والضار على مسار الانتفاضة، كثمرة شرعية لانفجار الازمة، وسيوسمها باول واكبر عنصر تفكك ونقطة ضعف رافقتها وهي العفوية والعشوائية وانعدام التنسيق، ناهيك عن تحديد الاهداف ووضع استراتيجية ميدانية مناسبة لمراحل العملية لتؤدي الى اقصى قدر من النجاح ان لم يكن النجاح النهائي والكامل في القضاء على النظام الفاشي.
كان الانفجار الحاد والمفاجئ للانتفاضة وعوامل تراكم هذا التفجر في فترة زمنية قياسية، هي فترة احتلال النظام للكويت واندحاره العسكري، اديا فيما اديا اليه من ارباكات ونواقص في فعالية الانتفاضة الى انعدام المركزية في التوجه واتخاذ القرارات وانعدام التنسيق بشكل شبه تام بين مجموع المنتفضين في المدينة الواحدة وفيما بينهم في المدن الاخرى، لذا ما ان تحقق النصر لقوى الانتفاضة، بشكل خاطف وسريع، على مؤسسات النظام ومنظماته واجهزته القمعية حتى اخذ العمل بالتلكا والمراوحة وانكشف انعدام وجود استراتيجية واهداف وخطوات عملية مرحلية تؤدي احداها الى الاخرى وبالضرورة غاب التنسيق وصار المنتفضون لايعرفون ماهي الخطوة التالية بعد ان حرروا مدنهم .
 كان ابرز علامة على غياب التنسيق هذا هو ماوقعت به القيادة الكردية من قصر نظر سياسي،لاسيما الاتحاد الوطني الكردستاني حيث قفز رئيسه جلال الطالباني وبانتهازيته المعهودة الى تقديم فرصة ذهبية للنظام كان هو بامس الحاجة اليها حينما عرض عليه الطالباني مشروع للتفاوض، في مسعى اناني للحصول على حقوق خاصة للمنطقة الكردية على حساب المشروع الوطني العراقي الهادف الى الخلاص من النظام، بعدما تمت السيطرة على كل مدن كردستان العراقية، وفي الوقت الذي ماتزال الانتفاضة في الجنوب لم تحقق الا نجاحا نسبيا انحصر في سيطرة المنتفضين على مدنهم. وحيث كانت الانتفاضة، في الشمال والجنوب، بحاجة الى الانتقال الى المرحلة اللاحقة المتمثلة  في القضاء التام على النظام، جاءت خطوة الطالباني الانتهازية وضيقة الافق تلك فتلقفها النظام ليحيد الجهد الكردي في الانتفاضة وليركز جهده في الجنوب، حيث سيتفرغ تماما بعد ساعات من قضاءه على انتفاضة الجنوب وسيطرته عليه ، الى التوجه للشمال وتوجيه ضربة الى انتفاضته، فدفع الشعب الكردي ثمنا غير هين لبهلوانيات الطالباني الانتهازية، حينما هرب الجزء الاكبر من المواطنين الى الحدود الايرانية هربا من ضربات قوات النظام. ولعل حادثة ضرب سيارة الطالباني الخاصة التي اقلته، مترفا حتى في الازمات ، مع زوجته التي استفزت الناس بسلوكها المتغطرس، بالحجارة والاحذية كان تعبيرا خاصا عن موقف الناس من الوضع  ومن هذا <القائد الانتهازي>لاسيما وان مسعود البارزاني كان يقاتل مع قواته ضد قوات النظام ولم يهرب كما فعل الطالباني..
كان يمكن تلافي ثغرة انعدام التنسيق  ويتدارك المنتفضون الموقف ويتنبهون لعناصر الضعف في حركتهم وان ينسقوا جهودهم ويوحدو اهدافهم ويرسموا استراتيجية تؤدي الى القضاء على النظام، لو لم يتم التواطئ الدنئ بين النظام وقوات التحالف الامريكية، لحساب مصالح ضيقة لانظمة الحكم في المنطقة، التي تقاطعت مصالحها للحظة تاريخية شاذة مع نظام، لساعات قليلة خلت  كان مصدر تهديد وقلق لهم. ولولا هذا التواطئ لتم ايقاف زحف القوات الخاصة بحماية النظام الى بغداد، كاستمرارمنطقي للعمليات العسكرية، ولهيأ ذلك فرصة دعم جيدة وضرورية للانتفاضة او على الاقل ساهم في تحييد بعض من قوة النظام. لكن العكس هو الذي وقع، الامر الذي اتاح الفرصة للنظام ليلملم قواته واجهزته ويوجه ضربة قاسية الى الانتفاضة.
 كانت قسوة وهمجية العنف الذي واجه به النظام الانتفاضة قد احال بينها وبين ان تحقق اهدافها،واجزم لوان ثلث  ماوقع في الانتفاضة قد وقع ضد اي نظام اخر على الكرة الارضية لانهار او لانسحب وترك البلد لاهله،لكن هذا النظام فاق كل انظمة الكرة الارضية السياسية في الاستهتار والسقوط الاخلاقي والتجاوز على المعقول.
مؤكد ان دراسة مستقبلية علمية وتوثيقية لانتفاضة اذار ستلقي الضوء على الكثير مما هو مخفي الان ويشكل خلفية للفشل او لعدم تمكن الانتفاضة من تحقيق اهدافها، لكن ومهما تكن النتائج للدراسة الميدانية المستقبيلة تلك فلابد من ان يستدعي الامر، الان وفي كل الاوقات لدراسة احوال الانتفاضة، لتقصي بعض الخلفيات التاريخية والفكرية المكونة لبنية المجتمع الفكرية والسياسية والتي القت بظلال كثيفة على هيئة العمل السياسي اثناء الانتفاضة ومابعدها.لان اخفاق الانتفاضة في المحصلة الاخيرة جاء كانعكاس عضوي ومباشر للعجز البنيوي الذي يجد الواقع السياسي العراقي والقوى السياسية العراقية نفسيهما مرغمين فيه. هذه الاسباب <التي سآتي على ذكرها> هي نتيجة وسبب طبيعيين في ذات الوقت  للفراغ السياسي على الساحة، وهذا الفراغ هو الذي اسهم بشكل حاد في افتقاد الشارع السياسي وبالتالي الانتفاضة الى قيادة سياسية واعية وذات خبرة تستطيع ان تقود الانفجار الكبير الذي اشعلته الانتفاضة الى النصر على النظام الفاشي. حالة الفراغ تلك تركت اثرا ملموسا على مسار العمل حتى في اطاره الميداني الصرف، رغم بروز، هنا وهناك وفي كل الميادين، قادة ميدانيين اكفاء، لكن ماكان يحد من فاعليتهم هو غياب رؤية استراتيجية تربط بين المهام والمراحل وهو الذي تحققه عمليا على الارض القيادة السياسية.
هذه الثغرة الكبيرة فتحت الباب امام قوى مرتبطة سياسيا وتنظيميا بايران في محاولتها تجيير الانتفاضة لصالحها ولتيارها السياسي وتوجهها الطائفي، مستغلة ان الصفة الغالبة على القوة البشرية للانتفاضة كانت من الشيعة، فدخلت الاراضي العراقية وبدات برفع شعاراتها الخاصة للايحاء بطابع خاص للانتفاضة، ورفعوا صورا لرموز دينية وسياسية من ذات التيار مما اثار نوع من النفور وابتدات حالة من التفكك في قوة الانتفاضة لعدم الاقتناع بهذا التجيير وايضا اتاحت هذه المحاولة للنظام الفرصة لكي يستثمرها في تكريس هذه الصورة من خلال دسه لعناصر مخابراته لرفع شعارات مذهبية لحرف اتجاه الانتفاضة وتوجهاتها وتقليص قدراتها باظهارها وكانها نتيجة <لمؤامرة> خارجية..
صحيح ان معظم الكتلة البشرية التي قامت عليها الانتفاضة هي من الطائفة الشيعية، ولايمكن نكران ان ابناء هذه الطائفة تعرضوا للحيف والتمييز، لكنهم لم ينتفضوا، على الاقل جلهم، لصفتهم الشيعية بقدر ما كان الامر مرتبطا برفضهم لاوضاعهم التي نشات اثر الاستبداد والضغط الاقتصادي الذي  تضرروا من جرائه باعتبارهم يمثلون السواد الاكبر من فقراء وكادحي العراق.
 ولايشك احد بان النظام واجه الانتفاضة وجميع الشعب بجهاز حزبي ومخابراتي قمعي يتشكل بصورة لاتحتمل اللبس من عناصر شيعية، لارتباطها بشكل وباخر بهذا النظام، ولم تعقها صفتها الشيعية من هذا التعاون ولا الارتباط بالنظام ومؤسساته القمعية.
في الحديث عن طبيعة العجز البنيوي للمجتمع العراقي يمكن الانتباه الى ان هناك عناصر عديدة تداخلت فيما بينها فشكلته باعتباره< العجز> الواصف الابرز لحالة الفشل السياسي المتواصل
< ان وجود النظام الفاشي ونجاحه في تفكيك البنية الاجتماعية والسياسية هو دليل بارز على هذا الفشل>، من بينها، وبشكل مختصر، افتقاد الاحزاب السياسية التقليدية< يسارية وقومية ودينية> التي غطت الساحة السياسية في نشاطها، الى عنصر التجدد في هياكلها التنظيمية وبناها ومنظوماتها السياسية، بمعنى طروحاتها ورؤيتها للواقع، وتهافت، نسبي ومتباين بين تيار واخر بطبيعة الحال، في مستوى خطابها الايدلوجي والفكري، وانحصاره في حدود التبشير العقائدي والدعائي دون الاهتمام بمحاولة تاسيس لبنية سياسية تؤسس لكائن سياسي نوعي يشكل قاعدة حقيقية وراسخة للمشروع المطروح في برنامج اي حزب معني، واكتفوا، بل الاحرى تهافتوا وراء الكم دون اهتمام بالنوع في ظل التزاحم والتدافع من اجل السيطرة على الجمهور وتوجيهه، فامتلات الساحة السياسية بالغث وبالادعياء وبعديمي الكفاءة. وبديهي لايمكن لهذا التحليل ان يغفل، وعلى طول الخط، لما لانظمة الحكم التي تعاقبت على حكم العراق ولاسيما نظام الحكم الحالي من اثر سلبي وكارثي احيانا  في صنع هذا الواقع من خلال القمع والاقصاء والتهميش واضعاف وبالتالي الغاء الحياة السياسية مما امات اي امكانية لنشوء تيارات سياسية توازي او تكافئ  في حضورها وفاعليتهاالتنظيمات السياسية التقليدية ذات الميل الشعبوي تلك، الامر الذي حرف الاتجاه السياسي العام في البلد وادخله في تلك الدائرة الضيقة والمغلقة في فهم وممارسة السياسة من خلال النزعة الارادوية والميول الانفرادية في الاستحواذ على الشارع ونسبه اليها.
 من الاشياء التي ادى اليها هذا الوضع الميل الى التبرير الذاتي المنطقي الذي يمليه سياق الموقف السياسي لهذا الحزب او ذاك بعدم شرعية المطالبة في المشاركة في الحياة السياسية، فانفتح الباب امام اطر وصيغ شاذة، ذات نزوع شمولي للمشاركة السياسية عبر التحالفات الميدانية والفوقية والتي تكرس احتكار السلطة وشرذمة المشروع الوطني.
عامل اخر لايقل اهمية وشكل انعكاسا موضوعيا لهذه الحالة وهو انعدام او ضعف الاستقلالية لتلك الاحزاب مما جعلها تنوس في خطابها ورؤيتها بين الوطني الصرف بهمومه اليومية وبين الترابطات الاخرى ، وبشكل دفع كثيرا هذه العلاقة عن مستواها الطبيعي المقبول،التي تمليها علاقة تلك الاحزاب او ارتباطاتها الفكرية والتنظيمية بقوى خارج اطار المشروع الوطني وقد تتعارض بعض الاحيان مع اولياته. فصار الوطني يختلط، واحيانا كثيرة يقصى، في ولصالح الهم الاقليمي والعالمي الطائفي او القومي او الاممي، فاحال ذلك الى نوع من الازدواج في الموقف عكس اثاره على الممارسة السياسية.
مجموع هذه العناصر وتفاعلاتها عبر مسيرة المجتمع العراقي في دولته الحديثة التي تاسست في ظروف صعبة في عام 1921 شكلت خلفية تاريخية وارضية راسخة لمجموع الفشل السياسي الوطني وحالة الفراغ التي عاناها الواقع فانتهى به المطاف الى عاهة مستديمة سماتها التشرذم وضبابية الرؤيا ومحدودية ووقتية المشاريع التي تقوض بسهولة كبيرة ماان يقرر مسؤول ما لهذا الحزب او ذاك تقويضها راكضا وراء اوهام السلطة والاستحواذ على الجمهور.
 هذا الواقع ترك اثره البين على الانتفاضة التي ولدت يتيمة وظهر لها اباء كثر ارادوا نسبتها اليهم من خلال ادوار اما وهمية او مبالغ فيها من اجل اشباع ذات الرغبات القديمة في امتلاك الشارع والحقيقة ومايجلبانه.
واقع الحال ان فشل الانتفاضة اعاد الوضع من الناحية العملية الى مرحلة الصفر مرة اخرى.  رغم انه اشعل رغبة التغيير وحدد علاقة الشعب العراقي وبشكل قاطع ونهائي مع هذا النظام ووضع مسالة تغييره واجتثاثه كامر لايحتمل لاالتاجيل ولا التبديل.  فمسؤولية هذا النظام  كبيرة حيث شكل بممارساته الشاذة اجمالا الغطاء والبلورة العملية للعجز البنيوي المشار اليه والذي انتهى بدوره الى طرق مغلقة وافق مسدود في طريق خلق البدائل. و النظام هو المسؤول عن خلق وتعميق ومد الازمة الوطنية وتدويلها، حيث انفتح الباب امام التدخل الاجنبي كمدخل او مخرج اضطراري مهم للجميع في تغيير واقع الحال، ومنحه المشروعية لانعدام توافر القدرة او حتى الارادة، لدى النظام وغالبية اطراف المعارضة، لخلق  سياج وطني اجتماعي مادي وفكري يقف في مواجهة التدخل ومسوغاته.
هذا الافق المسدود الذي نجد انفسنا فيه لايجد مخرجه في الوصفات الايدلوجية والعقائدية الجاهزة، بل  وبشكل اساس، في بلورة رؤية عملية وموضوعية مستمدة من خصائص السياق التاريخي لعصرنا، بنفي جذري لعناصر الانعزال والانغلاق في بوتقات الخصوصيات الافتراضية التي ولدت اوهام كثيرة حول طبيعتها وادوارها، لانعدام قدرة المجتمع المؤقتة، بسبب عجزه البنيوي ذاك،  على بلورة خصائص منسجمة ونابعة من حاجته الموضوعية في الانتماء لعصره وللعالم، والذي اسهم قمع السلطة المصطبغ بعقليتها وبنيتها المتخلفة والبدائية، في عرقلته.
 ويجب على المجتمع لبناء نهضته وحداثته وانتماءه لعصره  الوقوف بالضد من العناصر والقوى او الهياكل الاجتماعية التي ولدها النظام الفاشي وحفزها بعد ان خلق ادوارا لها في لعبته في الاستيلاء على المجتمع، كل المجتمع، للاتكاء عليها ليصنع للمجتمع مرجعيات وهياكل بناء مفككة او يسهل تفكيكها بسبب مركزتها، كالعشائر والنظام العشائري التي انعش النظام ادوارها عامدا لتفكيك قدرات المجتمع على مواجهته في اطر تنظيمية ذات طابع عصري ومدني بمضامين اجتماعية عقلانية ، ليسهل عملية القمع اولا وشراء الذمم ثانيا < فعملية شراء العشيرة هي بشراء شيخها>. هذه الممارسات والمحاولات المقصودة لاعادة هيكلة المجتمع بهذه الكيفية احالته الى وحدات مصفوفة بانتظام خاص يسهل السيطرة عليه وتسييره وفق مشيئة المصالح السلطوية. قد يعترض قائل بالقول ان العشائر شاركت في الانتفاضة وفي معارضة النظام اقول ان هذا الامر لايلغي الطبيعة الجوهرية للمنظومة العشائرية كشكل للعلاقة في النظام الاجتماعي،يصعب ان لم يكن مستحيلا دمجه في المشروع الوطني ببعده الحضاري لبناء مجتمع مدني وديمقراطي لما فيه من خصائص تتعارض مع الشكل العلماني والعقلاني لبناء المجتمع المدني،المجتمع الذي تكون نواته الصلبة هي المواطن وفكرة المواطنة. ثم ان العشائر، كما هي اي كتلة اجتماعية اخرى تنتظم بطريقة بدائية معتمدة الولاء حسب رابطة الدم والقرابة هي سلاح ذو حدين فيمكن ان تتحول في مجرى الصراع ضد القوى التي وجدت مصلحة، في طور وظرف اخر، في انعاش ادوارها.  
الدرس الاول والاساسي الذي يمكن استخلاصه من تجربة الانتفاضة هو ضرورة بلورة فهم وطني مشترك يعتمد الديمقراطية كمشروع عقلاني يعتمد رؤية لمجتمع ودولة علمانيين يكونان القاسم المشترك العام الذي تلتقي عنده مجموع المصالح السياسية لجميع تيارات المعارضة السياسية باتجاه مد جسور من التفاهم والانفتاح للقوى فيما بينها ولفتح الافق امام كل ممكنات التمثيل السياسي والاجتماعي والفكري دون تحفظ ودون خوف ودون عقد وحساسية مصادرة الاسم والمكانة، العقدة التي تعاني منها معظم الاحزاب السياسية التقليدية . فافق الحياة السياسية ، لاسيما بعد سقوط النظام، يتطلب، ولاجل خلقه للكتلة المادية الحاملة للمشروع الوطني الديمقراطي بابعاده الواسعة والمنفتحة، ان لايعرقل مسعى الكتل والتنظيمات الديمقراطية، سواء  كانت تلك المنسلخة عن هذا التنظيم الكبير او ذاك، او الجديدة التي ترهص بها ساحة الحياة السياسية في المجتمع الان، لان تاخذ مكانها ودورها لاسيما بعد ان يتعافى المجتمع بزوال هذا الكابوس الفاشي.
 بغير هذه الروحية، حسبما ازعم، ستتكرر الماساة وستعود الدكتاتوريات والمشاريع الشمولية بلبوس مختلف يتعكز على مشروعية مؤقتة مشوشة الادراك لمفهوم الاكثرية ونوع الدولة وهوية المجتمع كاسس طارئة لايمكن الاعتداد بها في ظل الظرف الشاذ الذي يعيشه مجتمعنا بسبب الحروب والاستبداد والتشويه للابنية الاجتماعية .
بدرس القاسم الوطني الديمقراطي المشترك تستطيع الانتفاضة ان تحقق انتصارها التاريخي بعد ان نشرت امام الجميع خطورة وماساوية غياب هكذا مشروع..
 والتاريخ لايرحم من لايتعلم منه.

السويد
20030203
 



#خالد_صبيح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الازمة العراقية هل ستقع الحرب ام سيهرب النظام نافذا بجلده؟
- فائق حسين حتى في حياتك كنت جميلا
- الخيار الثالث ماله وماعليه
- المثقف في مواجهة المشروع الفاشي
- خيار الحل السلمي للازمة العراقية الفرصة الاخيرة
- هل يمكن ان يعتذر من لايخطأ ابدا؟
- الحوار المتمدن شمعة المواقع
- حين تصير الكتابة هذيانا.. سيول تضخم الانا
- لقاء الفرع والاصل في لعبة الانقاذ المتبادل
- المصالحة الوطنية مشروع لمكافئة النظام
- الاتحاد الوطني الكردستاني النزعة التصفوية والعنصرية
- النقود.. النقود.. النقود
- خواطر وتناظراتحول الانتخابات السويدية و-اخلاقيات الذبابة
- مؤتمر المعارضة الوطنية (القطار الاميركي) والوحدة الوطنية
- من اجل نقاش حر وديمقراطي - تعقيب على الرد الصادر من الاعلام ...
- الديمقراطية المشروطة تطلعات ومفاهيم التيارالاسلامي
- ماذا بعد التكفير؟ راي في تنويه الشيخ الآصفي
- الازمة العراقية مطالب خيالية في افق مغلق
- اقصاء الآخر والانفراد السياسي - (نقد) التيار الاسلامي للمارك ...
- المعارضة الوطنية العراقيةهل تخطو باتجاه الوحدة؟


المزيد.....




- مصر: بدء التوقيت الصيفي بهدف -ترشيد الطاقة-.. والحكومة تقدم ...
- دبلوماسية الباندا.. الصين تنوي إرسال زوجين من الدببة إلى إسب ...
- انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس من فوق أشهر صالة عروض ...
- الخارجية الأمريكية لا تعتبر تصريحات نتنياهو تدخلا في شؤونها ...
- حادث مروع يودي بحياة 3 ممرضات في سلطنة عمان (فيديوهات)
- تركيا.. تأجيل انطلاق -أسطول الحرية 2- إلى قطاع غزة بسبب تأخر ...
- مصر.. النيابة العامة تكشف تفاصيل جديدة ومفاجآت مدوية عن جريم ...
- البنتاغون: أوكرانيا ستتمكن من مهاجمة شبه جزيرة القرم بصواريخ ...
- مصادر: مصر تستأنف جهود الوساطة للتوصل إلى هدنة في غزة
- عالم الآثار الشهير زاهي حواس: لا توجد أي برديات تتحدث عن بني ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - خالد صبيح - انتفاضة آذار - ملامح ودروس