أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سلمان رشيد محمد الهلالي - ظاهرة السادة في المجتمع العراقي (القسم الاول)















المزيد.....


ظاهرة السادة في المجتمع العراقي (القسم الاول)


سلمان رشيد محمد الهلالي

الحوار المتمدن-العدد: 5552 - 2017 / 6 / 15 - 23:23
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ظاهرة السادة في المجتمع العراقي (القسم الاول)
ان السبب الاساس الذي يرجع لكتابة هذه الدراسة هو الرد على الكتاب الطائفيون الموالون للسلطة البعثية السابقة واتباعهم المخلصين الذين يقولون ان المجتمع الشيعي في العراق هو (عبد) للسيد العلوي النسبي , وان هذه الحكومات القومية المتعاقبة ارادت تخليصه من حالة العبودية هذه ونقله الى فضاء الحرية والمساواة والعدالة , الا ان السادة وقفوا بوجه هذه المشاريع الديمقراطية والحكومات التقدمية واثروا بالتالي على عبيدهم في رفض تلك المشاريع . وهذه الادعاءات بحد ذاتها ليست مشكلة , فجميع الحكومات الاستبدادية والشمولية في العصر الحديث دابت على تضليل الناس وخلط الاوراق والتباس الامور واختراع الاعداء الوهميين والايحاء بانها جاءت لتطوير المجتمع وتحريره من القوى التقليدية والمتخلفة , وان هناك قوى رجعية تقف بوجه ذلك التحرر والتقدم , الا ان الواقع والتجربة اثبتت ان تلك الحكومات الديكتاتورية هى ليست سوى قوى بدائية وقبلية وطائفية متسترة بالشعارات التقدمية والثورية واقنعة الوطنية والقومية , وانها سرعان ماتنزلق بالمجتمع الى مستنقع اكثر تخلفا وجهلا ورجعية . لكن الاشكال المريب في هذه الاطروحة ليس في تصديق الكثير من الانتلجنسيا الشيعية المخصية (النخبة المثقفة والمتعلمة) التي عايشت الواقع الجنوبي كما هو لهذه الاكاذيب فحسب , بل والترويج لها والاطناب في ترسيخها وتاكيدها . وقد ذكرنا في دراستنا المفصلة (تطور مفهوم الوطنية في العراق) – القسم الثالث تكوين الانتلجنسيا المخصية في العراق وظروف تاسيسها بعد انقلاب شباط 1963 والمتبنيات التي نادت بها واسباب عدم تجاوزها على الاب الميت وتقديسها للسيد الوهمي والتمظهرات السياسية والاجتماعية والنفسية التي تجلت في اطروحاتها (فراجع) .
ان اول مسوؤل من النظام البعثي السابق روج لمقولة عبودية المجتمع الشيعي للسادة – حسب اعتقادي – هو رئيس الجمهورية صدام حسين نفسه , ولااعرف احدا ممن كتب عن ظاهرة السادة في المجتمع العراقي قد اشار الى عبودية الشيعي للسادة غيره مثل الدكتور علي الوردي والدكتور حنا بطاطو والدكتور شاكر مصطفى سليم والدكتور عبد الجليل الطاهر والدكتور سيار الجميل والدكتور فالح عبد الجبار والدكتور اسحق النقاش , وتابع صدام حسين في ذلك جلال الوزير وعلي الكاش وشهلاء الحائري (وهو اسم وهمي) وغيرهم . وقد ذكر صدام حسين هذه الاطروحة في مقالاته الشهيرة في جريدة الثورة الرسمية بعد الانتفاضة الشعبانية او الشعبية التي قام الشيعة والكورد ضد نظام حكمه الديكتاتوري عام 1991 بعنوان (ماذا حصل في اواخر عام 1990 والاشهر الاولى من عام 1991 ولماذا حصل الذي حصل ؟) التي بلغ عددها ستة مقالات , انحصر نشرها بين (3 – 14 نيسان) . وقد عكست تلك المقالات - التي خرجت بدون اسم لكاتبها - الانقسام البنيوي بين الدولة والمجتمع في العراق قبل عام 2003 , وعكست الموقف الرسمي والحقيقي للحكومة العراقية وحزب البعث الحاكم انذاك من المكونات الاجتماعية والسياسية الكبيرة في البلاد، بخاصة تلك التي ساهمت في انتفاضة اذار 1991 ونعتها باسوء الصفات التي لاتخرج من الانسان السوقي المنحط - فكيف برئيس الجمهورية - من حيث الافتراءات المريبة والكاذبة التي يخجل الانسان لذكرها او تدوينها . وتبدا اولى تلك المقالات التي نشرت يوم 3 نيسان 1991 ، الاعتراف بالتنوع الاثني للعراق . فيما حملت المقالة الثانية العنوان الاتي : (نقد الشعب العراقي وتاثير التوجه الطائفي الايراني) . واما المقالة الثالثة التي نشرت في 5 نيسان ، فقد ذكر فيها ـ لاول مرة ـ مفردة الشيعة ، بالعنوان الانتقادي الصريح : (التعصب الشيعي ـ فساد اخلاق اهل الاهوار) . وهى احط المقالات اخلاقا وسقوطا حيث اتهم فيها المجتمع الشيعي بالانحلال والاباحية بصورة لم يذكرها احدا قبله بقوله (ان هذا النمط قد ابتلى بعقدة الجوع الى المال , ولا يسالون احدا من افراد عوائلهم نساء ورجالا واطفالا عن أي طريق او مصدر يجمعون منه اموالهم , والعياذ بالله , وانما كل الذي يهمهم هو ان لا يأتي احد الى البيت في نهاية النهار وهو خالي اليدين ....... ولآن الفقر يجعل ثوب المرأة غالياً , وان حياة كهذه تجعل من الصعوبة بمكان ان تمتلك المرأة اكثر من ثوب واحد تحرص المرأة على ان لا يبتل ثوبها وخاصة في الشتاء , لذلك فقد لا يكون منظرا مرفوض هناك حتى الى ما قبل خمس عشرة سنة او عشرين سنة ان تكتشف المرأة عن عورتها وهو تقود المشحوف او عندما تترجل منه الى الماء الضحل) . فيما اعترفت المقالة الرابعة التي نشرت في 7 نيسان ، بان العراق دولة قمعية تسلطية . واما المقالة الخامسة التي نشرت في 9 نيسان ـ وهي اصغر المقالات ـ فقد حملت عنوان (اسباب الانتفاضة) . والمقالة السادسة الاخيرة التي نشرت في 14 نيسان قد حملت عنوان (الاكراد والتركمان والكفاح من اجل السيادة ـ بيان 11 اذار) .
لقد عبرت تلك المقالات عن المشاعر المكبوتة والذكريات اللاشعورية لرئيس الجمهورية صدام حسين حول الشيعة والكورد في العراق . وشكلت تداعيا حرا لمظاهر العصاب واللاوعي عنده . ويبدو ان الرئيس كان يفكر بصوت عال جدا ، اعلى من المتوقع . واطلق العنان لمكنونات نفسه اللامرئية ومشاعره الحقيقية . واثارت هذه المقالات ضجة في المجتمع العراقي ، وافرزت جدلا في الاوساط الثقافية والاعلامية ، واصبحت حديث المجالس ، ومادة للانتقاد والتساؤل حول الطبيعة الايديولوجية للنظام السياسي البعثي الحاكم في العراق الذي يرفع الشعارات الثورية والتقدمية , فيما كانت بنيته الحقيقية والاصلية ترتكز على متبنيات طائفية واثنية بغيضة .
فحول ظاهرة السادة ذكر صدام حسين في المقالة الثالثة ذلك بالقول (ان بعض الناس سموا انفسهم بـ( السادة) او بعض السادة فعلا قد وطنوا بين الشعب , وخاصة الاميين منهم في جنوبي العراق بوجه خاص , عادة لثم ايديهم مع الانحناء اثناء ذلك , وعندما يتعدى اللثم الايدي الى الارجل او اثر الارجل على الارض يكون ذلك في نظرهم " اقرب للتقوى " , فلماذا حصل هذا ؟ ........ ان من طبيعة الفرس بخلاف طبيعة العرب , ان ينحنوا عند اداء التحية وكلما كانت الانحناءة بزاوية ضيقة كلما كانت درجة احترام المنحني لمن ادى له التحية كما هي الحال عندما تتعدى لثمة اليد الى الارجل او اثر الارجل على الارض .وهكذا نقل الاعاجم في ايران تقاليدهم في هذا الجانب الى قسم من شعبنا في العراق , وقد عمل عليه رجال الدين الايرانيون سواء في الريف او المدينة وعدوا ممارسته ليس واجب لياقة فحسب , وانما واجباً دينياً او واجب تقدير ديني من الاتباع " للسيد " ). (وفات صدام حسين ان الايرانيين ليس عندهم ظاهرة تقبيل يد السيد العادي , وانما تنحصر برجال الدين المعممين فقط ). كما اتهم السادة بعلاقة تخادم مع شيوخ العشائر في جنوب العراق بقوله (لابد من ان نشير الى ان بعض الشيوخ عشائر الجنوب والاقطاعيين في ما سبق اقاموا ( حلف تفاهم ) بينهم وبين الملالي الذين يجمعون الاتباع , فلا يعترض ( رجل الدين ) على سلطة الشيخ العشيرة والاقطاعي او يضعفها ولا يعترض شيخ العشيرة على سطلة رجل الدين او يتعارض معها . بل تكاد نقول ان كليهما كانا يسيران بأتجاه واحد في بعض الاحيان ) . وهو بالطبع اكذوبة ظاهرة , فشيوخ العشائر المتنفذين والاقطاعيين ليس عندهم اعتبار او كرامة متميزة او حاجة للسيد , لانهم في منزلة من القوة والمكانة والرفعة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية تجعلهم ارفع من ان يكونوا بحاجة الى هذا السيد في السيطرة والهيمنة على افراد عشائرهم .
يقول فولتير (قبل ان تتحدث معي حدد مصطلحاتك) لان تحديد معاني المفردات والمفاهيم كما هى يبعدها عن التضليل وخلط الاوراق الذي تستخدمه عادة الايديولوجيا او الحكومات السلطوية والاستبدادية , فالعقلانية تقتل الايديولوجيا , والموضوعية تفضحها والتاريخانية تعريها وتظهرها على حقيقتها . وتحديد المصطلحات في هكذا موضوعات يشكل اهمية خاصة , لان تلك الفئات الطائفية التي تريد استعباد الناس والتسلط عليهم قد استندت في اطروحاتها على منهجية خلط الاوراق , او الاصح خلط معاني المفردات والمصطلحات , والترويج للمفهوم الظاهري الذي تحمله , فالاصل الذي الذي ارتكزت عليه القوى المعادية للانسان الجنوبي العراقي في ادراج اطروحتها حول عبودية الشيعة للسادة هو التلاعب الظاهري – كما قلنا – في المصطلحات والترويج للمعنى الشعبوي (ولانقول السوقي) الذي تتصف به . فقد اشاعوا عن ذكاء وخبرة كبيرة بالتدليس والتزييف بان هناك (سيد) وان المقابل الطبيعي له هو (عبد) , وان الانطباع التقليدي في الذهن لمفردة (سيد) هو التملك والانعزال والقوة والهيمنة والسيطرة على الاتباع او العبيد وبيده الامر والنهي والقرار والتحكم بالمقدرات السياسية والاقتصادية الفعالة , وهو تشبيه استند لتصوير السيد الاقطاعي والنبلاء في العصور الوسطى . فيما تعطي المفردة المقابلة لها وهى (العبد) - التي يحاولون الصاقها بالعوام - دلالة الخضوع والاذلال والدونية والخنوع والعجز والتبعية المطلقة للسيد وغيرها , ومن خلال اراءهم وخطابهم , اعطى اولئك الكتاب من المخصيين اوالمرتزقة او الطائفيين امثال علي الكاش وشهلاء الحائري وجلال الوزير وحتى صدام حسين وغيرهم هذا الانطباع للناس , واشاعوا هذه الصورة المزيفة , وادرجوا فيها اضافات وافتراءت كبيرة جدا حول ماهية العلاقة بين الطرفين , فاشاعوا مثلا ان السيد له حق التمتع باي امراة من العوام , وان النساء ينذرن المبيت مع السيد اذا قضى الله حاجتها , وغيرها من التجاوزات على المجتمع الشيعي , التي كانت من الطبيعي ان تخرج من قبل هؤلاء القوم الذين اعتادوا على مدى تاريخهم (المجيد بالخزي) والملطخ بالعار والسقوط والانحلال , ان يكذبوا ويشوهوا واقع هذه المناطق التي اعتبروها شوكة في اعين حكامهم وساداتهم , الا ان العار والمعيب ان يصدق البعض من ابناء هذه المدن تلك الاكاذيب او يروج لها ببغاويا ولاشعوريا وهو يعلم علم اليقين بكذبها وافتراءها .
ان التلاعب بمعاني المصطلحات وسياقها الطبيعي او الحقيقي الذي تعبر عنه هو سمة ظاهرة عند الانتلجنسيا العراقية , وراينا ذلك واضحا في مفردات شائعة كالوطنية والليبرالية والثورية والعلمانية والديكتاتورية وغيرها , واذا كان هذا التلاعب قد حصل بالمفردات الفكرية المحكمة الوافدة من الغرب , فكيف الامر بالكلمات النسبية والشعبية ذات الجذور العربية والمحلية ؟ اعتقد ان الامر سيكون اكبر من ذلك بكثير . فالسيد العلوي النسبي لايعطي ابدا دلالة (السيد) المنعزل المطاع المتعارف عليه – والتي ذكرنا سماتها سابقا - والعامي لايقارن بالعبد على اي مسار من مسارات العبودية , وانما هى دلالة او اشارة للانسان غير العلوي , بل ان السيد بالتوصيفات الاجتماعية العلمية او الاكاديمية وحتى الفقهية الدينية ليس سيدا بالمطلق , بل هو ايضا عامي , وكذا الامر مع العامي , فهو ليس عاميا بالمطلق , بل وفق المعايير الاجتماعية الاكاديمية والدينية والسياسية الحديثة قد يكون من النخبة او الصفوة , وربما يكون سيدا حقيقيا اكثر قوة وسطوة وهيمنة من السادة العلويين اذا اقترن اسمه وسلوكه مع السلطة الحكومية والسياسية - كما حصل امام اعيننا في الحكومات العراقية المتعاقبة - لذا فنحن امام اشكالية لغوية ليس الا , فالسادة هم اصلا ليسوا سادة المجتمع الحقيقيين , والعوام في الاصل مفردة جامعة تضم الناس الاعتياديين من السادة العلويين وغيرهم .
وان اصرار القوى الطائفية المتعطشة للتسلط والديكتاتورية على ترسيخ مفهوم عبودية المجتمع الشيعي وخضوعه للسيد , انما هدفها من ذلك نقل معركة هذا المجتمع من السلطة الحاكمة المستبدة الى مواجهة القوى الداخلية الاخرى كالسادة او رجال الدين او حتى شيوخ العشائر , فرغم اعترافنا بان هذه القوى - التي تسمى بقوى ماقبل الدولة - تشكل احدى تجليات المجتمع التقليدي القديم او احد تمظهرات الشعوب الباردة – حسب تعبير شتراوس - الا ان مواجهتها لاتكون من خلال القرارات الاقصائية الفوقية والرسمية فحسب , وانما من خلال جهد ثقافي جماعي يرتكز على الارتقاء بالمجتمع المدني الى فضاء التنوير والحداثة والاصلاح من جانب , والاعتراف بالتعددية السياسية والحرية والديمقراطية في النسق الحكومي الذي يجب ان تستند عليه الدولة العراقية من جانب اخر, والابتعاد عن مفهوم الانتقائية والاصطفاء في التعامل معها او مواجهتها , فليس من المعقول ان يكون السادة وشيوخ العشائر ورجال الدين من الطرف السني مقربين من السلطة الحاكمة ومدللين من انظمتها السياسية والاقتصادية ومحميين من مؤسساتها الامنية والعسكرية , فيما تكون القوى التقليدية الاخرى من المكونات الاجتماعية (المغضوب عليها) محجورا عليها ومطعوننا في وطنيتها وقيمها ومطارحاتها , لانها وقفت بالضد من توجهات السلطة ومشاريعها الطائفية والاقصائية , لان ذلك يولد التشكيك والاحتقان والتمركز على الذات والنزوع نحو الهوية والتحصن معها حتى لو كانت تملك بعض السمات البدائية المتخلفة , لان الانسان يتحمل المساواة في الظلم ولايتحمل الانتقائية او التمييز في توزيع الايجابيات والحسنات .
وقد يسال احدهم : اذا كنت وصفت هذه القوى البدائية بالتخلف , فماهو وجه الاعتراض اذا تعرضت للتحلل والتفكك من الدولة العراقية حتى لو كانت مستبدة وانتقائية ؟ ان الجواب يحيلنا الى مفهوم الدولة نفسه . فالمجتمع عندما يتنازل عن منظوماته التقليدية والبدائية التي كانت توفر له نوعا من الحماية والتضامن الاجتماعي ونسقا من التوحد والانصهار في منظومة هوياتية واحدة لصالح الدولة ونظامها السياسي والقمعي , فانه يفعل ذلك مقابل عقد اجتماعي جديد, وهو توفير او تاسيس انظمة مؤسساتية حديثة تاخذ مكان تلك القوى التقليدية توفر له الحماية والتضامن والاعتزاز بالذات , وتسير به نحو افق الحرية والمساواة والتعددية , ولاتاخذ به نحو طريق القمع والتدجين والخصاء , بهدف فرض ارادتها وتسلطها وهيمنتها واحتكارها لمقدرات الدولة ومؤسساتها لاتباعها المدللين . والجماعة الشيعية في العراق - وبعد تاسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 – اخذت – في البدء - بالاندماج التدريجي والحذر مع مؤسسات الدولة ونظامها السياسي , فيما بدات العلاقات الاجتماعية التقليدية بالتحلل والتفكك مع انتشار التعليم وتوافد القيم العلمانية الليبرالية والماركسية والقومية وبلورة الطبقة الوسطى والمجتمع المدني الحديث , ورغم ان تلك الحكومات لم تكن مثالية او عادلة في ادراج مكونات المجتمع العراقي في مؤسسات الدولة السيادية والامنية واعتمدت مبدا التمييز الطائفي والاثني , الا ان الجماعة الشيعية انصهرت معها كامر واقع من اجل حيازة بعض المكتسبات الاقتصادية , وانضم الكثير من افرادها للوظائف الحكومية حتى وان كانت ضمن المستويات الدنيا , ولكن مع قدوم الديكتاتورية البعثية الشمولية وجد المجتمع الشيعي نفسه اعزلا في مواجهة قوتين تسعيان الى قمعه واخصائه والنيل منه : الاولى , الدولة العراقية ومؤسساتها العسكرية والامنية والاقتصادية الهائلة . والثانية , القوى التقليدية لاتباع السلطة البعثية الحاكمة من الاقلية السنية التي لم تاخذ بالتحلل والتفكك والانحلال مثلما حصل عند المنظومة الشيعية التقليدية , بسبب الحجر الذي تفرضه عليها الحكومات المتعاقبة , وانصهرت بالتالي في تلك المؤسسات الرسمية . فهو وبهذا الحال اصبح يخوض معركة خاسرة بالمطلق , تعرضها خلالها الى عملية ابادة منظمة ومكافحة ثقافية تجلت بصورة واضحة ابان الحقبة الصدامية من حيث الحروب والقمع والتهجير والحصار والمقابر الجماعية , اضطره الى اعادة ترميم الطبقات والفئات الاجتماعية التقليدية - التي ساهم سابقا بصورة او باخرى في تفكيكها والتحلل منها - من اجل مواجهة تلك القوى الخارقة .
ان التعامل مع المفاهيم والمصطلحات يجب ان يكون وفق محددات معرفية ترتكز على اسس صلدة وثابتة من الموضوعية والعلمية , ولايجب اعتبارها مفاهيم عائمة او مرنة تخضع للنسبية والتاويل يمكن استغلالها سياسيا وايديولوجا . فنحن والحال هذا امام ثلاث مفاهيم من السلطات والانساق المتباينة اوالمنفصلة , اعتبرها اولئك الكتاب الطائفيون ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين مفهوما واحدا يدل على العبودية , وهى نسق الانتماء ونسق الولاء ونسق العبودية . فالانتماء في اللغة يعني الانتساب ، ويشير الاصطلاح غالباً إلى تلك الرابطة الفعلية أو الواقعية أو القانونية التي تربط الفرد بفئة أو جهة أو مؤسسة أو فكرة ، فهو (ينتمي) إلى أسرة أو عشيرة برابطة الدم ، وإلى دولة برابطة الجنسية أو المولد أو الإقامة , والانتماء للوطن او القبيلة هو العمل بحماس واخلاص للارتقاء بها او الدفاع عنها , وهو احساس داخلي واختياري وليس الزامي بالمطلق , اذ يمكن التحرر منها او التملص من التزاماتها اذا توفرت الارادة والقوة المناسبة , لانها في الاصل تشكل سلطة اختيارية وليس قسرية , فلاتدخل بالتالي في دائرة الارغام والعبودية . واما الولاء فيعني في اللغة : المحبـة ، والصداقة ، والنصرة ، وهو يشير كمصطلح إلى تلك الرابطة العاطفية التي تربط الفرد بفئة أو جهة أو مؤسسة كالطائفة والدين والسادة مثلا , او التزام الفرد بنمط اجتماعي معين ، وبما أنها رابطة عاطفية فإنها تكون عن اختيار وقناعة ورضا ، ولا يقوم الدليل عليها إلا من خلال آثارها ، بخلاف الانتماء الذي يقوم على أسباب ووقائع محددة ومعروفة . والولاء مثل الانتماء يدخل ايضا في دائرة السلطة الناعمة التي يفرضها المجتمع الدين والمذهب ورجاله وليس القوة الالزامية القاهرة , اذ يمكن ايضا التحرر منها والتملص من التزاماتها - كما نرى ذلك يوميا امام اعيننا - فلاتدخل بالتالي ضمن دائرة الارغام والقسروالعبودية كما صور اولئك الكتاب . واما نسق العبودية الحقيقي الذي غفل عنه جلال الوزير وغيره فهو الخضوع الالزامي للسلطة المستبدة القاهرة والديكتاتورية الشمولية البغيضة التي تعمل استعباد الانسان وتدجينه واخصائه وبلورته ضمن قالب حكومي محدد من خلال الاستعانة بالقوة الانضباطية الاندماجية من جانب وسلطة الايديولوجيا الثورية والعنف الرمزي من جانب اخر . والخضوع لهذه السلطة ليس اختياري او موسمي , وانما هو ارغام قسري يتجلى يوميا من خلال واجبات العمل الحكومي وممارساته الفعلية والنمطية في سبيل ترسيخ تلك السلطة وهيمنتها , ولايمكن بالتالي التحرر من عبوديتها او سطوتها الا من خلال طريقين : الموت او الهجرة .
السادة : هم بنية اجتماعية مغلقة , والانتماء اليهم يكون مقصورا من خلال الولادة والوراثة فقط . وهم الافراد الذين يدعون انهم يرجعون بالنسب الى الامام علي بن ابي طالب من زوجته الاولى فاطمة الزهراء بنت الرسول محمد, وغالباً ما تكون تلك القرابة عن طريق أحد الأئمة الإثنا عشر باعتبارهم الاستمرار الطبيعي لنسل الامام علي وفاطمة . وهذا يعني انهم لايرجعون بالنسب الى الرسول مباشرة , لان هذا خطا شائع عند الناس , وربما تدليس قام به بعض السادة من اجل الايحاء بانهم يرجعون الى نسل الانبياء والمرسلين , فبحسب النمط العربي الاجتماعي والنسق الذكوري الفحولي السائد فان ابن البنت لايعد ابنا او امتدادا للذرية , ولايذكر ضمن شجرة الانساب , وان المراة في عرفهم هى مجرد وعاء او حاضنة لما يلقيه الاب في احشائها . وقد اشاع العباسيون هذه المقولة الاعرابية بقوة في معرض تنافسهم مع العلويين حول الخلافة فقالوا : ان اولاد العم (اي هم العباسيين) هم اقرب من ابناء البنت (اي العلويين) من الرسول محمد , وبالتالي فهم احق بالخلافة . وقد رد الشيعة على هذه المقولة بالادلة الدينية والشرعية , وانتقدوا هذا النمط العربي الذكوري البدوي . وذكروا بهذا الصدد قصة او محاورة جرت بين الخليفة العباسي هارون الرشيد والامام موسى الكاظم , حيث سال فيها الرشيد الامام الكاظم حول سبب ادعائهم القرب من الرسول محمد وهم ليسوا سوى ابناء بنته ؟ فرد عليه الامام بهذا السؤال : لو ان النبي محمد بعث الان حيا وخطب ابنتك هل تزوجه ؟ فاجاب الرشيد : نعم اوافق على ذلك وافتخر امام العرب . فقال الامام الكاظم واذا خطب ابنتي , هل يجوز ان ازوجه لها ؟ فاجاب الرشيد طبعا لايجوز لانه جدها , وهو تاكيد غير مباشر يدل على ان ذرية العلويين هم امتداد نسبي للرسول , مما احرج الخليفة الرشيد . وبغض النظر عن صحة هذه القصة وحدوثها , الا انها اعطت الانطباع ان التنافس على مدى القرب من الرسول محمد كان سائدا في العصر العباسي , وعلى هذا الامر نستطيع القول ان السادة هم من ذرية الرسول محمد شرعا , لكنهم من ذرية الامام علي واقعا , وقد عززها ذلك الحديث المروي عند اهل السنة (ان الله عز وجل جعل ذرية كل نبي في صلبه , وان الله تعالى جعل ذريتي في صلب علي بن ابي طالب) .



#سلمان_رشيد_محمد_الهلالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا ظهر الارهاب عند اهل السنة فقط ؟ ( مقاربة جديدة )
- المركزية الغربية والمركزية السنية
- العامليون الاسلاميون والعلمانيون الذين درسوا في العراق في ال ...
- هل العراقيون اذكياء ؟؟؟
- في ذكرى الشهيد الحلاج ..
- الصحافة الايديولوجية في العراق (قراءة في صحيفة صوت الطليعة ا ...
- الماسونية في منظور علي الوردي
- هل تاثر علي الوردي بالشيخ علي الشرقي ؟؟
- تاريخ الصحافة في الناصرية : ( قراءة في صحيفة صوت الجماهير )
- تجليات الوعي السياسي في الناصرية
- الدولة العراقية التي لاعصبة لها ...
- الموارد الثقافية - الليبرالية لمشروع علي الوردي
- الموروث الافندي عند الانتلجنسيا العراقية
- المصالحة مع الموت عند العراقيين ..
- المنظر الليبرالي عبد الفتاح ابراهيم في الناصرية
- حتمية التنوير الاسلامي
- حسن العلوي (الظاهرة التي سقطت)
- تطور مفهوم الوطنية في العراق (القسم الخامس والاخير)
- تطور مفهوم الوطنية في العراق (القسم الثالث)
- العلاقة مع الله (من العبودية الى الصداقة)


المزيد.....




- جميع الإصابات -مباشرة-..-حزب الله- اللبناني ينشر ملخص عمليات ...
- أحمد الطيبي: حياة الأسير مروان البرغوثي في خطر..(فيديو)
- -بوليتيكو-: شي جين بينغ سيقوم بأول زيارة له لفرنسا بعد -كوفي ...
- كيم جونغ أون يشرف بشكل شخصي على تدريب رماية باستخدام منصات ص ...
- دمشق: دفاعاتنا الجوية تصدت لعدوان إسرائيلي استهدف ريف دمشق
- هبوط اضطراري لطائرة مسيرة أمريكية في بولندا بعد فقدان الاتصا ...
- استئناف حركة المرور بين تونس وليبيا بعد غلق المعبر لإجراءات ...
- -استعدادات الصين العسكرية لمواجهة الغرب-.. فيديو متداول يثير ...
- الكرملين يرفض زعم أرملة نافالني بموته مقتولا
- أوباما في لندن بزيارة مفاجئة ويلتقي سوناك في -داونينغ ستريت- ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سلمان رشيد محمد الهلالي - ظاهرة السادة في المجتمع العراقي (القسم الاول)