أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير حسن العاني - وللاقنعة وجه واحد















المزيد.....

وللاقنعة وجه واحد


عبير حسن العاني

الحوار المتمدن-العدد: 1448 - 2006 / 2 / 1 - 08:44
المحور: الادب والفن
    


كانا يتمازحان في الطريق.. يعِدها بأسعد حياة .. يصرخ كل هنيهة:أحبكِ يا ملاكي.. وهي تقول بأحرف متقطعة تتخللها ضحكة طفولية تملأها الحياة: مجنون! وهو يصرخ: نعم .. أنا مجنون..بكِ فقط،ودون ذلك أنا عاقل!
كانت تطعمه الحلويات التي عملتها له وهو يردد: سلمت يداك.ثم يقبلهما،ثم يصمت لفترة ويتساءل:متى.. متى سينتهي كل ذلك(( التسكع)) ونستقر معاً في بيتٍ واحد بل وغرفةٍ واحدة ؟! ألا يكفي خوف وقلق ..ألن تقوليها هذه الـ(نعم) اللعينة..وتريحيني وتريحين نفسك ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍؟ وهي تضحك: إن شاء الله عن قريب.
كانت شخصيتها متكاملة لدرجة أنها تبقى قلقة لأنها تحلم بالمثالية ربما((اللاموجودة)) ! ومازالت تطعمه وهو يضحك ويقبل يدها وأصابعها الواحد تلو الآخر. تسحبها فيسحبها بقوة ويقبلها من جديد.
كان ضحكها يتعالى حتى يكاد يصل ذروة السماء ..وبينما هي تطعمه وهو يقول لها: كفى‍‍ ستنفجر معد...تي،إذا بجيش صغير يقف أمامه،ورغم دهشته المرتجفة استطاع إيقاف السيارة بصعوبة.. وأصوات تنادي بلهجة آمرة: قف.. مهلا ً ..ألا ترى الإشارة؟
كان نظرها هي يتجه إلى الرشاشات العسكرية الموجهة وهو يغمض عينيه ويدعو الله .. فأقترب منهما شاب يرتدي الملابس العسكرية، وكان ينظر لها بنظرة المنتصر ويدقق في تفاصيل جسمها بخبث ،ثم قال له : ألم ترَ الضوء الأحمر؟
فقال بتوسل: لا والله لم أره..عذراً.
فردَّ العسكري وهو ينظر لها ويبتسم: طبعاً.. لأنك مشغول بأمور أهم ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ ‍‍‍‍!
فكرر: والله لم أره. آسف وهذه آخر مرّة..لن أكرر ذلك صدقني.
فضحك وقال : بهذه البساطة؟‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍ ‍‍‍‍!
ثم أضاف : انزل..انزل لتفتح لنا صندوق السيارة لنرى هل أخفيتَ فيها شيئاً. كان الغرض الأساس من ذلك التصرف هو إبعاده عن الفتاة ليسألها على انفراد.فنزل دون أن يلتفت لفتاته وذهب صوب صندوق السيارة ومعه عسكري آخر يبدو أن الأول قد أشار له ليرافق الرجل إلى صندوق السيارة. أما هو (العسكري الأول) فقد وقف قرب الفتاة وأقترب منها جداً وهمس لها:ما يكون الرجل لكِ؟ هل هو زوجك؟
فأجابت بثقة ودون تردد: نعم..
ضحك مكذباً وقال:أكيد؟
فقالت بثقة أكبر: نعم ..أكيد!
فأقترب أكثر وهو يبحر في ملامحها الرائعة الجمال : لكن .. أنا من حقي أن آخذه الآن معي لمركز الشرطة،ومن حقي أن أسجنه وأصادر سيارته و....
فقاطعته:نعم..كل شيء من حقك ولكن.. أفترضني أختك..وأجعل موقفك الإنساني معي استثنائياً.هل ترضى أن يحصل بأختك موقف كهذا؟
فقال: ليس بيدي شيء،لماذا لم يلتزم زوجكِ- وضحك ساخراً من المفردة- بالإشارة الضوئية؟القانون قانون.. أليس كذلك؟
- نعم ولكن قلت لك.. اجعل موقفك معنا استثنائياً .. فالقانون يحتاج أحياناً لمرونة في التطبيق!
وما زال الرجل يتكلم مع العسكري الثاني قرب صندوق السيارة محاولا ً إقناعه بأن ما حصل لن يتكرر وبأنه مستعدٌ لدفع أي مبلغ (( كتعويض)) عمّا حصل !
وهنا ذهب العسكري الذي كان يتكلم مع الفتاة إلى الرجل وتكلم معه ولم يكن الصوت مسموعاً لها .. وتمنت لو تنزل من السيارة لتتدخل لكنّها تعرف رجلها.. وتعرف شرقيته ((المتخلفة)) ربما سيصرخ في وجهها أمام الجميع : لماذا نزلتِ من السيارة؟ وربما سيقول أكثر من ذلك،وربما سيشتمها في لحظة غضب (( رجولية))!
وبينما هي تنتظر النتيجة .. وترتجف وتتلهف لمعرفة ما توصل إليه الطرفان ،اقترب منها العسكري نفسه وقال لها ضاحكاً:
- الرجل يقول انكِ لستِ زوجته وهو ليسَ زوجك!
فصمتت باهتة . وعاد بلهجة المنتصر: ما قولكِ؟!
- ......
- لماذا كذبتِ؟
فاستعادت قوتها في لحظة وكانت في الحقيقة ثورتها على رجلها ولكنها خرجت بهيئة تحدٍ لشخص ٍ تافه أفهمها من خلال تفاهته حقيقة رجلها البشعة:
- أولا ً أنا لم أكذب ، وثانيا ًليس هذا هو موضوعنا، موضوعنا هو عدم الالتزام بالإشارة الضوئية‍‍!
وهنا عاد الرجل والعسكري الآخر إلى العسكري الأول وتهامس الأخيران مع بعضهما وكان يبدو أن الأمر قد تم على ما يرام ،ولكن الرجل لم ينظر في وجه فتاته ولو نظرة واحدة تواسيها على تفاهة العسكري وتفاهة الموقف كلّه.
انتظرت نظرة غيرة ورجولة وحب ومواساة ، ولكن .. كان كل همه هو حسم الموقف لصالح سيارته ولصالحه في النهاية‍ !
وهنا أخرج من جيبه مبلغا ً بسيطا ً من المال لكلا العسكريين وضحكا معه ضحكة شكر وضحك هو ضحكة نفاق وتملق .. وسلّما عليه وأقترب العسكري من الفتاة وما زالت عيناه تنظران بنفس الخبث وقال لها :
- إلى اللقاء سيدتي .. أوقاتاً طيبة.
ولم تجبه لأنها لم تكن معه.. كانت جملته التي صعقتها أكثر من أية صفعةٍ قوية.
صعد الرجل وجلس على الكرسي مسترخيا ً وكأنه عائد من معركة ٍ طاحنة:
- آ....ه... الحمد لله.
وأخيرا ً.. تذكرها، فنظر إليها وهو ينتظر رد فعلها. ولم تنظر إليه، كانت تنظر إلى الأمام.. إلى المدى الموحش أكثر من أي وقت مضى.
فقال لها محاولا ً تهدئة الموقف :
- ما بكِ؟
لا شيء.( أجابت ببرود).
فقال بلا مبالاة :
- آسف على هذا الموقف.
فقالت بعصبيتها المعتادة:
- لا تأسف على شيء.. أنا آسفة.
- ماذا هناك؟ الأمر لا يستحق كل هذا.
فقالت بثورة ٍ هائلة:
- كل شيء عندك لا يستحق؟‍!
أجابها ضاحكا ً :
- لا .. ليس كل شيء.. أنتِ مثلاً تستحقين ! !
فقالت بهدوء وبأحرف ٍ واضحة وكأنها تكلم ذاتها:
- ولهذا قلت َ أنني لست زوجتك.
فقال نبرة الكذب التي تعرفها وتميزها عن آلاف النبرات:
- من قال هذا؟ العسكري التافه؟ أنه يكذب.. كيف تصديقنه وتكذبينني؟
- أرجوك .. كفى انتهى الأمر ..أرجعني للبيت حالاً.
- حسناً.. ابتسمي وكفى تجهماً.. يكفي ما حصل لي..
فقالت في داخلها:
(( دائما ً تتلو هذه المفردة كل أفعالك( لي) )) .
وقبل أن ينتظر ابتسامتها التي كان شبه يائس منها أدار المحرك ومضى..
ومضت هي في داخلها.. جملة بسيطة من شخص تافه أزالت عن بصرها كل الأقنعة التي كانت تتجاهلها .. تعلم بوجودها ويتجاهلها قلبها الذي أعمت بصيرته بإرادتها.
وأسقطت كل الأقنعة على الأرصفة الموحشة .. ولم تبقي إلا ّ الوجه الحقيقي الذي أخذ شيئاً من سكون وجمود وبشاعة الأقنعة التي سيّرتها لأكثر من ثلاث سنوات ..
وعادت إلى غرفتها .. عالمها الأصدق .. لتسقط دموعا ً بعدد الأقنعة.. وأمضت ليلتها باكية..
وبعد ساعاتِ دموع ٍ طويلة.. صمتت.. ثم.. ابتسمت..
نعم.. لقد ابتسمت أخيرا ً!



#عبير_حسن_العاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صحوة متأخرة
- حديقة من رماد
- ارجوحة الغربة
- قدح شاي
- أحمر.. حمراء.. حُمر !!


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير حسن العاني - وللاقنعة وجه واحد