أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير حسن العاني - صحوة متأخرة














المزيد.....

صحوة متأخرة


عبير حسن العاني

الحوار المتمدن-العدد: 1446 - 2006 / 1 / 30 - 09:32
المحور: الادب والفن
    


عندما إنتهى ليل الآخرين .. بدأ ليله. تذكرَ ((مسجله)) القديم.. منذ متى لم يشغّله؟ منذ كثير .. منذ أن بدأ يهرب من كل الأغنيات التي كانت ترافق كل لياليه. شعر بحنين غريب تلك الليلة.. نهض .. وفتح ((المسجل)) فصرخت أم كلثوم(( يثأر المصباح والأقداح .. والذكرى معي..)). .دارت الدنيا في عقله وقلبه وكل اعضائه. في ذلك الليل الهادىء تفجرَشيء ما داخله فأعنف الثورات والبراكين على الأرض تبدأ من هنا من نقطة صغيرة في عمق الذات .
شعر بوحدة ٍلم تستطع حتى أم كلثوم أن تواسيها وتقتحمها . أغلق ((المسجل)) ، أحسَ بقدسية وحدته ، حين بدأ يسائل نفسه عنها .. عن أسبابها وأحلامها .
شعر بيديه خاويتين .. متلهفتين .. لم يدرك في البدء لِمَ .. ثمَّ شمَّ في الفضاء الذي يطل عليه من خلال شباك صغير رائحة الشتاء.
تذكر شعر حبيبته .. شمَّ رائحته أحسَّ بملمسه ..فركَ يديه.. لاشيء..سوى الفراغ..إحتلته اللهفة أكثر .. تذكر وجهها الناعم .. سمرتها المميزة البراقة .. عينيها المتطلعتين دوماًَ بتساؤل وأحتواء.. ثغرها الصغير الممتلىء بنكهة الحياة التي لاتتكرر أبداً .. تذكر جسدها الدافيء .. حضنها الذي اعتقد إنه وطنه الأزلي .. تذكر.. وتذكر..
وبدأت ثورته بألإنطلاق .. أحسَّ إنه لم يعد شيئاً ! لم يعد أي شيء ! وضع كفيه على وجنتيه .. فأحسَّ-أخيرا- بخاتم خطوبته .. تذكرَّ خطيبته .. شعر بكره لها تلك اللحظة فقط حيث أقتحمت أجمل ذكرياته وأكثرها حقيقةً .. أخرج الخاتم من بنصره ورماه من النافذة ، فشعربتعاطف مع خطيبته لأول مرة .. نعم.. لأول مرّة ولكن من
خلال كرهه لقيدها !
قررّ ان يصارحها في الصباح .. ان يقول لها ..إنه أحبَّ مرّة .. وأعطى كل شيء مرّة .. وهو الآن بلا شيء ! فهل ترضى هي أن تتزوج من ((لاشيء))!؟!..
ورآى ذلك مقنعا له.. مبرراً قوياً يثبِّت قراره،لأنه سيكرهها إن رفضته وسيكرهها أكثر إن قبلت به!
قررّ أن يذهب ليبحث من جديد عن حبيبته الضائعة .. حيث أضاعها منذ سنين..في لحظات أنانية وغرور وغباء ورجولة زائفة!
قررّ أن يذهب لها و يركع ويقسم لها إنه لن يكون إلاّ بها .. فلعل ذلك سيرضي غرورها المجروح .. وتعود إليه .. ويعود لنفسه .
وبدأ يخطط لكل شيء.. فتح دولابه بفرح غادره منذ سنين .. نظر الى ملابسه .. قميصه الذي ودّعها به.. رماه بعيداًَ .. لايريد أن يراه .. وحاول تذكر أول قميص لبسه معها.. تذكره.. كان قد أصبح بالياً وممزقاً لكنه رآه الأجمل ،فلعله سيخبرها ماسيعجز لسانه عن أخبارها به.. هيأه وهيأ كل شيء للقاء الصباح ..


وأمضى ليلته ،وهو(( يجتر)) كل لحظات حبه.. كل نشوة شعر بها .. تذوق حلاوة كل
قبلة،وشعر بعظمة حبيبته لأول مرة ،كم كانت تحرص على اسعاده .. شعر بنفور من نفسه .. كره شعوره بالندم لأول مرة ،لكنه أجلّ كل مشاعر بعيدة عن الحب ، وهيأ نفسه كي يكون كتلة حب فقط.
كان الليل يسير ببطىء .. كان يسمع ((شخير)) جاره.. ويشعر بمداعبة جاره الآخر لزوجته وهما شبه نائمين .. أحس أن الجميع أفضل حالا ً منه.. لكنّه واسى نفسه بأنه سوف يكون الأسعد من أي سعيد يوم غد .. لأنه سيملك من جديد أجمل وأعظم كائن أسمه (حبيبته)!
وأخيرا ً.. جاء الصباح ذهب للأستحمام .. نظر في المرآة .. تمنى لو يستطيع أخفاء تجاعيد رآها متكونة .. ربما منذ شهور فقط .. تذكر فقط الآن بأنه قد مضى ستة عشر شهرا ً على وداعه لحبيبته .. كان يفكر بمعزل عنها بثقة حب لم يخلق مثله!
خرج مبكرا ً .. وقرر ان يقتل الوقت المبكر في الطريق.. ذهب الى محطة انتظار الحافلة سيرا ً على الأقدام .. وركب أبطأ حافلة..
كان منظره يدعو للضحك ،حيث القميص القديم الذي لبسه أول مرة في أول لقاء.. كان ذلك منذ زمن.. منذ أكثر من خمسة اعوام.. وسرواله الذي لبسه معه يومها.. وحذاؤه البالي الذي سار به نحو أجمل حلم بأجمل لقاء..
كان متجها ً نحو بيتها.. ولم يفكر للحظة.. هل مازالت هناك ام لا؟.. وكيف سيستقبله اهلها .. وكيف ستستقبله هي..لم يفكر بأي شيء - كعادته- عدا ما يريده.
وصل بيتها.. نظر الى ساعته.. مازال الوقت مبكرا ًً ولكن.. لا يهم فالموضوع مهم،بل أهم من أي شيء.. أهم من التقاليد ومن النوم ومن الخوف!
طرق الباب لأكثر من مرّة ،فخرج له شقيقها .. رآه من بعيد،وشعر أخيرا ً بالحرج.
كان شقيقها يعرفه.. حيث كان صديقا ً لها قبل ان يكون شقيقا ً. نظر شقيقها من بعيد.. لم يميّزه حتى أقترب وفتح الباب:
- من؟ سلام؟
فقال مبتسما ً:
- نعم.. كيف حالك يا احمد؟
قالها بحرج وبسرعة واضحة تدل على ان هنالك سؤال أهم في الطريق..
- بخير .. تفضل(قالها بلهجة باردة لا تنم عن اي صدق في الدعوة).
- لا شكرا.. فقط حضرت لأسأل عن ليلى .. أين هي؟
- ليلى؟ ألم تعلم بأنها قد سافرت منذ أشهر؟
كان وقع الكلمة تماما كالصاعقة، التي جعلته يصحو من كل غروره وجنونه..
- الى أين؟
- لا اعتقد ان ذلك مهم .. ولكن.. بالمناسبة.. لقد تركت لك عندي رسالة..

وطلبت مني وعدا بأن أسلمها لك اذا أتيت الينا وسألت عنها!
- أرجوك أين هي؟ أريدها حالا(كان كالغريق الذي يتشبث بقشة).
فقال أحمد :
- حسنا .. سأجلبها لك.
دخل أحمد..تأخر أحمد .. (( هل أضاعها؟ لا .. لا يمكن .. لعل بها كل شيء أنتظره.. هل كانت تتوقع حضوري رغم كل ما حصل؟ هل سمعت بنبأ خطبتي؟هل.........؟؟؟))
قدِم أحمد بسرعة وأعطاه ظرفا صغيرا يبدومن خفة وزنه أن الرسالة صغيرة جدا.. حتى انه ظن ان الظرف فارغ.فتحه بسرعة وقرأ:
((كنت أعلم أنك ستأتي معتقدا انني سأبقى أنتظرك.. لكنني.. أخترت لك أفضل عقاب تستحقه هو أنك لن تراني للأبد!)).
وقعت الرسالة ووقع الظرف من يديه .. ووقع كل مافيه..
أمطرت الدنيا تلك اللحظة.. وأبتل قميصه البالي.. شعر حتى بالسماء وهي تبكي فرِحة بعذابه..
فعاد أدراجه .. ومشى بنفس الحذاء القديم ..نحو غد بلا حلم وبلا حياة وبلا.. غد.



#عبير_حسن_العاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حديقة من رماد
- ارجوحة الغربة
- قدح شاي
- أحمر.. حمراء.. حُمر !!


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير حسن العاني - صحوة متأخرة