أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - محمد شيرين الهوارى - كوكى كاك - صناعة الدواجن نموذجاً على إشكالية الصناعات الغذائية فى مصر وكيفية الحل















المزيد.....


كوكى كاك - صناعة الدواجن نموذجاً على إشكالية الصناعات الغذائية فى مصر وكيفية الحل


محمد شيرين الهوارى

الحوار المتمدن-العدد: 5477 - 2017 / 3 / 31 - 22:15
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


مدخل:
تعانى الصناعات الغذائية فى مصر حالياً مما يُعتبر حقاً أسوأ أزمة مرت بها فى تاريخها الحديث، هذا إن لم يكن القديم أيضاً. فهى تلقت عدة ضربات مؤلمة العام الماضى بدءً بتخفيض الجنيه المصرى أمام الدولار الأمريكى بنسبة 14.5% فى 14 مارس 2016 حيث وصل سعر الورقة الخضراء وقتها فى البنوك إلى 8.88 جنيه، وصولاً إلى التعويم الكامل ورفع سعر الفائدة بمقدار 300 نقطة أساس فى يوم 3 نوفمبر من نفس العام وما صاحب ذلك أيضاً من تقليص ملموس للدعم على المحروقات كافة وعبوراً بأن أقر مجلس النواب فرض ضريبة القيمة المُضافة .
صحيح أن كل ذلك ضرب جميع قطاعات الاقتصاد المصرى بلا استثناء ولكن الصناعات الغذائية على وجه التحديد لها بالطبع وضع خاص لما كانت تتصل مباشرة بحياة المواطن اليومية وتضربها فى مقتل إن زادت أسعارها ولو حتى بشكل طفيف حيث يشعر بها هذا المواطن بضعف أضعاف ما يُحدثه لديه رفع قيمة الوقود أو تفاقم الدين العام مدفوعاً بزيادة نسبة الفائدة.
ولا يكون فى اعتقادى من قُبيل المبالغة إن قلت أن صناعة الدواجن على وجه التحديد تقف فى قلب معركة المصريين، أفراداً وشركات وحكومة، من أجل تحسين مستويات الأمن الغذائى وضمان وصول المأكولات إلى مائدة الطعام المصرية حيث لعبت الدواجن لعقود وعقود دوراً محورياً باعتبارها البديل التقليدى للحوم التى كثيراً ما تفوق أسعارها قدرات المواطن المصرى البسيط متوسط الدخل وتتحول الدواجن وقتها إلى مصدر البروتينات الوحيد.
هذا بالإضافة إلى أهمية مزارع الدواجن فى توفير فرص عمل بالآلافات وما لها من إضافات قيمة للاقتصاد القومى، سواء بزيادة الحصيلة الضريبية أو من خلال الارتقاء بالناتج الإجمالى المحلى. وقد بلغ عدد هذه المزارع منذ حوالى عامين 5300 مزرعة ، حوالى 70% منها لصغار المربين (50% تجارية مُرخصة و20% عشوائية) ، أى لفئة غير قادرة بالمرة على تحمل الخسائر أو حتى انعدام الدخل لفترة تزيد عن أشهر قليلة وإلا اضطروا للانسحب من السوق وهو ما حدث العام الماضى بالفعل عندما خرج من السوق 30% تقريباً من صغار المربين وإن كان جزء منهم عاد فيما بعد . ولنا جميعاً تخُيل ما تتكبده الدولة هنا من خسائر فادحة بينما هى تمر بمرحلة تحتاج فيها إلى كل تعريفة.

أرقام وحقائق:
ومن باب ألا يكون الكلام مُرسلاً؛ توجد هناك مجموعة من الأرقام والحقائق الواجب ذكرها للوقوف على وضع صناعة الدواجن المصرية وإشكالياتها المتعددة قبل طرح ما يمكن أن يكون لها من حلول.
o يصل حجم إنتاج الدواجن فى مصر إلى ما يتراوح بين 1 مليون و800 ألف طن و1 مليون و500 ألف طن سنوياً بينما لا تتعدى الكميات المستوردة حوالى 75 ألف طن سنوياً ، أى أن الإنتاج المحلى عالى الكفاءة ويغطى ما بين 94% إلى 95% من الاستهلاك الفعلى فى مقابل ما لا يزيد عن 40% من لحوم المواشى والجمال .
o يوجد فى مصر حوالى 150 مصنعاً مرخصاً لتصنيع الأعلاف ومدخلاته بأحجام وطاقات إنتاجية مختلفة يصل إجماليها إلى 4.5 مليون طن سنوياً على وجه التقريب وتنتج فعلياً فى المرحلة الراهنة حوالى 1.25 مليون طن سنوياُ . وذلك بخلاف المنشأت الصغيرة غير الرسمية وغير المُسجلة والتى تتعدى المئات فى الأغلب بينما وصل إجمالى الاستهلاك إلى ما يتراوح بين 8 إلى 9 ملايين طن فى السنة ، أى أن نسبة الاكتفاء الذاتى تصل إلى 14.7% بالكاد والباقى يتم استيراده.
o كما يبلغ إجمالى حجم الاستثمارات فى القطاع الداجنى حوالى 45 مليار جنيه وهو الرقم الرسمى فقط الذى لا يضم سوى حوالى 25 – 30% من المزارع بينما الجزء الأكبر هو 75000 مزرعة عشوائية على مستوى الجمهورية . ويقدر الخبراء أن إجمالى حجم الاستثمارات القطاع يصل إلى 65 مليار جنيه .
o تكمن أزمة الأعلاف أساساً فى ضعف إنتاجية مصر من الذرة الصفراء (المكون الرئيسى للأعلاف بنسبة 60%) حيث لا تتعدى 1 مليون طن سنوياً من 7 ملايين طن يمثلون إجمالى الإستهلاك المحلى، أى أن نسبة الاكتفاء الذاتى تصل إلى حوالى 14.25% ويتم استيراد الباقى من الخارج.
o ويصل حجم العمالة بقطاع الإنتاج الداجنى إلى حوالى 2.5 مليون عامل وهو ما يمثل حوالى 8.8% من إجمالى القوى العاملة التى بلغت فى عام 2015 (أخر إحصائية متوفرة) حوالى 28 مليون و400 ألف فرد وهو من باب المقارنة لا يقل كثيراً عن قطاع من أكثر القطاعات تشغيلاً فى مصر؛ قطاع السياحة بنسبة 12.8% من إجمالى القوى العاملة .
o كما تعانى مصر من انخفاض نسبة الإنتاج المحلى للأمصال واللقاحات الذى لا يتعدى 15% من المطلوب وهو ما يؤدى إلى تفاقم نسب النفوق وبالتالى نقص المعروض ومن ثم ارتفاع الأسعار التى وصلت مؤخراً إلى 24 جنيه لكيلو الأبيض و33 جنيه للحم الساسو، مقارنة 16.5 و21.5 على التوالى فى 1 مارس 2016 ، أى بنسبة ارتفاع تبلغ 45.5% و53.5% على التوالى فى ظرف عام واحد فقط وإن كان لهذا أسباب أخرى عديدة مثل الأمراض المنتشرة بين الدواجن على خلفية ضعف المجهودات التى تبذلها وزارة الصحة فى هذا الصدد وعدم ملائمة معظم المزارع لتحمل الظروف البيئية المُتغيرة.
o وتظهر كذلك عدم جدية الدولة فى معالجة الخلل الهيكلى بقطاع الدواجن ألذى يتجلى فى التقاعس الواضح عن تنفيذ مشروع نقل مزارع الدواجن إلى الظهير الصحراوى للحد من إنتشار الأوبئة والأمراض وبالتالى رفع الإنتاجية فى ظل الزيادة المتوقعة للطلب على الدواجن فى الفترة المُقبلة. ويُذكر أن هذا المشروع يدور عنه الحديث منذ عام 2006 وخُصص له بالفعل 180 ألف فدان فى شهر يناير 2015 إلا أن شيئاً لم يحدث إلى يومنا هذا.

الحلول، معوقاتها وكيفية التنفيذ:
يطول الحديث بالطبع عن حلول الأزمات المتلاحقة التى يتعرض لها قطاع الدواجن بما لا يهدد فقط بانخاض إنتاجيته ولكنه يعرضه فى الواقع لتهديد وجودى قد يتسبب فى حدوث ما لا تحمد عقباه. وقد طُرحت تصورات للحلول الممكنة من قِبل عدة جهات سواء من ناحية الدولة ممثلة فى وزارتى الصحة والزراعة والهيئة العامة للاستثمار وعلى يد العاملين والمستثمرين فى القطاع الداجنى من ناحية أخرى. وهذه الأفكار كافة تبدو منطقية ووجيهة ومفيدة، وهى كذلك بالفعل ولكن تنقصها فى الوقت نفسه مقومات التصورات المُستدامة التى يمكن أن يكون من شأنها إحراز تقدم حقيقى والنهوض بالصناعة فعلياً.
ويجب التنويه هنا إلى أن ذلك يتطلب أولاً وأخيراً وجود إرادة سياسية حقيقية لأن المعوقات التى تواجه هذه الصناعة الهامة تتعدى كونها مجرد إشكاليات بيروقراطية تتعلق بتعنت الموظفين أو عدم كفاءة الجهاز الإدارى للدولة، بل تمتد إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير حيث يحتاج الأمر إلى حزم تشريعية وإجرائية شجاعة قد تضغط على الشركات الكبرى ولن تحظى بالضرورة على رضاء التوجهات النيوليبرالية السائدة فى مصر حالياً بوجه عام.
ويمكننى تلخيص ما أقصد فى المحاور الخمسة الآتية:
1.) دعم صغار المربيين
من الصعب جداً أن يكون الاعتماد الرئيسى على مجموعة كبار المنتجين وحدهم أو حتى بشكل رئيسى لأن مصر لا تملك التكنولوجيا الحديثة ولا الكوادر الفنية المطلوبة لإدارة منظومة إنتاجية فعالة قائمة على مثل هذه التكنولوجيا ولو سعت لإدخالها ستكون باهظة التكلفة مما سيكون له أثر شديد السلبية على الأسعار بوجه عام. هذا بالإضافة إلى أن عملية التحول ستستغرق وقتاً طويلاً، ربما يزيد عن ثلاثة سنوات وسنواجه بالتالى إما نقص حاد فى المعروض أو سنضطر إلى اللجوء للاستيراد بكميات أكبر بعد أن كنا قد اقتربنا من الوصول بالاكتفاء الذاتى الكامل.
ولذا أرى أن دعم صغار المربيين من خلال الامتيازات الضريبية وتسهيل حصولهم على إئتمانات مصرفية بشروط ميسرة وإدماجهم فى منظومة تسويق وتوزيع أوسع من خلال تشجيع تعاونيات خاصة بهم وإقامة دورات تدريبية لهم لزيادة كفاءتهم فى التعامل مع الأمراض والأوبئة وتزويدهم بمدخلات الإنتاج بأسعار كبار المشتريين لزيادة تنافسيتهم.
2.) دعم زراعة الذرة الصفراء
لن تقوم لصناعة الدواجن قائمة إلا فى ظل توافر العلف محلياً حيث يعتبر نقصه الحاد بمثابة العائق الرئيسى أمام استقرار القطاع الداجنى سواء من ناحية كم الإنتاج أو من جانب استقرار الأسعار وتوفير المُنتج النهائى للمستهلك بشكل مستدام. وسيسهم ذلك أيضاً على المدى الطويل فى الوصول إلى الاكتفاء الذاتى الكامل الذى ننشده جميعاً.
ولا تزيد المساحات المنزرعة بالذرة الصفراء (المُدخل الرئيسى لصناعة الأعلاف) حالياً عن 500 ألف فدان وقد نوهت فيما سبق إلى الفجوة الرهيبة ما بين الاستهلاك والإنتاج التى تتعدى 85% ونحن بالتالى فى حاجة ملحة إلى قرار سياسى جرئ ينهض بزراعة الذرة الصفراء، ليس فقط لصالح الإنتاج الداجنى ولكن لتطوير كيفية استغلال ثروتنا الحيوانية ككل. ومن المهم فى هذا الصدد على سبيل المثال ولا الحصر رفع أسعار توريد الذرة الصفراء عن 2100.00 جنيه للطن الذى كانت قد حددته وزارة الزراعة الموسم الماضى حيث لا يعتبر هذا السعر اليوم محفزاً للفلاح بالمرة ويجب ألا يقل بحال عن مستوى 3500.00 جنيه أى بزيادة قدرها حوالى 67% حتى تعادل تكلفة الزراعة التى ارتفعت بشكل جنونى منذ قرارات نوفمبر 2016.
وإن لم تقدر الحكومة على ذلك واعتبرنا أن هذا يفوق طاقتها، فلتفسح المجال أمام إنشاء تعاونيات إنتاجية وتسويقية على مستوى المراكز تُمكن الفلاحين من زيادة كفاءة إنتاجهم وتوصيله إلى مصانع الأعلاف بشكل مباشر بما يتفقون عليه من أسعار، مع وضع حد أقصى وحد أدنى للسعر يُراعى ربحية الفلاحين من ناحية ويضمن عدم انفجار أسعار العلف للمربيين.
3.) دعم استيراد الذرة الصفراء لفترة محددة
ولا يمكننا بالطبع توقع أن زيادة الإنتاج المحلى للذرة الصفراء بما يغطى احتياجات صناعة العلف سيحدث بين عشية وضحاها، بل الأمر قد يستغرق فى الواقع ما بين ثلاثة إلى خمسة سنوات أو أكثر وهى فترة لا يمكن لقطاع الدواجن أن ينتظرها وسيتطلب الأمر بالتالى رفع كلى أو جزئى للجمارك عن الذرة الصفراء المُستوردة أو تحديد أساس احتساب الدولار الجمركى عليها بما لا يزيد عن تسعة جنيهات، أى مستويات ما قبل تحرير سعر صرف العملة الأجنبية وهو ما سيساعد على ضمان تواصل إمداد مصانع العلف باحتياجاتها من الذرة الصفراء بأسعار مناسبة وعلى أن يكون أى من هذه الإجراءات ذى شكل مؤقت فقط لحين تحقيق الاكتفاء الذاتى الكامل أو على الأقل الوصول إلى نسبة تغطية تتعدى 90%.
كما أقترح أيضاً إعفاء تجارة الذرة الصفراء – سواء كانت مستوردة أو محلية – من ضريبة القيمة المًضافة فى المرحلة الحالية مما سيكون حافزاً قوياً لدخول شركات جديدة إلى المجال تساعد على تلبية الطلب المتزايد الذى نتوقعه على مدار الخمسة سنوات المُقبلة.
4.) دعم مصانع الأعلاف
ولدينا فى الحقيقة أكثر من طريقة لدعم مصانع الأعلاف؛ أولها توفير الطاقة (أحد المُدخلات الرئيسية) بأسعار مناسبة وهو ما لا يعنى بالضرورة خفض الأسعار ولكن يُمكن الاكتفاء بتثبيتها بالنسبة لصغار المربيين عند المستويات التى كانت متداولة فيما قبل 3 نوفمبر 2017 بواقع 12.00 جنيه للأسطوانة الصغيرة و50.00 جنيه للأسطوانة الكبيرة بعدما زادت هذه الأسعار فى الآونة الأخيرة بما يزيد عن الضعف بالإضافة إلى توفيرها من الأساس بشكل مستدام. أما استمرار الوضع الحالى فهو أمر غير مقبول بالمرة ويضر بالمربيين ألذين أصبحوا عاجزين عن وضع دراسة جدوى دقيقة وقد يتعرضون بالتالى إلى خسائر فادحة هم فى الأغلب غير قادرين على تحملها ومن ثم يكون تخارج بعضهم – خاصة المتوسطين والصغار – أمراً حتمياً وما قد يستتبع ذلك من نقص للمعروض الناقص أصلاً.
كما يُمكن أيضاً دعم من يرغب فى الدخول فى مجال الأعلاف أو يريد التوسع فيه من خلال تقديم تسهيلات طويلة المدى فى شراء الأراضى مثل أن تُقسط على عشرون عاماً على سبيل المثال وتكون الأعوام الثلاثة أو الخمسة الأولى فترة سماح وهو ما سيدر دخلاً أعلى للدولة على المديين المتوسط والبعيد من سياسة "حرق أسعار" الأراضى للمستثمرين التى تتبعها الدولة حالياً والتى قد تستفيد منه بأرباح فورية ولكنها عملية خاسرة مستقبلاً.
وأخيراً توجد إمكانية دعم مُصنعى الأعلاف عبر إعطاءهم أولوية فى الاستفادة من قروض المشروعات الصغيرة والمتوسطة التى يديرها الصندوق الاجتماعى للتنمية.
5.) تحسين المنظومة الصحية
أشرت من ذى قبل إلى أهمية المٌضى قُدماً بتنفيذ مشروع نقل مزارع الدواجن الصغيرة والمتوسطة – وكثير منها عشوائية – إلى الظهير الصحراوى للحد من الأوبئة والأمراض التى تؤدى إلى ارتفاع معدلات النفوق وتضر بالتالى بإنتاجية القطاع ضرراً جسيماً. ولكن لا يكفى فى هذا الصدد بالمرة مجرد تجهيز المكان ثم نقل المزارع من خارج الكتلة السكانية، بل يجب تقديم نظام تسويقى بديل شامل طرق النقل والمواصلات حتى يُمكن لصغار التجار (70% من إجمالى حجم السوق) الذين ليس لديهم وسائل نقل خاصة بهم بيع إنتاجهم إلى التجار وسلاسل المحال التجارية وإلا أفلسوا جميعاً.
كما توجد هناك أيضاً ضرورة ملحة لتوفير تمويل مناسب للمربيين الصغار ليتمكنوا من إنشاء عنابر مُجهزة تجهيزاً جيداً لتحمى الدواجن من تقلبات الجو، سواء الحر الشديد أو البرد القارص حيث أثبتت السنوات الماضية ارتفاع نسب النفوق من تأثيرات الجو.
ولا مفر أيضاً من توفير الأمصال باسعار فى متناول صغار المربيين بعد أن شهدت ارتفاعاً يزيد بقليل عن 50% منذ تحرير سعر صرف الدولار وربما يجب التفكير على المديين المتوسط والبعيد فى دعم تحسين المنظومة المحلية لإنتاج الأمصال حتى تنخفض فى النهاية نسب النفوق الفلكية التى وصلت إلى ما بين 20 و30% فى الموسم الشتوى الماضى فقط .

الاستنتاجات والتوصيات:
نخرج من كل ما سبق بمجموعة من الاستنتاجات والتوصيات يُمكن تلخيصها فى النقاط الآتية:
o لا يبدو أن الدولة تولى عناية حقيقية لدعم أو مساندة صناعة الدواجن وبالتالى الحفاظ على ثروة مصر الداجنة. فكافة الإشكاليات المطروحة فى هذه الورقة المُختصرة ليست بالجديدة، بل يعانون المربيين (كبارهم وصغارهم) منها منذ سنوات عديدة وما أكثر المذكرات التى قدموها والشكاوى التى رفعوها ولكن "لا آذان لمن تنادى" حيث ذهبت ولا تزال تذهب كافة استغاثاتهم أدراج الريح ولا يتغير شيئاً رغم الكمية المهولة للوعود البراقة التى تلقوها فى قاعات المؤتمرات الأنيقة وعلى شاشات القنوات الفضائية بينما لا يحرك أحد ساكناً على أرض الواقع وهو ما يعبر بوضوح عن استهتار الحكومات المتتالية بقوت المواطنين وأمنهم الغذائى بكافة مدخلاته حيث نرى استهتار مثيل لذلك فى كافة القطاعات الغذائية الأخرى إلا تلك التى تعمل بها شركات عملاقة يساهمون فيها أو يملكونها رجال الأعمال الكبار من ذوى النفوذ فى أروقة الدولة بحيث يمكنهم التأثير على صنع القرار بشكل مباشر وحتى وقتها لا تصدُر سوى القوانين والقرارات المُنفصلة لمصلحة هؤلاء على وجه التحديد دون غيرهم ولا يستفيد باقى القطاع فى شئ.
وعلى هذه الخلفية يعانى قطاع صناعة الدواجن فى الحقيقة أكثر من غيره لكونه ليس من المجالات التى بها تخمة من "حيتان الأعمال" مثل صناعة الحديد أو الأدوية وبالتالى ينتفى أى سبب كى تهتم به الدولة، خاصة فى ظل اعتمادها على أن ارتفاع أسعار الدواجن شئ سيتقبله المواطن دون إثارة ما يزعجها حيث سيظل يُقارن بأسعار اللحوم ويجد أن تكلفة الدواجن لا تزال أقل وأيضاً بالنظر إلى عدم وجود بدائل حقيقية أمامه واضطراره للشراء لتعويض نقص البروتينات فى التركيبة الغذائية له وللأسرة، خاصة الأطفال التى تغلب عليها النشويات من الأرز والمكرونة بما يهدد الصحة بشكل عام التى يبدو أنها ليست على قائمة أولويات الحكومة، لا الحالية ولا من سبقوها.
o وبناءً على ما سبق يجب مُطالبة الحكومة وعلى رأسها وزارتى "التجارة والصناعة" و"الزراعة واستصلاح الأراضى" ومن قبلهم رئاسة الجمهورية بتبنى استراتيجية وطنية لصناعة الدواجن وكافة الأنشطة المرتبطة بها ترسم السياسات العامة للقطاع بأفق أوسع من الرؤية البيروقراطية المُعتادة وبعيداً عن الشعارات الرنانة وبحيث تكون قابلة للتطبيق على أرض الواقع بشكل فعلى وفى خلال فترة زمنية مُحددة وعلى أن تتضمن آليات للمراقبة والمحاسبة. ويستلزم ذلك أولاً تقسيم خطة العمل إلى مراحل محددة وبحيث يكون لكل مرحلة منهم سقف زمنى واضح تتم عند الوصول إليه إعادة تقييم العملية برمتها بدلاً من أن يخرج لنا أحد بخطط ثلاثية وخماسية وسباعية عائمة لا تسفر فى النهاية عن شئ لعدم الوضوح فى توزيع المهام والمسئوليات وعدم وجود تصور دقيق لكيفية التنفيذ وهو ما رأيناه مراراً وتكراراً فى قطاع الدواجن وغيره.
ويجب أن تتضمن هذه الخطة فى خصوص ما هو مذكور أنفاً من الإشكاليات المالية طرح واضح لآليات التمويل باشتراك البنوك الحكومية الثلاث المتبقية ومجموعة منُنتقاة من البنوك التجارية (بنكين أو ثلاثة مثلاً) بالإضافة إلى الصندوق الاجتماعى للتنمية ينظر بعين الاعتبار ليس فقط إلى إنشاء المشروعات الجديدة أو توسعات المزارع القائمة، بل يستهدف أيضاً إنقاذ المشروعات المتعثرة وحمايتها من شبح الإفلاس ثم الغلق وهى منشأت ليست بالقليلة. وبالرغم من أنه لا توجد إحصائيات دقيقة على مستوى الجمهورية لعدد هذه المزارع، يمكننا أن نضرب مثالاً بمحافظة كثيفة الإنتاج الداجنى مثل القليوبية حيث توجد 7 آلاف مزرعة مهدد منها بالغلق لأسباب مالية حوالى 5 آلاف مزرعة، أى ما يفوق 70% ولنا أن نتخيل ماذا سيؤول إليه الوضع إذا ما تكرر هذا السيناريو فى محافظات أخرى وهو احتمال ليس ببعيد بالمرة. هذا مع العلم بأن تلك الأرقام تعود إلى شهر أغسطس الماضى، أى قبل تعويم الجنيه بثلاثة أشهر تقريباً وغالباً ما سيكون الوضع أسوأ اليوم.
o تعظيم دور قطاع الأعمال العام من خلال "الشركة المصرية للحوم والدواجن والتوريدات الغذائية" فى إستلام إنتاج صغار المربيين وتسويقه بأسعار مناسبة من خلال فروعها العشرة مؤقتاً ثم زيادة عدد هذه الفروع على المديين المتوسط والبعيد لتغطية كافة أنحاء الجمهورية بدلاً من اقتصار وجودها حالياً على أربعة محافظات (القاهرة، الجيزة، القليوبية والأسكندرية). ويمكن بالطبع أيضاً التفكير مستقبلاً فى دخول الشركة مجالات تربية الدواجن والمواشى بدلاً من الإتجار فيها فقط بما قد يحولها إلى ضابط لإيقاع السوق بدلاً من ترك الأمر لأجهزة رقابية عديمة الفاعلية وإن كانت هى معذورة فى ذلك إلى حدٍ كبير لما كانت لا تملك سلطة حقيقية ولا تساندها قوانين تمنع جشع التجار من الأصل.
كما يجب التنويه فى هذا السياق أيضاً إلى ما يُمكن أن تمتلكه الشركة من قدرة على توفير فرص عمل مُنتجة بينما لا تقوم فى الوقت الحالى بتشغيل سوى 427 عاملاً .
o وعلى الحكومة كذلك أن تستهدف استقرار الأوضاع التشريعية المُنظمة للمجال كى يكون فى ذلك جذباً حقيقياً ومنضبطاً للمستثمر الخاص، مصرى كان أم أجنبى، بدلاً من الفوضى القانونية العارمة التى تسوده فى المرحلة الحالية. وليس أدل على تلك الفوضى وانعدام الرؤية من اللغط الذى أثير مؤخراً حول مسالة الجمارك على الدواجن المستوردة التى صدر قرار برفعها يوم 22 نوفمبر 2016 ثم أعلن رئيس الوزراء، المهندس شريف إسماعيل التراجع عنه يوم 5 ديسمبر 2016 . ولا يحتاج الموضوع بالطبع إلى خبير فى صناعة الدواجن أو الاقتصاد بشكل عام للقول بأن مثل هذا التخبط الكارثى من شأنه القضاء ليس فقط على قطاع الإنتاج الداجنى ولكن أيضاً على صناعة الفراخ والديوك والحمام الزاجل.
o نحن إذاً أمام حكومة منعدمة الكفاءة لا تدرى ماذا تفعل أو لماذا تفعله وبالتالى أقترح تشكيل مجلس أعلى لصناعة الدواجن يتآلف من ممثلين عن "اتحاد منتجى الدواجن" بنسبة تزيد عن الــ 50% ومجموعة تكنوقراط من الوزارات المعنية بالإضافة إلى ممثلين سياسيين عن الحكومة ومجلس النواب لتفعيل المادة (79) من دستور 2014 التى تلزم الدولة بتأمين الموارد الغذائية للمواطنين كافة باعتبارها حق أصيل لهم لا يجوز التفريط فيه. على أن تكون لقرارات مثل هذا المجلس طبيعة مُلزمة إذا صدرت بأغلبية الثلثين على الأقل.



#محمد_شيرين_الهوارى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- استراتيجيات تقليص الدعم - قراءة فى التجربة المصرية من منظور ...


المزيد.....




- مئات الشاحنات تتكدس على الحدود الروسية الليتوانية
- المغرب وفرنسا يسعيان إلى التعاون بمجال الطاقة النظيفة والنقل ...
- -وول ستريت- تقفز بقوة وقيمة -ألفابت- تتجاوز التريليوني دولار ...
- الذهب يصعد بعد صدور بيانات التضخم في أميركا
- وزير سعودي: مؤشرات الاستثمار في السعودية حققت أرقاما قياسية ...
- كيف يسهم مشروع سد باتوكا جورج في بناء مستقبل أفضل لزامبيا وز ...
- الشيكل مستمر في التقهقر وسط التوترات الجيوسياسية
- أسعار النفط تتجه لإنهاء سلسلة خسائر استمرت أسبوعين
- -تيك توك- تفضل الإغلاق في أميركا إذا فشلت الخيارات القانونية ...
- المركزي الياباني يثبت الفائدة.. والين يواصل الهبوط


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - محمد شيرين الهوارى - كوكى كاك - صناعة الدواجن نموذجاً على إشكالية الصناعات الغذائية فى مصر وكيفية الحل