أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسني أبو المعالي - هموم التشكيل وأوهام الحداثة















المزيد.....

هموم التشكيل وأوهام الحداثة


حسني أبو المعالي

الحوار المتمدن-العدد: 1430 - 2006 / 1 / 14 - 08:47
المحور: الادب والفن
    


مع بدايات الربع الثاني من القرن العشرين الذي ودعناه والحركة التشكيلية عربياً ودولياً - تمتطي صهوة المدارس الفنية المعاصرة- لاهثة خلف سراب (فنّي) اسمه الحداثة·
قاعات فنية كثيرة، صالونات وفضاءات تشكيلية معظمها يعمل بهدف إلغاء الدور الحقيقي للفن عبر عروض لافنية، تفتقد تماما إلى أبسط القيم الجمالية بالرغم من زحمة ألوانها وشهرة أصحابها· ولكي نعمل على تفادي خلط الأوراق، لابد أن نشير إلى أن هناك فجوة كبيرة بين حداثة لا فنية تعتمد في تكويناتها على تقاطعات العبث وتشكل عناصرها الأساسية من تراكمات ألوان فوضوية، وبين فن تشكيلي معاصر ينهل تكويناته التجريدية من منابع الحياة ويعتمد على القيمة الجمالية الأزلية المتمثلة بالضوء والظل·
وعبثاً يجاهد أصحاب الدعوة للحداثة تنظيرها بلغة تجافي واقع الأعمال المطروحة، فالمدارس الفنية (الحداثوية) تاهت بعيداً عن شواطئها وشقت عباب الأمواج بلا أشرعة ولا شروط أو قواعد فنية وأبحرت بواسطة سفن لاتمت للفن بصلة، وأغرتنا بأسماء ارتقت شهرتها إلى مستوى العالمية وأمطرتنا بوابل من الأعمال اللافنية، أصبحت بمرور الزمن الذي مرّ علينا وعليها مألوفة لدينا ولكن على حساب مصادرة أذواقنا· حتى كدنا لانفرق بين ما هو فني حين نصدق أكذوبة الحداثة وماهو غير فني حين نكذب صدق مشاعرنا باتجاه ما نرفضه من فوضى الأعمال، ولا غرابة إذا قلنا أن ما أنتجته فرشاة بعض هؤلاء الكبار يمكن لأي طفل صغير أن يعبث بيده ويعطينا بل ويتحفنا بما هو (أجمل) من تجريدية (ميرو) وأكثر (براءة وشفافية) من تكعيبية (بيكاسو)· وأعتقد بأن معظم الفنانين العرب قد صدقوا كذبة التشكيل الغربي -الحديث- وساروا على خطاه وشططه واستأثروا بمغريات الشهرة قبل متعة البحث في مزج الألوان وتوزيعها توزيعاً متناغماً، فتحاشوا الايغال بقلوبهم وألوانهم في عمق التاريخ إلى وادي النيل ووادي الرافدين أولى حضارات العالم، الزاخرتين بأجمل إرث فني تشكيلي رسما ونحتا، وتناسوا بأن للعرب في الإسلام فضل الأسبقية على الغرب في اكتشاف التجريد (الإسلامي) وتوظيفه تشكيلياً عبر أنواع الزخرفة الرائعة وأنواع الخطوط التي زين بها العرب مساجدهم وقصورهم، وبالرغم من بعض الاجتهادات والتجارب الفنية التي حاول بعض الفنانين العرب وخاصة ممن طالتهم الشهرة عربيا أن يضعوا فرشاة في الشرق وأخرى في الغرب أملا في البحث عن صيغة فنية جديدة توصل الأصالة بالمعاصرة لإيجاد هوية فنية عربية في لوحة تحمل جسد الثراث (ومنفوخة) بروح الحداثة، إلا أن تلك التجارب الفنية والتي سال من أجلها وعلى مدى عقود من الأزمنة طوفان من الألوان الزيتية والمائية ومواد أخرى قد سقطت في شرك التبعية والتقليد العشوائي للغرب، واستسلمت لرياح لونية هوجاء زعزعت من صرح الذوق العربي العام، والغريب في الأمر أن بعض الفنانين العرب من الحروفيين عندما تناولوا الحرف العربي باعتباره أحد مقومات التراث، لم يسلموا حتى في هذه الحالة من التآثير الأوربي فاستلهموا الحرف العربي لا من منابعه الأصلية و إنما من أعمال فنانين غربيين سبقوهم في توظيفه بلوحاتهم بطريقة مشوهة كـ (بول كلي) فاختار الفنان العربي التشويه وأهمل الأصول، ويحزننا كذلك أن نجد الفنان العربي (المغرم بفوضى الحداثة) شديد الحرص بالتمسك، لا بسحر شمسنا ودفئها ولا بما تصنعه ظلالها من بديع الصور، وإنما برديء البدع التشكيلية التي هجرتها أوربا منذ سنين، سعيا منه لانتزاع بعض الاعتراف من الغرب، علما بأن الفنان الغربي المعاصر قد عاوده الحنين إلى أجواء المدارس الرومانتيكية والانطباعية ومحاكاة الظل والضوء في رحاب الطبيعة الساحرة· فاللوحة العربية المنحازة للغرب نجدها اليوم قد تعبت من تجوالها بين أروقة المدارس والإتجاهات الفنية المتعددة في البحث عن هويتها أولا وعن طريق يوصلها آلى المتلقي تانيا، فتاهت بين أطلال التراث وفوضى الحداِثة، وأعيتها أكثر متابعة الأقلام النقدية لها بأسئلة لاتوصل سوى إلى أجوبة سرابية، ولاشك أن هذه المتاهة تجعل اللوحة غير قادرة على ترطيب أحاسيس المتلقي العربي وغير قادرة على إجتياز طريقها إلى الإنتشار، وتجعل الفنان يعيش في عزلة فنية عن مجتمعه، وبالتالي عزوف مجتمعه عن فنه، باعتبار أن تجاربه الفنية هي محاولات أقرب إلى التغريب منها إلى التجريب ويأتي موقعها من حدود المتلقي العربي مهما تأملها، بعيد بألاف الأميال عن أحاسيسه وقلبه ويظل هو منها منفيا خارج حدود تلك المحاولات التي تدور في فلك فوضى التجريدية وأوهام الحداثة، فوضى لا تعمل على أرضنا إلا على تجريد هويتنا العربية في الفن وإلى طمس تراثنا العربي والإسلامي،
نحن بحاجة إلى لوحة عربية تطل علينا في البيت والمقهى، وفي الصحافة والتلفزيون، لوحة يتغنى بها الناقد والمتلقي، كما يتغنى أحدنا بقصيدة رائعة للمتنبي وأخرى للسياب وقصيدة لنزار قباني وأخرى لأمل دنقل وأحمد شوقي، لوحة عربية يطرب لها الشارع العربي كما تطربه موسيقى عربية لعبد الوهاب وأغنية رائعة للسنباطي تؤدى بصوت سيدة الطرب السيدة أم كلثوم وأخرى بصوت فيروز، لكن غياب هذه اللوحة عن الساحة العربية لا يعني فقدانها لكننا نادرا ما نهتف بصدق بإسم لوحة عربية نالت قبولا واستحسانا عربيين، وهنا يأتي دور الإعلام العربي الذي يتحمل القسط الأكبر من هذا الغياب فهو الغائب أصلا عن الساحة التشكيلية العربية إلا عن بعض الخاصة التي تنعم وحدها بشرف الحضور بشكل دائم لكل الولائم والمهرجانات والبينالي عربيا ودوليا، فالاعلام العربي يفتح أبوابه على مصراعيها أمام أبسط النشاطات التي تتعلق بفنون غير العرب ويغطي أعمدة متنوعة على صفحاته وقنواته لأخبارهم ولكنه يوصدها أمام فنوننا وفنانينا وخاصة أمام الفنانين الشباب أمل المستقبل، الذين نراهن على ألوانهم بشروق اللوحة التشكيلية العربية الواعدة.·
وفي ظل المناخ التشكيلي عربيا ودوليا المزدحم بالمعارض والصالونات والانتاجات الفنية المتنوعة، نتساءل : أين موقع اللوحة الحداثوية في إطار الفنون التشكيلية السامية؟ هل توجد، مثلا، موناليزا معاصرة؟ أعني هل هناك لوحة (حداثوية) تتمتع بشهرة الموناليزا؟ تلك العيون التي حيرت بنظرتها الأجيال، وهل هناك لوحة سرقت الأضواء، كما سرقتها لوحة الغجرية النائمة لهنري روسو ؟ أو العشاء الأخير لرامبرانت، والحرية تقود الشعوب للفنان ديلاكروا وإعدام الثوار للفنان كويا الذي عمل بيكاسو على محاكاتها بأسلوبه التكعيبي في لوحة تحمل نفس العنوان، كما عمل على (عصرنة) لوحة نساء الجزائر للفنان ديلاكروا، لكن بيكاسو لم يتمكن من الوصول إلى شموخ الأعمال الفنية لكل من كويا وديلاكروا، ومحاولاته لم تكن سوى إعصار موسمي يشبه إلى حد ما زوبعة في فنجان.
فالساحة الفنية التشكيلية باتت تتخبط في فوضى لونية يستحيل معها التمييز بين لوحة وأخرى وحتى بين أسلوب فنان وآخر، ولم تعد للأعمال التشكيلية في هذه الحالة أية قيمة فنية إلا من خلال إقترانها بتوقيع الفنان الذي اجتهد في فن صناعة الشهرة لإسمه قبل فنه وعمل على تلميع صورته الشخصية على حساب بريق لوحته حتى حضينا اليوم بأسماء فنية عربية ودولية مشهورة مقابل غياب لوحات فنية تشكيلية مشهورة، باستثناء بعض اللوحات التي استمدت شهرتها من شهرة اصحابها.
وما سبق ذكره لا ينسحب على كل الأعمال الفنية المنجزة، ولايحق لنا أن ندين كل المحاولات الجادة والمخلصة التي تسعى إلى البحث والتجديد فهناك أعمال عربية وأوربية معاصرة وإن كانت بعيدة عن دائرة الأضواء والشهرة، لكنها تفيض بالوجدان لونا وشفافية وتستقبل المشاهد بإشراقة نادرة فتطربه بصريا وتمنحه فضاءا رحبا لمتعة القلب والعين، إلا أن صراع الخير والشر الذي يعيشه الإنسان عبر العصور ينعكس على كل الأشياء الجميلة في حياتنا، فيأخذ شكل الصراع بين الفن واللافن والصراع بين الشعر واللاشعر، وبين القبح والجمال، فليس كل ما هو تجريدي يكون بالضرورة عبثيا وليس كل ما هو عبثي هو فن تجريدي وحتى بيكاسو في مرحلته التكعيبية ليس هو بيكاسو في مراحله الفنية الأخرى لكنه (أي بيكاسو) فهم زمانه وساير ما استطاع من غباء وجشع معاصريه، >لأن علية القوم ـ كما قال بيكاسو في حوار له مع الناقد (جيوفاني بابيني) في صحيفة فرنسية عام 1952ـ دائما مايبحثون عن الغرائبي والعجائبي والفضائحي، وأنا بدوري قد أرضيت رغبات هؤلاء بكل الغرائب المتقلبة التي مرت بذهني وكلما قلّ فهمهم لفني كلما زاد إعجابهم بي!
هذا الاعتراف الخطير الذي تجاهلته حينها حركة النقد، قد فتح باب الاجتهاد العشوائي أمام العديد من الدخلاء على الفن التشكيلي ليمارسوا لعبة التشويه تحت ستار الفن الحديث بحيث أصبحت مسيرة الحركة الفنية تخطو باتجاه خطأ أصبح شائعاً على حساب صحيح أمسى ضائعا وأصبح مراد الفنان التشكيلي هو التربع على عرش السلطة الفنية بعيدا عن هموم الإنسان·
وأعتقد أن محن الإنسانية اليوم -ربما يكون- في جزء مهم منها راجعة إلى إهمال الجانب الجمالي والفني في جل أعمالنا مما ينعكس سلبا على أخلاقياتنا ومن هذا المنطلق فإن عناصر الخير عند رجل الريف وبراءته جاءت بلاشك نتيجة معانقته اليومية لجمال الطبيعة وصفاء سماءها وروعة الأفق وقت الشروق والغروب.
وأخيرا، فإن الفنان المفعم بالصدق مهما توغل بعيدا في ترجمة أفكاره ومهما حلق عالياً في سماء التجريد سعيا وراء كل جديد إلا وكان قريبا من المنحى الواقعي ذلك لأن مصادر الإلهام تبقى واقعية وقريبة من تخوم القواعد الأساسية التي تحكمها العلاقات اللونية السليمة وخصوصا الظل والضوء، تماماً كما يتحكم السلّم الموسيقي في العلاقات الصوتية بين نغمة وأخرى، فالألوان لاتختلف في وظيفتها كفن بصري عن وظيفة الأصوات في مجال الموسيقى كفن سمعي من حيث تأثيرها على المجتمع بالرغم من تباين المفردات واختلاف الأدوات، فعملية التبليغ وكذا التلقي موسيقيا أو تشكيليا وإن اعتمدت في جوهرها على التخيل والتجريد، فإنها تنطلق من ذات القنوات الحسّية، التي تصور وتعبر عن محتوى ولغة كل منهما لهذا فإن من حق المتلقي أن يطالب الفنان التشكيلي بأن يطربه بصريا بأنغام ألوانه -إن صح التعبير- لا أن يسخر منه· فقيمة الأعمال الفنية تكمن في عين المتلقي وقلبه لا بأسماء أصحابها.



#حسني_أبو_المعالي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جاهلية المسلمين في زمن الانفتاح والعولمة
- العراق تحت رحمة الحرية والحوار والديمقراطية


المزيد.....




- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حسني أبو المعالي - هموم التشكيل وأوهام الحداثة