أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عزالدين جباري - في ماهية القول الفلسفي وضرورته .















المزيد.....

في ماهية القول الفلسفي وضرورته .


عزالدين جباري
(AZEDDINE JABBARY)


الحوار المتمدن-العدد: 5400 - 2017 / 1 / 12 - 00:42
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لعل من نافل الكلام قولنا إن الفلسفة عصية عن التعريف، وإن أبسط تعريف لا يداخله جدل، التعريف المعجمي في أصله اليوناني، محبة الحكمة. وتعني التوجه العاشق نحو المعرفة المجردة، المعرفة المانحة للفهم والمحققة للسكينة، إذ العشق سعي نحو سكون النفس من الأذى النابع من الإحساس بالخواء، العشق سعي نحو الامتلاء، الامتلاء هنا قرار، ويقين، إنه فعل حركة كافة للحركة.
العشق صورة قصوى للمحبة، وكلاهما نزوع، العشق نزوع والمحبة نزوع، وهما حالتان من الوجود يمكن وصف وضع الإنسان فيهما بكونه " انقذافا " من موطن الدعة والطمأنينة إلى ميدان الفكرة، فالنزوع "هنا" حركة، والحكمة "هناك" قرار.
سؤالنا اللحظة: لم النزوع ؟ لم حركة النفس الوادعة؟ ومتى كانت الوداعة؟
الوداعة طمأنينة إلى قول. حين يعجز القول عن تفسير حدث ما، ينشأ الخلل، فتنفر النفس عن إجابة القول إلى مجابهة الفراغ، القول يفرغ من مقوله، والنفس تهيج عن غفل الفراغ، حيث لا يمكنها أن تعشق الفراغ، إذ النفس لا تعشق سوى الصورة، و الصورة تبدأ في النفس فكرة، ثم تسعى النفس إحلالَها صورةً محسوسة في زمن لاحق.
لمَ لمْ يعد القول قولا ممتلئا بالحكمة؟
القول هنا حدث ناتج عن حدث قبله اتسم بالدهشة وفقدان المعنى، القول رتق يبدد الذهول وينسج خيوط المعنى المنفلتة. وإذا كانت الخيوط دوما هناك، فالإنسان ظاهرة لاحقة لقول سابق وحدث أسبق.
القول الفلسفي اكتشاف لتهدل النسيج، ولترهل الإجابة.حيث لا إجابةَ مكتملةٌ، لأن الأحداث لا تتوقف.
تعريف الفلسفة إذن،هو أنها قول أول، يندهش من فداحة الحدث، وضآلة الأقوال المجيبة عنه، ف"يجترح" المعنى. إن الاجتراح في التعبير يصاحبه إحساس غامض باقتراف الخطيئة وارتكاب فعل آثم، فاجترح الإثم ارتكبه، يقول الله تعالى: " أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون " . الجاثية، الآية 21 . ويتفق كل المفسرين وعلماء اللغة على أن الاجتراح اكتساب، يقول الزمخشري في الكشاف : ( والاجتراح الاكتساب. ومنه الجوارح وفلان جارحة أهله، أي كاسبهم . ). الفيلسوف بهذا إذن، وبهذا المنزع من القول، منذور لاقتراف قول جديد، مُفرَد، بِدعةٍ من القول، وهو لذلك منذور لسخط الجماعة ومجافاتها. بيد أن الفيلسوف إذ يجترح، فهو يسعى لاكتساب سبيل لحقيقة موضوعة أمامه ، ماثلة للانكشاف. فالفيلسوف جارحة أمته، وقد يرقى في مدارج الإنسانية فيؤول جارحة عصره.
إننا حينما نسمع كلمة اجتراح يوخزنا إحساس كامن في لاوعي الضمير، هو شعور متلفع بغبش مشوش، يجعلنا نفزع من العلاقة بين لفظ الجارحة ومعنى الجرح. كيف لنا أن نفهم تسمية يد الإنسان بالجارحة التي تفيد اسم فاعل من الجرح؟ فهل معنى ذلك أن الوجود الأصيل للإنسان هو وجود لا-وَسَلي، هو وجودُ كمون وسكينة واكتمال؟ وأن الفعل إيجادٌ ، زمن ثمة حركة ترج السكون، وتمزق غشاء الكمون، فتألَم الكينونة مثلما يتألّم الجسد من الجرح الحسي؟
يجترح الفيلسوف المعنى بأن يشقه من ثياب الغياب، من غمرة السهو. فالإنسان كائن لا يقوى على أن يظل في حالة استثارة للفكر بشكل متصل، بل يتوجب عليه أن ينسلك في مسالك النسيان، فيحتمي بغطاء الأجوبة الجاهزة، ويؤجل مهمة التقصي، والتحليق في الأعالي، هناك، حيث تنفتح كينونته، إلى أن تتوارى بالحجاب، فتغمره الحواس، وتملأ جوانب تفكيره وانشغاله، فيسقط في السهو، وتتراكم طبقات من الصور والأفكار والتجارب والقيم، فاصلة إياه عن وجوده الأصيل، وعن الإنصات لخطاب الكينونة.
حين يكشف الفيلسوف الخلل بين القول كإجابة والحدث كتحد، حين يقيم في هذه المسافة بين القول والمقول- الحدث، تتخلق عنده أزمة القيمة والنبض، يجرب إجابة القيمة التي يوفرها له مناخ النشأة، ويصارع من أجل إعلاء كلمتها، إلا أنه يفشل في الوصول إلى القرار، يظل النزوع لا يجد له مأوى يقر فيه، الدفق النابض أشد وطأة من الإناء الذي تقدم فيه إجابة القيمة. النبض الغرزي لا يفي بالجواب، فإرادة الغريزة لا تحررها بالكامل، هناك دوما ثقافة تعدل مسارها، كما أن المجتمع الإنساني سياسي بالاجتماع، لذلك فالغريزة لا يمكنها أن تسود، لأنها تنطوي على خطر الإبادة. يقول " نيتشه " في " إرادة القوة " : ( في البنية الداخلية للنفس، لدى الإنسان البدائي، تسود خشية الشر ) . الغريزة إرادة للقوة في اتجاه واحد.. البقاء للأقوى.
أما القيمة فهي سيادةٌ للثقافة المتغلبة السائدة، وهي بذلك تطمر الأفراد الإشكاليين، إن الإشكال عنوان إقامة السؤال الفلسفي، والذي هو إدراك للمسافة بين الحدث الفادح والقول الهزيل المهترئ.
إن القول الفلسفي اجتراح للممكنات التي لم توطأ أرضها بعد، حرث في مجال الإمكان، لأن التاريخ حركة لولبية لكنها متقدمة نحو الأمام، لها حلقات تشبه في أشكال منها حلقات قبلها، لكنها تفارقها، لأنها أعلى منها، وصورة ذلك قانون " نفي النفي " في تفسير حركة التاريخ لدى " كارل ماركس ".
إن قولنا إن الفلسفة تلفظ كل المسلمات السابقة، وتفتح طريقا جديدا من التفكير منبعه الدهشة، هو أقرب تعريف لحقيقة القول الفلسفي.
إنه بهذا الاعتبار، لا معنى لقولنا فيلسوف مادي، أو فيلسوف إسلامي، وآخر نيتشوي. هؤلاء يقدمون إجابات على هدى مصابيح تنير لهم الطريق، فهم شراح إذن، أوخريتون خبروا ملتويات الطريق، أما الفيلسوف فهو الذي سلك كل الطرق ولم يعثر إلا على الطريق التي تنبع من جهده، فانفتح له ضوء مكان جديد.
لايمكن للفلسفة أن تنشأ من فراغ، هنالك دائما قول أول، أو أقوال أولى، و ثانية ، هي شارحة للأقوال الأولى.
والفيلسوف لا " يقنع بما دون النجوم "، إذا استعرنا قول المتنبي. هو صاحب قول أول، يريد سبر الأصول، وتعرف أسباب النشوء، وردم الفجوات.
القول الفلسفي إذن، قول " لا أدري " بالتحديد. واللاأدرية هنا عارية عن كل معنى تلبس بها عبر تاريخ الأفكار السابقة لهذه اللحظة التي نفكر فيها. لذا، لا يُهمنا كثيرا تقصي دلالاتها في بطون الكتب، فمعناها ليس بالعمق الذي يخفى على أحد. ولعل أعمق لحظة لاأدرية عاشها مفكر عربي مسلم هي لحظة خروج الإمام الغزالي للبحث عن الحقيقة، بالرغم من أنه كان من أشهر منارات الهداية نحو القيم الدينية السامية، غير أن النبض فيه تخطى القيمة لروح الإمكان.
اللاأدرية التي أعني، هي لحظة توهج، تشبه توهج الشمعة في رمقها الأخير، فهي سرعان ما تخبو لأن المادة انتهت، مادة الجواب فقدت أن تظل حكمة، أو مصدرا لليقين. في هذا الزمن الخابي تتخلق الحاجة وينشأ الفراغ، ويصبح القول الأول ضرورة وجودية.



#عزالدين_جباري (هاشتاغ)       AZEDDINE_JABBARY#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- اغتيال بلوغر عراقية شهيرة وسط بغداد والداخلية تصدر بيانا توض ...
- غالبية الإسرائيليين تطالب بمزيد من الاستقالات العسكرية
- السعودية.. فيديو لشخص تنكر بزي نسائي يثير جدلا والأمن يتحرك ...
- صحيفة: بلينكن سيزور إسرائيل الأسبوع المقبل لمناقشة صفقة الره ...
- الديوان الملكي يعلن وفاة أمير سعودي
- الحوثيون حول مغادرة حاملة الطائرات -أيزنهاور-: لن نخفض وتيرة ...
- وزارة الخارجية البولندية تنتقد الرئيس دودا بسبب تصريحه بشأن ...
- أردوغان يقول إن تركيا ستفرض مزيدا من القيود التجارية ضد إسرا ...
- وزير الدفاع الأمريكي يشكك في قدرة الغرب على تزويد كييف بمنظو ...
- مشاهد للوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير قبل لحظات من ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عزالدين جباري - في ماهية القول الفلسفي وضرورته .