|
إشارات قصيرة إلى الماء
أسامة حسن
الحوار المتمدن-العدد: 5312 - 2016 / 10 / 12 - 23:31
المحور:
الادب والفن
( 1 )
لكي أكونَ حقيقاً بالإشارة ، مثل عطش الأقحوان ؛ حين يخفي تحرشات أزمنةٍ قديمةٍ مخاتلاً نظراتنا المتلصصة ، فسوف أزرع القنابل جنباً إلى جنبٍ مع التساؤلات في تباريح الجسد المتداعي كمدينةٍ منهزمة , عليَّ إذن ألا أكون حادياً ، وألا أنشغل بالغناء / أحبولةِ الدروب الملتوية - على قدر الحنين إلى المشارب ، لا يجيء الحداة ولا أغاني الحداة فهم دائما مفتونون بالريح إذ تغزل قميصين : للهواء من غبار ، وللطواحين من تأمُّلات ومساءلة . ( 2 )
ينبغي علينا – أكثر من أي وقت مضى – أن نصغي إلى الماء ، فهو وحده لديه الحكاية - الحكاية / السنابكُ تدكُّ كتل الدم الأسود والفجيعة . ينبغي علينا ، أن نثخن بالماء في صحارَى الأنفس ، إذ جعَّد ملامحها خرسٌ ناشفٌ ، هاكُمُ الماء إذ يوميء إلى أي شيء : يكون وهمٌ ، وتكون خديعة . قبل لغة الماء الحدس ، وقبل الحدس المشابهة – المشابهة : دخولٌ إلى المرايا ، وانصهارٌ للصوت - تماماً كالحديد والنار ؛ تماماً كالجسد وشهوات الجسد .
( 3 )
مواكبُ من ظلالٍ وغيومٍ سوداء ، تساق إلى محاكم تفتيشٍ خالية من الأخطاء والتخيلات ، وأنا إذ أرسم العالم خاليًا من الأشجار : ثمَّ وجه الفضاء يُسَوِّره دخان وحيوانات ، وشجرة تقترب لتكسوَني وتسرقَني من الحيوانات الطالعة من الشمس ، كنت أرى الأرض حفرة سوداء ، يسَّاقط فيها رجال مترعون بالأطفال ، وأطفال ، وخيالاتهم طريَّةً كالطحالب ، الطحالب خضراء – خضراءُ كقلب أمي النابض ، دائمِ الوفرة الذي يَضُخُّ الحب بقوة مليون حصان ، والذي يكره الشوك ويكره الاغتيالات .
( 4 )
كنت ممن شهدوا الواقعة ، من أول : جابٍ يتهيأ السوط ، وقاضٍ يتوشَّح بسنبلةٍ وموارَبَةْ ، ورأسه بين حذائيه ، والمحاكم المُزَّيِّنة بخشب الزان ، والخالية تماماً من الشعر والورود ، إلى حدِّ الوصول : إلى شيخ سماؤه من عِقْبانٍ سوداء وهو يمَرِّغ وجهه في التراب ويهتف : العمر مصيدة الأخطاء القاتلة .
( 5 )
كان لي الحظ في معاصرة اختراع السينما ، إذ منحني ذلك مشاهداتٍ لأزمنةٍ تَوَلَّاها النسيان : أوراق تتحلَّق حول موائدَ مرتفعةٍ عن الأرض ببضعة سنتيمترات وقوائمَ سوداء تتناول جسد الشجرة / الأم ثم يعتورها بكاءٌ هستيري لذكرى مفاجئة للحنين إلى الطيران ومعانقة الهواء .
( 6 )
في شرر التساؤل يشتملني ضوءٌ يسنُّ إبرَهُ باندفاع مصارع ثيران ويعلق بمشابك أحلامَ أطفاله الضائعة ، أرتوي بالضوء وأُغوَىْ كي أصبَّ السماوات في كؤوسٍ وأباريق وأوردَها رجالاً ونساءًا من جميع الألوان والجنسيات – رجالاً ونساءًا لا يعرفون الكراهية نتنادم ، وفي الثمالة : يكون حديثنا قصيدةً يانعة ، والوقت غسقاً ؛ إذ القمر يفرش هلَّاتِه نتساءل : كيف يمكننا – نحن المليئين بتباريح فرحانةٍ – أن نرى العالم وهو قادمٌ من جميع النواحي ذاهبٌ إلى جميع النواحي هل أراه عبر قصائديَ الوعرة ؟ قصائدي المتناثرة على أرضية غرفتي حيث لا تُعرف تخومٌ أو تزاويق على سبيل المثال : هناك قصيدة أسفل سريري وهي في كل ليلة تتدلى من شبابيك أحلاميَ المشرعة .
( 7 )
بين أصابعي نبتت براعم أطفالاً يفرون من شجر الليل ، ومن بين أصابعي إلى ذؤابات سامقة ينسرب الليل ملاحقاً شياطينه لدى رُبًى إلهيةٍ جداً حيث جنيات تتراقص أواصرها والموجَ حميمةً والشجيرات التي غدت مقاصير تقطر العالم في أردافها – كل شيء في الظلام يصير إلى ما كان طفلاً ، ما الخطيئة إذن في حبال الحنين : تنمو على شبابيك المحبين كنباتات متسلقة ؟ كل شيء من طعنة الضوء شيخٌ ، ولكن العالم المتمدن يكره نمو البراعم في الضوء واتشاحَ الأطفال بأحلامهم من الإردواز ورجلاً يقبل حبيبته على قارعة الطريق من شدة الخوف .
( 8 )
شتاءًا ، تغْمُرُني الهواجس ، وتنتابني المَسَرَّات بضراوةٍ ، كأنَّني السائرُ في غابةٍ من نشوةٍ وأهازيج ، ولكنِّي أسائلُ نفسي - حين أصغي إلى الماء ، وهو يحوِّل الأشياءَ إلى حياةٍ وكرنفالات – كيف يتجوَّل القمر ولا يخشى حيوانات الليل ، كيف يتقن القمر لصوصيته ، وكيف ينام في العراء ؟ آلاف المصاريع تخون آلاف الأبواب ، بكل ما أوتيت من أفاريز ؛ إذ ينسرب منها الضوء وخيالات الضوء ، وتهامسات اللصوص إذ يطاردون امرأةً تحبس نهرًا بين نهديها ، ويسألونها : كيف تَحْكُمُ السدود هذه القطرات ، وهي أناركيةٌ وطاغية ، كيف يشبه الماء النسيان ، وكيف يُكتب على الأوراق ولا يبوِّشها ؟ وأسألها : هل يمر النهر من أسفل سريري ؟ هو إذن من يجرف جريانُه قصائدي ، بعيدًا عن الباحثين عن حيواتهم ؛ والباحثين عن خواتم سليمان وزنابق أوفيليا ، بعيدًا عن مالك الحزين وشقائق النعمان .
#أسامة_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
-
وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف
...
-
-الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال
...
-
-باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
-
فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
-
مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
-
إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر
...
-
مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز
...
-
الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
-
اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|