أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نزار جاف - الانثى و الخوف.. الشفافية و الإستلاب














المزيد.....

الانثى و الخوف.. الشفافية و الإستلاب


نزار جاف

الحوار المتمدن-العدد: 1395 - 2005 / 12 / 10 - 12:34
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


کان غريبا حين طلبت مني زوجتي أن أصحبها لزيارة الطبيبة الالمانية السيدة"هيلترود فون هايدن" المختصة بأمور النسائية و التوليد، وحين إستوحضت الامر من رفيقة حياتي، أبدت هي أيضا جهلها بالسبب، غير أنها کانت تثني دوما على هذه الطبيبة بعد کل زيارة و تغدق عليها أوصافا في غاية الرقة و الوداعة. ومهما يکن من أمر، فقد إصطحبت زوجتي ذات صباح قارص البرودة ودلفنا الى عيادة الدکتورة السيدة فون هايدن. ووجدتها إمرأة قد تجاوزت العقد الخامس من عمرها بقليل، کانت ذات جمال مميز و تملک بقايا سحر أنثوي لا يزال فاعلا الى حد ما، لکن الذي کان يلفت إليها النظر أکثر من أي شئ آخر، هو ثقتها و إعتدادها الراسخين بنفسها، وقد شعرت بذلک من خلال مصافحتها التي شدت فيها على کفي بقوة. ومنذ الوهلة الاولى، قالت لي، قبل أن أبدأ بشرح السبب في دعوتي أياک لزيارتي، أود أن أن أبادرک بسؤال يحضرني الان وهو: ماذا ترى في المرأة؟ وکما ترون إنه سؤال بسيط، لکنه يصبح صعبا و معقدا حين يکون في حضرة أنثى حقيقية، أنثى تعي بکل جوارحها مصائب و ويلات مجتمع سيادة الرجل، وهنا کانت تسکب العبرات، وکعادة إکتسبتها من خبرتي في العمل المسرحي في معالجة المواقف الصعبة، أخذت نفسا عميقا و حاولت أن أقوم بعملية إسترخاء لکياني الذي کان قد شده الى بعضه البرد، وکأنها کانت تقرأ أفکاري و تسبر أغواري حين داهمتني بإبتسامة رقيقة وهي تقول: لا يا سيد جاف، أنت تأخذ إستعدادا للإجابة مما يفقد إجابتک نکهة البديهة التي تدل على فطرة الانسان! والحق إنها أصابت کبد الحقيقة ذلک إن أجمل الکلام و أصدقه و أقربه للقلب هو ذلک الذي يخرج من أعماق الانسان طبيعيا و بدون تکلف أو سابق تصنع. السيدة فون هايدن قالت لي وهي تحاول أن تنهي حيرتي و تشبع فضولي، إن الذي يراه الرجل کإنسان في المرأة هو الطمأنينة و الدعة و السلام. ولا أخفي عنکم أن إجابتها قد أعجبتني کثيرا ولما کنت دوما متسلحا بالقلم و قصاصات الورق"کعادة أي صحفي کلاسيکي"، فقد دونت رأيها هذا و شئ من ذلک الإحساس الذي أوردته آنفا. وهنا حاولت أن أستلم زمام المبادرة حين باغتتها قائلا: حسنا دکتورة، بماذا أستطيع أن أخدمک؟ وفجأة وجدتها وقد دعت لغة الإبتسامات جانبا و أشارت علي بالجلوس، وهي تقول: لقد أخبرتني السيدة جاف بأنکم کاتب و صحفي، أليس کذلک؟ فأشرت برأسي بعلامة الايجاب، عندئذ إستطردت وهي تقف في زاوية محددة و کأنها في صدد تحقيق نفساني خاص جدا: حسنا سيد جاف، وکما أخبرتني زوجتکم أنکم تکتبون في مجالي حقوق المرأة و حرية الإنسان! وکم أسقط في يديه لم أملک سوى الإيماء بالإيجاب. وهنا تنفست الصعداء وهي ترفع رأسها و تجعل بصرها شاخصا في سقف الغرفة، ثم رکزت عينيها في عيني وکأنها صقر يحدق في فريسته من السماء وأردفت برقة: لماذا أجد النساء المسلمات بشکل عام و العربيات بصورة خاصة خائفات و خجولات و مترددات و مبادرات بإظهار الالم مهما کان خفيفا؟! وهنا وبدافع من حسي المهني کصحفي إستفسرت منها السبب من وجهة نظرها بحکم خبرتها و إحتکاکها بالنساء من الصنفين اللذين أشارت لهما آنفا. قالت، أنا إن تکلمت فقد تزعجک تصوراتي و رؤيتي للأمر. وحين أظهرت لها إحترامي للرأي الاخر مهما کان نوعه و إتجاهه، قالت بهدوء وکأنها تجمع کل رجال الشرق في شخصي أنا بالذات: بقرة للحرث و الحلب في النهار، ولحم ممدد لإفراغ شهوتکم في الليل!! کلام الدکتورة فون هايدن، کان صادقا و يضرب في الصميم، إنه کلام نابع من تحسس أنثى متحررة ذات شخصية قوية بأخرى مستعبدة ذات شخصية ثانوية و ذيلية في أغلب الاحوال. إنه کلام يحاکي الوضع المأساوي للأنثى في ظل قيم سيادة الرجل التي سوف تبقى طاغية طالما بقت المعايير الفکرية ـ الإجتماعية هي السائدة و المتحکمة في زمام الامور. الخوف و التردد و المبادرة بإظهار الالم مهما کان خفيفا، يرجع في حد ذاته الى عامل الکبت القسري المستمر للأنثى في کل مراحل حياتها و جعلها نموذجا مستلب الإرادة و الشخصية و مسيرة بفعل قيم جاهزة و مقننة قبل ولادتها! الانثى تخاف من مجابهة الذکر، تخاف من کشف مافوق رکبتيها و ماتحت رقبتها، تخاف من الجلوس الى أي ذکر غير المسموح لها"وفق القيم و الاعراف"، تخاف من إظهار حقيقة مشاعرها حيال أي شاب تتمناه أو حتى تحبه في سرها، تخاف و تخاف وقائمة طويلة من خوف لا ينتهي للأنثى إلا في بلادنا الموبوئة بمرض الجمود و مصادرة العقل. وقد صادف في غمار عملي الصحفي أن إلتقيت بالعديد من الوجوه النسوية التي تعمل في مجالات تتعلق بالمرأة و حقوقها، وحين کنت أبادرها بأسئلة تتعلق بقضايا ترجع أسسها للنظام الفکري ـ الاجتماعي، سرعان ماکنت أجد الخوف و التردد على أشده في عيون محدثتي! لقد حولنا الانثى من حيث لا نشعر الى کائن ملغوم بألف سياج شائک يدمي وجودها الإعتباري و يشوه محتواها الإنساني. الانثى التي تجدها لحظات إنطلاقتها الحقيقية من أقفاص الوهم الذکورية، کم هي شفافة و رقيقة و صادقة في عکس إحساساتها و مشاعرها. إنها تحب بصدق و تختار بصدق و تخلص بصدق و تبني أسرتها بصدق، وتود أن يکون کل ماحولها مبني بلبلاب الصدق! وحب المرأة للصدق يأتي أساسا من کرهها العميق المتأصل في غورها للکذب، ذلک أن الواقع الفکري ـ الاجتماعي المحيط بها من کل الجهات، هو واقع مبني على کذب خاص موجه ضدها بالتحديد. إن کره الانثى للکذب يأتي أساسا من العلاقة الجدلية القوية مابين الخوف و الکذب، ذلک أن کل وسط موبوء بالخوف أرضية خصبة للکذب، وحين يمارس الانسان الکذب ويصبح زاده اليومي الذي لابد منه لکي يعيش في وسطه الاجتماعي، عندئذ فقط تبدأ عملية مصادرة إنسانية الإنسان و هو أجلى صور الإستلاب الطوعي الذي تجسد و يتجسد دوما في أنثى بلداننا!

ملاحظة: کتبت هذا الموضوع بوحي من مقالة للزميل العزيز"شربل بعيني"، تحت عنوان"لماذا يغتصب الآباء بناتهم"والمنشورة في موقع (دروب).



#نزار_جاف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محمد باقر الصدر.. عبقرية نادرة في زمن الازمات*
- المرأة و صداقة الرجل.. النار و الهشيم
- فينوس فائق: الشعر مساحة أوسع من الخيال و عبث من طراز فريد
- الإصلاح و الخطاب السياسي و البطيخ الاسلامي
- أدعياء التمرد و العبث و الثقافة
- التيارات الرجعية و المتطرفة في طريقها للإنحلال و هي آيلة للس ...
- الانسان من فردوس السماء الى جحيم الالة
- هل هي حقا نهاية الانسان؟
- المرأة و الحب..الزهرة و الشذى
- المرأة و الازدواجية
- خطاب يقود الى الهاوية
- قراءة کوردية لمظفر النواب
- عبدالله بشيو..شاعر الحلم الکوردستاني
- الانثى...ملکة العدم المحاصرة
- الاتحاد الاوربي و أمريکا لايحبون الحصاد في الربيع
- ثقافة الحرية و حرية الثقافة
- حرية اوجلان..التنافس الاوربي الامريکي الضمني
- من رفع القران الى ترشيح جمال مبارک: کلمة حق يراد بها باطل
- المرأة و الجنس..حکاية الورقة و التوت
- ترکيا و إعادة محاکمة اوجلان: خيارين لا ثالث لهما


المزيد.....




- مقتل امرأة عراقية مشهورة على مواقع التواصل.. وأجهزة الأمن تح ...
- “احلى اغاني الاطفال” تردد قناة كراميش 2024 على النايل سات ka ...
- إدانة امرأة سورية بالضلوع في تفجير وسط إسطنبول
- الأمم المتحدة تندد بتشديد القيود على غير المحجبات في إيران
- الاعتداء على المحامية سوزي بو حمدان أمام مبنى المحكمة الجعفر ...
- عداد الجرائم.. مقتل 3 نساء بين 19 و26 نيسان/أبريل
- هل تشارك السعودية للمرة الأولى في مسابقة ملكة جمال الكون؟
- “أغاني الأطفال الجميلة طول اليوم“ اسعدي أولادك بتنزيل تردد ق ...
- استشهاد الصحافية والشاعرة الغزيّة آمنة حميد
- موضة: هل ستشارك السعودية في مسابقة ملكة جمال الكون للمرة الأ ...


المزيد.....

- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى
- مشاركة النساء والفتيات في الشأن العام دراسة إستطلاعية / رابطة المرأة العراقية
- اضطهاد النساء مقاربة نقدية / رضا الظاهر
- تأثير جائحة كورونا في الواقع الاقتصادي والاجتماعي والنفسي لل ... / رابطة المرأة العراقية
- وضع النساء في منطقتنا وآفاق التحرر، المنظور الماركسي ضد المن ... / أنس رحيمي
- الطريق الطويل نحو التحرّر: الأرشفة وصناعة التاريخ ومكانة الم ... / سلمى وجيران
- المخيال النسوي المعادي للاستعمار: نضالات الماضي ومآلات المست ... / ألينا ساجد
- اوضاع النساء والحراك النسوي العراقي من 2003-2019 / طيبة علي
- الانتفاضات العربية من رؤية جندرية[1] / إلهام مانع


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - نزار جاف - الانثى و الخوف.. الشفافية و الإستلاب