أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - كالكنج أو الليلة الثانية بعد الألف وما يتبعها لسالمة صالح















المزيد.....

كالكنج أو الليلة الثانية بعد الألف وما يتبعها لسالمة صالح


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 5175 - 2016 / 5 / 27 - 12:42
المحور: الادب والفن
    


تُذكِّرنا رواية "كالكنج أو الليلة الثانية بعد الألف وما يتبعها" للقاصة والروائية العراقية سالمة صالح بالعديد من القصص الإطارية Frame Story التي يمكن أن نتلمسها في "ألف ليلة وليلة"، و "كليلة ودمنة" و "حكايات كانتربري" وغيرها من قصص وملاحم الشعوب المعروفة التي هيمنت على الذاكرة الجمعية للناس في كل مكان من هذا العالم.
تقنية القصة الإطارية ليست جديدة إذن كما أن فكرة الترحال، وركوب الأهوال قديمة قِدم الإنسان. فما جديد سالمة صالح في هذه الرواية الفنتازية؟ هل أن الجديد يكمن في الثيمات غير المطروقة من قبل؟ أم في طريقة معالجتها؟ أم أن هناك رهانًا قويًا على اجتراح قصص جديدة لم تجترحها المخيلة العجائبية للقصاصين والروائيين العالميين من قبل؟
أُعجب الملك شهريار بالقدرة السردية لشهرزاد، واقتنع برجاحة عقلها في الليلة الألف لذلك استبقاها كزوجة له، وكتوأمٍ لروحه الملتاعة. أما شهرزاد "الليلة الثانية بعد الألف وما يتبعها" من ليالٍ تسع لا غير فهي امرأة جديدة بكل تأكيد حتى وإن كانت تروي قصصها الخرافية إلى ملك ظالم سفّاح اسمه شهريار، ذلك لأن الخيانة عند بعض النساء مستمرة استمرار الوفاء عند البعض الآخر مثل شهرزاد ومنْ هنَّ على شاكلتها، وشهرزادنا الجديدة تروي قصصها التسع إلى ملوك جُدد وقرّاء يتناسلون على مرّ الزمان.
يتمثل الخُطّاف السردي Narrative Hook في الليلة الثانية بعد الألف بإجابة أحد الأبناء لسؤال والده السندباد عن السبب الذي منع ابنه الأصغر من الحضور بينما هو راقد على فراش المرض حيث قال له: "إنه في أرض لا يعرفها أحد "(ص5). وبما أنّ هذه الجزيرة لا يعرفها أحد فإنها تلفت انتباه القارئ الذي يتشوّق لمعرفتها، واكتشاف مجاهيلها.
السندباد الصغير يفكر برحلته الجديدة ويقنع صديقه هشام في خوض هذه المغامرة التي سينضمّ إليها البحّار الحكيم الذي يعتبره أهل الحيّ معتوهًا لكنهم أطلقوا عليه صفة "الحكيم" تهكمًا، وقد يبالغ البعض فيسمّيه بالفيلسوف لأنه يقرأ كتبًا كثيرة، وينطق بعبارات لا يفهمها أحد.
ينطلق الثلاثة من مدينة البصرة، وفي أثناء الرحلة يتفقون على تسمية جزيرتهم بـ "كالكنج" وهي تسمية جميلة وغامضة في آنٍ معا.
تتعدد الأنساق السردية بتعدد الحوادث ولعل أبرزها في هذا الفصل مساعدة الشبان الأربعة الذي كانوا يتشبثون بقارب نجاة في الصعود إلى ظهر السفينة ليصبح العدد سبعة أشخاص كانوا يقتربون من جزيرة مجهولة لا يعرفون عنها شيئا.
على الرغم من دهشة الترحال ومفاجآت المغامرة إلا أن السأم بدأ يتسلل إلى النفوس وسوف يأخذ أشكالاً أخرى مثل الإحساس بالضيق، والشعور بالغربة المكانية والروحية وما إلى ذلك.
أن الجزر الثماني التي سوف يطأها المغامرون الثلاثة ويكتشفون مدنها الغريبة، ويتعرفون على أناسها وطرق تفكيرهم وعيشهم هي الهدف غير المُعلن للرحلة آخذين بنظر الاعتبار رغبتهم في اكتشاف جزيرة غير مألوهة لا يملكها أحد. ففي جزيرة "أضاليا" أدهشهم الشبه الغريب بين أبنائها وكأنهم نسخ مكررة أوحت لهم بأن هذه المدينة تكره الاختلاف، بل أن الرجال الأربعة قد تغيرت ملامحهم وأصبحوا يشبهون أبناء الجزيرة فقرروا البقاء فيها لأنهم اعتقدوا أنها الأكثر رغدًا وثراءً من أي جزيرة أخرى في العالم.
في جزيرة "غافث" تفقد اللغة وظيفتها. فحينما يذهب هشام بصحبة الحكيم لاقتناء حذاء جديد من السوق، يجلس السندباد في أحد مقاهي الأرصفة ويستمع إلى أحاديث الناس من دون قصد فيكتشف أنهم يتكلمون في آنٍ واحد أو تباعًا ولكن "لا أحد يصغي إلاّ لصوته الخاص"(ص35) فيشعر بالغربة لأن اللغة ليست وسيلة اتصال وإنما أداة تشويش وانفصال الأمر الذي يدفعهم للرحيل بحثًا عن جزيرة أخرى يتواصلون فيها مع الناس في أقل تقدير.
أدهشتم "كرمة" أو "المدينة القبّة" فتوقعوها مركبة فضائية قادمة من كوكب آخر، ثم تصوروها قاعدة عسكرية لكن وصول رجلين في مركبة غريبة الشكل قطع دابر التصورات فتبين أنها مدينة عزلت نفسها بقُبّة زجاجية لأن الطيور أكلت كل شيء تقريبًا، كما أنها نأت بنفسها عن "الضيوف المزعجين، والأمراض الوافدة، والسحنات الغريبة"(ص42). وعلى الرغم من وجودهم في مدينة مستقبلية وحداثية جدًا إلا أنهم شعروا بأنفسهم "مثل حيوانات حبيسة" مختنقة فسرعان ما غادروها ليجدوا أنفسهم على الساحل يتنفسون هواءً نقيًا يعيدهم إلى صفاء الطبيعة وبراءتها الأولى.
تتواصل دهشة المغامرين في "مكنانة" أو المدينة العمودية المكتفية بنفسها، والمقسمة إلى خمس وحدات إدارية تربطها مصاعد يسمونها شوارع عمودية. المدينة مبنية على مساحة ضيقة من الأرض، وفيها متحف تاريخي يروي قصة أجدادهم القراصنة الذين هاجموا سفينة، واستولوا على محتوياتها، وبنوا برجًا عموديًا مثيرًا للدهشة.
لعل أهم ما في هذا الفصل من حيث التقنية والبناء المعماري للرواية هو Chekhov s gun أي "بندقية تشيكوف" فالزجاجات المختلفة الأحجام، والمرتفعة الأسعار تبدو فارغة لكنها في واقع الحال مليئة بأربعة أنواع من الرياح، الأولى خفيفة، والثانية قوية، والثالثة للعواصف، والرابعة للأعاصير . اشترى السندباد زجاجتين، واحدة للريح الخفيفة المنعشة والثانية للأعاصير بعد أن عرف طريقة استعمالهما. كانت هاتان الزجاجتان بمثابة "بندقية تشيكوف" التي سوف نسمع لاحقًا صوت طلقاتها أو نشمّ رائحة بارودها المحترق.
تُعزِّز "ودنة" عنصري الدهشة والغرابة فحينما يتجول السندباد ورفيقيه في هذه المدينة يكتشفون أنها مهجورة ولم يبق فيها سوى الملك الذي تركته مؤخرًا ابنته، وودعه حارسه الشخصي "سرور" لكي يقيم مع أبنائه الثلاثة بسبب كبره وعجزه عن تقديم أي خدمة للملك. اقترح عليهم أن يسكنوا في الجزيرة لكنهم رفضوا ثم طلب منهم أن يأخذوه معهم ويتركوه عند الوصول إلى أول مكان مأهول. فلم تُغْرِهم التحف المعمارية التي بناها لأن العزلة سوف تحاصرهم، وسوف تفتك الوحدة بكل واحد منهم على انفراد.
في مدينة "بشرى" يعوّض الملك أصحاب مزارع التفاح ويدمرها كلها باستثناء مزرعة واحدة يبقيها لاستهلاكه الخاص لكن الصبيان الثلاثة الذين كانوا يبحثون عن الكمأة يكتشفون هذه المزرعة الخاصة ويأكلون من تفاحها دون أن يتسمموا الأمر الذي يشجع رجال "بشرى" على مطاردة الملك وزراعة التفاح من جديد.
شعر السندباد بالضيق في مدينة "كارلين" التي تجاوزت عصر المكننة ووفرت لأبنائها كل شيء تقريبًا لكن عددهم لم يتجاوز المائة وعشرين نسمة الأمر الذي أشعر السندباد بالضيق في هذه المدينة الخالية من البشر تقريبًا.
لم يعثر المغامرون الثلاثة على الجزيرة وحتى لو وجدوها فإن السأم سوف يتسلل إليهم تباعًا. وبحسب خبرة الحكيم فإن المتعة في الرحلة ذاتها. أما زجاجات الريح فقد ظهرت الحاجة إليها عند أول عاصفة هبّت عليهم حيث أخرج السندباد زجاجته ووجهها صوب العاصفة فأخذت تدور في محلها حتى هدأت كليًا. وحينما وصلوا إلى البصرة ورأى هشام يتصبب عرقًا أخرج زجاجة النسيم من جيبه وفتحها فهبّت نسمة باردة على المدينة ليقنعنا السندباد التي تختبئ وراءه المؤلفة، بالمنحى العجائبي لمجمل القصص التي وردت ضمن القصة الإطارية. باختصار شديد، أن شخصيات "كالكنج" تحارب السأم، وتكافح العزلة، وتبحث عن التفرد في مجتمع متنوِّع لا يحبّذ الاستنساخ والتشابه المُملّين.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سبي النساء الإيزيديات بصيغة وثائقية
- وجوه بصرية مألوفة رسخت في ذاكرة الناس (3-3)
- وجوه بصرية: سيرة مدينة بين التقريض والنقد اللاذع (2-3)
- وجوه بصرية: الذات والموضوع في رباعيات الشاعر حسن البياتي (1- ...
- رسائل ثقافية متبادلة بين الشاعر حسن البياني وبين أدباء آخرين
- العيون السود ومتلازمة الخوف والانكسار
- قراءة في رواية التيه والزيتون
- التيه الفلسطيني ومأزق البحث عن الهوية
- قراءات نقدية في شعر حسن البياتي ومؤلفاته وتراجمه على مدى ستة ...
- 50 كاتبًا عراقيًا وعربيًا يشيدون بأشعار حسن البياتي وتراجمه
- تحطيم الحدود الفاصلة بين الروائي والوثائقي في فيلم (صدمة)
- نظرة أدبية ونهج جديد في فهم النص القرآني
- دور المنظورية في تفسير سورتي (عمّ والتكوير) لصلاح نيازي
- من تقنيات التأليف والترجمة لصلاح نيازي
- شتاءٌ مُلتهب: معركة أوكرانيا من أجل الحرية
- عُطارد وحكاية الخلود في الجحيم الأبدي
- تقنية الشخصية المُنشطرة في رواية -عِشق- لمريم مشتاوي
- البطولة المضادة والأداء التعبيري في فيلم سافروجيت
- ستيف جوبز. . صانع الأجهزة الحميمة والباحث عن الاستنارة الروح ...
- الشاعر صقر بن سلطان القاسمي . . . ربّان الموجة المتمردة


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عدنان حسين أحمد - كالكنج أو الليلة الثانية بعد الألف وما يتبعها لسالمة صالح