أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود موسى الصباغ - الحاجز: هندسة جديدة للخوف!















المزيد.....


الحاجز: هندسة جديدة للخوف!


محمود موسى الصباغ

الحوار المتمدن-العدد: 5162 - 2016 / 5 / 14 - 09:38
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الحاجز.. ما أكثره - أكثرها.. مفردا وجمعا.. مادي ولا مادي. مرئي وغير مرئي.. تاريخي ولا تارخي.. عقلاني ولا عقلاني.. وتستغرقنا هذه الثنائيات إلى ما لانهائية –لو شئنا-حين نرغب في الحديث والتفصيل عن معنى.
تندلع الحرب (خارجية كانت أم داخلية) فتسعى لاستنهاض غرائزنا-برغبة أو بدون رغبة منا – ,ويتجلى الحاجز كأحد الأنساق الناتجة عن الحرب وابن شرعي لها، وبتمثله كعلاقة ذكورية تسلطية مستبدة تحمل طابع الإكراه من خلال فرضها أنماطا معينة من السلوك الإجباري للأفراد، فإنه يتجسد ماديا ومعنويا باعتباره أحد أشد أنساق هذه الحرب تطرفا حين يكون الهدف النهائي هو الإخضاع: الإخضاع الجسدي و الذهني.وغالبا ما يرى الأفراد –وهم على حق- بأن الحاجز أحد ممثلي السلطة و لاعب اساسي و ركن هام لها,حيث يختزل الفرد إلى "شيئ"ملقى لمصيره وحيدا ,إلى مجرد هدف مشروع ,حتى لو كان هذا الفرد جموعا أو جمهورا فهو من وجهة نظر الحاجز ليس سوى فرد يسعى الحاجز به ومعه إلى تكريس فرديته ليبقيه وحيدا في مواجهة قدره دون أي مساعدة ، ويفاقم الأمر أن الفرد غالبا ما يكون غير معني بقبول تفسير السلطة للحاجز كضرورة تفرضها الحروب قبل ان يتحول الحاجز مع طول أمد الحرب الى ضرورة اجتماعية من اجل تحقيق الامن .
تتجلى في الحاجز أعمق الظواهر ذكورية، رغم ما يشوبها من قلق يؤرق الحاجز/الذكر في أن يصبح مكررا ومعتادا عليه وحينها سيتحول إلى فضاء مسطح تغيب أبعاده المجسمة فتختفي عضلاته المفتولة وتضيع ذكوريته. وهذا غير مستبعد نظرا لأن الحاجز /الذكر أو الحاجز فقط لا يختلف عن أشياء كثيرة غيره تنبت في زمن الحرب، ومع ذلك لا ينفك الحاجز يشعرنا بالعجز والإحباط فيحيلنا الى تصعيد وتوتر عادة ما نقاومهما في الأحوال العادية عن طريق إنشاء علاقات مع الآخرين، وهو-أي الحاجز-يترجم نفسه بلغة مرتبكة، بسيطة، مسطحة، مكررة، روتينية، مثقلة بصيغ الامر والزجر، تصيبنا أحيانا بأشكال متعددة من الملل والاكتئاب والضجر. ونظرا لأن هذه اللغة هي واحدة، بصرف النظر عن القائمين عليها، فهي تحاول أن تسنبط فضاء لا ينفصل عن تضمينات المكان لمفاهيم مثل الرعب حيث يكون الردع أداته ورمزه. ليحيلنا الحاجز إلى كيمياء جديدة للخوف يتوج من خلالها حيزه بامتلاء متضخم ينتشر بطريقة أسرع من الغبار، فالحاجز شكلا: بضعة جنود، شبان وجوهم مثل تلك التي نصادفها كل يوم في حياتنا دون أن ننتبه لوجودهم.. أكوام إسمنتية أو غيرها أو أي إطار آخر يشكل بعدا يضاف لخلفية المشهد مما يشكل خطوطا غير طبيعية تتمايز عما يحيط بها فتظهر اختلالا للمألوف .وتنبني علاقة مصمتة غير نفوذة متحركة باتجاه واحد يكون الفعل فيها بعيدا عن أي مظهر من مظاهر الشفافية التي تحاول السلطات أن تظهرهها للرأي العام في سبيل إقناعهم بضرورة وجود الحاجز، فدائما هناك ثمة ما هو سري و غامض و غير مفهوم في لغة و سلوك الحاجز ،حيث نلحظ فرقا بين لغة الحاجز و لغة القرارات التي تتخذ خلف الأبواب المغلقة وتظهر على شكل لوائح و تعليمات للتنفيذ يكون المواطن غير طرفا فيها و لا علم له بها ,بل جل ما يمكن ملاحظته على وجهه هو التعب,التعب النفسي و الجسدي,أما من حيث السلوك يبرز الحاجز كحركة بعكس السير فهو يعاكس كل ما هو منفتح وكل ما هو ذو طبيعة اتصالية وهو معتم بحيث لا يمكن رؤية الطرف الآخر إلا من خلاله وتضيق الفرص من اجل الوصول إلى مساومة بينه و بين الفرد وهذا يؤدي في نهاية المطاف إلى انصراف الفرد عن كل ما يخصه على الصعيد النفسي و العقلي و التركيز فقط على كيفية تأمين الطعام و الأمن و الاطمئنان وهو لن يفكر –على ما يبدو- في الحرب الدائرة على الطرف الآخر للحاجز إلا من زاوية شدتها و خطورتها على أمنه و أمن عائته... فالحاجز بوصفه آليه للتدخل و السيطرة هو أيضا بوابة العبور للأمان من جهة و هو ثقب أسود من جهة أخرى قادر على احتواء كل من يقترب منه .
لا يتوقف الحاجز عند حده المكاني. بل يتطاول و ينساح ملتفا حولنا و يدخل في وعينا قصدا أم قسرا،يعطي للسلوك اليومي مظهرا مستفزا غير مستقر و حالة تراخي ذهني لامبالية لما حولها يكون هدفها التخلص من اللحظة الراهنة .وعندما نصل إلى نتيجة ان الحاجز ليس مؤقتا،تنهار في وعينا منظومتنا الأمنية الداخلية و يبتدأ الحاجز في التحول الى هاجس، يسرق منا لحظات وعي لنتخلى -طواعية ربما- عن استقلالنا الذاتي تحت وطأته فنسعى للاندماج "بالآخر" للحصول منه على القوة التي نفتقدها أو نشعر أننا لانمتلكها ، ليس هذا فحسب،بل تنوس آليات تفكيرنا تحت ثقل مورورث الحرب الآحذ في التشكل بتجلياته السلبية غير المنفصلة عن بنية وطبيعة وهدف هذه الحرب الأمر الذي من شـأنه أن يلحق أفدح الضرر في جهازنا النفسي حين يختزل المواطن جل اهتمامته –وقد يكون محق في ذلك- في مصفوفة علاقات مشوهة يلبي من خلالها متطلباته اليومية ضمن سلسلة لا تنتهي من العلاقة المختلة لجهة الحاجز ،بما يترافق ذلك مع مظاهر الإذلال بصورها المتعددة و المقصودة ، الأمر الذي يتيح لنا تفسير تلك العلاقة المركبة بمظهرها السادي-المازوشي –وهي علاقات لا يمكن اعتبارها ظواهر جنسية فقط- فالشعور بالعجز و النكوص ينتج نوع من العلاقة التكافلية لعل ما يميزها هو آليات دفاع ذاتية أبرزها هو"الخوف"، حيث يستولي هاجس الخوف المركب على نفوس الأفراد بوصفه وسيلة دفاع معطلة للتفكير و بالتالي يبدو الخوف منقطعا عن العقل كاستجابة لمحرض خارجي بمعزل عن آلية عمل الدماغ ،فيستجيب الفرد لغرائزه الدفاعية مما يستوجب منه القيام بخطوات حاسمة و مهمة للحفاظ على الذات كهدف نهائي ،ولا يتوقف شعور الخوف عند هذا الحد فحسب ، بل سيتعداه ,ربما, ليشكل "سدا" أمام أي هجوم محتمل من البيئة المحيطة بالفرد ،أي المحرض، وعندما نعتاد على الخوف ويصبح جزء من سلوكنا اليومي ،نقوم"بعقلنة" هذا الخوف و إضفاء صيغ و تجسيدات متنوعة مأنسنة غير غريزية نطلقها عبر استجرار أمثال تحض على الخنوع و الخضوع لأي سلطة و تكريس مقولات الإيمان بالقضاء و القدر وغيرها ,لعلنا بذلك نرضي غرور هذا الخوف و شراهته ,وليس مفاجئا أن نفهم كيف ينظرأاي شاب نحو الجندي ببذلته و عضلاته و قوته ( التصور البونابارتي للجندي)و كيف يرى فيه حلما و طموحا.فنحن حين نراه-أي الجندي- على الحاجز و نشعر بالعجز أمامه لا يسعنا داخليا سوى الإعجاب به ..وهذا بحد ذاته أنسحاقا تاما "انثويا "كما يتمناه الذكر إن جاز القول.فالمسافة بيننا و بين الحاجز هي بحق مسافة شاسعة و ما بيننا و ما وراء الحاجز عالم آخر نعجز عن متابعته بسبب من انشغالنا و انهماكنا وراء تحقيق حاجاتنا النفسية و الجسدية و الامنية ناهيك عن تلقائيتنا اليومية التي تصطدم كل لحظة بحاجز هنا او هناك..وهذا ما يمنح الحاجز فرصة بتمثل "الذكر" و إحكام السيطرة على الآخر و إخضاعه لإرادته ، فيصبح هذا الآخر "الذي هو نحن" مغتربا عن مجتمعه الذي أنتجه بنفسه،كماعبر عنه إريك فروم حين حدد أن الخضوع هو استلاب وهو حل نكوصي وهروب من الواقع وذلك بسبب الشعور بالعزلة والعجز والاحباط، وهو حل يتميز بطابع قسري اضطراري يتنازل فيه الفرد بشكل او آخر عن فرديته وتكامله.

ما يميز الحاجز –ونقصد في حالة الحرب- هو "تعليب " الوقت حين تتجلى مهاراته في القدرة على تصنيع الوقت وتخليقه.. فما كان سابقا يسهل تجاوزه بزمن قصير نسبيا، أصبح الآن يتطلب وقتا أطول وجهدا أكبر وقلقا أعظم بسبب من تحول الجغرافيا إلى عنصر ملازم للوقت من خلال علاقة الزمن بالمسافة والسرعة، فالكتل الإسمنتية وأكوام الردم والخطوط المعدنية القاسية الثابتة المنافية لما هو طبيعي، كلها تقف عائقا أمام انسياح الزمن بصورته الطبيعية.. سيتلوى الزمن مع الجغرافيا الجديدة وتلعب طرق التفتيش والتدقيق وطولها الزمني المقصود والمثير للكآبة والضجر دورا مهما في مراقبة الفرد والسيطرة عليه بطريقة غير مرئية. إن ما يحدث هناك هو أشد قسوة من إطلاق النار فالوقوف الطويل والتدقيق التفصيلي وخلق معابر مرور هي بالأساس وهمية تحولت إلى تجسيد مادي، كل هذا ربما يكون اشد قسوة من القتل المباشر،
إن الحاجز بوصفه برزخا، كجزء من موروثنا الديني العميق يشكل غلالة سميكة لا تمنحنا فرصة التلصص على ما خلفه، فهو قبر –وهنا أيضا استعارة لموروثنا الديني- يفصل بين عالمين حيث يوضع الميت في حفرة ويهال عليه التراب وتسد عليه منافذ العودة للحياة ومن النادر ألا يتم دفن الميت بسرعة.. وهذه قصتنا مع الحاجز فنحن نرغب بالمرور سريعا عليه بلمح البصر لو شئنا ويتسلقنا الخوف المعطل للتفكير وتنتهبنا هواجس مقلقة بسبب من عدائية الحاجز ومزاجيته واستحالته في أحيان كثيرة إلى بوابة للعقوبات الجماعية وهذا ما يؤدي في نهاية المطاف بالفرد أن يرى العالم بمنظوره الخاص دون أي تاثيرات خارجية صارمة تحاصره، ويصبح أقصى ما يتمناه هو البقاء حيا.. وهنا تتجلى الغرائزية في رد الفعل مقابل العقل في الحالة "العادية" وبهذه الحالة يصل الفرد إلى حالة من التعب لا توصف و الخنوع ,حتى بتعابير العنف الرمزي و السيطرة الرمزية كما وضحها بورديو ،فالخنوع هو العنوان الرئيس للحاجز حين يتحول المرء إلى شخص بقدرات محدودةتسهل السيطرة عليه ويصبح سلس الانقياد و مطاوع بحيث يمكن ركله أو ضربه أو لكمه أو شتمه بسهولة و لا يشعر الجندي على الحاجز بأن ليس من حقه بل له كل الحق في القيام بذلك نظرا لانهيار منظومة القانون في زمن الحرب بوصفها علاقة ناظمة لذلك .فضلا عن الإهانة من نوع آخر حين يتعرض الفرد –لاسيما في مجتمعاتنا- إلى إهانات أخرى من قبيل شتم الأعضاء الجنسية لأمه أو أخته أو زوجته أو ابنته دون القدرة على الرد ,وهذا لا يمثل مجرد انزياح للعقاب بل ايضا ينبعي أن يفهم بتعابير سيطرة الذكر الذي يحلو له فعل ما يريد دون محاسبة أو معاقبة،ولعل هذا يقودنا إلى صورة ليست بعيدة عما شرحه بورديو ,مرة أخرى, في الكيفية التي يتم فيها البناء الاجتماعي للأجساد. ولأن تقسيم الأشياء والنشاطات طبقا للتعارض بين المذكر والمؤنث يكون تعسفيا فى الحالة المعزولة، فإنه يكتسب ضرورته الموضوعية والذاتية من اندراجه ضمن نسق من التعارضات المتناظرة، أعلى/أسفل، فوق/تحت، أمام/خلف، يمين/ يسار صلب/رخو، خارج(عام)/داخل(خاص)، وهذه تشكل انساقا مناظرة لحركات الجسم ستجعل من الحاجز نقطة انعطاف في لحظة الحرب، وسيقوم الحاجز "وذكوره" بالتحول إلى نوع من العلاقة مع "الآخر" على أساس الرغبة في الامتلاك والسيطرة وسيظهر التفوق "الذكوري" بعدم قدرة الآخر على المقاومة.
يستفيد الحاجز من النظام الاجتماعي في زمن الحرب الذي يشكل رافعة رمزية هائلة تميل لإقرار السيطرة الذكورية التى يقوم-فى الأصل -على أساسها التقسيم الجنسى للعمل، مما يمهد الطريق لتعامل الحاجز مع الآخر بوصفه "أنثى -آخر"، أنثى، ضعيفة مستكينة مهزومة ومغتصبة.. وينبثق من هذا السلوك تشكيل "كاذب" للحاجز فمراكمة التجارب لن تستطيع ان تقنعنا بأن الحاجز موجود للأمن والحماية.. بل تتبدى لنا وظائف أخرى مضمرة فالتقسيم الجنسي للعمل –ودائما حسب بورديو- يؤمن توزيعا غاية في الصرامة للنشاطات المنوطة لكل جنس من الجنسين –اي الذكر و الانثى- ، ولمكان هذه النشاطات، ولخطتها وأدواتها.وتظهر قوة النظام الذكوري فى حقيقة أته يستغنى عن التبرير و يدفعنا إلى أن نعتاد عليه باستكانة ونتقبله دون تذمر أو تردد او امتعاض،بمعنى ظهور " حالة انثوية " لقبول الحاجز/الذكر فالحاجز ينظر لنفسه باعتباره مركزا ذكوريا متمحورا حول هذه الذكورة بتنويعاتها النمطية فهو الذكر المفعم بالحيوية و المليء بالمعرفة و المزهو بحالته القضيبية وهو واقعي ، عقلاني ، غير انفعالي، قادر و مقتدر ،غير عاطفي ، إجرائي ، إحصائي، حيوي، متعدد ..,هذه كلها صفات ذكورية اسبغتها عليه الحالة الراهنة التي يعيشها و على الطرف الآخر أن يكون "الآخر/الانثوي" الضعيف ، المبتذل ، غير المعرف ، المخادع، مجهول الهوية،الانفعالي، المليء بالخوف، المغتصب، حيث جسده و عقله ليس ملكه ، وهذه صفات انثوية أسبغها الحاجز عليه أيضا . هذه المصفوفة من العلاقات المربكة والمشوشة والحذرة التي تتسم بالرياء حينا وبالنفاق حينا وبالخوف في احيان كثيرة تفرض نفسها باعتبارها محايدة ولا تحتاج إلى التعبير عنها فى خطابات تسعى إلى منحها المشروعية.
و بتعدد الحواجز و اختلافها يحار الفرد في وضعه الذكوري-الانثوي فالشخص الذي ينتظر على هذا الحاجز هو نفسه الذي ينتظر على الحاجز الآخر "المعادي" للحاجز الأول غير أنه لن يعاني كثيرا بفضل آليات دفاع داخلية تمنحه القدرة على مشروعية علاقته مع الحواجز المختلفة بفضل بنى راهنة مكتسبة ناتجة عن حالة الحرب تتكثف فيها بشكل واضح التقسيمات المؤسسة للنظام الاجتماعي في زمن الحرب و ما يستتبع ذلك من علاقات السيطرة و الاستغلال بين نوعين متعارضين من البنى اي الحاجز و الفرد "الآخر" ، سيختزلها الحاجز بلغة بسيطة مذكر-مؤنث ، مؤيد-معارض، داخل- خارج ... إلخ،وهذا يعني من ضمن ما يعنيه أن أهل الحاجز هم أيضا ضحابا التمثيل السائد وهنا سيكون -التمثيل-بأقصى حالاته المتطرفة في حالة الحرب ، فمورفولوجيا الحاجز من مهمتها إضفاء حالة طبيعية عليه .. اللباس. القوة، العضلات المفتولة.. النظارات ، العلكة، النشاط أو إظهار أي نشاط آخر يوحي "بطبيعية" الحاجز والغاية منها تطبيق السيطرة ضمن مخططات العلاقات المفروضة بسبب حالة الحرب و التي هي بالأصل حالة مؤقتة طالت أم قصرت،وهذا التمثل الداخلي للعلاقة سينتج عنه أفعال يتم بموجبها اعتراف "الآخر" بسلطة الحاجز و سيطرته وفقا لمخططات السلطة التي شكلت الحاجز و أضفت عليه تقنيات العنف الرمزي بحبث يتحول المواطن إلى أداة في سوق السلع أي "أنثى" يستخدمه الحاجز -الذكر من أجل زيادة رأسماله السوقي الرمزي على حد تعبير بورديو ) بيير بورديو، السيطرة الذكورية، ت: أحمد حسان، ط1، القاهرة: دار العالم الثالث، 2001.(
يعيش رجل الحاجز حالة من الحب غير المتوج و البعيد المنال و غير الممكن فهو من جهة يحتقر الآخر و يدمره بسيطرته عليه و يسحقه بمنطق ذكوري واضح و فاضح ,وفي ذات الوقت يحبه و يتمنى عدم غيابه لأنه يستمد وجوده منه ..بهذه الثنائية المتناقضة يتمزق أهل الحاجز بين وجد ذكوري تغمره مشاعر و أحاسيس السيطرة و التسلط وبين مشاعر الرعب و الخوف من فقدان موضوع الحب.قد يبرر لنفسه أن الناس تحب القوي و تحب المنتصر وتكره الضعيف و تحتقره, فالجماهير كالمرأة " رغبتها أن تخضع إلى رجل قوي وليس إلى ضعيف، ولهذا فهي تحب الحاكم القوي لا الحاكم الضعيف الخاضع المتوسل، وهي في أعماقها أكثر اقتناعا بمن لا يتسامح مع الخصوم وليس بمن يمنحها الحرية، لأنها سوف تشعر بالضياع في تعاملها مع الحرية، بل وتشعر بأنها وحيدة ومهجورة". كما اعتقد هتلر ذات يوم.. وفي مقاربتنا لفهم الحاجز بهذه الصورة قد نجد مايشبه صور الدكتاتور. أليس الحاجز يمثل طغيانا فردانيا أحاديا يتجلى كأنه مشروع إله قتيل أسطوري نتمنى موته وقتله كي نعبده؟!!ماذا سيحدث لو أزيلت الحواجز كلها دفعة واحدة وبلحظة واحدة؟ لا يعني هذا قطعا البحث عن نوستالجيا ما حميمية للحاجز، فالحاجز –بكل تأكيد- ليس حالة طبيعية ولن يكون. لكن مزيدا من التعمق في فهم هذه العلاقات المعقدة والمتداخلة قد تضعنا أمام مأزق حقيقي. هل نكره الحاجز ونحبه؟ هل تضعنا قدرتنا على أنسنة التكيف في التعامل مع الحاجز أمام حب غير شرعي للحاجز كعلاقة الذكر مع بغي يشتمها علانية ويقضي معها الليل سرا؟؟ فالحاجز -الذكر لا تقتصر سيطرته على الجغرافيا فقط بل يسيطر على مفاهيمنا ونظرتنا لأمننا. ويتغلل في بيئتنا الضيقة والواسعة بطريقة لا توصف فهو ينسل بيننا مع بداية كل صباح حين نذهب لعملنا ويودعنا مساء حين نعود لبيوتنا ونبقى ما بين ذلك المساء وصباح اليوم التالي نفكر في الحاجز ونجتر سردياته بتفصيل ممل وحاقد، إذ ليس من قبيل المفاجأة أن يفكر كل منا بحياته قبل الحاجزكيف كانت، السهولة في الحركة، عدم الالتفات لجزئيات بسيطة مثل الشارع والرصيف وغيرها التي هي من مكونات الحاجز. وثمة هنا سؤال مفصلي. لم نخضع للحاجز؟ كيف نتقبله هكذا بسهولة تثير دهشتنا؟
في ظل ظروف الحرب وعدم الأمان لا نستطيع تحديد مشاعرنا بالدقة المطلوبة لأنها تكون غير واضحة و غير مستقرة فالحرب ,كما هو معلوم ,تبدل عاداتنا و تؤثر على سلوكنا اليومي وتجعلنا نتشكك في أقرب المقربين لنا، و حتى لو استطاعت الحرب في لحظة ما أن تبرز أجمل ما فينا فإنها أيضا بكل تأكيد تظهر أسوء ما فينا .وهنا نصبح مقيدين غير أحرار بل حتى نخاف من الحرية و نشعر بالعجز فيسهل علينا نكران فرديتنا و نخشى أن نكون احرار ، فالفرد الحر يسهل عليه التفكير بقدرته على مواجهة العالم وحيدا و لكن في ظل الحرب لن يجد أمامه سوى الهرب من الحرية و التخلي عنها وهي هنا يمكن التعبير عنها رمزيا بأن الفرد يفقد حريته "أي بكارته" .أي خصوصيته و يشعر أنه عار تماما و يكون جاهزا كموضوع اغتصاب باضطراره الخضوع للأقوى كي يحصل على القوة التي يفتقدها,كما فسر إريك فروم لك بتحليله لنمطي "الشخصية المتسلطة"و "الشخصية الخاضعة" أو كما يسميهما "الشخصية السادية" و الشخصية المازوشية" في كتابه (الخوف من الحرية -1942)حيث يعرف الرغبة في التسلط بالنزعة السادية والميل الى الخضوع بالنزعة المازوشية الموجودتان بدرجات متفاوته في الاشخاص الأسوياء وغير الأسوياء على حد سواء.فالسادية والمازوشية هما سلوكان مكتسبان من المجتمع عن طريق التعلم خلال طرق التنشئة الاجتماعية في البيت والمدرسة وكذلك في الشارع والعمل والوظائف والمؤسسات المختلفة. وغالبا ما تكون الرغبة إليهما غير واعية في البداية، ولكنها تتحول بالتدريج الى ان تكون واعية وعقلانية.


ولكن من يقبل أن يكون صديقا للحاجز؟ هل سيرفض الفرد حرية التصرف أمام الحاجز؟
قدر الفرد على الحاجز ينوس بين النهب والاعتقال (وقد يصل الأمر للقتل في بعض الحالات) والاضطهاد والشتيمة والنظرة الباردة الشامتة. ومع كل هذا هل سيقبل بالحاجز كإطار محتمل لأي علاقة بسبب من خوف أصيل لديه؟ وهنا يظهر ما يسميه فروم "العامل الحاسم في ممارسة السادية والمازوشية" في علاقة السلطة بالمواطنين وسوف يميل هذا الفرد للاستكانة والقبول بتفسير السلطة للحاجز كضرورة تفرضها الحروب قبل أن يتحول الحاجز مع طول أمد الحرب الى ضرورة اجتماعية من اجل تحقيق الامن من منظور السلطة، أليس السلطة هي من تمارس الهيمنة في إخضاع المواطنين لها من خلال عملية إعادة إنتاج وتدوير للمعرفة؟ أليست السلطة هي من يمتلك شرعية الدفاع عن "الشرعية الدستورية" من خلال احتكارها للعنف بحسب زعم بوبر؟ وإذن ستقوم الدولة بتسويغ إخضاعها للمواطنين لسلطتها للإقرار بشرعيتها.
الحاجز ظاهرة طفيلية راهنة واقتصاد حرب مرتجل وممر لتسويغ النهب الناتج عن الحرب.. إنه حقا هندسة خارج نطاق المألوف يقوم بتشكيل وعي مخادع.. مؤقت مرتهن بميزان القوى.. ويبقى سؤال جوهري يسأله كل "زوار " الحاجز: كيف لحاجز مرتبط بنزق عناصره وأهوائهم أن يدافع عن وطن.. كيف لحاجز مكوناته الأساسية النزق والرشوة أن يوفر الأمن للافراد؟



#محمود_موسى_الصباغ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- مؤلف -آيات شيطانية- سلمان رشدي يكشف لـCNN عن منام رآه قبل مه ...
- -أهل واحة الضباب-..ما حكاية سكان هذه المحمية المنعزلة بمصر؟ ...
- يخت فائق غائص..شركة تطمح لبناء مخبأ الأحلام لأصحاب المليارات ...
- سيناريو المستقبل: 61 مليار دولار لدفن الجيش الأوكراني
- سيف المنشطات مسلط على عنق الصين
- أوكرانيا تخسر جيلا كاملا بلا رجعة
- البابا: السلام عبر التفاوض أفضل من حرب بلا نهاية
- قيادي في -حماس- يعرب عن استعداد الحركة للتخلي عن السلاح بشرو ...
- ترامب يتقدم على بايدن في الولايات الحاسمة
- رجل صيني مشلول يتمكن من كتابة الحروف الهيروغليفية باستخدام غ ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود موسى الصباغ - الحاجز: هندسة جديدة للخوف!