أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دينا سليم حنحن - شبشب أمي














المزيد.....

شبشب أمي


دينا سليم حنحن

الحوار المتمدن-العدد: 5111 - 2016 / 3 / 22 - 10:09
المحور: الادب والفن
    


شِبـْشـِبْ أمّـي – مهداة إلى والدتي يوم عيدها
ديـنا سَـليم
إن حصل وفقدتُ الأمل أكون قد فقدت طيرا حلّق في سمائي ورحل.
الطيور مدرستي الأولى وحرية التعبير حق من حقوقي، بالأمس لحقت بيمامة تعرج لكنها هربت من عدستي ففرحت لشجاعتها، ذكرتني بنفسي عندما هربت أنا من شبشب أمي عندما نبتت أجنحتي التي حلّقت وتحلق دوما في الفضاء الشاسع الذي اسمه ذاكرة متقدة، الأمومة هي الأرض، وأنا أمّ، مهما عطشت تبقى تحن إلى العطاء، يدوس أرضها النقية بعض الناقمين بأفعالهم المفزعة، خطوات شرسة تخطو ظهر البسيطة وبحركاتها القاسية لكي تتحكم وتحطم كل شيء جميل، لكن معنى الأمومة لا تهزه أعظم ريح.
أستاء من بعض أصوات الحاضرين في حياتي، كما استئتُ من بعض أصوات الماضي الذي قتلتها بالقلم، فهذه طريقتي المثلى للدفاع عن كبريائي، أهم شيء هو ألا أنكسر وألا أخضع، وأكره رؤية مكسورا ينحني استعطافا لأحد.
غرابي يلاحقني ويلازمني، زُرع في سمائي لكي يتعقبني! لا تندهشوا فلكل واحد منا غرابه الذي يلاحقه ويتعقبه، ويذكرنا هذا الطير بأول جريمة إنسانية حدثت، جريمة قتل قاييل لأخيه هابيل.
والأنكى من ذلك كله أن الغربان يشبهوننا، لقد هربوا مثلنا من محطات إلى محطات والتحقوا بالقطارات التي لا تصل آخر المحطات ثم الانتظار من جديد، هذا هو الإنسان بطبيعته المستفزة، وهي ملاحقة طاحونة الشرّ، والشرور أنواع، وشبشب أمي استطاع أن يغرز داخلي تقبل هذه الضربات بصدر رحب، بما أن الحياة مليئة بالمطبات الكثيرة.
ما حكاية هذا الشبشب؟
حصل أنه اطلعت والدتي على أجندة ملاحظاتي عندما كنت في العاشرة من عمري، فيها سجلت مجريات الأحداث التي استفزتني في الحارة، مثلا، سجلت حكاية الأخ حزقيال، الجار اليهودي الذي هاجر من مصر إلى فلسطين عندما بصق داخل تنكة قذرة، أزعجني بصاقه فهجوته بقصيدة قاسية، وخشية من غضب الجيران أكلت علقة شبشب.
سجلت أيضا مشهدا عن ابنة الجيران التي زفوها إلى عريسها وهي دون الرابعة عشر من عمرها، وعندما كانت هذه الطفلة في الكوشة صرخت عاليا وأرادت النزول، منعتها النسوة ووبخنها قائلات (وين هاربه، وشو نعمل بكل هذه المخاسر؟)، لكنها صرخت بهم قائلة، حتى وصل صوتها إلى مسامعي أنا الطفلة أيضا، (ما بدي أهرب، نزلوني بدي أبدّل كلسوني(2)، نسيت أبدّل كلسوني..) طلقها زوجها بعد عدة شهور، تزوجت مجددا وأنجبت طفلة أسمتها (صابرين)، ثم طلقت مجددا، وزوجها الثالث توفي، والحبل على الجرّار!
وعندما هطلت أمطار كانون دلف سقف غرفة أم يحيي، فبدأت تدير أواني المطبخ لتضعها تحت النزيف الشتوي وهي تلعن الفقر وأبو الفقر ووالدها الذي زوّجها لرجل فقير لأنها قبيحة وقصيرة، فكتبتُ قصة استعطف بها الفقر لم تعجب والدتي، فأكلت علقة شبشب.
وعندما صوّرت أحداثا خطيرة لا تدوّن عن فصائل الجنود الذين انهمروا إلى سكة الحديد، يحمّلون ذخائرهم نحو جبهات القتال على الحدود، فبيتنا مقابل المحطة تماما، ومن خلف النافذة تابعت مجريات الأمور، وعندما قرأت والدتي ما دونته، نبهتني بألا أفعل، لكني عصيت كلامها ولم أرضخ، فما كان منها هو إلا أن تلقنني درسا عظيما، وهات يا ضرب على قفاي بالشبشب، (وين بوجعك، بدك تخربي بيتنا إنتِ؟)، وعندما استفقت من الضربات، أقصد عندما تحررت من يديها الناعمتين، قصدت مخدعي وبدأت أكتب حكاية طويلة، يا لعنادي، لم أعرف ماذا يسمونها، ثم علمت أنني دونت أول رواية، احتفظت بالمدونة بمكان بعيد عن عيني والدتي، لكن ما يزال الشبشب باقيا في ذهني، وكذلك التهديد بالردع (وينو الألشين، هاتوا الألشين(2)) ولكي لا أتعرض للعقاب البسيط، فقد كانت ضرباتها عبارة عن حماية لي، ضربات غير مؤلمة أبدا، من حينه أصبحت أدوّن كل شيء يضايقني أو يستفزني بحيث لا أتوقف عند الصغائر والتوافه منها، لأن الوقت من ذهب، وسيد النجاح هو الانصراف لأشياء مثمرة، وهكذا أصبح التعبير الكتابي أسلوبي الخاص في التعاطي مع ممن أساؤوا لي.
وها أنا هنا، وبعد ألف عام من هذه الحكاية أصطدم بوجوه مختلطة، الكثير منها جميل الذي يحب الجمال ويصغي له ويشجع في انتشارة، تغبطني هذه القلوب الحانية المؤآزرة، ويوجد القليل منها الذي لا يعرف الحب، بعض الوجوه الغاضبة والحاقدة، جيد أنه وجه واحد فقط، فالانتصار للجمال وعمل الخير أقوى دائما.
سأتركها منهمكة في حقدها، فالحقد يكره ذاته، والكره يولّد الكره، والتجارب تزيدني عطاء... لأسكن مخدعي استمرارا في مشوار حياتي الجميل، لأكتب المزيد والمزيد، ولأستذكر والدتي الجميلة الحنون، ربنا يطيل في عمرها، وأعلم تمام العلم أن للذبابة برازها الأخير...
وكل عام وأنت بخير والدتي الحنون وجميع الأمهات.
.............................
مجموعة أوراق متناثرة - قيد التنفيذ.
............................
(1) كلسون = الرداء الداخلي
(2) ألشين = شبشب – حذاء البيت



#دينا_سليم_حنحن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اشترينا تلفزيون جديد
- تحت العشرين
- ريشة الفرح
- من مكيدة الشيخوخة إلى جحر الرومانسية
- عالم الغرباء
- عن رواية -الحلم المزدوج- لدينا سليم: سيرة عن هجر الوطن وأوجا ...
- دبابيس
- هلوسات يوم حار
- الفأر الأكثر حظا
- لا أترك البحر وحيدا
- المحبة والكراهية – مرضان سيئان
- شذرات - ابواب
- قلب العقرب
- رأس الذئب
- ثلاث مشاهدات وربع
- المدينة هيكل من ملح
- جارة حاقدة أيام الطفولة
- دينا سليم في رواية (جدار الصمت)
- الحرية نبيّ قادم
- عندما يصبح عالمنا بلا خرائط


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دينا سليم حنحن - شبشب أمي