أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - قاسم علي فنجان - عن ظاهرة المثقفين في العراق















المزيد.....

عن ظاهرة المثقفين في العراق


قاسم علي فنجان

الحوار المتمدن-العدد: 5104 - 2016 / 3 / 15 - 17:43
المحور: المجتمع المدني
    


(كي نفسر ظاهرة اجتماعية فأن علينا أن نبحث عن السبب الذي أوجدها, والوظيفة التي تقوم بها) اميل دوركهايم.
المثقفون في العراق ظاهرة اجتماعية, يؤلفون مجموعة خاصة داخل المجتمع, تحاول أن تصنع عالمها الخاص انطلاقا من الأفكار التي تؤمن بها, هذه الأفكار والرؤى التي يعتمدونها قد تؤثر في الواقع الحقيقي الذي يريدون النزول أليه من خلال محاولتهم الدخول في عالم السياسة, وكلما تعمق أيمانهم بمنتجاتهم الفكرية ازدادوا اقتناعا بأن الثقافة هي السبيل الوحيد لخلاص المجتمع, هنا يبدأ نشاطهم الثقافي المكثف -ندوات, مقالات, حوارات الخ- وتبدأ ترتيبات دخولهم المعترك السياسي المفاجئ في عراق ما بعد 2003, بدئوا يطورون خطابا ثقافيا -نقديا- جديدا, نقد موجه للسلطة القائمة, يريدون به أصلاح النظام وتوجيهه والمشاركة في عمله, هو أنجاز لكنه (هش) وسنرى ذلك, كلمة (الإصلاح) موجودة على طول خط النتاج الثقافي الذي يحاولون تأصيله وتجذيره داخل مريديهم, وقد نجحوا إلى هذا الحد أو ذاك في مشروعهم "الوهمي", فالسلطة وجدت موظفيها, ولا سلطة بدون ثقافة, والثقافة هنا تشرعن وتأبد السلطة الطائفية والقومية, ولهذا صارت هناك ضرورة للدخول على هذا الخط وقول كلمة عن هذه الظاهرة.
وسنبدأ بالحرب الأهلية التي اشتعلت شرارتها أبان تفجير المراكز الدينية في سامراء وما جرته من ويلات ومصائب, فبعد هذه الحرب أو خلالها أخذت القوى المتناحرة على نفسها وبتدخل خارجي أن تجعل لهذا الصراع حدود (مع بقائه وحصره في أماكن معينة), هذه الحدود وهذا التوقف المؤقت أعطى فرصة للحياة في بغداد أن تعود, فبدأت المراكز التجارية والترفيهية بالعودة (الشورجة, الهرج, الغزل, والبتاوين والكرادة والمنصور), وبدأت مخازن بيع المشروبات الكحولية والأندية الترفيهية تفتح أبوابها بحذر وسمح لها بالعمل مع الحملات الدموية المتكررة عليهم, وكان شارع المتنبي المكان الأشهر الذي عادت له الحياة بقوة, بعد أن افتتحت فيه مراكز تثقيفية "القشلة وأماكن لعقد اللقاءات والمؤتمرات وبعض قاعات الغناء والمسرح والرسم الخ", ويعود الفضل لشريحة المثقفين بعودة هذا الشارع, فأصبح تقليدا لدى المثقفين أن يأتوا إلى المتنبي في يوم الجمعة, وخرجت هذه الفئة من عزلتها بعد أن كانت قابعة في بيوتها, محبطة, مصابة باليأس, لا تؤمن بالمشاركة في الحياة السياسية أو العمل السياسي, يجلسون في المقاهي ليناقشوا كتابا قرءوه في ما مضى أو فلما شاهدوه أو يدندنوا بأغنية قديمة, كانت اللابالية والانكسار هي السمة الغالبة عليهم..
لكن بعد أن عادة الحياة لشارع المتنبي شكل المثقفون مجموعات مختلفة توزعت في كل أروقة وساحات المتنبي, فهنا تجد الشعراء وهناك الفنانين من رسامين وخطاطين ومطربي مقام, وفي تلك الجهة تجد المدنيين والتنويريين واليساريين, في هذه الأجواء الاحتفالية تجري المناقشات بفضاء مفتوح, فلا قيود ولا ممنوع أو محرم في المواضيع التي تناقش, فلقد كان المتنبي بفضاءاته الرحبة" هايد بارك" بغدادي, تستطيع أن تنقد السلطة وتشتمها وتقول بحقها ما تشاء, ساهم هذا النشاط الثقافي بتأسيس حركات ومجموعات شاركت بتظاهرات وفعاليات سياسية, شكل المثقفون نواة تلك التجمعات, هذه النشاطات نستطيع أن نقول عنها أنها كانت "رومانتيكية" لأن فيها تمرداً بورجوازياً صغيراً ضد "بعض" القيم السائدة، تلمس ذلك من اختيارهم للمواضيع وسير نقاشاتهم وما تتمخض عنها من رؤى, ولأن "الرومانتيكية" كحركة فلسفية تحاول إدراك الواقع بمنهج البحث الذاتي, لهذا كانت مشاعرهم الوطنية وتأملهم بالخلاص من الأوضاع التي "هم فيها" لا يأتي إلا عبر بث الأفكار والمشاعر والأحاسيس الإنسانية, ومحاولتهم إقناع الجماهير بأنه لا يمكن الخلاص إلا بتشكيل (حكومة تكنوقراط), ودائما ما تجدهم يذكرون جمهورية أفلاطون ومدينة الفارابي الفاضلة, لأن الفلاسفة في مخيلتهم هم الذين يجب أن يحكموا العالم, (طبعا لا نعرف أذا ما جاء فيلسوف مثلا وتسلم وزارة الثقافة فكيف تراه سيقوم بمهامه بعدم وجود مسارح أو دور سينما أو مؤسسات أنتاج أو معارض للفن التشكيلي أو دروس موسيقى ورسم ورقص وغناء لأنها حرام, أو بوجود ثقافة تشرع الفصل الجنسي في المعاهد والكليات, أيضا لا توجد دور طباعة ونشر ولا مؤتمرات علمية أو ندوات ثقافية ولا منتديات شعرية ولا احتفالات غنائية أو تكريمية أو استذكارية, ما الذي سيفعله؟ قد نراه يأتي إلى المتنبي لأخذ صور"سلفي" تذكارية مع المثقفين ويشكو حاله, أو إذا ما جئنا بوزير الصناعة الأمريكي وسلمناه وزارة الصناعة العراقية الخاوية تماما من أي بنية تحتية فما الذي سيفعله؟) أيضا وكسبب أخر يجب علينا أن لا نتغاضى عن الحتمية أو لنقل الإمكانية القصوى بإنتاج ظاهرة المثقفين, فالضرورة هنا وليست الصدفة من أنتجت أو ساهمت في إنتاج هذه المجموعات, فالأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتدهورة كانت سببا هاما ودافعا قويا لخروج المثقفين من عزلتهم.
أن مشكلة المثقفين هي أنهم واقعين أو باقين بصورة أو بأخرى تحت مستوى العلاقات الاجتماعية المتخلفة, فتجد أن علاقاتهم الاجتماعية من انتمائهم للعشيرة إلى ردود فعلهم نحو ابسط القضايا كلها تنبع من أتباعيتهم للأفكار والسلوكيات الرجعية, فعندما سئل أحد قياديي التيارات المدنية لماذا يتسمى بعشيرته (فلان الفلاني)؟ أجاب أنه لا يستطيع أن يترك "عمامه" أي عشيرته, وأخر أراد تأسيس حزب سياسي بأسم "حزب الشروكية ", لهذا فأن المثقفين (تقبع, تركد) في لاوعيهم تلك الرؤى المحافظة على قيم المجتمع المتخلفة, فلا يستطيعوا أن يناقشوا مثلا دور المرأة في مستقبل رؤاهم السياسية, أو أن يكتبوا ويرفعوا لافتة تنادي بالمساواة مع الرجل, بل أن مجموعة منهم أبدت تذمرها من بعض الشباب ذوي الموضة الحديثة, لذلك فأنك تصاب بالدهشة عندما تجري حوارا مع أحدهم, فتجده يفخر بعشيرته وطائفته وقوميته وفكره الذكوري, وهم في هذا ينسجمون بتحالفهم مع القوى الرجعية من قوميين وإسلاميين, فتراهم يتحدثون عن يسار جديد, وكأن اليسار في العراق منذ 2003 قد خاض تجربة الحكم وفشل أو أنه لا يلبي طموحاتهم السياسية والاجتماعية والثقافية, فبدئوا يروجون لفكرة هذا اليسار المعجزة. لكن هل نستطيع التعرف على ماهية معايير هذا اليسار "المنتظر" ووظيفته, سنتلمس بعض ملامحه من خلال نقاشاتهم وكتاباتهم التي صدرت مؤخرا. هذا اليسار الذي يريدوه هو يسار ديني طائفي قومي وعشائري بامتياز, يحترم مشاعر المؤمنين -الذين لا يحترمون أي مشاعر- يصلي ويشارك الجماهير في طقوسها -إذا لم يقمها هو- يهادن, يتحالف, يتفاوض, ينضوي تحت عباءة رجل الدين, مجرد من السلاح -لأنه مدني ولأنه لا يؤمن بالعنف الثوري- خاضع لإرادات القوى المسلحة الكبرى, تواكلي على من "يملكون" الجماهير, يسار (مستنير شرعي منبثق من التوجهات الدينية الإصلاحية) مثلما يطلقون عليه, يسار الكلمات المفخخة والمخارج اللفظية التي لا تستطيع إلا أن تقف فاغرا فمك ومتصلب منها (عدالوية, عراقوية, يساروية, كارزماتي, وطنياتي, طائفاني... الخ), يسار يجهد نفسه ليفك لنا الفرق بين (الدين, والتدين, والتديين) وإذا ما استطعنا أن نفهم الجماهير عن هذا الفرق فيكون قد قتل الآلاف وهجر الملايين وسرقت موازنات, وسنجد أن من قتل وسرق ليس من الدين بشيء, ولا هو متدين, ولا يقود حملات لتديين الناس, ونستطيع التحالف معه ونخرج تحت عباءته رافعين شعار(دولة مدنيه يقودها إسلاميون مدنيون), هو هذا اليسار الذي سيقلب الموازين "ويعبر الايدولوجيات".
لكن دعونا فقط نتخيل كيف ستكون المفارقة أذا ما تحالف هذا اليسار الجديد مع الإسلاميين والقوميين والعشائريين كيف سيحلون قضية سيكولوجية معينة, (سنترك قضايا الجماهير الكبرى وسنخوض في ما سيلاقي المثقفين في عصرهم القادم), ولنفترض أن احد أعضاء البرلمان أو الحكومة أو رجل دين لديه أبنه تبلغ من العمر 18 عاما, تعاني من نوبات هستيرية, وخلفيته الثقافية تحتم عليه أن يرسلها إلى "السحرة وقبور الأئمة والصالحين والأولياء" لشفائها لكن بدون فائدة, ويقنعه أحد أصدقائه من (المدنيين والمثقفين الجدد) المؤمنين والمتحدثين بالطب النفسي بأن يأخذها إلى طبيب نفساني, يرى هذا الطبيب أن نوباتها الهستيرية ناتجة عن رغبة مكبوتة من العلاقات الجنسية, وأنه عليه أن يجد لها شريك جنسي ليحررها من مجموعة رغباتها وبالتالي من نوباتها, وقد يخفي هذا الطبيب أن هذه الفتاة لديها رغبه في اشتهاء المحرم لأنه لا يجرأ على كشف كامل تحليله لهذا الأب "السلطة", طبعا هذا الأب "السلطة" ذو الخلفية الدينية أو القومية أو العشائرية لا يؤمن مطلقا بوجود مثل هكذا تحليل وينفي نفيا قاطعا النشاط الجنسي, وقد يقتل هذا الطبيب (أحد صحفيي إقليم كوردستان اغتيل لأنه كتب أنه حلم بأنه يتزوج من ابنة رئيس الإقليم), فكيف ياترى ستكون قناعات هؤلاء المثقفين أمام هذا الجهل, وأيضا كيف ستكون قناعاتهم إذا ما علموا بأن مستشفى أبن رشد للطب النفسي سيغلق أبوابه لعدم وجود مراجعين في زمن الإصلاح الديني الذي نشهده, يا لبؤس العقل السياسي للمثقفين.
لقد كان هدف فلاسفة عصر الأنوار "القرن الثامن عشر" تصفية نمط إنتاج والفكر الداعم له (الإقطاعية والكنيسة)، ودعم وإنجاح نمط جديد ظهر إلى الوجود (البورجوازية)، فكانت مساهماتهم ونتاجاتهم واحدة من الأسباب التي أطاحت بالنظام الإقطاعي وحدت من تصرفات الكنيسة ورجالها, لقد كان (فولتير, روسو, ديدرو, هولباخ, هلفسيوس وغيرهم) منارة للفكر والثقافة بمشاريعهم العملاقة للمجتمع بدون جعجعة الجمل الطنانة والمفردات الصاخبة, نتمنى على مثقفي-نا ومتنوري-نا ومدنيي-نا (أن يكونوا ذلك الإعصار الذي سيحطم جليد الرجعية ويحمل في طياته للشعوب ربيعا جديدا تملؤه السعادة) كما كان كارل كاوتسكي يقول.



#قاسم_علي_فنجان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحو فهم جديد لوضع المرأة
- حكومة جامعي الغذاء أو اقتصاد الكفاف
- إصلاحات العبادي ووصايا موسى
- الكتلة التاريخية وعقدة يونس
- مثليي الجنس أو ال (كور-غارٌو(
- مناقشة لشؤون عمالية
- الرؤية الآن عن المرأة
- حول التعليم الجامعي
- قانون الأربعين يوما
- ثقب اسود
- إعادة رسم الصورة
- في تجربة النقد
- عمال الصناعة ووهم التفاوض
- العبادي واللبراليين في العراق
- المرحلة الفمية لمجلس النواب
- الفارماكوس نعيم عبوب
- المالكي: الأضحية المقدسة
- بؤس العقل السياسي حول (تجريم الطائفية)
- تفكك الشخصية الوطنية


المزيد.....




- مسؤول في برنامج الأغذية: شمال غزة يتجه نحو المجاعة
- بعد حملة اعتقالات.. مظاهرات جامعة تكساس المؤيدة لفلسطين تستم ...
- طلاب يتظاهرون أمام جامعة السوربون بباريس ضد الحرب على غزة
- تعرف على أبرز مصادر تمويل الأونروا ومجالات إنفاقها في 2023
- مدون فرنسي: الغرب يسعى للحصول على رخصة لـ-تصدير المهاجرين-
- نادي الأسير الفلسطيني: الإفراج المحدود عن مجموعة من المعتقلي ...
- أمريكا.. اعتقال أستاذتين جامعيتين في احتجاجات مؤيدة للفلسطين ...
- التعاون الإسلامي ترحب بتقرير لجنة المراجعة المستقلة بشأن الأ ...
- العفو الدولية تطالب بتحقيقات دولية مستقلة حول المقابر الجما ...
- قصف موقع في غزة أثناء زيارة فريق من الأمم المتحدة


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - قاسم علي فنجان - عن ظاهرة المثقفين في العراق