أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بشار إبراهيم - قبلتان.. على اسم برهان علوية















المزيد.....

قبلتان.. على اسم برهان علوية


بشار إبراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 1381 - 2005 / 11 / 17 - 11:03
المحور: الادب والفن
    


يحضر اسم «برهان علوية»، فتلتمع العينان، وتبرقان، بألق الحضور، وتألق الذاكرة، فهذا المبدع الكبير، وفي الوقت الذي يشكّل أحد الأعمدة التي نهضت بالسينما اللبنانية الحقيقية، منذ مطالع السبعينيات، وما كفّ عن المحاولات الجادة، في هذا السياق، حتى اللحظة (أمدَّ الله بعمره)، إيماناً منه بأن «صنع سينما لبنانية جادة، هو مساهمة في رسم الهوية اللبنانية، وتأصيلها».. هو المبدع ذاته، الذي أهدى السينما العربية، ذات يوم، أحد أهم أفلامها، ووضع اسم فيلمه، بتوقيعه، في قائمة الشرف..
من هنا، فإن «مهرجان الفيلم الدولي للأفلام الوثائقية» يكرِّم نفسه، إذ يبادر إلى تكريم المخرج «برهان علوية».. فمثل هذه القامات العالية، المبدعة في مجالها، تستطيع أن تمنح كل من يقترب منها شيئاً من عطرها.. كما إن تكريماً من هذا الطراز، إنما هو تكريم للسينما اللبنانية كلها، من خلال أحد أبرز رموزها أصالة ودأباً، وأبرز صانعيها، وثائقياً وروائياً، وهو تكريم لأجيال من السينمائيين اللبنانيين الكبار، الباحثين، طيلة العمر، عمن يحتضنهم وسينماهم، بشكل فعلي وعملي، مادياً ومعنوياً، على السواء.
لا ترتبك الكلمات بين يدي برهان علوية، فمن أتقن أمتلاك صناعة الصورة يعرف تماماً كيف يرسل الكلمة إلى موقعها الصحيح، ويمنحها معناها الدقيق.. هل ثمة من يجادل في افتقاد الحميمية المنشودة، والتي لا بد من العمل الحثيث على استعادتها اليوم، ولو بالاستعارة من تلك الأيام؛ أيام الأحلام الكبرى، والمشاريع الكبرى، وربما الخيبات الكبرى؟!..
نحتاج إلى صفحات، لا تقلّ عن كتاب، للتأمل في عالم برهان علوية السينمائي، وقراءة تجربته الإبداعية، في سياقها. وحسبنا هنا، ونحن موقع تكريمه، أن نتوقف عند أحد أهم افلامه..
فيلم «كفر قاسم».. فاتحة للمدى..
كان ذاك في العام 1974، عندما أخرج برهان علوية إلى النور فيلم «كفر قاسم»، نتاج تعاون مثمر، واستثنائي، لم يتكرر أبداً، فيما بين المؤسسة العامة للسينما في سوريا، ومؤسسة السينما الللبنانية، وبدعم من بلجيكا، ومساهمة طواقم فنية فرنسية.. فيلم يستند على حادثة واقعية، صاغها عاصم الجندي قصة، وبنى الحوار لها عصام محفوض، فيما كان السيناريو للمخرج برهان علوية، نفسه، فجاء فيلماً على غاية من الأهمية والبراعة..
فيلم «كفر قاسم»، اليوم، وعلى الرغم من مرور أكثر من ثلاث عقود من الزمن، على إنتاجه، لا زال فيلماً رفيعاً شكلاً ومضموناً، قوياً خطاباً وبناء، إذ استطاع برهان علوية، بموهبته الفائقة، أن ينسج فيلماً، متجدداً على الدوام.. فيلماً، وعلى الرغم من أنه روائي، إلاّ أنه يصل إلى مصاف الوثيقة السينمائية، التي تكشف حقيقة العدو الصهيوني، وواقع الفلسطينيين والعرب، وجذر القضية الفلسطينية.. فمنذ المشهد الافتتاحي للفيلم، وحتى لقطة النهاية، ينتظم هذا العمل سلساً متقناً، بالمشهد والصورة والحوار، بالغناء والموسيقى، ليعيد بناء وقراءة مرحلة تاريخية محددة من عمر المنطقة كلها..
يكتب برهان علوية سيناريو الفيلم، وهو يريد الحديث عن المجزرة الدامية التي ارتكبها جيش الاحتلال الصهيوني، في قرية «كفر قاسم» الفلسطينية، عشية العدوان الثلاثي. هو العام 1956، و«جمال عبد الناصر» يستطيع أن يجعل أبناء الشعب العربي، من المحيط إلى الخليج، ينصتون إلى كل كلمة يقولها، في خطاباته الشهيرة، وهانحن عند واحد من أهمها، إذ سيعلن في خطاب تاريخي قرار تأميم شركة «قناة السويس العالمية» شركة مصرية مساهمة!.. فتلتهب المشاعر، وتجيش في وجدان الناس، التي طالما رأت في عبد الناصر صوتها، أو صورتها.. الناس التي علَّقت حلمها به.. فكان العدوان والمجزرة، محاولة لكسر الحلم..
من المؤكد أن اختيار برهان علوية لمشروعه السينمائي، في هذا الفيلم، كان خياراً واعياً، وجريئاً، على المستوى الفكري، كما كان تحدياً، ومغامرة، على المستوى الفني، ففي ذاك الوقت (عام 1974)، كان الإقدام على مثل هذه التجربة، يشبه السير على نصل السكين، أو على حافة الشفرة!.. يومها، كان المخرج المصري الكبير توفيق صالح، قد نجح في تحقيق فيلمه «المخدوعون»، المأخوذ عام 1972، عن رواية «رجال في الشمس»، للأديب الشهيد غسان كنفاني، ونال الجائزة الذهبية من مهرجان قرطاج عام 1972، فيما فشل كثيرون من المخرجين العرب، وأخفقوا في صياغة فيلم يتناول الشأن الفلسطيني، بجدية فكرية، ومستوى فني لائق.. فصار من المعتاد أن يتحرَّج البعض من الاقتراب من هذا الحقل الشائك..
كان على برهان علوية، قبل كل هذا، أن يجتاز العديد من العوائق، والصعوبات الإدارية، والمشكلات المادية، أن يتنقل هنا وهناك، من عاصمة إلى أخرى، عربية وأجنبية، وكان عليه أن ينقل سرّ إيمانه بهذا العمل إلى المعنيين بالأمر، ممن سيشكلون الجهات الانتاجية، والطواقم الفنية، فتمنحه الثقة، وتنضم للعمل معه، وتحت إدارته، وهو المخرج الشاب، يومها..
و«كفر قاسم» في واقعها، وكما نراها في الفيلم، وقد لعبت دورها قرية «الشيخ سعد» في ريف طرطوس، هي نموذج لواقع فلسطيني وعربي، إذ تحفل بكل مفردات التيارات السياسية، والحزبية، وتترع بناسها على اختلاف مشاربهم وألوانهم، من مناضلين ووطنيين، ومن انتهازيين، وعابثين، ولا مبالين، ومن عملاء ومتعاونين، أيضاً.. إنها فيض من تفاصيل حياتية، ومعاناة يومية، ومواقف متضاربة، بدءاً من معاناة العمال والعاملات العرب، اليومية، واستغلال سمار العمال لهم، وسرقة جهدهم بعد سرقة أراضيهم، وصولاً إلى لعبة العربي المشنوق في تل أبيب، والسؤالات الحائرة عن المصير المجهول، الذي يترقّب الجميع!..
كانت «كفر قاسم» قرية تتشبث بكل خيوط البقاء، والحياة والصمود والاستمرار، بينما المحتل الصهيوني الغادر يحضّر آلته العسكرية لارتكاب مجزرة بشعة بحق الفلسطينيين العزّل، وستجري محاكمات تافهة، يظهر فيها الصهيوني قاتلاً بدم بارد، والفلسطيني ضحية بلا ثمن، في جريمة مدبَّرة، لن تزيد غرامتها عن الشيكل الواحد!..
ذاك المساء أعلن المنادي عن فرض حظر التجول، وكان العمال من أبناء القرية لا يزالون طيّ أعمالهم، في المزارع والحقول النائية عن قريتهم، وإذ أخذوا يلملمون أنفسهم على عجل، ويشقون طريق العودة إلى بيوتهم، راجلين، أو على دراجاتهم الهوائية، أو الشاحنات المتهالكة، كان الجنود قد أعدّوا العدة؛ جهزوا رصاصهم، وقطعوا الطريق، وبدأ القتل الذي لم يفرق بين كبير أو صغير، رجل أو امرأة.. والفيلم سينشئ وثيقته البصرية بنفسه، كما سيسجّل قوائم أسماء من نالتهم المجزرة.. ويكون الشاهد الحقيقي على أهمية الفيلم السينمائي، في تناول «الحقيقة الواقعية»، وإعادة إنتاجها على هيئة «حقيقة سينمائية»..
فيلم «كفر قاسم» للمخرج برهان علوية، فيلم دقيق ومتوازن، وعلامة بارزة في تاريخ السينما العربية، ولم يكن حصوله على الجائزة الذهبية في مهرجان قرطاج 1974، ودبلوم شرف في مهرجان موسكو 1975، وجائزة منظمة التحرير في قرطاج 1974، ومهرجان السينما العربية باريس 1977، إلا بطاقات شكر وتحية..
فيلم واحد، كان يكفي للكشف عن حقيقة الموهبة الهامة، التي يتملكها المخرج برهان علوية.. ونجاح مميز من هذا الطراز، كان ينبغي أن يفتح الدرب أمام هذا المخرج الكبير، وتتاح له الفرص المتتالية!.. ولكن لا المخرج برهان علوية اكتفى بفيلم واحد، ولا الدرب فُرشت أمامه بالورود، بل كانت مسيرة من العطاء، تمازج فيها التعب والجهد، بالمستوى الفني العالي، الذي يكتب اليوم اسم برهان علوية متألقاً، على الرغم من انكسارات الحلم..
قبلتان.. على اسم برهان علوية
«أمانة».. وكان «أبو عبدو سالم»/مدير إنتاج فيلم «كفر قاسم»، يحاول بكل اجتراحات اللغة، أن يتأكّد من إيصال القليل من مشاعره، بالقبلات، إلى «حبيب القلب»/«برهان علوية»..
«أبو عبدو سالم»، الذي ينغمس اليوم في مشاعر الوحدة، والالم، والاغتراب، في دمشق، يؤمن بأن صلة القلب بالقلب، وامتزاج الذاكرة بالذاكرة، والحلم بالحلم، لن تنقطع!..
وفي فيض كلمات الحب والتقدير، وفي تألّق الذاكرة، يبقى «برهان علوية» يطلّ عالياً.. تماماً كما جبال لبنان..



#بشار_إبراهيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن المخرج جان شمعون
- عبد الله المحيسن والسينما السعودية
- عن فيلم «الجنة الآن» للمخرج هاني أبو أسعد


المزيد.....




- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بشار إبراهيم - قبلتان.. على اسم برهان علوية