أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمود العكري - - نسيان - .. 4














المزيد.....

- نسيان - .. 4


محمود العكري

الحوار المتمدن-العدد: 5073 - 2016 / 2 / 13 - 15:24
المحور: سيرة ذاتية
    


إن البداية لا نهاية لها كما لقن لنا في درس المدرسة الغبي، فكل بداية هي حياة لبدايات أخرى قادمة لا محال، ولكي تعبر واحدة عليك بالقفز نحو الأخرى، وهكذا تكون أمام محطات يجب عليك فيها أن تنسى لتحيا، أن تنسى لتستمر.
غير أن النسيان يوجد دوما في قفص الاتهام، فهو متهم كغياب! بحيث تصبح تعاسة الإنسان نتيجة مباشرة لعجزه عن النسيان، فيتحول إلى كائن يعيش دوما تحت وطأة الماضي والذاكرة، ملتفتا إلى الوراء، غافلا عما في اللحظة والحاضر من إمكانيات السعادة، وهذا ما جعلني حبيس فكرة أنني في الحقيقة لا أحيا، لا أعيش، بل فقط أتذكر الماضي الذي أكون فيه للأبد وأحاول نسيانه.
في لحظات الصمت رفقة الطبيعة، كنت أجلس متأملا منظر الجمال الممتد في المكان الأخضر، وكان يعيش في سؤال يمزقني كلما مرقت عينان ذلك العنكبوت السعيد، فكنت أسأله: " أيها العنكبوت لماذا لا تخبرني عن سعادتك وتكتفي فقط بصنع خيوطك البراقة على نغمة السعادة؟ " فيجيبني العنكبوت قائلا " إنني أنسى في كل مرة ما كنت أنوي قوله "، لأنه في الوقت الذي يستعد فيه العنكبوت للإجابة يكون قد نسي الجواب فيسكت، وهذا ما كان يثير دهشتي الغريبة.
لم لا أكون مثل العنكبوت، أنسى دوما الماضي وأعيش فقط رفقة الآن في هناء وسعادة !
يحكى في العامية المصرية أنه كان هناك حشاش بطل مشهور في جميع النكت المصرية أدمن الحشيش ومثل أمام نفس القاضي عدة مرات ومن قبيل محاولة التوجه الى ضميره أو ما تبقى من ضمير، سأله القاضي: أنت بتشرب حشيش ليه؟ أجابه البطل: لكي أنسى.. فقال له القاضي تنسى ماذا؟ فأجاب: والله العظيم ما أنا فاكر.
كما يحكى عن إنسان كان يعيش في أمريكا وقد فقد المعنى وكان مليونيرا حصل على كل شيء السيارة والمنزل والجاه والمرأة الجميلة والرفاهية.. لكن ضمن كل هذه المنظومة المادية الكبيرة لم يجد معنى على الإطلاق، فقرر أن يبحث عن المعنى في العقائد والديانات إلى غير ذلك من الأمور، فسمع عن جماعة كريشنا فذهب إليهم وقال لهم إني أبحث عن المعنى أين الحقيقة، فقالوا له " لا إن سؤالك في غاية الصعوبة وعليك أن تذهب إلى الهند، فذهب ومكث عدة أيام في شوارع الهند إلى أن قالوا له عن أحد المتصوفين.. فذهب إليه وجلس عند قدميه وطرح عليه السؤال ـ أين المعنى؟ ـ وما هي الحقيقة؟ فأجابه: سؤالك يا بني في غاية الصعوبة، معلمي الأكبر وحده من يملك الجواب عليه، فقال له أين معلمك؟ أجابه: في كهف كبير وسط جبال الهملايا.. فتسلق الجبل لأنه كان جادا في بحثه عن المعنى والحقيقة، إلى أن وصل إلى الكهف وبالفعل وجد هذا الرجل الذي تبدو عليه علامات التقوى والورع جالسا يتأمل فجلس عند قدميه عدة أيام إلى أن نطق.. قال له: ماذا تريد يا بني؟ فأجاب: الحقيقة يا سيدي ! حتى أجد المعنى.. فقال له: تتلخص الحقيقة في كلمتين، نيرفانا ومانترا.. فقال له كيف أكتبهما، فأملى عليه، فقال له وما معناهما؟ أجاب: نسيت.
في الحكايتين هناك عنصر أساسي يجمع بينهما، وهو للأسف عنصر جوهري، ففي جميع الحالات ما نسي ليس تفصيلات أو شيء من هذا القبيل إنما هو أمر جوهري ويمكنني القول أن هذا الشيء الجوهري يستند إليه العالم بأسره، لذا يكون النسيان هو انتفاءنا من عالم الوجود، ليعود التذكر هو أصل وجودنا، وهكذا تستمر اللعبة إلى اللانهاية.
لكن النسيان ليس سهل المنال، قد يأخذ منك كل ما تملك من قوة دون أن تحصل عليه في نهاية المطاف، لكنه فعلا محمود الأضرار، النسيان حل من لا حل له، وهكذا أخرج للعالم رفقة صرخة جديدة تقول: أيتها البشرية، أيها الناس، إسمعوا ما أقول: انسوا تعيشوا، أريد أن أنسى، من منكم يعلم معنى النسيان؟ لا أحد، إني أسير نحوه فاتبعوني.
تمت.



#محمود_العكري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- توقف هنيهة!
- مريض نفساني
- حكم مستبد
- مهزلة
- هوية على المحك
- نيتشه وحكمة الإغريق الأولى.. 3
- نيتشه وحكمة الإغريق الأولى.. 2
- نيتشه وحكمة الإغريق الأولى


المزيد.....




- صديق المهدي في بلا قيود: لا توجد حكومة ذات مرجعية في السودان ...
- ما هي تكاليف أول حج من سوريا منذ 12 عاما؟
- مسؤول أوروبي يحذر من موجة هجرة جديدة نحو أوروبا ويصف لبنان - ...
- روسيا تعتقل صحفيًا يعمل في مجلة فوربس بتهمة نشر معلومات كاذب ...
- في عين العاصفة ـ فضيحة تجسس تزرع الشك بين الحلفاء الأوروبيين ...
- عملية طرد منسقة لعشرات الدبلوماسيين الروس من دول أوروبية بشب ...
- هل اخترق -بيغاسوس- هواتف مسؤولين بالمفوضية الأوروبية؟
- بعد سلسلة فضائح .. الاتحاد الأوروبي أمام مهمة محاربة التجسس ...
- نقل الوزير الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير للمستشفى بعد تع ...
- لابيد مطالبا نتنياهو بالاستقالة: الجيش الإسرائيلي لم يعد لدي ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمود العكري - - نسيان - .. 4