أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محسن محمد الطوخى - البحث عن موقع تحت الشمس فى - كرسى معسل- للقاص إسلام قطب















المزيد.....

البحث عن موقع تحت الشمس فى - كرسى معسل- للقاص إسلام قطب


محسن محمد الطوخى

الحوار المتمدن-العدد: 5050 - 2016 / 1 / 20 - 07:30
المحور: الادب والفن
    



صدر عن دار صفصافة للنشر والتوزيع, الكتاب الأول للكاتب إسلام قطب, وهو مجموعة قصص قصيرة بعنوان " كرسي معسل" .
والجهد المميز الذى جعل من وجود هذا الكتاب أمراً ممكناً يعود إلى عنصرين لا يمكن إغفال دور واحد منهما, أولهما الكاتب المبدع إسلام قطب بوعيه وثقافته التى تعكسها التجارب المطروحة فى الكتاب الذى يقع فى مائة وخمسين صفحة, ويعرض وجهة نظر الكاتب فى الحياة من خلال إحدى عشر قصة قصيرة تتناول حياة طائفة من المهمشين بلمسة صوفية. أما العنصر الثانى الذى لا يقل أهمية, فهو المستوى الرفيع الذى قامت به الدار الناشرة فى الإخراج الجيد للكتاب الأمر الذى منحه شكلاً راقياً يليق بالجهد المميز للكاتب. ولا يمكن إغفال المساهمة الفعالة لدار صفصافة وأمثالها من الدور التى تقدم على إصدار الأعمال الأولى لكتاب ناشئين بما فى ذلك من مخاطرة, وهو دور يثرى الحياة الأدبية ويعمل على اكتشاف المواهب المتميزة التى لا تجد طريقها إلى مؤسسات النشر الرسمية التى يسيطر عليها الموظفون بفكرهم العقيم الذى كدس أرفف المكتبات, وملأ مخازن هيئات وزارة الثقافة بأكوام من المطبوعات أغلبها محدود القيمة .
إسلام قطب كاتب يحترم عقل قارئه, ويتسلل إلى وجدانه بنعومة, ليترك مع كل قصة انطباع لا يزول أثره بسهولة. وأزعم أن قارىء هذه المجموعة القصصية لن يكون نفس الشخص بعد الانتهاء من قراءتها .
سنبدأ بتناول العنوان " كرسي معسل " , حيث هو المدخل الطبيعى لنصوص الكتاب, بالإضافة إلى كونه العامل الذى يجمع بين العنصرين اللذين أشرت إليهما. المبدع والناشر .
فالعنوان يؤدي وظيفتين للنص الأدبى, أحداهما هى الوظيفة التعنينيه التى يتوجه بها الكاتب لقارئه, والأخرى وظيفة ترويجية يتوجه بها الناشر لعموم الجمهور . فالعنوان كما يصفه "جيرار جينيت" موضوع للدوران والتحادث, بينما النص موضوع للقراءة .
والملفت هو استقلالية العنوان, بمعنى أنه ليس عنواناً لواحدة من قصص المجموعة كما جرى العرف, فالعنوان قد يكون مجرد اسم علم على الكتاب يقتصر دوره على أن يميزه ويصنع له مركزا قانونيا. وقد حرص المؤلف على أن ينفى تلك الصفة عن عنوان كتابه فربط بينه وبين التوجه العام للتجارب الإنسانية التى تتناولها القصص فأضاف فى الصفحة التاسعة مقدمة تمهيدية تحت عنوان " دوزنة " . ونحن نعرف ماهى الدوزنة, إنها العملية التى يقوم فيها العازف بشد أوتار الآلة الموسيقية بهدف ضبط النغمات. تتميز المقدمة بأسلوب راق, وبشفافية بالغة فى اللفظ والصياغة. يصف فيها الكاتب متعاطى كرسي المعسل فيقول " كل هؤلاء يدورون كما تدور الأرض تحت أقدامهم فى فلك صوفي بغية الترقي إلى الأعلى, إلى الحد الأقرب إلى النشوة, متدرجين من نشوة كرسي المعسل, مروراً بالانجذاب والسكر والتيه, إلى العدم, حيث ملاقاة الذات الإلهية, والانتشاء المخلد فى الجنان ...... " . وهؤلاء الذين أشار إليهم المؤلف هم المقصودون فى العبارة الختامية لتلك المقدمة .. " عن ساكني تلك الأكوان الموازية نتحدث".
فلنتأمل تلك الأيقونة التى أراد بها الكاتب أن تمثل ذلك الزخم الموجود فى أحداث وحيوات شخصيات القصص, والذين ينبغى أن يكون لديهم دافعاً خفياً للإقتراب من أفق ما, يدركونه بالفطرة والحدس ولا يرونه رأي العين .
فكرسي المعسل فى الذاكرة الشعبية هو حالة, وليس مجرد اسم علم للأداة المستخدمة فى التدخين. ولا تكتمل المتعة فى كرسى المعسل إلا فى جماعة . ويلزمها طقوس يقوم عليها محترف, لاغنى له عن طائفة من المعدات والأدوات الملحقة كالمجمرة, والماشة, والطاسة, والحجر, والحصاة .. الخ . وهى نفسها باستثناء الأشكال البدائية البسيطة منها تبدو كمعدة مركبة يلزمها معايرة, وضبط مناسيب. كرسى المعسل إذن هو كيف اشتراكى لا يكتمل إلا بجماعة وتوزيع أدوار . وترتقى تلك الجماعة, وتتوحد فى أفق واحد فى طقس شديد الخصوصية, واسع الانتشار فى مجتمعاتنا الشرقية, فهو الأداة المثالية لتعاطي مخدر شائع كالحشيش. وإن كان هذا المخدر يتمتع بسمعة سيئة فى الأوساط الاجتماعية المحافظة, إلا أنه يتمتع بشعبية نادرة بين جميع الطبقات, فقد يجتمع حول كرسي المعسل أشخاص من طبقات متنافرة, فى صورة من التوحد والألفة لا يشبهها إلا انتظامهم خلف الأئمة فى المساجد. وهنا مربط الفرس, فالعلاقة المفترضة بين العنوان ومحتوى الكتاب تتمثل فى السلوك الذى تنخرط فيه الجماعة بهدف الارتقاء الى أفق أعلى لا ينتمى الى هذا العالم, بل يهيمن عليه. والواقع أن العنوان يعد القارىء ويؤهله لعالم ربما لم ترسخ قواعده فى تفاصيل القصص أو توجهاتها, اللهم فى ثلاث قصص بالتحديد تماست بشكل طفيف مع التجربة الصوفية, وهى قصص " النظارة السوداء " و " رحمة " و " صرخة " . وهو مجرد تماس ينحصر فى كون الظاهرة محور القص لا يمكن إدراكها إلا بالقلب والوجدان, وأنها تتجاوز حدود العقل, فالشخص المحوري فى القصص المذكورة سواء كان يقع فى مركز الحدث, أو يكتفي بدور الراوى يعرض حدثاً لا يمكن فهمه إلا فى ضوء الاعتقاد بوجود قوة مهيمنة لا تدركها الحواس, وسوف يلاحظ القارىء أن الأشعار والأقوال التى صدرت بها القصص على لسان طائفة من أئمة الصوفية وعلى رأسهم مولانا جلال الدين الرومي قد أسقطت دلالاتها العاطفية الوجدانية على القصص أكثر مما بدا عمقها الصوفي .
يتسلل اليك الفن الجيد بنعومة, يتصرف فى قناعاتك بالحذف والإضافة, يبدل انحيازاتك ومواقفك عن طريق مخاطبة الوجدان, بعيداً عن المباشرة والتقرير. وتتوهج القصة القصيرة عندما تتناول حياة المهمشين, وهذا مايميز " كرسي معسل " . فشخصيات القصص هم مجموعة من الأشخاص الذين يبحثون لأنفسهم عن موقع تحت الشمس, مثل " زيزو " الشاب الجامعى الذى يحلم بالهجرة إلى وطن بديل يحترم آدميته, ويمنحه فرصة عزت عليه فى وطنه, فيواجه الإخفاقات المرة بعد المرة. وتكمن المفارقة فى أن ولاءه وانتماءه الفطري يتحولان عندما تلوح الفرصة إلى معول الإحباط الأخير, فيهدر فرصته باختياره تحت ضغط الروابط الأسرية التى تكبله بالواقع .
أوهم أشخاص يناضلون من أجل الصمود فى مواجهة واقع يسقط إنسانيتهم, مثل "فرعون" لاعب النيشان فى المولد , والطفل "رحمة" فى القصة التى تحمل اسمه, أو حراس الليل فى الصرخة. كلها شخصيات تحيا على هامش مجتمع لاه لا يشعر بآلامهم أو ضياعهم. ويحاول كل منهم التشبث بنقطة التماس التى تجمع بينه وبين الواقع دون أن تسمح له بالولوج فيه أو الانتماء إليه. ففرعون, ورحمة, وحراس الليل هم هامشيون فى الحياة. وكأنما أراد الكاتب أن يضاعف من جرعة التهميش فمنحهم أدواراً ثانوية. هم فى سياق السرد مجرد أدوات فى إطار فكرة تتجاوزهم وتتجاوز أقدارهم, ليسوا هم محور الحكاية. ففرعون ليس إلا نقطة فى الإطار الصاخب الذى يناظر بتناقضاته الحياة, وهو المولد. وتعاسته هى مجرد عنصر يكثف تلك التناقضات, وهو يسقط من ذاكرة الجمهورالذى يوليه ظهره بمجرد انتهاء اللعبة الخطرة التى يؤديها غير حافل حتى بتحيته. يجلس فرعون على أرض المسرح متربعاً بعد انتهاء فقرته, وفى حجره تجلس شهد مسلمة ظهرها لوالدها الذى خاطر بحياتها للتو . بينما العالم يوليهم ظهره .غير آبه بأحلامهم البسيطة.
أما "رحمة" فهو الطفل الذى يحلم باستكمال مبلغ زهيد لا يتجاوز الجنيهات العشرة, والذى يطرح الأسئلة الساذجة التى تدور حول الوجود, والثواب, والعقاب. أسئلة لا تحتاج من وجهة نظر الراوى إلى إجابات, بقدر ماتكشف الزيف الكامن فى مجتمع يحتفى بالشكل ويهدر الجوهر. والطفل نفسه ليس محوراً للقص, ولا يدور حوله السرد بقدر ماهو وسيلة لطرح فكرة تتجاوزه وتحلق فى إطار يتماس مع نزعة صوفية لمسناها فى المقدمة, ونزعة إنسانية تترجمها كلمات طاغور التى صدر بها القصة " يمكن أن نكون أقوياء بالمعرفة .. ولكننا لا نصبح بشراً إلا بالرحمة ".
والمتأمل للحارسين فى قصة الصرخة يمكنه اكتشاف أنهما قاما بدور مماثل لدوري فرعون ورحمة. فهما ليس أكثر من إطار للصورة, بفقرهما وبؤسهما حيث يمضيان الليل بطوله فى حراسة أحد المبانى الرسمية بعد انتهاء الدوام وخلوه من مظاهر الحياة والحركة, إنهما ينتميان إلى الجزء الهامشي من حياة المبنى, كما أنهما لا يشغلان من الحياة إلا هامشها .. " ينقضى عمرهما فى انتظار اللاشىء " .. وعندما يتصادف أن يكونا جزء من حدث ما, فإنهما لا يتجاوزان هامش الحدث, إذ ينتهي دورهما على أثر المساومة التى ربحا فيها بعض أوراق النقد, ولا يعودان إلى الظهور إلا بعد انتهاء التجربة دون أن يكونا جزءً منها, إذ يقتصر دورهما على فتح البوابة الحديدية ليسمحا للثرى بالمرور, ثم إغلاقها بعد انصرافه دون أن يدركا الظاهرة الكونية التى كان مسرحها ملعب الكرة المهمل الملحق بالمبنى .
ونلاحظ أن نزوع الكاتب إلى التجديد والابتكار فى شكل القص ترافق مع وعي بخصائص القصة القصيرة فهو يجيد صنع الحبكة, ولا يغفل عنصر التشويق, ولا يسقط فى الإبهام والتعتيم الذى يميز معظم انتاج شباب القصاصين, والحيلة المبتكرة فى قصة المولد بتوليد حكاية مع كل رمية سكين يصوبها فرعون صوب "العروسة" تعكس خيالاً خصباً ومخيلة قادرة على توليد الحكايات الفرعية. وربما كان لذلك أصل فى حكايات الف ليلة وليلة .
لا يولد الأديب من فراغ, ومجرد امتلاك ناصية اللغة لا يصنع أديبا, ولا يقدم فكراً . تصنع الأديب ثقافته, وامتلاكه وجهة نظر, ورؤية للحياة. وإسلام كاتب حساس تتبدى ثقافته فى إدراكه لأشواق الإنسان للمثل الأعلى مهما بلغ انحطاط مستواه الثقافي والمعرفي, وتعكس قصصه التى حاول فيها ملامسة أفق صوفي وعيه بهموم مجتمعه. ومجموعته القصصية " كرسى معسل " أعتبرها إرهاصة لميلاد كاتب جديد متميز .



#محسن_محمد_الطوخى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التحليق فى أفق المعنى فى نص -وبت قرير العين- للأديب التونسى/ ...
- كرش صديقى العظيم


المزيد.....




- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محسن محمد الطوخى - البحث عن موقع تحت الشمس فى - كرسى معسل- للقاص إسلام قطب