أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بشاراه أحمد - الإسلام والعنصرية وجهاً لوجه – (جزء خامس):















المزيد.....



الإسلام والعنصرية وجهاً لوجه – (جزء خامس):


بشاراه أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 4989 - 2015 / 11 / 18 - 20:13
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


نعود إلى موضوعنا الأساسي مع عادل العمري وسعيه الحثيث لبهت الإسلام بالعنصرية التي يتنسمها ويرضع من ثدييها, وقد كان ردنا على التعليقات لازماً وضرورياً لأن البعض يظن أو يحاول أن يوهم نفسه والآخرين بأن الموضوع برمته موجه ضد أفراد بعينهم أو أمم وطوائف بعينها, ولكننا نؤكد أن العاقل, والمتتبع لنقاشنا وتحليلنا لن يغيب عنه أننا لم نستثن أحد من المسئولية سواءاً أكانت بالمشاركة الفعلية المباشرة أو غير المباشرة بالسكوت والإستسلام وقبول الأمر الواقع,,, فنقول وبالله التوفيق.

لا يزال الكاتب مستمراً في الخلط بين النقائض وشربكة الخيوط,,, كأنه يهوى ذلك ويعشقه, فحديثه عن الشعر الجاهلي أو بالأخرى (الشعر العربي),, - سواءاً أكان قبل الإسلام أو بعده - إنما هذا يعتبر منه شاهد عدل على حياة العرب وواقعهم الجاهلي الذي كان.

والآن قد عاد كما كان من قبل - إن لم يكن للأسوأ – فنقول له: لا تشغل بالك كثيراً بالتشكيك فيه فهو بكل ماضيه وحاضره ينضح عِرقِيَّة ethnical وقَبَلِيَّة وتفرقة بين البشر يمقتها الله تعالى ورسوله والمؤمنون, فهو كله يزخر تفاخراً وتكاثراً وتعالياً وهجاءاً وكبراً,,, رغم أنه لا يخلوا من ملاحم ومكارم ومناقب ولكنها ليست بمعزل عن كثير من عناصر العنصرية والتميز, فهذا كله سلوك تفرضه البيئة التي كانوا يعيشون فيها والثقافة التي كانت سائدة آنذاك (خارج إطار الشرع القويم) وبالتالي يكون المسئول عنه صاحبه الذي جرحه والإسلام والقرآن والسنة منه براء, وله عليه مآخذ وإدانة سينال جزاءه عليها إن لمن يرتدع قبل فوات الأوان.

أنظر إلى قول الله تعالى للناس (كل الناس) - مهوناً ومقللناً الدنيا في أنظارهم حتى لا تفتنهم وتلفتهم عن الحق - في سورة الحديد, قال لهم مفصلاً: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ...):
1. (... لَعِبٌ ...), يضيع الإنسان فيه أهم أوقات حياته بلا مقابل,
2. (... وَلَهْوٌ ...), يقدح في الشخصية وقدراتها العقلية, لغياب جدية المسئولية لدى اللاهي,
3. (... وَزِينَةٌ ...), ينبهر بها التائه الحالم الهويُّ الضَّال الذي ينشغل بالمباهج وينسى المناهج.
4. (... وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ ...), وينسى أنه مهما علا قدره وسما فضله في عينيه فإنه لن يزيد عن غيره مثقال حبة من خردل – ممن يحتقرهم ويتعالى ويتفاخر عليهم إلَّا بما يعلمه الله عنه من تقوى وهذه يتمايز بها الناس فقط أمام ربهم يوم الجزاء بعيداً عن وخارج الحياة الدنيا التي يستوي فيها كل البشر إلَّا بالتعامل الطيب الذي يحبب الناس فيه (كلهم لآدم وآدم من تراب), فمن ظن غير ذلك يكون من الوهمين الظالمين لأنفسهم المعتدين على غيرهم.
5. قال: (... وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ...), وينسى أن الذين سبقوه وكانوا أكثر منه أموالاً وأولاداً قد إندثروا تحت التراب هم وأموالهم وأولادهم ولم يأخذ أي منهم شيئاً مما كنزه لنفسه سوى أعماله التي ستكون حسرات عليه يوم الحسرة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين.

لذا صور الله حالهم البائس وقال إن مثلكم في ذلك تماماً: (... كَمَثَلِ غَيْثٍ « أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ » « ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا » « ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا » ...), هذه هي الحياة الدنيا من أولها إلى آخرها عند الذي يتأملها ويفكر في واقعها,, فَعَلآمَ اللعب واللهو والزينة والتفاخر؟ وما فائدتها ما دام أنها لن تدوم طويلاً ولن تبقى على حالها وزينتها, وقد كُتب عليها التدهور والفناء طال بها الأمد أم قصر؟؟؟

وما دام أن هناك حياة آخرة فيها وعْدٌ ووعيد أليس من العقل والمنطق التفكير فيها والسعي للنجاة من شرها وأخذ نصيب من خيرها ومباهجها الدائمة؟؟؟, قال تعالى: (... وَفِي الْآخِرَةِ « عَذَابٌ شَدِيدٌ » « وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ » « وَرِضْوَانٌ » ...), فلماذا لا يستبدل العاقل الحصيف العذاب الشديد والسخط بالمغفرة من الله والرضوان؟؟؟

على أية حال فالحياة الدنيا بكل مباهجها لا تستحق التضحية من أجلها بما هو باق ودائم, وقد صور الله حال المفتونين بزينتها ومباهجها, فشبَّهَهُ بحال الكُفَّار (الزًّرَّاعِ) عندما تعجبهم خضرة ونضار النبات الذي أنبته الغيث من بذورهم التي كفروها تحت الثرى - دون أن يستحضروا المصير المحتوم ذلك النبا وزواله بعد فترة قصيرة يتحول فيها من حال بهيج إلى حال مصفر شاحب بائس يابس ثم إلى فناء فعدم – إذ بعد أن كان أخضراً نضراً هاج وتغير, فإصفَرَّ لونه ثم جفت رطوبته فتكسر وتحطَّم فصار هشيماً تتقاذفه وتذروه الرياح فيتبعثر فيها ويتفرق كأن لم يغن بالأمس, هكذا حال الحياة كلها وقد وصفها الله تعالى وهي كذلك بقوله: (... وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ 20). لأنه يغتر بدنيا الأغيار ويأمن لها, ويأمل فيها وهي كلها زائلة.

و في حديث العمري عن الشعر نقول له: نعم الشعر الجاهلي أو العربي فيه ما فيه من الخصال الجاهلية والإثنية, ولكن هذا لا ينفي وجود شيء من القيم الإنسانية الرفيعة في أشعارهم منها الشجاعة والمروءة والكرم والجود (إن خلت هذه القيم من الفخر أو قُصِدَ بها التعالي والتميز والترفع على الغير),,, الخ. فأنظر إلى هذه اللوحة الفنية بلغة البيان من قول الشاعر الجاهلي المُرقّش الأكبر (ربيعة بن سعد بن مالك) في الفخر, حيث قال:

إنْ تُبْتَــــدَرْ غَايَةٌ يَوْماً لمَكْرُمَةٍ *** تَلْقَ اَلســوَابِقَ مِنَا وَالْمُصَلِّيْنَا
وَلَيْسَ يَهْلِكُ مِنَّا سَيِّدٌ أبَـــداً *** إلاَّ اَفْتَلَيْنَا غلاَماً سَــيِّداً فِينَا
إنَّا لَنُرْخِصُ يَـوْمَ الرَّوْعِ أنْفُسَـنَا *** وَلَوْ نُسَـامُ بِهَا في الأَمْنِ أُغْلِينَا
شُعْـثٌ مَـفَارِقُنا، تَغْلي مَرَاجِلُنَا *** نَأْسُـــو بِأَمْوَالِنَا آثـارَ أَيْدِينَا
المُطْعِمُوْنَ إِذَا هَبَّتْ شَــآمِيَـةٌ *** وَخَيْرُ نَادٍ رَآهُ النَّـــاسُ نادِينَا
إِنِّي لَمِنْ مَعْشَــرٍ أَفْنى أَوَائِلَهُمْ *** قِيلُ الْكُمَاةِ: ألاَ أَيْنَ المـُحَامُونا؟
لَوْ كَانَ فِي الأَلْفِ مِنَّا وَاحِدٌ فَدَعَوْا *** مَـنْ فَارسٌ؟ خَالَهُمْ إِيَّاهُ يَعْنُونَا
إِذَا الْكُمَاةُ تَنَحَّوْا أَنْ يُصِيبَهـمُ *** حَدُّ اَلظُّبَاتِ وَصَلْنَاهَا بِأَيْدِيــنَا
وَلاَ تَرَاهُمْ وَإِنْ جَلَّـتْ مُصِيبَتُهُمْ *** مَعَ الْبُكاَةِ عَلَى مَـنْ مَاتَ يَبْكُونَا
وَنَرْكَبُ الْكُرْهَ أَحْيَـاناً فَيُفْرِجُهُ *** عَنَّا الْحِفَاظُ، وَأَسْــيَافٌ تُوَاتِينَا

فإن كان الجانب الإيجابي في حقيقته وخلفيته يخدم التفاخر والتعاظم على الغير بقصد التمييز الفوقي العرقي أو الجهوي أو الإثني, فإنه بلا شك سيكون شراً ممقوتاً كريهاً يمقته الله ورسوله, بل كل أنبياء ورسل الله تعالى والصالحين من عباده الذين هم خير أمة أخرجت للناس.

المهم أنَّ الشعر العربي - "بعيداً عن الإسلام" – قد يعطيك القيمة الإنسانية الهابطة التي تسعى لتأكيدها على غيرك وتنسى نفسك المتورطة فيها, وهي أقترابه من العنصرية حيناً والإبتعاد عنها حيناً آخر, بغض النظر عمَّا إذا كان ذلك الشعر منحولاً أم غيره. وهذا هو المهم بالنسبة لك. ولكن ما علاقة هذا وذاك بالإسلام الذي تدورون حول حِمَاهُ وتودون أن تقعوا فيه بأي قدر وثمن أو كيفية؟؟؟

فأنظر إلى ما قاله الله تعالى عن الشعراء تعميماً, وتفصيلاً, وتمييزاً,, وذلك في سورة الشعراء, حيث بين مواصفات الغاوين الذين تَنَزَّلُ عليهم الشياطين من البشر, فقال:
(هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ 221)؟؟؟,
إنها: (تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ 222), وذلك لأن هؤلاء الأفاكين الآثمين هم الذين: (يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ 223). هذا!!!: (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ 224). والدليل والبرهان على ذلك ما هو مشاهد وملموس ومحسوس فيهم, قال: (أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ 225)؟؟؟, (وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ 226)؟؟؟ ..... ولكن...

بالطبع ليس هذا حال كل الشعراء, وإنما هناك إستثناء منهم وفق معايير وشروط دقيقة, فصلها الله في قوله: (إِلَّا الَّذِينَ ...):
1. (... آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ...), وهذا يمنعهم ويصدهم عن الإعتداء على الغير,
2. (... وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا ...), وهذا يمنعهم ويصدهم عن الكبر والتفاخر بالأعراق والأنساب والقوميات والقبلية والأمجاد والأسر,
3. (... وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا ...) وهذا يجعلهم يحصرون شعرهم فقط في صَدِّ الظلم والعدوان عن أنفسهم دون أن يتجاوزوه قيد أنملة أم أدنى,

فمن إنطبقت عليه هذه الشروط من الشعراء كانوا من المستثنين من أولئك الأشرار منهم, الذين تنزل الشياطين عليهم وبالتالي هم مبعدون من زمرة الغاوين, وقد ختم الله الآية بقوله: (... وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ 227). فأين تجد المكان اللائق بالشعر الجاهلي قديمه وحديثه وقادمه يا عادل؟؟؟

ونذكركم بأن الله تعالى قد ذكر - بهذه السورة الكريمة "الغاوين" كنقيض "للمتقين" - قبل ذلك في قوله عن الذين يتقون "النَّارَ وغَضَبَ اللهِ" بالإيمان والعمل الصالح, قال: (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ 90), أما الذين كذبوا بلقاء ربهم ولم يتقوا النار بالإيمان والعمل الصالح, فقد إستحقوا مواجهة النار واقعاً مُعاشاً مُخلداً, قال تعالى فيهم: (وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ 91), فذكَّرهم الله بعبادتهم الإفك, فقال: (وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ 92)؟, من طواغيت,, وما الذي يمكنهم أن يفعلوه لكم وقد سبقوكم إلى الجحيم هم أنفسهم,, فأنظروا هناك فستجدونهم يصطلون فيها, قال: (مِن دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ 93)؟؟؟,

فالجواب بالطبع ليس من عندهم وإنما هو تطبيق عملي مباشر من الله عليهم وعلى طواغيتهم وآلهتهم التي عبدوها من دون الله, قال تعالى: (فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ 94). ليس هؤلاء فقط بل كل من ساهم في غوايتهم وإضلالهم من جنود إبليس - من البشر - الذين جندوا أنفسهم لخدمته وإرتضوا إستعباده لهم وتشفيه فيهم, قال تعالى: (وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ 95).

والآن,, أيها الكاتب!!! ماذا تريد أن تفهمه للقاريء من عرضك لتبريرات إبراهيم أنيس بخصوص إختلاف لغة الشعراء عن لهجات القبائل التي إنتموا إليها,,, الخ, فهل معنى هذه التبريرات أن هناك لغة للشعراء تختلف عن لهجات القبائل التي ينتمون إليها؟؟؟ .... إذاً,, كيف يكون هذا في رأيك؟ وهل هناك لغة للعرب ولغة للشعراء ولهجات تختلف عن تلك اللغة وهناك لغة للقرآن قلدها الشعرا,,, أم ماذا ؟؟؟

المنطق يقول إن شعراء العرب الجاهليون بلا شك قد سبقوا بشعرهم الإسلام, واللغة العربية الفصحى بلا شك قد سبقت الشعراء العرب الجاهليين بكمالها لأنها فطرة وليست من صنع البشر كما قد يتوهم الجهلاء التائهون. واللهجات لا تُغَيِّر أصل وأساسيات اللغة في الغالب وإلَّا صارت أداةً أو وسيلةً للتعبير الدارج, كلغة الإشارة لخدمة المعاقين من البشر, والتواصل معهم.

فلغة القرآن الكريم هي اللغة العربية الأم الأصلية - هي لغة الفطرة التي فطر الله تعالى عليها أهلها - فإتفق لسانهم عليها دون دراسة أو تعلم,,, علماً بأنه لم تكن عندهم لها قواعد ومراجع تضبط السنتهم عليها. وبالتالي فهي قد سبقت الشعراء الجاهليون وغيرهم.

ولعل الله تعالى قد حفظها بكمالها وجمالها وتبيانها ثم أنزل كتابه الكريم على سبعة أحرف منها,, لا يخرج لسان العرب الفصيح عنها فكان ذلك تأكيداً لحجة البيان عليهم ليكون إختيارهم لمنهج حياتهم عن علم وفهم وتدبر. فأنظر إلى قول الله تعالى في سورة الأنعام مخاطباً ومواسياً نبيه الكريم لحزنه على إعراض قومه وإيراد أنفسهم التهلكة والخسران وهذا ما لا يريده لهم, قال: (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ «« فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ »» - « وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ » 33) لأنهم عرفوا صدق آيات الله ولكنه الجحود والكفر الذي كان أساسه الكبر والعناد الذي تسمونه أنتم "العنصرية".

ومن ثم,, لا العرب ولا الشعراء الجاهليون يستطيعون مجاراة القرآن الكريم والإتيان بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً. فهذه المحاولات والمناورات منكم إنما هي تخرصات ورجم بالغيب بلا مبرر لها ولا برهان ولا حتى منطق, فالأمر أكبر من مستوى التخبط والتبريرات والتخمينات,,,. والعبارات التي فيها تحايل, كقولكم مثلاً: (... فهل من المعقول أن كافة شعراء العرب قد اتخذوا لغة تشبه لغة القرآن ...)؟, فهذا نظن أن فيه شيء من محاولة الإيهام بأن الشعر الجاهلي هو الذي قلَّدَ لغة القرآن, وهذا الإيهام تريدون به أن يدعم قولكم بأن الشعر الجاهلي أغلبه منحول (إن لم يكن كله) إن مكنكم التحايل من تلك الغاية التي تتمنونها, ولكن نؤكد بأن كل المحاولات لن تخدم الغاية المقصودة منها, على أية حال الإتيان بنماذج من الشعر الجاهلي ليس بالأمر العسير, وإثبات ما هو قبل الإسلام وما هو بعده أيضاً في الإستطاعة إن دعى الأمر ذلك وطلبه القراء من خلال تعليقاتهم المتوقعة.

فما قاله مرجليوث وطه حسين أو غيرهم عن الشعر الجاهلي بأن معظمه منحول, فإننا لن نقف عنده طويلاً, بل سنجاريهم ونفترض جدلاً أنَّ ثلثي الشعر الجاهلي منحول أو حتى ثلاث أرباعه كذلك,,, فإن الجزء اليسير "للغاية" الذي سلم من النحول وثبت أنه جاهلي لا شك في أنه يشهد بأنه قد(سبق إنبثاق نور الإسلام), أو إستمر بعده لأن الجاهلية إستمرت لدى من إختاروا لأنفسهم التمسك بها.
فإن هذا أكثر من كافٍ - (بنظمه وإلتزامه بقواعد لغة البيان ودقة تصويرها) – وهذا خير شاهد على أن اللغة لم يبتكرها القرآن أو يصنعها أو يبتدعها أو يُحسَّنها المسلمون, وإلَّا لظهرت بعده لغتان عربيتان إحداهما للجاهليين والأخرى للمسلمين. وحيث أنه لا يوجد شيء من هذا إذاً تبطل بذلك إدعاءاتكم فيخيب المسعى والمرتجى معاً.

وحتى إن كان منحولاً كله, أو جله, فالذي نحله أيضاً شخص عربي من نفس البيئة وبنفس اللغة, بل والأهم من ذلك فإن الكثير منه يتعارض كلياً مع مباديء الإسلام, بل البعض منه فيه شرك صريح وفجور.... إضافة إلى ذلك فإن هذه الأقوال والآراء التي ساقها الكاتب إنما قيلت عن اللغة العربية في الأدب والشعر بصفة عامة ثم في القرآن الكريم بصفة خاصة فما علاقة هذا وذاك بأصل الموضوع الذي يتحدث عنه الكاتب وهو (جذور العنصرية العربية) وليس تاريخ ونقد الشعر العربي الجاهلي؟؟؟

الواضح أن عادل يحاول جاهداً أن يقحم الإسلام في موضوع لا علاقة له به حتى يوهم الناس بأنه ذو علاقة ولكن هيهات, وسنثبت خيبة هذه المحاولة اليائسة وهذا الدس المكشوف عبر الفقرات التالية. أما أشعار العرب المسلمين أمثال حسان بن ثابت وعمر ابن أبي ربيعة وغيرهم - عليهم رضوان الله,,, فهذا أيضاً لن يقدم في الموضوع شئ ولن يؤخر فهو عملية حشو وإلتفاف لتتويه القاريء حتى يتوهم صدق المعلومة وصدق المسعى, إلَّا إذا إستطاع الكاتب أن يقدم للقراء شيئاً يدلل على شيء من "العنصرية" في أشعار هؤلاء الشعراء الكرام, حينئذ يمكننا مناقشته فيها, وبغير ذلك فلا حجة له بها ولا عائد عليه يرجى منها.

لعل القارئ قد أدرك ما نقصده بالتحايل من متابعته للدراسة التحليلية النقدية التي عالجنا فيها بعض فقرات موضوع عادل العمري, ولكن السؤال المحير حقيقةً... لماذا يبذل الأشرار كل هذه المجهودات المضنية والمكلفة ليقلبوا حقائق تكون في وضعها المعتدل أكثر نفعاً وفائدة لهم ولغيرهم منها بعد قلبها؟؟؟ ..... ولماذا ينزعون – دائماً - للشر والعدوان وهم يعلمون أنه لن يقدم لهم عائداً مجزياً يستحق ما خسروه من كرامة وأمانة ومصداقية تفضي عادةً إلى إحباط محقق؟؟؟

على أية حال,,, هنا أيضاً يُظهر الكاتب قدراً إضافياً من التحايل, مستخدماً في ذلك خصلة التعميم, وهذا غير مقبول إن أخذنا في الإعتبار أخلاق البحث والباحثين ومعايير الشفافية والأمانة العلمية والموضوعية,, فالقول بأن (الأحاديث المنسوبة للنبي لا يمكن اعتبارها "صحيحة" من حيث نسبها له), هذا كلام فيه تمويه ودجل وتعويم مقصود, ومردود عليه للأسباب الآتية:

أولاً: ليس كل الأحاديث "منسوبة إلى النبي" صلى الله عليه وسلم, فهذه العبارة - بإستخدام هذه المفردة - مجرد إدعاء محض, فالنبي الكريم أحاديثة مروية عنه شخصياً,, وإن لم تكن كذلك لما صح أن يطلق عليها أحاديث نبوية بأي حال, وإلَّا فإن كل ما "نسب إليه ولم يقله" يعتبر كذب عليه, يتبوأ صاحبه مقعده من النار.

ثانياً: هناك معايير دقيقة للأحاديث المنسوبة إليه - صلى الله عليه وسلم - تحدد درجة إعتمادها أو إبعادها إن كانت ضعيفة أو موضوعة أو تتعارض من القرآن الكريم.

ثالثاً: كما قلنا سابقاً وأكثرنا من ذلك,, إنَّ أحاديث النبي الكريم ليست هي نصوصاً يقولها "شفاهةً" فيسمعها من سمعها وتغيب عَمَّنْ فاتته ولم يسمعها,, وإنما هي تعليمات وتوجيهات تُطبَّق على الفور ويُعمل بها كجزء من حياة الناس, وتُراجع أمام النبي وبين أتباعه من المؤمنين بإستمرار رتيب دائم متواصل تواصل الزمن ومتجدداً تجدد الليل والنهار, وتراها ظاهرة مطبقة في ملامحهم وسحناتهم, و في حركاتهم وسكناتهم بأسواقهم لتضبط معاملاتهم بالبيت لتضبط حياتهم الإجتماعية, وفي الشارع لتحكم حياتهم العامة, وكذلك في أعمالهم ومساجدهم ودورهم,,, وحتى في الخلاء, ويستمر تداولها حية "بالتواتر", فإن كانت كتابتها بعد قرن أو قرنان أو أكثر, فهذا لن يغير شيئاً أو يضيف آخر, فتكون تلك الكتابة فقط للتوثيق للأجيال القادمة وللمرجعية وللعلم والتفقه في الدين وإستنباط الأحكام كلما جد جديد في حياة الناس في الإطار العام لضوابط ألشرع.

رابعاً: أما قوله "جازماً" بأن الأحاديث النبوية لم توثق في حياة النبي قط,,, إنما هذا إدعاء يلزمه عليه دليل ثم برهان, ولكن دعني أوجه إليه سؤالاً منطقياً مباشراً لعله يغنيه عن مشقة البحث عن دليل لن يجده, فالسؤال هو: (كيف وصل إليه شيء من الشعر الجاهلي؟؟؟ .... هل كان مكتوباً أم بلغه من صدور الرجال؟؟؟).

أما الحديث النبوي فسيعرف الآن إن كان قد وثق أم ترك للمتربصين يدَّعون ما يشاءون دون ضابط ولا رابط؟ إذاً هلم معاً إلى رحلة قصيرة في رحاب علم الحديث فيما يلي:

للحديث علم قائم بذاته, لم تأت أمة قبل المسلمين بمثله في أصول التدقيق والتوثيق أو بعدهم حتى الآن. فحديث النبي ليس قرآناً, وفي نفس الوقت ليس منطوقاً به عن الهوى "إن هو إلَّا وحي يوحى" من عند الله تعالى. فالقرآن بمثابة الدستور,, والسنة بمثابة التشريع وبناء آليات ألتطبيق العملي المباشر لوحي الله تعالى الذي إقتضت حكمته أن يطبقه المؤمنون به تطبيقاً عملياً أمام المعلم والمدقق والمراجع القانوني الذي هو شخص النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم.

فسنة النبي هي تطبيق عملي للقرآن الكريم والأحاديث القدسية (ببشريته المصطفاة) التي أعدها الله تعالى وهيَّأها لهذه المهمة الفريدة, بحيث يراها ويسمعها الناس منه مباشرة فتصبح جزءاً من حياتهم بعد مشاهدتها أو سماعها مباشرة, إذ يعتبر العمل بغيرها رُغُوْبٌ عن سنته وهديه, ومفارقة لجماعته وذلك عين الخسران المبين.

فمشاهدة ألرسول المباشرة وهو يقوم بالأعمال والعبادات أمامهم بنفسه تعتبر خير توثيق, فلا تبقى لأحد حجةً بعد ذلك إن أسقطها عن مسار حياته أبداً, أو يوجه الناس إليها, أو يراهم يعملون أعمالاً تحت سمعه وبصره فيسكت عنها إقراراً لها وموافقة عليها,,, الخ, ومن ثم, فإنَّ حفظها وتوثيقها ليس بكتابتها على الورق أو الرَّقِّ أو العظم أو الخشب,,, وإنما بكتابتها في الوجدان فتضبط حركات وسكنات المؤمنين وتكون بذلك أبلغ وأوثق من السجلات المدونة بالمداد, ولكن هذا لا يمنع من أن توثق كتابةً متى ما أدرك الناس أو شعروا أو توقعوا ضرورة لذلك ولو تحوطاً,, وقد فعل المسلمون هذا وذاك وتلك, فما شأنكم أنتم بما لا يعنيكم أيها المكذبون الضالون المضلون؟؟؟

هناك أعمال وأقوال وسلوكيات يقوم بها المؤمنون أمام النبي أو بعيداً عنه ثم يُراجع فيها أو تُعرض عليه,,, فإما أن يقرَّهُم عليها أو ينهاهم عنها, أو يصححها, أو يبدلها لهم بغيرها أو ينتظر الوحي من الله فيها ... فأصحاب رسول الله هم النموذج التطبيقي العملي prototype للكتاب والوحي الإلهي ومن ثم,, يستحيل أن تمر أقوالهم وأفعالهم وإنفعالاتهم وأحداثهم أثناء تطبيقهم بالتأسي برسول الله الخاتم دون أن يقف المسلمون عندها دراسةً وتمحيصهاً وإستنباطاً لتجاربهم وإجتهاداتهم وأخطائهم وتصيحاتهم وإستغفارهم وإنفعالاتهم وتفاعلهم ,,, مع مجريات الأمور في حضرة الأسوة الحسنة التي تعتبر تجربة البشرية الأصح على مدى تاريخها, فلم تمر على الدنيا مثلها قط ولن تتكرر مرة أخرى.

ويؤكد ذلك قوله تعالى في سورة البقرة: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا - « لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ » « وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا » - وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا «« إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ »» وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ 143).

وبالتالي إجتهد المسلمون في وضع معايير غاية في الدقة والروعة والإنضباط والحزم والحسم لتوثيق هذه الحالة النموذجية الفريدة التي مَنَّ الله تعالى بها عليهم, فجاءوا بعلم الحديث الذي لم يسبقهم إليه أحد أو يلحقهم فيه أو يجاريهم. وفيما يلي لمحة خاطفة عن دعائم وأساسيات هذا العلم البديع:

1. أولاً بدأ العلماء الأجلاء بالنظر إلى رجال الحديث أنفسهم الذين أطلقوا عليهم مصطلح (السند), وذلك لأنهم يقومون بإسناد الحديث إلى مصدره, لدراسة شخصياتهم وأحوالهم ومدى صدقهم وتورعهم وقربهم من النبي صلى الله عيه وسلم,,, الخ. وقد وضعت معايير غاية في الدقة لتمحيص وتقييم السند أولاً, فلا يقبل قول من غير العدول,

2. ثم أطلقوا على ما إنتهى إليه السند مصطلح (المتن), فلا يقبل ما لم يخضع لمعايير دقيقة قبل أن يقبل متناً مرفوعاً كان أم موقوفاً أو مقطوعاً, أو ما دون ذلك فيعتمد بقدره ودرجته أو يبعد بحجته وشواهده,

3. ثم ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم أطلقوا عليه مصطلح: (الحديث النبوي), سواءاً أكان ذلك الحديث (قولاً, أو فعلاً, أو وصفاً, أو تقريراً).
وهناك الكثير من المُحدِّثِيْنَ أطلقوا مصطلح (حديث) على أقوال وأفعال وتقرير الصحابة والتابعين لهم، مع تفصيل لكل منهم,, فهم يقولون فيه:
- لما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم (حديثاً مرفوعاً)،
- ولما أضيف إلى الصحابي وإنتهى عنده (حديثاً موقوفاً)،
- ولما أضيف إلى التابعي وإنتهى عنده (حديثاً مقطوعاً).

بالإضافة إلى ذلك فإن هناك مزيد من المصطلحات التي تحقق أكبر قدر ممكن من الإنضباط بمعايير واضحة لحفظ الأثر وفي نفس الوقت توفر أكبر قدر ممكن من الدقة والتفاصيل والتمييز.. الخ فإستخدموا مصطلحاً يميزون به ما بين "الحديث" و"الخبر".

فمصطلح "الخبر" عند علماء الحديث جاء مرادفاً لمصطلح "ألحديث", فقالوا:
- إنَّ "الحديث" هو "ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم"،
- وإنَّ "الخبر" فهو ما جاء عن غيره.
وبناءاً على ذلك التفصيل قالوا لمن يشتغل بالتواريخ وما شاكلها: (إخْبَارِيَّاً)، ولمن إشتغل بالسنة النبوية (مُحَدِّثاً).

أما مصطلح "الأثر", فيطلقه المُحدِّثون على كلٍّ من ("المرفوع" و "الموقوف") من الحديث, بإستثناء فقهاء خراسان فإنهم يسمون المرفوع "أثراً", و الموقوف "خبراً".

4. ومصطلح "الحديث القدسي", يطلق لتمييز ما رواه النبي عن ربه (غير القرآن الكريم), ويأتي بصيغٍ متعددة كقولهم مثلاً: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « فيما "يرويه" أو " يحكيه" » عن ربه عز وجل: كذا ...), أو (قال الله تعالى « فيما رواه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم » : كذا..).

ولم يقفوا عند هذا الحد من التفصيل, بل تعمقوا فيه فجعلوا ألحديث "المرفوع" أنواعاً, هي:
1. رفع تصريحي - "للقول": وهو الرفع الذي فيه إضافة « "قول" أو "فعل" أو "تقرير" » إلى النبي صراحة,, كقول الصحابي مثلاً: ("سمعت" رسول الله صلى الله عليه وسلم "يقول": كذا...),, أو ("حدثنا" رسول الله صلى الله عليه وسلم: بكذا...), أو ("قال" رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذا ...), أو (عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "إنه قال": كذا...).

2. رفع تصريحي - "للفعل",, منه قول الصحابي: )"رأيت" رسول الله صلى الله عليه وسلم "فعل" كذا ...), أو قوله: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم "يفعل" كذا...).

3. رفع تصريحي - "للتقرير",, كأن يقول الصحابي مثلاً: ("كنا نفعل" على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا ...), أو يقول: ("فعلت/فعلنا" بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم كذا...) ثم يقف عند ذلك الحد من القول دون أن يذكر إنكاراً من النبي لما فعله/فعلوه.

4. رفع حكمي - "للقول",, وهو مصطلح يُذكر لتمييز ما لم يُضِفْهُ الصحابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم, وذلك إذا لم يصرح فيه بقوله: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا, أو فَعل كذا, أو فُعل بحضرته كذا...).

5. رفع حكمي - "للفعل",, وهو مصطلح يُذكر عندما يفعل الصحابي ما لا مجال فيه للاجتهاد فيدل على أن ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.

6. رفع حكمي - "للتقرير",, وهو مصطلح يذكر عندما يُخبر الصحابي أنهم كانوا يفعلون في زمان النبي صلى الله عليه وسلم كذا. حيث يكون له حكم المرفوع من جهة أن الظاهر اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم عليه وذلك لتوفر دواعيهم على سؤاله عن أمور دينهم.

7. الحديث "الموقوف",, وهو ما أضيف إلى الصحابي من قول أو فعل أو تقرير، سواءاً أكان الإسناد إليه متصلاً أم منقطعاً. وقد ميز بهذا المصطلح لأنه وُقِفُ به عند الصحابي الراوي، ولم يرتفع إلى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم. وقد قسم الحديث الموقوف إلى أنواع هي: (موقوف قولي, وموقوف فعلي, وموقوف تقريري).

8. الحديث "المقطوع",, وهو ما أضيف إلى التابعي أو مَنْ دونه (من قول أو فعل), سواءاً أكان ذلك التابعي كبيراً أم صغيراً,, أو كان إسناده متصلاً أم غير ذلك.

9. الحديث "الصحيح",, هو الحديث الذي (إتَّصل سنده « بنقل العّدْلِ الضَّابِط ضبطاً كاملاً عن العَدْلِ الضَّابِط إلى مُنتهاهُ »، و « خَلا من الشُّذُوذِ والعِلَّةِ »). لذا فإنه:
- لا يتحقق فيه "إتصال السند" إلَّا عندما يكون كل واحد من رواة الحديث قد سمع مِمَّنْ فوقه حتى يبلغ قائله.

- ولا يتحقق فيه "العدل (العدالة في الرواة)" إلَّا بتوفر المَلَكَةِ التي تَحُثُّ على التقوى، وتحجز صاحبها عن المعاصي والكذب وما يخل بالمروءة. وهذا الشرط قد أفرز نوعان من الضبط, هما:
"ضَبْطَ صَدْرٍ", وهو أن يسمع الراوي الحديث من الشيخ ثم يحفظه في صدره، بحيث يستطيع أن يستحضره بتمامه وكماله متى شاء.
و" ضَبْطَ كِتَابٍ", وهو أن يسمعَ الراويَ الحديثَ من الشيخ ثم يكتبه في كتاب عنده ويصونه من التحريف والتبديل,

- ولا يكون الحديث فيه (خالياً من "الشذوذ") إلَّا إذا كان "لا يخالف في الثِّقَةَ" مَنْ هو أوثق منه من الرواة,

- ولا يتحقق فيه "خُلُوّهُ من العلة" إذا ما طرأ على الحديث سبب يقدح في صحته مع أن الظاهر السلامة من تلك العلة.

بالإضافة إلى كل ذلك فإن للحديث الصحيح أحكام ومراتب وضوابط ومعايير تتضمن مصادره. فهناك:
- "الصحيح لذاته", وهو الحديث الذي بلغ درجة الصحة بنفسه دون أن يحتاج إلى ما يقويه, ثم
- "الصحيح لغيره", وهو الحديث الحسن لذاته إذا ما رُوِيَ من وجه آخر مثله أو أقوى منه بلفظه أو بمعناه، فإنه يُقَوَّىْ ويَرتَقِي من درجة الحسن إلى درجة الصحيح،

ثم "الحديث الحسن", وهو مصطلح يميز به (ما اتصل سنده بنَقْلٍ عدْلٍ خفيفِ الضَّبطِ من غير شُذوذ ولا عِلَّةٍ) . فالراوي في كلا النوعين من الحديث (الصحيح والحسن) يكون عدْلاً لكِنَّ ضبطه في الحسن أقل من ضبطه في الصحيح,, وبالتالي لن يكون مثله تاماً.
أما "الحديث الحسن لغيره", فهو مصطلح يميز الحديث الضعيف إذا تعددت طرق رواياته، ولم يكن سبب ضعفه فسق الراوي أو كذِبهُ.

ثم هناك أحاديث "مقبولة", وقد ميزها علماء الإختصاص بمجموعة من الألقاب بجانب قولهم (صحيح أو حسن), مثل قولهم: ("جَيِّدٌ", "قَوِيٌّ", "صَالِحٌ", "مَعْرُوْفٌ", "مَحْفُوْظٌ", "مُجَوَّد", "ثابِتٌ),,,
كل ذلك يضفي مزيداً من معايير الدقة والضبط والشفافية والتمحيص للحديث قبل العمل به.

أما "الحديث الضعيف" فهذا لم ولن يُضَعَّف بجرة قلم أو بهوى نفس أو بتهاون وتمرير,,, وإنما يتم ذلك بمجهر علم الحديث الثاقب. وقد أُستعمل هذا المصطلح لتمييز كل حديث لم تجتمع فيه صفات الحديث الصحيح ولا صفات الحديث الحسن), هذا من حيث التبويب والتمييز, ولكنه ينقسم – من حيث فقده لشروط القبول - إلى أقسام عديدة لكل قسم منها مصطلحاته, كما يلي:

1. فُقْدُ "إتصال السند" - وأقسامه هي: ("المُعلَّق", و "المُنقطِعُ ", و "المُعَضلُ", و "المُرْسَلُ", و "المُدَلَّسُ"),

2. فُقْدُ "العدالة" - وأقسامه هي: ("المَوْضُوْعُ", و "المَتْرُوكُ", و "المُنْكَرُ", و "المَطْرُوحُ", و "المُضَعَّفُ", " و "المُبْهَمُ"),

3. فُقْدُ "الضبط" - وأقسامه: ("المُدْرَجُ", و "المَقْلُوبُ", و "المُضْطَّرِبُ", و "المُصَحفُ", و "المُحرَّفُ"),

4. فُقْدُ "السلامة من الشذوذ" - إذ ان فقد السلامة من العلة ينشأ عنه نوع واحد هو "المُعَللُ".

أما الحديث "المُضَعَّفُ",, فهو مصطلح يميز الحديث الضعيف الذي لم يجمع على ضعفه، بل ضَعَّفه بعضهم وقواه آخرون: إما في "المتن" أو في "المسند".

والحديث "المتروك" وهو مصطلح يميز الحديث الذي يرويه من يُتَّهم بالكذب ولا يُعرف ذلك الحديث إلا من جهته, ويكون مخالفاً للقواعد المعلومة، وكذا مَنْ عُرف بالكذب في كلامه وإن لم يظهر منه وقوع ذلك في الحديث النبوي. ولكن رغم تركه لم يُعتبر لديهم حديثاً "موضوعاً"، وذلك لأن مجرد الاتهام بالكذب لا يُسَوِّغُ الحكم عليه بالوضع.

والحديث "المطروح", وهو مصطلح يميز نوع من الأحاديث التي تعتبر أدنى مرتبة من "الضعيف" وأعلى مرتبة من "الموضوع".

أما "الحديث الموضوع",, فهو المصطلح الذي يميز كل خبر مُخْتَلَقٍ على رسول الله صلى الله عليه وسلم إفْتِرَآءاً عليه. فهو:
- يصنَّف – عند بعض العلماء - ضمن مجموعة الضعيف, ولكنه يعتبر عندهم أشَرُّ أنواعها وأقبحها,
- البعض الآخر من العلماء قد جعله قسما مستقلاً - حتى لا يندرج تحت الأحاديث الضعيفة - , بل ولا يطلق عليه لفظ "حديث" (إلا من جهة واضعه فقط).
وقد وضع له أهل الإختصال معايير دقيقة وضوابط وعلامات وشواهد كافية لكشفه وإبعاده.

والحديث "المتصل",, هو مصطلح يميز به الحديث الذي اتصل إسناده بسمع كل راوٍ ممَّن فوقه من الرواة, من أوله إلى منتهاه، إما (مرفوعاً للنبي), أو (موقوفاً على الصحابي).

والحديث "المسند" ,, هو مصطلح يميز الحديث الذي اتصل سنده مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فلا يدخل فيه "الموقوف على الصحابي ولا "المقطوع عند التابعي", ولو اتصل إسنادهما،,, ولا "المنقطع"، ولو كان مرفوعاً.

ثم الحديث "المُعَنْعَنُ والمُؤَنَّنُ",,
فهذان النوعان يدرسان بعض الصيغ التي يستعملها الرواة في النقل عمن فوقهم، لما فيها من احتمال عدم الاتصال.

على أية حال,,, فلنقف هنا عند هذا الغيض من فيض غزير لهذا العلم الشاسع الواسع المنضبط الضابط, فقد قصدنا منه إفهام المدَّعين الفهم والمعرفة بأن السنة النبوية أيضاً في أيدً أمينة جعلت دونها حصناً حصيناً عصيَّ المنال والإختراق حتى على أبليس نفسه فليس الأمر بهذه البساطة والسذاجة كما يظن الكاتب عادل وطريف سردست وغيرهما. ألم يسمعوا الله تعالى في سورة الحجر يقول: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ 9)؟ فهل هذا الذكر المحفوظ هو القرآن فقط أم السنة النبوية جزء منه بإعتبارها وحيٌ يوحى من عند الله تعالى, وبالتالي فهي واقعة في دائرة الحفظ الذي أكدته هذه الآية الكريمة, فألْهَمَ الله المخلصين له ولسنة نبيه إبتكار هذه المعايير الضابطة الفذَّة؟؟؟

إذاً قول عادل بأن الأحاديث المنسوبة للنبي لا يمكن اعتبارها "صحيحة" من حيث نسبها له، والإدعاء بأنها كتبت بعد وفاته بقرن ونصف، وانها لم توثق في حياته قط،,, هذا وهذه وتلك مجرد أباطيل وأوهام وتخاريف لا أصل لها من الصحة, وهي تخمين أو إجتهادات مغرضة في إطار الأجندة الخاصة المشبوهة ورواسب الشنآن سواءاً أكانت منه أو من غير فإنها غير موفقة وقد بينا - من خلال مقتطفات من علم الحديث - إستحالة قبول وتمرير هذا الفهم الخاطيء الساذج. فليعلم الكل أن هذه السُنَّة مع القرآن الكريم هي واقع أولئك الأبرار الذين وصفهم الله تعالى بقوله لهم: (كنتم خير أمة أخرجت للناس).

أما القول بأن (الأحاديث بها الكثير من المتناقضات والخلاف ومخالفة القرآن وكل فرقة إسلامية اعتمدت لنفسها أحاديثا خاصة ولكلٍ أسانيده وقرآنه,,, الخ) هذا أيضاً قول مختلق وغير دقيق, فالذي يظهر من هذه التي يقول عنها الكاتب "عن جهل", (إن وجدت), فإنها لن تخرج من دائرة الأحاديث الضعيفة او الموضوعة, لأن هناك حواجز وعوائق كثيرة لن تستطيع مثل هذه المحاولات الهشة الرخوة إختراقها بأي حال من الأحوال, وإن حدث شيء من ذلك فسرعان ما يرصد ويزال,, وليس هناك آلية في الوجود تكشف ما يحيكه الناس في الظلام من أكاذيب وتلفيقات, وليس هناك آلية لمنع الناس من الإفتراءات لعدم قدرة أحد من الخلق معرفة الغيب وخائنة الأعين, وما تخفي الصدور, ولكن الضوابط تعمل على كشف المستور بسهولة ويسر.

هناك أمر هام للغاية يجب التنبيه إليه وهو أن الدين الإسلامي هو (نظام كامل متكامل) ومتاح لكل البشر دون إستثناء, وفي متناول يد الجميع, فمن طبَّقه كما هو وإلتزم أوامره ونواهيه فإنَّ أمرُهُ, وتقييم درجة إلتزامه, وصدق نيته وسلامة توجهه ليست من مهام البشر أمثاله على الإطلاق,, لأن هذا كله علاقة "خاصة" بينه وبين ربه, لا دخل ولا شأن لأحد فيها ولا قدرة على معرفتها وتقييمها إلَّا بالظن والترجيح لما هو ظاهر من السلوك العام والتعامل مع الآخرين,, وإنما مراجعة عمله وتقييمه وقبوله أو رفضه راجع إلى ربه الذي يعلم السر وأخفى, فإن صدق كان من المتقين وإلَّا فلا يلومن إلَّا نفسه.

أما إن كان تطبيقه له رياءاً ونفاقاً ومخادعة وجُنَّةً يخفي وراءها حقيقته المريبة وأعماله الضالة المضلة,,, فإنه لن يخدع إلَّا نفسه. وإن لم يقبل الله تعالى منه إخلاصه له في عمله ومعتقده وتقواه جعله يوم القيامة من المكذبين الضالين الذين أعد لهم جهنم وبئس المصير.
وأما إن كان تطبيقه له بغرض الخوض فيه أو التشكيك أو تشويه مقاصده ومراميه خدمةً للشيطان, بدس الأباطيل والأكاذيب فيه,, لن يستطيع تمرير هذا المسعى طويلاً, لأن الله تعالى له بالمرصاد وسيفضحه في عقر داره – كما توعده بذلك - ويحبط أعماله ويجعل الدائرة عليه في الدنيا,, والخسران المبين في إنتظاره يوم الدين.

إذاً من السذاجة والغباء الحكم على النظام الإسلامي من خلال تطبيقات المطبقين له, لأنه لن يستطيع أحد – بتطبيقاته وإن عَلَتْ أو تَدَنَّتْ – أن يغير في هذا النظام الإلهي لا بالإضافة إليه ولا بالنقص منه, ولا بالتغيير والتبديل فيه حتى لو إجتمعت الجن والإنس وتواطأت معه يداً بيد على ذلك المستحيل.

ولا يزال للموضوع بقية

تحية طيبة للقراء والقارءات

بشاراه أحمد



#بشاراه_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تعليقات عن - الإسلام والعنصرية وجهاً لوجه:
- الإسلام والعنصرية وجهاً لوجه (جزء رابع):
- الإسلام والعنصرية وجهاً لوجه (جزء ثالث):
- الإسلام والعنصرية وجهاً لوجه (جزء ثاني):
- الإسلام والعنصرية وجهاً لوجه (جزء أول):
- خلاصة ملك اليمين في الإسلام
- تكملة التعليقات - مِلْكُ اليَمِيْنِ في الإسلام (ب):
- تعليقات - مِلْكُ اليَمِيْنِ في الإسلام (أ):
- الحوار الحر قيمة إنسانية وحضارية:
- تعليقات 4: (تصحيح مفاهيم ):
- تعليقات 3: على موضوعنا (تصحيح مفاهيم ... الذين جعلوا القرآن ...
- تعليقات 2: على موضوعنا (تصحيح مفاهيم ... الذين جعلوا القرآن ...
- تعليقات 1: على موضوعنا (تصحيح مفاهيم ... الذين جعلوا القرآن ...
- تصحيح مفاهيم ... الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (ب):
- تصحيح مفاهيم ... الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ (أ):
- تصحيح مفاهيم ... الإرهاب والإرهابيون:
- لسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِر ... ومَا أنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَك ...
- هل القرآن حَمَّالُ أوْجُهٍ؟؟؟ (ب):
- هل القرآن حَمَّالُ أوْجُهٍ؟؟؟ (أ):
- ومن لا يُصَدِّقُ مُحَمَّداً الصادق الأمين؟- ج (تصحيح مفاهيم1 ...


المزيد.....




- العراق.. المقاومة الإسلامية تستهدف هدفاً حيوياً في حيفا
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن ضرب -هدف حيوي- في حيفا (في ...
- لقطات توثق لحظة اغتيال أحد قادة -الجماعة الإسلامية- في لبنان ...
- عاجل | المقاومة الإسلامية في العراق: استهدفنا بالطيران المسي ...
- إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو ...
- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...
- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بشاراه أحمد - الإسلام والعنصرية وجهاً لوجه – (جزء خامس):