أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نعوم تشومسكي - هل إيران هي الشيطان الأعظم حقا أم أمريكا؟















المزيد.....



هل إيران هي الشيطان الأعظم حقا أم أمريكا؟


نعوم تشومسكي

الحوار المتمدن-العدد: 4911 - 2015 / 8 / 31 - 06:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



•تتهم إيران بأنها "الداعم الأبرز للإرهاب في العالم"، في إشارة لدعمها لحماس وحزب الله.. تتشارك الحركتان في جريمة الفوز بأصوات الجماهير في الانتخابات الحرة الحقيقية الوحيدة التي شهدها الشرق الأوسط. وارتكب حزب الله الجريمة التي لا تغتفر بإجباره إسرائيل على الانسحاب من جنوب لبنان، بعد احتلالها الذي خرق قرارات مجلس الأمن، وشهد العديد من عمليات الترويع والعنف المفرط..



•تنفق دول التعاون الخليجي أكثر من ثمانية أضعاف ما تنفقه إيرانى على التسلح، وهو خلل في حجم الإنفاق يعود إلى عقود. ويؤكد التقرير الصادر عن مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية أنّ "دول الخليج العربي تتمتع ببعض من أكثر الأسلحة تقدّمًا في العالم، بينما إيران قد تم إجبارها على العيش في الماضي، حيث ما زالت تعتمد على أنظمة تسليح تعود لزمن الشاه". وبالطبع، فإن الفارق بين إسرائيل وإيران كبير للغاية





يسود جوٌ من الارتياح والتفاؤل في العالم بعد إتمام الصفقة النووية في فيينا بين إيران من جهة، والقوى العظمى ومجموعة (5+1) من جهة أخرى. يتفق المجتمع الدولي مع تقييم الرابطة الأمريكية للحد من انتشار الأسلحة، بأنّ "الاتفاقية الشاملة للبرنامج النووي الإيراني هي تركيبة قوية وفعّالة تسدّ كل الطرق التي تمكّن إيران من حيازة المواد اللازمة لصناعة الأسلحة النووية، لمدة قد تدوم أكثر من جيل كامل، وتشمل نظامًا لتتبع وردع أي جهود يمكن لإيران بذلها في الخفاء، سعيًا وراء التسليح النووي".
ومع ذلك، هناك استثناءات صادمة لذلك الترحيب العام: الولايات المتّحدة، وحليفاها الإقليميان، إسرائيل والسعودية. وإحدى نتائج ذلك هي أنّ الشركات الأمريكية ممنوعة من التدفق إلى طهران جنبًا إلى جنب مع نظرائهم الأوروبيين. وهناك قطاعات واسعة من مراكز صنع القرار والرأي العام الأمريكية تتشارك مع الحليفين في الهستيريا الافتراضية حول "التهديد الإيراني". في الولايات المتحدة، تصف التعليقات المعتدلة إيران بأنها "الخطر الأعظم على السلام العالمي". حتى مؤيدو الاتفاقية يشعرون بالقلق إزاء ثقل ذلك الخطر الداهم. ورغم كل شيء، كيف يمكننا الوثوق بالإيرانيين بعد هذا السجل الحافل من العنف والاضطرابات والخداع؟
المعارضة داخل الطبقة السياسية الأمريكية قوية لدرجة أنّ الرأي العام قد تحوّل بسرعة من دعم كبير للصفقة إلى الانقسام. ويعارض الجمهوريون بالإجماع تقريبًا هذا الاتفاق. وتوضح الانتخابات التمهيدية الجمهورية الحالية الأسباب المعلنة لهذا الرفض. السيناتور تيد كروز، الذي يُعدّ واحدًا من المثقفين في ميدان مزدحم من المرشحين للرئاسة، يحذّر من أن إيران قد لا تزال قادرة على إنتاج أسلحة نووية ويمكنها في يوم من الأيام استخدام تلك الأسلحة لإطلاق نبض مغناطيسي كهربائي "يدمر الشبكة الكهربائية للساحل الشرقي للولايات المتحدة، وهذا قد يسفر عن مقتل" عشرات الملايين من الأمريكان.
يتجادل المرشحان الأكثر احتمالية للفوز بمقعد الرئاسة الأمريكية، جيب بوش ووسكونسن سكوت والتر، حول ما إذا كان يجب قصف إيران مباشرة بعد انتهاء الانتخابات أم بعد الاجتماع الوزاري الأول. بينما تصف المرشّحة التي لديها بعض الخبرة بالشؤون الخارجية، ليندزي جراهام، هذه الصفقة بأنها "حكم بالإعدام على دولة إسرائيل". وستكون بمثابة مفاجأة للمخابرات الإسرائيلية والمحللين والاستراتيجيين، مما يثير شكوكًا حول الدوافع الفعلية لهذا الاتفاق.
الجدير بالذكر هنا أن الجمهوريين توقفوا عن التظاهر بالموافقة على سياسات الكونجرس، وأصبحوا، كما يصفهم المعلّق السياسي المحافظ نورمان أورنشتاين، يمارسون "التمرّد المتطرف" الذي نادرًا ما يتفق وسياسات الكونجرس.
منذ أيّام الرئيس رونالد ريغان، انحصرت قيادة الحزب في جيوب الأغنياء وقطاع الشركات الذين يمكنهم جذب الأصوات عن طريق تعبئة جزء من السكان لم يكن في السابق قوة سياسية منظمة، ومن بينهم المسيحيون الإنجيليون المتطرفون، والذين يشكّلون الآن أغلبية الناخبين الجمهوريين، وبقايا الولايات التي اشتهرت بتجارة الرق، والمواطنون الأصليون الذين يشعرون بالرعب من "أنهم" يأخذون بلادنا المسيحية الأنجلوسكسونية بعيدًا عنا، وغيرهم ممن ينظرون إلى الانتخابات التمهيدية للجمهوريين بمنأى عن التيار الرئيس للمجتمع الحديث وإن لم يكن من التيار السائد في أقوى دولة في تاريخ العالم.
ومع ذلك، فإنّ غياب المعايير العالمية يذهب إلى ما هو أبعد من حدود التمرد الجمهوري المتطرف. عبر هذا الطيف، هناك، على سبيل المثال، اتفاق عام مع الاستنتاج "البراغماتي" للجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، بأنّ صفقة فيينا "لا تمنع الولايات المتحدة من ضرب المنشآت النووية الإيرانية إذا قرر المسؤولون أن إيران تنتهك بنود الاتفاق"، على الرغم من أنّ توجيه ضربة عسكرية من جانب واحد هو "أقل عرضة بكثير" إذا التزمت إيران بشروط الاتفاق.
دنيس روس، الذي عمل مستشارًا لشؤون الخليج في عهد وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، ينصح إيران بألّا تشكّ للحظة في أنّ الولايات المتحدة ستستخدم القوّة إذا اكتشفت سعي إيران نحو امتلاك سلاح نووي، حتى بعد انتهاء مدة الاتفاق حين تكون إيران نظريًّا حرّة في فعل ما تشاء. وأضاف أنّ إنهاء الاتفاق، بعد خمسة عشر عامًا من الآن، هو "المشكلة الكبرى الوحيدة في هذا الاتفاق". كما يقترح على الولايات المتّحدة، أن تمدّ إسرائيل بطائرات قاذفة للقنابل، من طراز B -52، مجهّزة بقنابل شديدة القوّة؛ لتحمي نفسها مسبقًا من إيران.







*الشيطان الأعظم*


يدافع المناهضون للاتفاق النووي بأنه لا يوفر القدر الكافي من الحماية. وبعض الداعمين له يوافقون على ذلك، قائلين إنه "لكي يكون اتفاق فيينا ذا قيمة حقيقية، فيجب أن يتخلّص الشرق الأوسط من كل أسلحة الدمار الشامل". قائل هذه الكلمات، وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، أضاف أنّ: "إيران، باعتبارها الرئيس الحالي لحركة عدم الانحياز، التي تضم أغلب حكومات العالم، مستعدّة للعمل والتعاون مع المجتمع الدولي لتحقيق هذه الأهداف، وهي تعلم جيّدًا أنها ستواجه، في طريقها، عقبات عديدة يضعها المشكّكون في قيمة السلام، والدبلوماسية. لقد وقّعت إيران اتفاقية نووية تاريخية". والآن، جاء دور إسرائيل، أو "المعقل الأخير".
إسرائيل، بالطبع، هي واحدة من الدول الثلاث، مع باكستان وإيران، التي رفضت التوقيع على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية.
كان جواد ظريف يشير بكلمته هذه إلى المؤتمر الخمسي للمعاهدة في أبريل، والذي انتهى بالفشل بعد تدخل الولايات المتحدة (مدعومة من بريطانيا العظمى وكندا) لمنع تحقيق شرق أوسط بلا أسلحة نووية. وقد قادت مصر ودول عربية أخرى هذه الجهود لمدة 20 عامًا. ويعلّق جايانثا دانبالا وسيرجيو دوارتي، اثنان من أبرز السياسيين الذين جاهدوا من أجل إنجاح معاهدة منع الانتشار، في مقال بمجلة رابطة منع انتشار الأسلحة، بعنوان "هل هناك مستقبل لمعاهدة منع الانتشار؟"، قائلين إنّ: "التبّني الناجح في عام 1995 لاتفاق يحقق منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط كان العنصر الأساسي من بين مجموعة عناصر أخرى سمحت بتمديد معاهدة منع الانتشار لأجل غير مسمّى. معاهدة حظر الانتشار النووي، بدورها، هي أهم معاهدة للحد من الأسلحة. إذا تم الالتزام بها، فإنها يمكن أن تنهي ويلات الأسلحة النووية".
لكن التوصل إلى اتفاق تكرّر إحباطه من قِبل الولايات المتحدة، ومؤخرًا في عامي 2010 و2015، من قِبل الرئيس أوباما، "لصالح دولة لم توقّع على الاتفاقية، وهناك اعتقاد واسع بأنها الدولة الوحيدة في المنطقة التي تمتلك السلاح النووي" في إشارة مهذّبة، وواضحة إلى إسرائيل. يأمل دانابالا ودوارتي في أنّ هذا الفشل لن يكون الانقلاب الذي سيطيح بالهدفين الأساسيين لمعاهدة منع الانتشار: الإنجاز السريع في نزع التسليح النووي، والوصول إلى شرق أوسط خالٍ من أسلحة الدمار الشامل.
وجود منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط يمكن أن يكون وسيلة واضحة لمواجهة أي تهديد تشكّله إيران، ولكن هناك الكثير على المحك في مساعي واشنطن المستمرة لإفساد الاتفاق من أجل حماية عميلها الإسرائيلي. ورغم كل شيء، هذه ليست الحالة الوحيدة التي تقوّض فيها واشنطن فرص إنهاء التهديد الإيراني، مما يثير تساؤلات أخرى حول ما هو على المحك حقًا.
عند النظر في هذه المسألة، من المفيد دراسة كل الافتراضات غير المعلنة في الوضع والأسئلة التي نادرًا ما يتم طرحها. دعونا ننظر في عدد قليل من هذه الافتراضات، ابتداءً من الافتراض الخطير بأنّ إيران هي أكبر تهديد للسلام العالمي.
في الولايات المتحدة، هناك "كليشيه" معروف لدى المسؤولين في المناصب العليا، والمعلّقين السياسيين، أن إيران تربح جائزة أخطر دولة في العالم. لكنّ هناك عالمًا خارج حدود الولايات المتّحدة، وهذا العالم لا يرى ذلك. وفقًا لمراكز استطلاع الرأي الأبرز في الغرب (مؤسسة جالوب الدولية)، فإن جائزة "الدولة الأخطر" تذهب إلى الولايات المتحدة. وتأتي باكستان في المركز الثاني، بفارق كبير. وإيران خلفهما، مقتربة من الصين، إسرائيل، كوريا الشمالية، وأفغانستان.







*الداعم الأول للإرهاب في العالم*


سؤال آخر، لماذا إيران هي الشيطان الأعظم؟ لماذا ترتعد إسرائيل والسعودية خوفًا منها؟ أيًّا كان، فهي لا تمثّل تهديدًا عسكريًّا. أعلمت الاستخبارات الأمريكية الكونجرس منذ أعوام أن إيران تنفق القليل جدًّا على التسليح العسكري، بمقاييس المنطقة في الشرق الأوسط، وأن سياساتها العسكرية دفاعية – مصممة لردع العنف. أيضًا، فإن الاستخبارات قد نفت أن يكون لديها دليل قاطع على سعي إيران نحو برنامج تسليح نووي فعلي، وأن "سعي إيران لإبقاء خيار التسليح النووي مفتوحًا ما هو إلا جزء أساسي من سياساتها الردعية".
تقييم التسليح العالمي، الصادر عن مركز ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي، يضع الولايات المتحدة في الصدارة من حيث النفقات العسكرية، تأتي بعدها الصين بحوالي ثلث ما تنفقه أمريكا على التسليح، ثم تأتي السعودية وروسيا فوق الدول الأوروبية. ونادرًا ما تُذكر إيران. تمّ تقديم تفاصيل كاملة في تقرير شهر أبريل الماضي من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، والذي يجد "أن دول الخليج العربي تتفوق على إيران في حجم الإنفاق العسكري والحصول على الأسلحة الحديثة".
في الواقع، حجم الإنفاق العسكري لإيران هو مجرد جزء بسيط مما تنفقه السعودية، وأقل بكثير مما تنفقه الإمارات. تنفق دول التعاون الخليجي أكثر من ثمانية أضعاف ما تنفقه إيران، وهو خلل في حجم الإنفاق يعود إلى عقود. ويؤكد التقرير الصادر عن مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية أنّ "دول الخليج العربي تتمتع ببعض من أكثر الأسلحة تقدّمًا في العالم، بينما إيران قد تم إجبارها على العيش في الماضي، حيث ما زالت تعتمد على أنظمة تسليح تعود لزمن الشاه". وبالطبع، فإن الفارق بين إسرائيل وإيران كبير للغاية. فإسرائيل، بالإضافة إلى امتلاكها أحدث الأسلحة الأمريكية، والقواعد العسكرية الخارجية، لديها مخزون هائل من الأسلحة النووية أيضًا.
تواجه إسرائيل "خطرًا وجوديًا" من التصريحات الإيرانية، خاصة من المرشد الأعلى خامنئي والرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، تتوعدها بالدمار، والتي لم تتخذ أي خطوة لتنفيذها، لتبقى مجرد تهديدات جوفاء. أحمدي نجاد، على سبيل المثال، توقع أنه "سيتم إزالة الكيان الصهيوني من الخريطة". وأعرب عن أمله في أن تغيير النظام سيحدث يومًا ما. هذه التصريحات تتضاءل إذا ما قارنّاها بالدعوات المباشرة من واشنطن وتل أبيب لإسقاط النظام الإيراني، بل والأفعال التي استهدفت ذلك بشكل مباشر. تعود هذه الدعوات إلى الانقلاب العسكري عام 1953 الذي نظمته الولايات المتحدة وبريطانيا للإطاحة بالحكومة الإيرانية المنتخبة ديمقراطيًّا، وإحلال نظام الشاه، واحد من أشد الأنظمة انتهاكًا لحقوق الإنسان وأقذرها سجلًا في تاريخ الكوكب.
بالطبع، كانت هذه الجرائم معروفة لقارئي تقارير منظمات حقوق الإنسان، خاصة منظمة العفو الدولية. لكنّ قرّاء الصحافة الأمريكية لم يعلموا عنها شيئًا، حيث لم تخصص تلك الأخيرة مساحات واسعة لانتهاكات حقوق الإنسان في إيران، إلا بعدما أسقطت الثورة الجمهورية نظام الشاه عام 1979. (لمزيد حول ذلك، يمكن قراءة كتاب "الصحافة الأمريكية وإيران" وهو دراسة موثقة بعناية من تأليف منصور فرهنك ويليام دورمان).
ليس هذا خارجًا عن المألوف؛ فالولايات المتحدة تتصدر قائمة الدول التي تطيح بالأنظمة، وكذلك إسرائيل. لقد كان احتلالها للبنان في 1982، أحد أكثر غزواتها الاستعمارية تدميرًا، التي استهدفت بالأساس الإطاحة بالنظام اللبناني، وإحكام قبضتها على المناطق المحتلّة. كانت الذرائع المقدمة واهية وسرعان ما انهارت. وهذا أيضًا ليس مألوفًا ومستقلًا عن طبيعة المجتمع ابتداءً من الامتعاض بشأن إعلان الاستقلال عن "المتوحشين الهنود عديمي الرحمة" إلى دفاع هتلر عن ألمانيا من "الإرهاب الشرس" من البولنديين.
ليس ثمة محلل جاد يعتقد أن إيران ستستخدم أو حتى ستهدد باستخدام السلاح النووي إذا كانت تمتلك أسلحة نووية، ومن ثم مواجهة دمار مباشر. ومع ذلك، هناك قلق حقيقي من أنّ السلاح النووي قد يقع في أيدي الجماعات الجهادية ليس عن طريق إيران، ولكن عبر باكستان، حليفة الولايات المتحدة. في مجلة المعهد الملكي للشؤون الدولية، كتب اثنان من كبار العلماء النوويين في باكستان، برويز هودبوي وضياء ميان، أنّ زيادة المخاوف من "استيلاء المسلحين على الأسلحة أو المواد النووية وإطلاق العنان للإرهاب النووي أدى إلى إنشاء قوة مخصصة مكونة من أكثر من 20 ألف جندي لحراسة المنشآت النووية. ورغم ذلك، ليس هناك سبب لافتراض أن هذه القوة ستكون في مأمن من المشاكل المرتبطة بوحدات حراسة المنشآت العسكرية العادية"، والتي كثيرًا ما تعرضت لهجمات من "الداخل". باختصار، المشكلة خطيرة، لكنها ترتبط بإيران بفضل الأوهام المفتعلة لأسباب أخرى.
ثمة مخاوف أخرى تتعلق بإيران، بأنها "الداعم الأبرز للإرهاب في العالم"، في إشارة لدعمها لحماس وحزب الله، وكلاهما ظهر لمقاومة العنف والعدوان الإسرائيلي المدعوم من الولايات المتحدة، ذلك العنف الذي تجاوز أيًّا من الجرائم المنسوبة إلى هاتين الحركتين، ناهيك عن الممارسة الطبيعية للقوة المهيمنة وعمليات القتل التي تنفذها الطائرات من دون طيار، التي تدعم الإرهاب العالمي.
تتشارك الحركتان أيضًا في جريمة الفوز بأصوات الجماهير في الانتخابات الحرة الحقيقية الوحيدة التي شهدها الشرق الأوسط. لقد ارتكب حزب الله الجريمة التي لا تغتفر بإجباره إسرائيل على الانسحاب من جنوب لبنان، بعد احتلالها الذي خرق قرارات مجلس الأمن، وشهد العديد من عمليات الترويع والعنف المفرط. أيًّا ما كان يفكر فيه المرء حيال حزب الله، أو حماس، أو الحركات الأخرى المدعومة من إيران، فإنّ إيران بالكاد تعتبر دولة داعمة للإرهاب.







*إثارة عدم الاستقرار*


عبّرت سامانثا باور، سفيرة أمريكا لدى الأمم المتحدة، عن أحد المخاوف الأخرى، وهو "زعزعة الاستقرار التي تثيرها إيران بعيدًا عن برنامجها النووي". وأعلنت أن الولايات المتحدة ستستمر في مراقبة سوء السلوك الإيراني، مؤكدّة على ما صرح به وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر، بأنّ الولايات المتحدة ستستمر في دعم إسرائيل ضد التدخل الإيراني لدعم حزب الله، وأنّ الولايات المتحدة تحتفظ بحق استخدام القوة العسكرية ضد إيران في الوقت الذي تراه مناسبًا.
يمكننا أن نرى كيف أنّ إيران "تثير عدم الاستقرار" في العراق بصورة درامية؛ حيث قامت، ضمن جرائم أخرى عديدة، بمساعدة الأكراد في الدفاع عن أنفسهم ضد غزو ميليشيات تنظيم داعش، وسعيها لبناء محطة لتوليد الطاقة بتكلفة 2,5 مليار دولار في مدينة البصرة لإعادة مستويات الطاقة لما كانت عليه قبل الغزو الأمريكي عام 2003، الذي راح ضحيته مئات الآلاف من القتلى وملايين المشرّدين، وارتُكبت فيه أعمال التعذيب الوحشية، ويقارن العراقيون الاحتلال الأمريكي بالدمار المغولي الذي لحق ببغداد في القرن الثالث عشر. وفي الوقت نفسه، اشتعل الصراع الطائفي، الذي مزّق المنطقة إلى دويلات وأذن بنهوض الوحش المعروف باسم تنظيم داعش. كل هذا كان "دعمًا للاستقرار" من أمريكا! فقط أفعال إيران المشينة هي التي "غذّت عدم الاستقرار" في المنطقة.
في كثير من الأحيان يصل الاستخدام المعياري إلى مستويات سريالية تقريبًا، كما هو الحال عندما أوضح المعلق الليبرالي جيمس شاس، رئيس التحرير السابق لصحيفة "فورين أفيرز"، أنّ الولايات المتحدة تسعى إلى زعزعة استقرار الحكومة الماركسية المنتخبة بحرية في تشيلي؛ "لأنّنا كنا مصممين على السعي إلى تحقيق الاستقرار في ظل ديكتاتورية بينوشيه". يغضب البعض الآخر من جرأة واشنطن على التفاوض مع نظام "حقير" كالنظام الإيراني، بسجله المشين في انتهاكات حقوق الإنسان، ويطالبون بدلًا من ذلك بالسعي وراء إقامة "تحالف برعاية أمريكية بين إسرائيل والدول السُنية". هكذا يكتب ليون يسلتير، الصحفي بمجلة "ذي أتلانتيك"، الذي لا يكاد يخفي كراهيته لكل ما هو إيراني. ويوصي هذا المفكر الليبرالي أنه يجب إقامة تحالف بين المملكة العربية السعودية، التي تجعل إيران تبدو وكأنها جنة ظاهرية، وإسرائيل، مع جرائهما الوحشية في غزة وأماكن أخرى، لتعليم إيران السلوك الجيد. ربما تبدو هذه التوصية غير منطقية عندما ننظر في سجلات حقوق الإنسان للأنظمة التي فرضت الولايات المتحدة عقوبات عليها أو تلك التي دعمتها في جميع أنحاء العالم.
ورغم أن الحكومة الإيرانية تشكّل تهديدًا على مواطنيها، فإن سجلها لا ينحط إلى الدرك الذي هبط فيه حلفاء الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإنّ هذا لا يهم واشنطن ولا تل أبيب ولا الرياض.
من المفيد ألّا ننسى، وبالطبع لم ينس الإيرانيون، كم آذت الولايات المتحدة الإيرانيين منذ عام 1953. وكيف دعّمت صدام حسين بعد إسقاط نظام الشاه في عام 1979 ليبدأ عدوانه على إيران في عام 1980. كما تمادى الرئيس رونالد ريغان لدرجة إنكاره لأكبر وأبشع جرائم صدّام: قصفه لأكراد العراق بالأسلحة الكيماوية، وألقى بالتهمة على إيران. وعندما حوكم صدّام، تحت إشراف أمريكي، تمّ إسقاط تلك التهم عنه، ليحاكم على قتل 148 شيعيًّا عام 1982؛ وهي عقوبة صغيرة مقارنة بسجله الحافل.
كان صدّام صديقًا مقربًا من الولايات المتحّدة لدرجة أنّه الوحيد الذي حظي بمزايا لم تمنحها أمريكا سوى لإسرائيل. في عام 1987، هاجمت قواته السفينة الأمريكية "يو إس إس ستارك" وقتلت 37 من طاقمها. (هذا بخلاف إسرائيل بالطبع التي هاجمت سفينة يو إس إس ليبرتي، عام 1967). انهزمت إيران في تلك الحرب بفضل عملية "فرس النبي" التي أطلقتها الولايات المتحدة لتدمّر السفن الإيرانية والمنصات النفطية في المياه الإقليمية الإيرانية. بلغت هذه العملية ذروتها عندما هاجمت السفينة الأمريكية يو إس إس فينسنس طائرة الركّاب الإيرانية وأسقطتها، لتقتل 290 راكبًا. وأعقب ذلك تكريم قائد السفينة ومنحه وسام الاستحقاق؛ "لسلوكه الاستثنائي" في الحفاظ على "جو هادئ ومحترف" خلال الفترة التي وقع فيها الهجوم على طائرة. وقال الفيلسوف ثيل راغو: "لا يسعنا إلّا أن نقف إجلالًا لهذا العرض الأمريكي الاستثنائي!".
بعد نهاية الحرب، استمر الدعم الأمريكي لصدام، العدو الأول لإيران. كما دعا جورج دبليو بوش المهندسين النوويين العراقيين لتلقي التدريب في الولايات المتحدة على إنتاج الأسلحة، وهو تهديد خطير للغاية لإيران. وتمّت مضاعفة العقوبات على إيران، وعلى المؤسسات المتعاملة معها، واتُخذت إجراءات لعزلها عن النظام المالي العالمي.
وفي السنين الأخيرة، اشتدّ العداء ليصل إلى التخريب، والاغتيال لعدد من العلماء النوويين، والحرب الإلكترونية، التي تمّ الإعلان عنها بكل فخر. نظرت وزارة الدفاع الأمريكية إلى الحرب الإلكترونية كعمل من أعمال الحرب، وهو ما يبرر رد الفعل العسكري، كما يفعل حلف الناتو، الذي أكد في سبتمبر عام 2014 أنّ الهجمات الإلكترونية قد تؤدي إلى التزامات دفاعية جماعية للقوى الأعضاء في حلف الناتو – عندما نكون نحن الهدف وليس الجناة.

*الدولة المارقة*
من الإنصاف أن نذكر أيضًا الانحرافات في مسار الولايات المتحدة المناهض لإيران. الرئيس جورج بوش، على سبيل المثال، قدّم بعض الخدمات الكبرى لإيران بتدميره لنظام صدام حسين، ولحركة طالبان، تاركًا العراق خاضعة للنفوذ الإيراني، الذي كان من القوة بحيث أجبر الولايات المتحدة على التخلي عن أهدافها المعلنة في إنشاء القواعد العسكرية وضمان وصول الشركات الأمريكية لحقول النفط العراقي.
هل تنوي القيادة العراقية إنتاج أسلحة نووية اليوم؟ ربّما نشكك في نواياهم الآن، لكن في الماضي كان الأمر لا يحتمل الشكّ. رغم كل شيء، فقد أعلنوا صراحةً عن أن إنتاج إيران للأسلحة النووية "مؤكد، وأقرب مما قد يظن المرء". مؤسس البرنامج النووي الإيراني، والرئيس السابق لمنظمة الطاقة النووية الإيرانية كان واثقًا من أن خطة القيادة تقضي ببناء قنبلة نووية. كما أفادت وكالة المخابرات المركزية أنه ليس لديها أدنى "شك" في أنّ إيران ستطور أسلحة نووية إذا فعلت دول الجوار.
كل هذا كان في عهد الشاه، عندما كان المسؤولون في أمريكا -ديك تشيني، ودونالد رامسفيلد، وهنري كيسنجر وآخرون- يشجعونه على الاستمرار في برامجه النووية، ويضغطون على الجامعات الأمريكية لخدمة هذه البرامج. وفي ظل هذا الضغط، عقد معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا اتفاقًا مع الشاه يقتضي بالسماح للطلبة الإيرانيين بالالتحاق ببرنامج الهندسة النووية، مقابل تقديم الشاه منحًا للجامعة. ورغم اعتراضات الهيئة الطلابية القوية؛ إلّا أنّه كان هناك دعم إداري قوي في المقابل.
وعندنا سُئل كسنجر عن سبب دعمه لمثل هذه البرامج تحت حكم الشاه، ومعارضته لها الآن، كانت إجابته صريحة: لقد كانت إيران دولة حليفة وقتها.
لنضع الادعاءات السخيفة جانبًا، ما الخطر الحقيقي الذي تمثله إيران؟ دعونا نرجع لتقارير وكالة الاستخبارات الأمريكية للإجابة عن هذا السؤال. لقد أكدت الوكالة أنّ إيران لا تشكّل أي تهديد عسكري، وأنّ عقيدتها الاستراتيجية هي عقيدة دفاعية، وأنّ برامجها النووية (دون أي جهد لإنتاج قنابل نووية، بقدر ما يمكن تحديده) هي "جزء أساسي من استراتيجية الردع".
إذن؛ ما هي الدول التي تخاف من وجود رادع؟ الإجابة واضحة: إنها الدول المارقة، التي تعيث فسادًا في المنطقة ولا تريد أي تهديد لاستخدامها المستمر للعنف. تأتي في مقدمة تلك الدول الولايات المتحدة، وإسرائيل، وتحاول السعودية اللحاق بركبهما، عندما غزت البحرين لتسحق القوى الإصلاحية هناك، وفي هجومها الحالي على اليمن، لتزيد من حدة الكارثة الإنسانية الجارية هناك. بالنسبة إلى الولايات المتحدة، يبدو هذا التوصيف مألوفًا.
قبل 15 عامًا، حذّر المحلل السياسي البارز، صامويل هنتنجتون، الأستاذ بجامعة هارفارد، في مقالته الشهيرة بصحيفة "فورين أفيرز"، من أنّه من منظور العالم تحولت الولايات المتحدة إلى قوّة عظمى مارقة، وأصبحت الخطر الخارجي الأكبر على مجتمعات العديد من دول العالم. وبعد فترة وجيزة، تردد صدى كلماته في مقالات روبرت جيرفيس، رئيس الرابطة الأمريكية للعلوم السياسية، حينما كتب: "من وجهة نظر الكثير من دول العالم، فإنّ الدولة المارقة الرئيسة اليوم هي الولايات المتحدة. وكما رأينا، فإنّ الرأي العام العالمي يدعم هذا الحكم".
لكنّ الأخطر من ذلك، هو أنّ الولايات المتحدة ترتدي عباءة الدولة العظمى المارقة بحسّ من الفخر. هذا هو المعنى الوحيد لإصرار الطبقة السياسية على احتفاظ الولايات المتحدة بحق اللجوء للقوة، في حال ارتأت -وحدها- أن إيران تخرق التزامًا ما. هذه السياسة قائمة منذ مدة طويلة، وخاصة بالنسبة إلى الديمقراطيين الليبراليين، ولا تقتصر بأي حال من الأحوال على إيران فقط. عقيدة كلينتون، على سبيل المثال، أكّدت أنّ الولايات المتحدة كانت تلجأ إلى "استخدام القوة العسكرية أحادية الجانب" لضمان "الوصول إلى الأسواق الرئيسة، وإمدادات الطاقة، والموارد الاستراتيجية" ناهيك عن المخاوف "الآمنة" أو "الإنسانية". وتمّ تأكيد التمسك بالإصدارات المختلفة من هذه العقيدة أيضًا من الناحية العملية، ومن ثم ليست هناك حاجة لمناقشتها بين من هم على استعداد للنظر في وقائع التاريخ المعاصر.
هذه هي أهم النقاط التي يجب أن يضعها أي محلل للصفقة النووية مع إيران نصب عينيه، سواءً صمدت هذه الصفقة، أو أسقطها الكونجرس، وهذا ليس مستبعد الحدوث.



#نعوم_تشومسكي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كلنا.. «شارلي»؟
- أميركا.. الدولة الإرهابية الرائدة
- خطوة أوباما «التاريخية» 2
- حركة صادقة من أجل تغيير اجتماعي
- «الحقائق» على أرض الواقع
- «داعش» والمرحلة.. وبومة منيرفا
- كابوس في قطاع غزة
- الاستراتيجيات العشرة للتحكم بالشعوب..
- عن كابوس غزة
- حصاد الفوضى غير الخلاقة!
- تسريبات «سنودن».. وانكشاف النفوذ
- احتمالات البقاء
- الأمن وسياسة الدول
- مراجعة التاريخ.. وصلاحيات القوة
- ما هي المنفعة العامة؟
- عودة -محور الشر-
- لماذا لا يعرف الأمريكيون شيئا عن السياسات الامبريالية لبلاده ...
- وضع حد لأمركة العالم
- ملاحظات حول الوضع الراهن في الشرق الأوسط
- عقيدة أوباما السياسية


المزيد.....




- أجبرهم على النزوح.. أندونيسيا تصدر تحذيرا من حدوث تسونامي بع ...
- التغير المناخي وراء -موجة الحر الاستثنائية- التي شهدتها منطق ...
- مصر.. رجل أعمال يلقى حتفه داخل مصعد
- بوركينا فاسو تطرد ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين
- أسباب تفوّق دبابة -تي – 90 إم- الروسية على دبابتي -أبرامز- و ...
- اكتشاف -أضخم ثقب أسود نجمي- في مجرتنا
- روسيا تختبر محركا جديدا لصواريخ -Angara-A5M- الثقيلة
- طريقة بسيطة ومثبتة علميا لكشف الكذب
- توجه أوروبي لإقامة علاقات متبادلة المنفعة مع تركيا
- كولومبيا تعرب عن رغبتها في الانضمام إلى -بريكس- في أقرب وقت ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - نعوم تشومسكي - هل إيران هي الشيطان الأعظم حقا أم أمريكا؟