أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أيمن عامر - مكانة الحرية الدينية















المزيد.....

مكانة الحرية الدينية


أيمن عامر

الحوار المتمدن-العدد: 4768 - 2015 / 4 / 4 - 20:17
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


بديهي أن من شروط المجتمع السليم أن يحقق حياة كريمة لأفراده، أو لأكبر عدد ممكن منهم، وبديهي كذلك أن من شروط الحياه الكريمة تمتُّع الإنسان بالحرية وصون حقوقه في معيشة آدمية كريمة والرعاية الصحية والأمن والعدالة. ولا يمكن إغفال إطلاق إمكانات الإنسان والاستفادة منها فيما يعود بالنفع عليه وعلى سائر شركائه في المجتمع.
وإطلاق إمكانيات الإنسان الإبداعية لا يتوافر إلا بتوافر الحرية إلى أبعد مدى دون أن تمتد هذه الحرية إلى إيذاء الآخرين.
ومن أهم صور هذه الحرية، حرية العقل في التفكير والإبداع من أجل مواجهة مشكلات الحياة وإبداع الحلول لها ومن ثم ترقيتها.
في المجتمع السليم تُترجم هذه الحقوق إلى واقع. أما المجتمعات المريضة فإنها تُهضم فيها هذه الحقوق.
ولكن لا أحد يريد أن يفقد هذه الحقوق، ولن يفاخر مجتمع بأنه يفقدها. وفي حالة فقدان هذه الحقوق غالباً ما تتحول إلى مجرد شعارات لا مردود لها في الواقع، بل الغالب أن يكون نقيضها هو المتحقق، فتجد الظلم والقمع والقهر والفقر والمرض، وفي الوقت ذاته تجد شعارات ولافتات تتغنَّى بالحقوق وازدهارها في المجتمع. والأسوأ أن تجد من يدافع عن هضم هذه الحقوق تحت أي دعاوى.
فالحرية تُنتقص بدعوى أن الزيادة فيها تنتقص من حريات الآخرين وتجور عليها، والفقر يُبرَّر بحتمية التفاوت في الدخول والأرزاق، والقمع يُبرَّر بالحفاظ على الأمن... إلخ.
وإذا ما دار المجتمع في هذا الفلك فلا أمل في اليقظة والنهوض، بل الغالب أن يسير من سيئ إلى أسوأ، كالمدمن الذي يعالج إدمانه بالمزيد من الإدمان.
وأولى خطوات اليقظة هي مواجهة الحقائق والاعتراف بالأمراض من أجل علاجها وليس لتغطيتها أو تبريرها. ونكاد نجزم بأن أولى هذه الخطوات وأهمها هي إتاحة الحرية، حرية النقد وحرية التفكير وإعمال العقل من أجل البحث عن حلول مبتكرة وغير تقليدية لهذه المشاكل والأمراض.
هذه الحرية هي شرط لازم وضرورة لا محيص عنها من أجل رفع مستوى الوعي. فإن الوعي المناسب هو الذي يمكِّن الأفراد والمجتمعات من إدراك مشكلاتها وتوصيفها وصفاً دقيقاً وفهم أعراضها ومسبباتها ومن ثم العمل على علاجها.
وهذا الوعي هو الخطوة الأولى لكي يعرف كل فرد حقوقه ويميزها عن حقوق الآخرين بما يجعله يدرك أهمية هذه الحقوق لغيره كما هي مهمة بالنسبة له.
وإذا لم تُتَح هذه الحقوق والحريات للجميع على قدم المساواة فالراجح توافرها لقلة أو فئة قليلة تتمتع بسائر الامتيازات في مقابل أكثرية ساحقة، بل مسحوقة، تُحرم من هذه الامتيازات، بل قد يصل الأمر إلى درجة من العبث تقلص حقوق الناس جميعاً لصالح فرد واحد هو الحاكم الأعلى المستبد الذي قد يوزع الفُتات على طائفة ضيقة تحيط به ويحرم منها سائر أفراد المجتمع.
وشرط الخروج من هذا المأزق، كما قلنا، هو رفع درجة الوعي عند الأفراد كي يطالبوا بحقوقهم وحرياتهم ويدافعوا عنها ولو قدموا حياتهم فداء لذلك.
إن الحقوق تُنزع لا توهب. والنفس ميَّالة للطمع بطبعها، وإذا ما استمرأ إنسان أن يحظى بكل الحقوق والحريات فسرعان ما يعتاد ذلك ويتحول إلى مستبد متحكم ظالم. وما أسهل أن يعتاد الآخرون منه ذلك فلا يواجهوه ولا يقاوموه.
لذلك نشدد على أهمية الوعي. ليس الفقر هو الذي يدفع للتحرك وإنما الإحساس بالفقر وإدراكه هو الذي يدفع للتغيير. ولا يمكن إدراك هذه المشكلة ومواجهتها إلا بدرجة متقدمة من الوعي.
والذي اعتاد حياة الفقر والقهر لن يدرك مأساته إلا بأن يجرب حياة غيرها، أو يتوافر له من الوعي والمعرفة ما يجعله يقارن بين ما يحياه هو من فقر وقهر، وما ينعم به غيره من ثراء وحرية.
ومن أجل الحفاظ على حياة تتوازن فيها الحقوق والحريات للجميع فلابد من تفريق السلطة وتوزيعها والفصل بين السلطات وجعل كل منها رقيباً على الأخرى، إذ إننا لا نضمن إذا اجتمعت السلطات في يد واحدة أن تكون هذه اليد عادلة، ولا نضمن كذلك ألا تستمرئ هذه اليد تمتعها بالجاه والسلطة فتستبد وتطغى.
الأسلم أن يعرف الإنسان أنه فرد في مجتمع وأنه ليس صاحب سلطة مطلقة ولا أبدية، بل هو صاحب سلطة جزئية محدودة الحدود ومحدودة المدة الزمنية ومراقبة من غيرها بحيث يُحاسَب على الخطأ إن ارتكبه، لأنه إن ضمن عدم المحاسبة فالطبيعي أن يستبد ويطغى.
***
لقد جربت المجتمعات الإنسانية كل أشكال الحكم، وعرفت بالتجربة المريرة خطورة أن تُجمع السلطة في يد فرد أو مجموعة واحدة.
وكان أفضل ما توصلت إليه هو توزيع هذه السلطات وتفريقها وجعل كل منها رقيباً على الأخرى بما يحمي بعضها من بعض، ويحمي سائر الأفراد من الطغيان والاستبداد.
وكان من نتيجة ذلك أن عرفت البشرية أن أرقى أشكال الدول، إلى الآن، هو الدولة المدنية التي تباح فيها حرية الأفراد في شتى المجالات وعلى رأسها الحرية الدينية، والتي لا تعرف تمييزاً لإنسان على غيره من الناس إلا باجتهاده وكفاءته وعمله على خدمة نفسه وغيره، والتي تكون السلطة فيها وسيلة لخدمة الناس وحماية حقوقهم وحرياتهم وليس الاستبداد بها. بمعنى آخر أن تكون السلطة فيها خادمة للمجتمع لا مخدومة، عاملة عند الناس لا مستخدمة لهم. أي أنها مغرم لا مغنم، وأنها عمل وتعب وليست ترفاً وجاهاً وأبهة، وأنها كفاح من أجل كسب ثقة الأفراد.
وإذا ما كسبت السلطة ثقة الأفراد فإنهم يتنازلون لها بشيء من المميزات التي تتيح لها القوة التي تستخدمها في خدمة الناس وحماية حقوقهم وحرياتهم وليس استلاب هذه الحقوق والحريات.
***
وكان من أصعب ما واجهته هذه النظرة الحديثة للسلطة وإدارة المجتمعات هو الدين الذي يسعى بحكم طبيعته إلى تقليص حريات الأفراد من أجل تطبيق تصور مقدس مفروض من قوة أعلى، تصوُّر جاهز يرتضيه الإله ولا يرتضي غيره، يفرض على الناس عقائد معينة وتشريعات محددة. كان الدين يقلص السلطة ويضعها في يد هيئة أو فئة بدعوى أنها القيِّمة على تعاليم الرب وتطبيق مراده.
وطبيعي ألا يحظى غير المؤمنين بهذا الدين بالمميزات التي يتمتع بها باقي المؤمنين. ويمكن أن يُنظر إليهم على أنهم مارقون عاصون أو أنجاس يُقبلون على مضض في المجتمع. والأقسى من ذلك أن يقسم الناس إلى دار المؤمنين (دار السلام)، ودار الكفار (دار الحرب). ولسنا في حاجة إلى سرد ما ينشأ عن ذلك من صراعات وحروب تهضم حوق الناس وحرياتهم سواء في دار المؤمنين وفي دار الكافرين.
كان لابد - والأمر كذلك - من صيغة للتعايش وأسلوب للحكم وإدارة المجتمع يجنِّب الناس هذه الصراعات المريرة، ولا يكون الثمن إنتاج صراعات أكبر، فكان فصل الدين عن السياسة، أو فصل الدين عن الدولة أو إدارة شئون الأفراد في المجتمع.
وهذا في النهاية ضرب من ضروب المساواة التي لا يكف الناس عن المطالبة بها، المساواة تقتضي أن تقف السلطة بأضلاعها الثلاثة (التشريعية والقضائية والتنفيذية) على مسافة واحدة من الجميع، وهذا بالطبع لن يحدث إذا ما تبنَّت السلطة ديناً معيناً وحكَّمته أو استمدت منه تشريعاته.
بل إن هذا هو الأسلم بين أتباع الدين الواحد، إذ إنه ما من دين من الأديان إلا وتختلف وجهات النظر إليه وينقسم المتدينون به طوائف وشيعاً ومذاهب، ولو أن السلطة تبنَّت مذهباً دون غيره لأثار ذلك حفيظة غيرهم ولأثار ذلك عواطف عنيفة في نفوس المتدينين الذين سيشعرون وقتها بأنهم مقصرون في أمر دينهم متهاونون في تنفيذ أوامر ربهم. وعندها لا يضمن أحد ألا تشتعل النار الثاوية تحت الرماد وتلوح نذُر الحرب والصراع.
وكلنا يعرف ما عانته أوروبا من صراعات مريرة وحروب مهلكة بين أبناء مذاهب الدين الواحد أي الدين المسيحي، وها هي الكرَّة تأتي علينا نحن هذه المرة فتدور رحى الخلافات المذهبية بين المسلمين من سُنَّة وشيعة كمذهبين كبيرين، بل بين أبناء المذهب السني من إخوان وسلف ومتصوفين ودواعش ووهابيين.. وغيرهم.
تكفيك نظرة سريعة إلى أي من المجتمعات الإسلامية لتلحظ حجم الكارثة القادمة في الأفق إذا لم نحكِّم العقل ونأخذ بما أخذ به غيرنا لتجنب الدمار.
***
وها هنا لابد من توضيح مهم.
إن فصل الدين عن السلطة وإبعاده عن إدارة المجتمع ليس تعصباً ضد الدين في إطلاقه وليس كذلك تعصباً لدين دون غيره، بل إنه تعصب للإنسان وحماية لدينه وحريته في ممارسة طقوسه ودينه. إنه (هذا الفصل) هو الضمانة ضد الحروب والصراعات ودون انقسام الناس طوائف ومذاهب متقاتلة كل يريد فرض رؤيته على الآخرين، إنه في النهاية في مصلحة الدين والمتدينين.
ليس من عمل العلمانية محاربة الدين كما يروِّج البعض بجهل ورعونة، وإنما عملها حماية الحقوق والحريات، بما فيها الحريات الدينية نفسها.
وفي واقع يمور بالاختلافات والصراعات الدينية فإن الحل الأمثل لتجنب هذه الصراعات هو حصر أمر الدين في نطاق الممارسة الفردية، وهذا هو الوضع الطبيعي الذي يتفق وجوهر الممارسة الدينية التي هدفها فردي في النهاية، من حيث ضبط علاقة الفرد بالكون ونظرته إليه وترقية أخلاقه وروحه وضميره وحسن تعامله مع الآخرين، وليس فرض سطوة وسلطة روحية وتشريعية عليه بما يُفقد الدين، بوصفه ممارسة فردية، معناه.
إن هدف الدين في النهاية هو إنقاذ الإنسان الفرد من حالة مواجهة العدم والمجهول ومحاولة وضع تصورات تُرضي روحه وعقله وضميره عن علاقته بالحياة والكون وغيره من الأفراد في المجتمع. وهذا لن يتحقق إلا بالحرية، حرية الفرد في ممارسة طقوسه وشعائره، وإذا ما تحول الدين إلى سلطة فإنه يفقد وظيفته الأصلية بل يعاديها ويحاربها ويحول دون الإنسان وحريته في العبادة والعمل.
إن الدعوة إلى ربط الدين بالسلطة هي دعوة ضد الدين في جوهره وحقيقته. والأفضل والأسلم أن يوضع الدين في سياقه الطبيعي، أي في مجال الحرية الفردية التي تتيح لجميع الأفراد - على اختلافاتهم - ممارسة شعائرهم وطقوسهم وعباداتهم في مناخ من الحرية والأمن، ولن يتحقق ذلك إلا بفصل الدين عن كل سلطة إلا سلطة الضمير الفردي وحسب. وعندئذ يمكنك أن تحيا كفرد متدين يُرضي ضميره بممارسة دينه، ويُرضي نفسه ومجتمعه بالالتزام بالقانون الذي هو بمثابة عقد اجتماعي يضبط علاقة الأفراد ببعضهم حسب ما اتفقوا عليه، وليس على السلطة أن تتدخل إلا لفرض العدالة والمساواة وضمان الحرية وتنفيذ القانون.



#أيمن_عامر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإسلاميون والتكنولوجيا
- مثلث الرعب: التكفير - القتال - السلطة (الحاكمية)
- محاولات الإصلاح من داخل السياق
- لماذا تتعثر محاولات الإصلاح الديني؟
- من أين جاءت داعش؟


المزيد.....




- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أيمن عامر - مكانة الحرية الدينية