أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالعزيز عبدالله القناعي - صناعة الوعي العلماني قبل إسقاط الأنظمة العربية















المزيد.....

صناعة الوعي العلماني قبل إسقاط الأنظمة العربية


عبدالعزيز عبدالله القناعي

الحوار المتمدن-العدد: 4741 - 2015 / 3 / 7 - 18:01
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



لا شك ان الاحداث السياسية والاجتماعية، سواء المحلية أو الخارجية، قد تغيرت عن ذي قبل، ولا شك ايضا أن الإنسان أصبح محاصرا بكم هائل من المعلومات والأخبار والأشخاص الذين يحاولون تغيير مفاهيمه أو رؤيته لما يجري حوله بناءا على أجندات أو مصالح مختلفة، ولكن يظل وعي الإنسان هو النقطة الفارقة في صناعة الحدث أو تغييره. وهنا اعتمد ككاتب صحفي على وعي الانسان وليس على تابعيته او مصالحه، في الكتابة والتحليل والاستنتاج حتي نصل الي رؤية متقدمة معا، ككاتب صحفي وقارئ، لنصنع الفرق معا والتغيير المنشود في الإنسان والمجتمع. إن ما حصل في العالم العربي من تغييرات خلال السنوات الماضية لم يكن حدثاً عابراً أو نقشا في الماء، وإنما كان حفراً في العمق وانقلاباً في الصميم، حتى إن لم يكتمل، خصوصاً وأن غبار المعارك ما زال كثيفاً وثقل الماضي الديني قوياً. لقد أدّى التغيير السياسي أو العسكري إلى إطاحة بعض الأنظمة وإسقاط أطروحات سادت لزمن غير قصير، ولم يكن الأمر مقتصراً على قناعات قطاعات واسعة من العرب والمسلمين وحدهم، بل شمل أوساطاً غير قليلة في أوروبا الشرقية والدول الصناعية المتقدمة، حتى بدت بعض المسلّمات أقرب إلى الأوهام. إن المعيار الحقيقي للتغيير لا يتم عبر الإطاحة بالأنظمة الحاكمة السابقة واستبدالها بأخرى، وربما هذا الخيار أو وجهة النظر قد جاءت بعد رؤية عميقة في فشل التجارب الثورية العربية، وإن كان هذا خيار الشعوب التي خرجت بعد عقود من الاستبداد والقمع والطغيان، إلا أن خروجها لم يكن على مستوى التغيير المنشود، فالملاحظ أن التغييرات التى أرادت الشعوب إحداثها ما هي إلا إصلاحات من أجل الفقر والجوع وإصلاح قليل من الفساد، فالتجربة المصرية كمثال بعد حكم مبارك جاءت بأسوأ منه وهو تيار الاخوان المسلمين، وكذلك التجارب الاخرى في ليبيا وتونس وسوريا والعراق التي مازالت تعاني حتي اليوم من حالة عدم اللا استقرار، بخلاف التجارب في الدول الخليجية التي مازالت تعاني من التدخلات القبلية والمذهبية والتى جعلت من مجتمعاتهم هشة وضعيفة وذات امتداد خارجي، سواء بالتبعية المذهبية أو الغربية.
إن المعيار الحقيقي للتغيير يمكن قياسه أو إحداثه بمدى ما يمكن إنجازه من عملية التغيير الاجتماعي - الاقتصادي، السياسي والثقافي والقانوني، ولاسيما التنمية والرفاه الاجتماعيين، وتلك تحتاج إلى زمن طويل للحكم عليها وتقويمها إيجاباً أو سلباً ضمن مؤشرات الدخل ومعايير دولية، مع أخذ الظروف الخاصة بعين الاعتبار، بما فيها مستوى التعليم والصحة والبطالة والفقر. فقد أدي التغيير الثوري في الوطن العربي الي نتائج عكسية تماما، مما فرض عدة احتمالات حول شرعية أو مؤامرية حركات الإنقاذ الوطني، ولسنا هنا بمكان التقليل من الروح الوطنية أو الحماس الشبابي لدفع الظلم والطغيان والألم. إلا أن السلوك العربي، وعلى مدى تاريخه لم يكن إلا سلوكا انفعاليا لا ينظر للمستقبل بقدر ما يعيش لحظته الآنية. إن صناعة الثورة والتغيير، كما حدث في أوروبا مثلا بدأها رجال الفكر والثقافة والتنوير لعلمهم بأن صناعة المستقبل يكتبها المثقفون أولا. إلا أن ما يحدث عربيا وحتى اليوم هو استمرار النقاش على قضية الهوية المطلوبة للدولة العربية الوطنية بعد الإستقلال وتحديدا بعد عصر النهضة العربية الأولي والتي تعرف باسم اليقظة العربية، أو حركة التنوير العربية، وهي الحالة الفكرية والاجتماعية التي سادت أساسًا في مصر العلوية وسوريا العثمانية، وامتدت لتشمل عواصم عربية أخرى كبغداد، وفاس ومراكش، خلال القرن التاسع عشر، وقد رفع أغلب رجال النهضة شعارات الثورة الفرنسية، بالحرية والعدالة والمساواة، كما تأثروا تأثيرًا بالغًا بفلاسفة عصر الأنوار الأوروبي، وعارضوا السلطة المركزية للدولة العثمانية. ولكن لم يستمر عصر النهضة العربية طويلا إذ رفضت الشعوب العربية مفاهيم الحداثة والتنوير واتجهت الي عمليات الترقيع والتحديث لمجتمعاتها بعيدا عن معالجة لب الأزمة الأساسية في تشكيل الدولة ومؤسساتها، وهو ما أدي الي تطوير المجتمعات العربية بالحداثة التكنولوجية مع الإبقاء على البني الفكرية والذهنية الماضوية كمرجعية تحكم الدول وتتحكم في الشعوب. لقد أصبحت الدول العربية في غالبيتها اليوم واقعة تحت منظومة الفكر الديني في الحكم او في المجتمع، نظرا للتزاوج ما بين الأنظمة والتيارات الدينية بعد انتهاء تحالف تلك الأنظمة مع القوميون العرب في فترات سابقة وقبل انهيار الإتحاد السوفييتي. وقبل هذا، فالدول العربية عموما واقعة تحت تأثيرات متعددة صبغت هويتها التاريخية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، منها الاستـبداد السـياسي الـذي شـكَل الفتـرة الأطـول في تـاريـخ الأمة، والجمـود المعـرفي والذهني الـذي كان ثـمرة مُـرة لسيـادة مبـدأ النقل والتقليد، ثم يأتي العامل الأهم وهو تحجـيم دور العقل والشـك في البحث وخصوصا في نقد التراث الديني والثوابت الاجتماعية كالعادات والتقاليد والدين، وأخيرا غيـاب العـدالة الاجتـماعية مع حِـدة الصـراع على السـلُطة وفق التفرق المذهبي والطائفي الذي مزق الأمة العربية.
في مجموع هذه العثرات البنيوية الفكرية قبع العقل العربي ضمن دوامة من التراجعات والإستسلامات لشروط بناء النهضة والوقوف من جديد في عالم اليوم، وعلى الرغم من وضوح الإنتكاسات التاريخية، إلا أن الأمة العربية ومفكريها ومثقفيها مازالوا يراوحون مكانهم، ومازالت السلطة الدينية المتحالفة مع الأنظمة العربية تمارس نهج الاستبداد على حرية الفكر ومنع النقد والتساءل والشك فيما يتعلق بأساس الإنطلاق الي النهضة، وهذه النهضة التى صنعت في أوروبا والغرب لاحقا حضارة اليوم ومستقبلها الانساني. بدأت مع نقد الموروث الديني وتفكيك سلطة رجال الدين ومنعهم من التدخل في شؤون الدولة والمجتمع، لقد عانت الدول الغربية كثيرا من هذا التدخل الديني وتوصلوا الي أن السبب الأول في التخلص من عبء التاريخ الماضي إنما يكون بتحييد السلطة الدينية ومن ثم بناء المجتمع وفق العلمانية والحريات العامة المحددة للتعامل الخاص والعام ومنها الشأن الديني وحرية الإعتقاد. إن الأمة العربية بما تملكه من تاريخ قبل الإسلام والقائم على التعددية الدينية والتسامح مع مختلف الديانات، حيث كان في مكة العديد من الديانات المختلفة، ولم نسمع أن تم أي انتهاك لأي عبادة، هو المطلوب تفعيله وفق منظومة العلمانية العربية، فالدول الحالية ومنها بعض الدول الدينية لم تستطع أن تقدم المنجز الحضاري والقيمي للشعوب، ولم تقدر بقية الدول العربية المزدوجة ما بين الدين والمدنية أن تكون قادرة على بناء أي نهضة مدنية علمية ذات سلطة شعبية، بل أن الفكر الديني بكل أبعاده شكل العائق الأول في الإنطلاق الي الإنسانية والكونية الحضارية. لقد سقطت الدولة الدينية، إن كان في التاريخ الغابر، أو في التاريخ الحالي، وشكلت العلمانية وفصلها بين الدين والدولة الخيار الانساني العميق في معرفة الخلل وكيفية التقدم. إن العلمانية في حد ذاتها لا تعارض الدين والتدين بل تقف محايدة أمام جميع الأديان والمعتقدات نازعة فكرة القداسة الغيبية عن الأفكار مما يجعل الجميع ينخرط في بناء الدولة الوطنية وفق المؤهلات الاخلاقية والمثل والمبادئ الإنسانية. فالأنظمة العربية قد ساهمت بتجذير الوهم والغيب والتراجع الحضاري وفقا للفكر الديني الذي كان له الحظوة، وآن الأوان أن تلفظ الشعوب العربية ما يقيدها فكريا لتستطيع الإختيار في حياتها وفقا للحريات والعمل المدني المؤسس على حقوق الانسان والعدالة والمساواة بين الجنسين. إن خيار المواجهة القادم لن يكون سهلا ولن يكون مفروشا بالورود، فالتاريخ الإنساني للشعوب الحرة اليوم قد مر بتضحيات وثورات ونضال للفوز بالحضارة والتقدم، والشعوب العربية في تاريخها ايضا عرفت قيمة الثورات الحرة للتخلص من الأنظمة الإستبدادية والإستعمار، وحان الوقت الآن لشعوبنا العربية أن تنظر الي التاريخ وترى الواقع بعيدا عن أي نظرة دينية متحيزة لتستوضح الفرق وترى السقوط المدوي الذي نعيش فيه، فخيار الدولة العلمانية هو خيار الوعي والمستقبل الآمن لأجيال تعيش اليوم لتصنع المستقبل والحضارة المفقودة منذ انتكاسات النهضة العربية الأولي.

د. عبدالعزيز عبدالله القناعي
[email protected]



#عبدالعزيز_عبدالله_القناعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 100 ألف نفر
- الأيديولوجية الاسلامية وصناعة الإرهاب
- الأمن والجنسية الكويتية وحقوق المثليين
- الهوية الوطنية في العيد الوطني
- المرأة العربية وعقبات الدين والمجتمع
- في المعارضة الكويتية وإخفاق الحكومة
- رسالة كويتية الي الرئيس الفرنسي


المزيد.....




- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالعزيز عبدالله القناعي - صناعة الوعي العلماني قبل إسقاط الأنظمة العربية