|
تعليق كُردي على نقاش عربي - الفيدرالية توقظ العروبة من سباتها -
خالد سليمان
الحوار المتمدن-العدد: 1321 - 2005 / 9 / 18 - 07:22
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم تلحظ الأوساط العربية السياسية والثقافية في العقود الأخيرة سجالاً حول العروبة من النوع الذي خلقته الفيدرالية العراقية في هذه الأيام . فجميع النقاشات والسجالات التي تملئ الإعلام العربي تشير إلى مرحلة سياسية جديدة ، قد يتجاهلها القوميون العرب ، لكنها واقع " تراكمي " له أبعاد مستقبلية على الحياة السياسية في المنطقة . ولئن جاءت التغييرات ، سريعة وشملت العراق والسودان ولبنان ، ولم تترك مساحة كافية لقراءة تداعياتها المتنوعة ، بالإضافة إلى العوامل الخارجية التي استقوت بها ؛ اندفعت النخب العربية إلى استعادة مقولات فكرية سبق وان فشلت في مواجهة التغييرات . تالياً ، يمكن قراءة السجال الدائر بين المثقفين العرب حول العراق وفيدراليته وفق منطلقات فكرية وسياسية تسود العالم العربي منذ نهاية النصف الأول من القرن العشرين ، وهي منطلقات تراهن بالدرجة الأساس على الدولة المركزية والرابطة القومية العربية والتعريب . ولا ننسى هنا رؤية الأُصولية الدينية المتمثلة بحركة الأخوان المسلمين التي حاولت هي ايضاً فرض منطلقاتها الآيديولوجية المستلهمة من الدين والقومية معاً . المُلاحظ في جميع تلك الإنتقادات الموجهة إلى الحكومة العراقية وتخوينها ، هو اعتماد فلسفة الثابت ضد اي تحول قد يضع " المركزية " جانباً كما في الحالة العراقية . لذا يحاول المساجلون الجدد لقضايا العروبة التشهير السياسي بالدستور العراقي الجديد وتحريض " المثلث السني المقاوم " لإسقاطه وفقاً للثابت العربي في أحشاء التوتاليتاريزم . يتبادر إلى الذهن هنا نقطة هامة ، وهي التركيز في غالبية تلك المقالات والتحليلات التي تتناول الهوية العراقية من وجهة نظر قومية ، على تفكيك المؤسسة العسكرية العراقية الرادعة برأيها لتفتيت البلد ، ثم بروز الدور الكُردي إذ أصبح محوراً أساسياً في تأسيس شكل الدولة المستقبلي . بموازاة هذا صار بامكان المتابع للشأن العراقي ، التيقن من ان النخبة العراقية الحالية - باستثناء الطائفة السنية بالطبع – لا تشكل ، بحسب الغالبية ذاتها ، معبراً يوصل العراق إلى ضفة الأمان . ذلك ان التحول الذي حصل في العراق ومن خلال قوة أجنبية تكن لها البيئة العربية إجمالاً عداءاً تاريخياً ، أحدث إرباكاً ليس في البنية التحية في ثقافة العروبة السياسية في العراق فحسب ، بل في جميع البلدان العربية تقريباً . والحال هذه ، أيقظ التحول ذاته العروبة من سباتها وحرّك " حيوية قديمة " فيها ، لاتشترط المقاييس الزمنية للفكر والسياسة . لأن مفردات نقد الحالة العراقية بعد " البعثية " ،لا توحي بأي تغيير في خطابها، طالما اعتمدت ذات الشعارات التي تطغي على الحياة السياسية العربية منذ نهاية النصف الأول للقرن العشرين . ولا يدل هذا ، سوى على إرتباط عضوي بين ثقافة الإستبداد الراسخة إجتماعياً وسياسياً في لاوعي النخب وبين فكر لم يسبق شروطه الإجتماعية . ذاك ان دكتاتورية " الثابت " في السياق العام للمجتمعات والدول لم تقتض " الدوغما " وحده ، بل كرّست مفاهيم نكوصية لمواجهة أي تغيير محتمل . لقد فرضت الدولة القومية وآيديولجيتها قيود حديدية على المجتمعات والثقافات واستغفل جميع المشكلات القومية والعرقية من خلال سياسات تقليم الأغصان وحلول أمنية إجرائية تمخضت عنها المأساة والمأساة .وابتكر " البعث " في هذا المجال أساليب خاصة بها ولم يتورع يوماً عن إستخدام أشد أنواع التنكيل بمغايريه ودفنهم في مقابر جماعية أو رشهم بالغازات الكيمياوية كما في عمليات الأنفال في كردستان عام 1988 . في السياق ذاته ، تجدر بنا هنا الإشارة إلى مسألة التعريب في كل من العراق وسوريا كحل إجرائي ضد الكُرد وامكنة تواجدهم السكاني . كل هذه المآسي لم تدفع القوميين العرب لمراجعة مشروع العروبة ونقد آلياتها ومنطلقاتها التي افتقدت إلى فعل الأنسنة في خضم شعارات الوحدة ، وراحوا يتغنون بهيجانات وطنية داخلية يحملها الإنسان العربي المكبل بالفقر التخلف إثر إستئثار السلطة به تاريخياً . فلو بحث العروبيون عن بيئة صحيحة لمشروعهم من خلال نقد الدكتاتوريات والمجتمع بدل ترحيل أسباب المأساة إلى الخارج أو وضعها على كتف الكُرد ، لتأنسنت العروبة بدل أدلجتها وفق مقومات " العنصرية " . عودة إلى الدستور العراقي الجديد ، وفيه ، النقاط التي أثارت النخب العربية وأمين عام الجامعة العربية ، نرى ان البنود القانونية التي يراها العراقيون جزءاً من تنوع مجتمعهم الثقافي ، يعتبرها القوميون العرب طعناً بوحدة العراق وبالإنتماء للعروبة أيضاً . ولكن السؤال هنا هو ، ما هو الضرر من وجود لغتين رسميتين في العراق ، أليس هذا هو الغنى الثقافي الذي طالما تحدثنا عنه في " المقاهي " والكافيتريات الثقافية . لما كل هذا الضجيج العنصري على كلمة " ديمقراطي إتحادي أو فيدرالي " ؟ في تعليق على هذه القفرة ، يذهب واحد من هؤلاء الكتاب إلى ان الفيدراليات الغربية والأمريكية " الكندية " ما هي سوى نتاج الصراعات الكولونيالية في تلك المجتمعات ، ولكن العراق برأيه ، فهو " كيان تاريخي منذ ما قبل الإسلام بكثير" ، ناسياً تاريخ الكولونيالية في الشرق وفي العراق بشكل خاص . ولو أعاد الكاتب قراءة تاريخ العقد الثالث من القرن العشرين ( كل من إتفاقيتين سيفر عام 1923 ولوزان عام 1924 ) لاكتشف ان تاريخ العراق أيضاً ، لايخرج عن دائرة السياسيات الكولونيالية في المنطقة . لكن القراءة الإنتقائية للتاريخ وتحليله وفق رؤية قومية " شوفينية " يبعد أي سجال عن فحواه الإنساني ، ويربك بالطبع آلية الحوار ايضاً . فيما يتعلق ببروز الدور الكُردي في العراق وهيمنته على " عروبته " وفق ما تذهب إليه الأوساط العربية ، اجدني مضظراً للولوج قليلاً في سجال الأوساط الكُردية ( السياسية والثقافية ) هذه المرة . ذلك ان لها آراءاً يجهلها الجانب العربي للأسباب التي ذكرتها . هناك إذاً ، تيار تأثر من حيث لا يدري بالطروحات الشوفينية العربية ويقترن تحصنه في الخندق القومي بتوجهات " الآخر " العصبية . أما التيار الآخر فلا يرى في كُرديته إلاً عاملاً لبناء بيئة صحية للعلاقة مع الآخر حسب معطيات التاريخ والجغرافيا والثقافة المشتركة . هناك تالياً ، رؤيتان متداخلتان ومتباعدتان في آن ، تتجسد الأُولى في إنشاء دولة قومية ، والثانية في أقلمة الذات مع المتغيرات الإقليمية والعالمية دون إبعاد حلم دولة مستقلة . ولا بد من الإشارة أن رأي التيار الثاني لا يريد الإستقواء بعناصر الثقافة القومية كحل وحيد لقضية الشعب الكردي ، بل يحاول الإقتراب من أُسس عصرية تقتضيها الحداثة والعولمة معاً . يتفق الطرفان على ان الكًرد ليسوا جزءاً من الأمة العربية ، وعلى انهم عملوا بكل جدية ، سواء في الشارع الكُردي أو داخل غرف العمليات الدستورية ، لتثبيت فقرة تقول : ( العراق بلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب ، وهو جزء من العالم الإسلامي ، والشعب العربي فيه جزء من الأُمة العربية ). لكنهما يختلفان حول مفاهيم قومية كثيرة قد تعرقل الإنفتاح على الآخر . تكمن أسباب التهجم على النخب العراقية ، والكردية منها بشكل خاص في هذه الفقرة التي وصفها أحد المسؤولين العرب بـ " نص كارثي " ودعا العراقيين " السُنة حصراً " لإسقاطه . إذا نظرنا للنص برؤية يقضة وغير " عنصرية " ، لا نرى فيه أي بعد يقلل من شأن القومية العربية ، لأن الكُرد والتركمان والآشوريين والكلدان والصابئة ليسوا بعرب ٍ ولا يمكن تعريبهم حسب نصوص " دستورية " سابقة فرضتها آيديولوجيا قومية شمولية .
#خالد_سليمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لكن لماذا لا يكون - عراق جديد- في كُردستان
-
الأخطاء ، عندما ترتكب باسم القومية
-
صَهيَنَةُ الكُرد ...لماذا؟
-
لماذا لا يصدّق المثقفون العرب ماساة الجارالكردي؟
-
ليلة دفنوا الأكراد...إعترافات حفّار
-
مقبرة الفوانيس لشيركو بيكه س : عندما تشترط المأساة على اللغة
...
-
بورتريه خلفي لمدينة مونتريال...العالم الثالث الكندي الذي لاي
...
-
فرهاد شاكلي :خرج من كردستان غاضباً من المؤتلف الشعري واسترد
...
-
أي أدب يُصور الكارثة ...آسيا بطلاً جغرافياً لحزن مطلق
-
التقليم المُراد في الثقافة - الاخوانية - ومبدأ تخوين الشيعة
-
المثقف الكردي ... الموقف من الذات أولاً
-
الهروب من الحرية
-
الأنفال …مصيرالانسان في يوميات القتل البعثي وإحتفالات الكتما
...
-
بورتريه تركي في حرب الكوة الصغيرة في العراق
-
أدب كردي جديد يظهر في العراق
المزيد.....
-
شاهد: تسليم شعلة دورة الألعاب الأولمبية رسميا إلى فرنسا
-
مقتل عمّال يمنيين في قصف لأكبر حقل للغاز في كردستان العراق
-
زيلينسكي: القوات الأوكرانية بصدد تشكيل ألوية جديدة
-
هل أعلن عمدة ليفربول إسلامه؟ وما حقيقة الفيديو المتداول على
...
-
رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية يتهرب من سؤال حول -عجز
...
-
وسائل إعلام: الإدارة الأمريكية قررت عدم فرض عقوبات على وحدات
...
-
مقتل -أربعة عمّال يمنيين- بقصف على حقل للغاز في كردستان العر
...
-
البيت الأبيض: ليس لدينا أنظمة -باتريوت- متاحة الآن لتسليمها
...
-
بايدن يعترف بأنه فكر في الانتحار بعد وفاة زوجته وابنته
-
هل تنجح مصر بوقف الاجتياح الإسرائيلي المحتمل لرفح؟
المزيد.....
-
في يوم العمَّال العالمي!
/ ادم عربي
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|