أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود سعيد كعوش - البرستيج...هل حقاً أنه مظهر إجتماعي وسلوك حضاري تفترضهما الظروف؟















المزيد.....

البرستيج...هل حقاً أنه مظهر إجتماعي وسلوك حضاري تفترضهما الظروف؟


محمود سعيد كعوش

الحوار المتمدن-العدد: 4713 - 2015 / 2 / 7 - 19:30
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



كثيراً ما يتناهى لأسماعنا أن فلاناً أو علاناً من الخناشير يقول "برستيجي لا يسمح لي أن أفعل هذا الأمر أو ذاك" بدل أن يقول "ديني وأخلاقي وتقاليدي أو كرامتي وكبريائي وعزة نفسي أو العقل والمنطق والموضوعية لا يسمحوا لي أن أفعل هذا الأمر أو ذاك". وكثيراً ما يتناهى لأسماعنا أيضاً أن فلانة أو علانة من القوارير الحسان تقول هي الأخرى "برستيجي لا يسمح لي أن أفعل هذا الأمر أو ذاك" بدل أن تقول "ديني وأخلاقي وتقاليدي أو كرامتي وكبريائي وعزة نفسي أو العقل والمنطق والموضوعية لا يسمحوا لي أن أفعل هذا الأمر أو ذاك". فما هو يا ترى المقصود والمبتغى من وراء تكرار هذه الكلمة الغريبة والعجيبة التي يطلقون عليها تسمية "برستيج" والتي يتم تداولها بشكل مثير وملفت للنظر في جميع المجتمعات العالمية، بما فيها مجتمعاتنا العربية والإسلامية طبعا!!؟
ومن المعروف أن كلمة برستيج هي في الأصل مفردة أجنبية أدخلت إلى اللغة العربية عن طريق العرب المتفرنجين الذين لا يطيب لهم إلا نُطق نصف الكلام باللغة العربية والنصف الآخر بلغة أجنبية كالإنكليزية أو الفرنسية أو غيرهما. وهي بالطبع واحدة من عشرات المفردات الأجنبية الأخرى التي أقحمت على اللغة العربية عن طريق التعريب وبتنا نتداولها في حياتنا اليومية كتداولنا للمفردات العربية الأصيلة. وكلمة برستيج تعني بالعربية "هيبة أو هيئة أو شكل أو وضع" إلا أن الغريب أن تداولها لم يعد قصراً على اللغة الفصحى فحسب بل تعداها ليطال عامياتها في معظم الأقطار العربية، إن لم يكن كلها. وهي تعني أيضاً "الوضع أو الإطار الاجتماعي" الذي يسعى الشخص لوضع نفسه فيه وتقديمها للناس من خلاله، وما يتعلق به من أمور تناسب مكانته والوضع الإجتماعي الذي يرسمه لنفسه والذي يريد أن يكون في عيون الآخرين والذي يحدد علاقاته معهم.
لا أعتقد أن هناك خلافاً أو تبايناً في الآراء حول اعتبار البرستيج مظهراً إجتماعياً وسلوكاً حضارياً تفترضهما ظروف وعلاقات إجتماعية وإنسانية معينة في حالات خاصة، لكن الخلاف يكمن في جعله ضرورة ملحة من الضرورات الحياتية اليومية التي يصعب الاستغناء عنها في كل صغيرة وكبيرة تمس علاقاتنا الإجتماعية والإنسانية.
وليس من قبيل المبالغة القول أن البرستيج هو أحد إفرازات القطبية العالمية أحادية الجانب التي سادت العالم بعد انحسار نفوذ "الإتحاد السوفييتي" الذي كانت روسيا جزءاً رئيسياً منه وخروجه من المعادلة الدولية ثنائية القطبية في نهاية ثمانينات القرن الماضي، وملمح من ملامح صرعات العولمة المتلاحقة والمتجددة على الدوام والتي أخلت بقدراتنا في الإستيعاب وتسببت في عسرهضم مربك للكوكتيل الفكري والمعلوماتي الغريب الذي هاجمنا فجأة ودفعة واحدة بشكل لم نعهده أو نعتده من قبل والذي تحول إلى ما يشبه وجبات "مطاعم ماكدونالد" ومطاعم الوجبات السريعة الأخرى السائدة في هذا العصر، وإرهاص من إرهاصات الشبكة العنكبوتية و"بناتها المنحرفات" من قناوات فضائية تافهة حولت حياتنا التي كانت إلى عهد قريب بسيطة وشفافة وخالية من التعقيدات والعقد إلى مسخ في صورها وهيآتها الإنسانية إذ تزلزل كيانها كما لو أصابها مس من شيطانٍ أو طائف من زلزالٍ اجتماعي مصطنع ومتكلف وليس طبيعياً ولا تلقائياً.
ومع إيماني بالضرورة الماسة للبرستيج في حياتنا كسلوك معتدل ومظهر طبيعي وتلقائي إلا أنني لا أستسيغ التصنع والتكلف المبالغ بهما في فهمه والتعامل معه وتطبيقه على أرض الواقع والذي يتجاوز في بعض الأحيان جميع حدود المنطق والموضوعية فيتحول إلى شكل بلا مضمون، لا بل إنني أرفض ذلك جملة وتفصيلاً.
انظروا بالله عليكم إلى الحالة التي أوصلنا أنفسنا إليها جراء فهمنا الخاطئ للبرستيج وسوء تعاطينا معه. لقد أوغلنا في التجاوز وتمادينا كثيراً في الخطأ حتى حولنا بأنفسنا هذا البرستيج إلى وحش مفترس وآفة إجتماعية خطيرة تستنزف مواردنا ومدخراتنا المالية وتخل باستقرارنا النفسي والعقلي وحتى العاطفي وتقوض الحياة الأسرية لنسبة كبيرة منا. ولعل ما يدعو للألم والأسى هو أننا من فرط سذاجتنا قد أوصلنا البرستيج كشكل ومضمون وممارسه إلى أمور حياتية خاصة جداً هي بالأصل خاضعة لمسلمات الدين والعادات والتقاليد والأعراف، مثل الطلاق على سبيل المثال لا الحصر الذي أخضعناه لطقوس خاصة وألبسناه جلباباً خاصاً ليساير الموضة ويتماشى مع مستلزماتها ومتطلباتها.
غالباً ما يبدأ البرستيج مع مظهر جديد يطل به الشخص على الناس بشكل مفاجئ كشراء سيارة فخمة ومريحة، ثم ينتقل من هذا المظهر إلى مظاهر اخرى متنوعة كإقامة الأفراح العامرة و"الليالي الملاح" التي يكون لها أول وليس لها آخر من ضرورات ومتطلبات. ففساتين الأفراح إن لم تكن فلكية الأثمان يجب أن تكون في أقل تقدير موجعة لأضلاع العريس وضاغطة على أعصابه ومبددة ونازفة لمدخراته ومدخرات أسرته وربما لمدخرات العروس نفسها واسرتها الكريمة والمبجلة. وأما عن فستان صاحبة الجلالة العروس المصون فحدث ولا حرج إذ يجب أن يكون برستيجي التصميم والتنفيذ، باريسياً أو إيطالياً أو من تصميم وتنفيذ مصمم محلي ذائع الصيت، ويجب أن يحاكي آخر صرعات الموضة في الشرق والغرب، وكذلك الحقيبة والحذاء وصولاً إلى تسريحة الشعر التي يفترض أن تكون صرعة عصرية لا يُستغنى فيها عن الغلالات الرقيقة التي تكون على هيئة حجاب للمحافظة على هيبة الشعر و"جلال قدر العروس" وهي تتهادى وسط "حاشيتها" التي عادة ما تتشكل من حشد من القوارير الحسان عصريي "اللوك وبهيات الطلعة" من أعلى الرأس إلى أخمص القدمين واللاتي ينتظرن نصيبهن من "أولاد الحلال" ودورهن في ممارسة طقوس الزواج البرستيجية.
ولم تعد مأساة البرستيج كوحش وآفة قصراً على الشابات الجميلات والقوارير الحسان اللاتي أوصانا بهن نبي الرحمة محمد بن عبدالله صلى الله وسلم في قوله "رفقاً بالقوارير"، بل تعدتهن لتشمل من صدق فيهن قول الشاعر:


تريد عجوز أن تعود صبية............وقد يبس الجنبان واحدودب الظهر

تسير إلى العطار تبغى شبابها...وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟


نعم تعدت مأساة البرستيج الشابات الجميلات والقوارير الحسان لتصيب الأمهات والعمات والخالات والجدات اللاتي ما عدنّ يعدمن حيلة أو وسيلة مع هذا البرستيج في وضعيتيه كوحش وآفة. فقد أصبح لكل أم وعمة وخالة وجدة من غالياتنا بروتوكولاتها الخاصة بها، بل شديدة الخصوصية، التي تطبع وتحكم شخصيتها وتحدد هيبتها وترسم هيأتها، مثل حرصها على معدن واحد تتزين به وشكل واحد للعصا التي تتوكأ عليها وإطار واحد لنظارتها الذي عادة ما تفضله بسلسلة ذهبية وربما مرصعاً بالذهب والفصوص والحجارة الكريمه، وحرصها على خاصية أظافر كفيها وقدميها وطقم أسنانها وألوان وأشكال عدسات عينيها.
ومن فرط سطوة وحش البرستيج على الناس بلغ الهوس عند البعض ذكوراً وإناثاً مبلغاً أصبح معه للسفر برستيجاً خاصاً قائماً على التزييف والتدليس والغش والكذب والتكاذب. فلا تتفاجأوا أذا ما جاءتكم صديقة كانت في زيارة لابنتها في الأردن أو مصر أو سوريا وادعت أنها عرجت منها إلى مونت كارلو وباريس وجنيف ومنهم إلى جزر الهاواي، أو جاءكم صديق كان في مهمة عمل طارئة في جيبوتي أو الصومال أو موريتانيا وادعى أنه كان في رحلة استجمام قضاها بين جزر الكناري ومنتجعي مالجا ومربايا الإسبانيين.
وحتى الموت أصبح له برستيجاً خاصاً ومتميزاً تحكمه طقوس خاصة باهضة التكاليف. ولا عجب في ذلك لأنه وللأسف لم يعد الدين والأخلاق والتقاليد والكرامة والكبرياء وعزة النفس والصدق مع النفس والآخرين والعقل والمنطق والموضوعية من الأولويات التي تحكم علاقات الناس الإجتماعية والإنسانية.

صدق أمير الشعراء أحمد شوقي حين قال:

صلاحُ أمركَ للأخلاقِ مرجعه.................فقوم النفسَ بالإخلاقِ تستقمِ

والنفسُ مِنْ خيرها في خيرِ عافيةٍ...والنفسُ مِنْ شرها في مرتعٍ وخم


محمود كعوش
كاتب وباحث مقيم بالدنمارك
كوبنهاجن
[email protected]





#محمود_سعيد_كعوش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار دافئ وحميم (24)
- حوار دافئ وحميم (23)
- حوار دافئ وحميم (22)
- أتابع حواراتي الدافئة والحميمة...خمسون حواراً (21)
- أتابع الحوارات الدافئة والحميمة...خمسون حواراً (20)
- سلسلة حوارات دافئة وحميمة...خمسون حواراَ (19)
- سلسلة حوارات دافئة وحميمة...خمسون حواراً (16، 17 و 18)
- خاطرة أدبية -هِيَ وهو...2- !! بقلم: محمود كعوش
- خاطرة أدبية...هِيَ وهو !!
- الرسوم المسيئة للرسول...بدأت في الدنمارك وتفجر صاعقها في فرن ...
- تشارلي إبدو وهواجس اا سبتمبر/أيلول 2001
- أتابع سلسلة حوارات دافئة وحميمة...خمسون حواراً (من 11 إلى 15 ...
- سلسلة حوارات دافئة وحميمة...خمسون حواراً (من 11 إلى 15 )
- اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني
- سلسلة حوارات دافئة وحميمة...خمسون حواراً
- كفر قاسم...وهنا ارتكب الصهاينة مذبحة لا تُغتفر !!
- عبد الناصر...حضور دائم
- 32 عاماً على مجزرة صبرا وشاتيلا
- هل تتحرك نخوة المعتصم في الرئيس السيسي !!
- نكسة...هزيمة !!


المزيد.....




- كاميرا مراقبة ترصد ما فعلته دببة عندما شاهدت دمى تطفو في مسب ...
- شاهد: خامنئي يدلي بصوته في الجولة الثانية من انتخابات مجلس ا ...
- علاج جيني ينجح في إعادة السمع لطفلة مصابة بـ-صمم وراثي عميق- ...
- رحيل الكاتب العراقي باسم عبد الحميد حمودي
- حجب الأسلحة الذي فرضه بايدن على إسرائيل -قرار لا يمكن تفسيره ...
- أكسيوس: تقرير بلينكن إلى الكونغرس لن يتهم إسرائيل بانتهاك شر ...
- احتجاجات جامعات ألمانيا ضد حرب غزة.. نقد الاعتصامات وتحذير م ...
- ما حقيقة انتشار عصابات لتجارة الأعضاء تضم أطباء في مصر؟
- فوائد ومضار التعرض للشمس
- -نتائج ساحرة-.. -كوكب مدفون- في أعماق الأرض يكشف أسرار القمر ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمود سعيد كعوش - البرستيج...هل حقاً أنه مظهر إجتماعي وسلوك حضاري تفترضهما الظروف؟