أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - رأفت الغانم - العرفان السياسي ونظرية المؤامرة















المزيد.....

العرفان السياسي ونظرية المؤامرة


رأفت الغانم

الحوار المتمدن-العدد: 4705 - 2015 / 1 / 31 - 16:44
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


مقدمة:
قسم محمد عابد الجابري العقل العربي إلى ثلاثة أقسام: البرهاني- البياني- العرفاني؛ البرهاني الذي يعتمد التجربة والإثبات، والبياني الذي يدور في فلك اللغة؛ أما العرفاني فيعتمد على المعرفة النابعة من الذات، واصطلاحاً يعرّف العقل العرفاني" نوع خاص من الإدراك يحصل عن طريق الالتفات إلى باطن النفس (وليس عن طريق التجربة الحسية والتحليل العقلي)"
ولأن العقل العرفاني لا يقبل بالدلائل المنطقية والوقائع المحيطة به أسماه الجابري ( العقل المستقيل ).

البيان يسخر من العرفان
بقي العقل البياني سواء كان سلفياً أو أشعرياً مقيداً بالنص وتأويل النص ناظراً للعرفاني" الشيعي" باستعلاء، مصطاداً هفواته متندراً عليها ( الجمل بسنامين ظهر بعد سبي نساء آل البيت ليستر عورتهن - الشفق الأحمر عند غروب الشمس ظهر بعد مقتل الحسين - النبي إبراهيم نجا من النار لأن الحسين في صلبه ) والعديد من القصص التي إذا سمعها جمهور العرفان يكرر مندوحته" اللهم صلي على محمد وعلى.." ويتندر عليها جمهور البيان.
فالعرفان لدى الشيعة، هو حقيقة مطلقة تخص آل البيت والإمام المعصوم، والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وعلى ذلك فكل ما في الكون إضافة للنص المقدس فيجب تأويله ليوافق هذه الحقيقة، فالقرآن لدى الشيعة له ظاهر أنيق، وباطن عميق، فيصبح المقصود بآية" مرج البحرين يلتقيان" علي وفاطمة، و" يخرج منهما اللؤلوء والمرجان" الحسن والحسين، على العكس من العقل البياني والذي يأخذ بظاهر النص (اللغة) كما أوجد ابن حزم الأندلسي المذهب الظاهري، وأنكر ابن تيمية المجاز في القرآن.

العرفان السياسي!
اليوم يبدو أن العقل البياني" السني" أصبح أكثر استهلاكاً للعرفان من" الشيعي"، فالدين لدى البيانيين تحكمه نصوص مقدسة يحتكم إليها، أما حوادث الزمان فلا نص مقدس يفسرها، فينضوي جمهور السنة للعقل العرفاني تحت مُسلّمة" الإسلام دين حق وما يصدر عنه حق وما عداه باطل وكل ما يصدر عنه باطل، ومن طبيعة الباطل (الشر) أن يكيد بالحق (الخير)"، لذلك يلجؤون لتفسير كل ما لا يفهمونه أو ما يصعب فهمه أو ما تتضارب حقيقته مع أوهامهم، بنظرية المؤامرة والتي أصبحت إمامهم ومرجعهم.
ولذلك أيضاً يفسر هذا الجمهور كل ما في الكون" البراني" بما يتناغم مع هذه الحقيقة" الجوانية"، وأكثر ما يظهر العرفان اليوم، أمام الآخر" الغربي". فهو وإن كان ديمقراطي ونحن نلجأ إليه لنعيش بكرامة ولننعم بالحرية والأمان والاستقرار بداخله، إلا أن هذا الغرب يحكم بالباطل وتجب هدايته للإسلام الذي هربنا من كل ما فعل باسمه.
وأمام النص الإسلامي المحدود والفقير (باعتباره وليد بيئة صحراوية رعوية) والذي يحتكره رجال دين منغلقين (لظروف سياسية واجتماعية) لا يجد التابع للخير"الإسلام" سوى نكران كل الأفعال الناتجة بفعل تأثير هذا النص المقدس، فالنص المقدس: تنتج عنه أفعال"كالرجم" أصبحت اليوم شر لا يمكن تبريره، وأمام سلطة هذا النص لابد من الرجوع للإمام الأعظم "المؤامرة" وبالتالي نسب الفعل لقوى الشر التي حاكتها وألصقتها بالإسلام لتشويه سمعته، فيصبح الفعل في منطقة يسيطر عليها السلفيين الذين يقاتلون نظام الأسد من فعل مخابرات الأسد! وتصبح بوكا حرام صناعة المخابرات الفرنسية، وأحداث الحادي عشر من سبتمبر قام بها الموساد، والهجوم على شارلي ايبدو لا يبتعد عن هذه النظرية، حتى لو خرج من يتبناها أو أيدت شريحة واسعة من المسلمين تلك الأحداث، من المسلمين المحكومين بالنص وغير المعنيين بتطور الحس الإنساني في العالم من حولهم.

العرفان السياسي المضاد
بأشكال أخرى مختلفة، ظهرت عرفانية لدى اليساريين والممانعين، فأصبح الربيع العربي وكل أحداثه من صناعة السي آي إيه، وإن كان غير ذلك في دولة فهو كذلك في دولة أخرى!
ولعل أشد العرفانيين تغيباً ذلك الذي يعتقد أن رئيس الجمهورية إنسان جيد، وعلى ذلك هو مستعد لتفسير كل ما يراه من قمع واضطهاد وقتل وتهجير وظلم وما يسمع به وما يعيشه أيضاً، بما لا يتضاد مع معرفته الثابتة أن رئيس الجمهورية جيد! وهي الشريحة التي أسماها الشارع السوري" منحبكجية" وغالبية هذه الشريحة أو جزء كبير منها، تعتقد أن الإسلام السياسي شر مطلق، لذلك الخير كله يكمن في عدوها الذي تريد إسقاطه" رئيس الجمهورية".
وفي حين لم تشهد الثورة السورية ذات الظاهرة" منحبكجية" لشخص واحد، إلا أنها شهدت شريحة واسعة استهلكت هي الأخرى العرفان أكثر من أنصار النظام (لا شك بأن هناك تسهيلات في بداية الثورة لظهور الإسلاميين) فأصبحت داعش مجرد منفذ لأوامر الأسد.
كذلك لم يعد هذا العقل يخص المنافحين عن الإسلام ونصوصه إنما أصبح مهنة شريحة من الكتاب والصحفيين وغيرهم من المنافحين عن الحرية والديمقراطية، حتى أن "صحفي" سوري كتب مؤخراً، أن أحد صحفيي جريدة شارلي ايبدو فصل من عمله لأنه سخر من اعتناق ابن ساركوزي لليهودية! وربما لم يعلم هذا "الصحفي" أن الديانة اليهودية ليست تبشيرية، وبأن أحداً لا يمكن أن يعتنقها.

العرفان مثير للشفقة
وفر العرفان مادة كوميدية للبيان، إلا أنه اليوم يوفر نفس المادة للآخر الغربي، فالمسلمين الذين بحثوا في الصور والفيديوهات ليثبتوا تورط المخابرات الفرنسية بحادثة شارلي ايبدو، حالهم أمام الفرنسي كحال الشيعي الذي يتحدث عن قضية الشفق الأحمر الذي ظهر بعد مقتل الحسين للسني. أقصد أن الشعور لدى الإثنين واحد، وإن احتوى على شفقة أكبر لدى الغربي، على عكس النظرة الخالية من الشفقة للشيعي والمختلطة بمشاعر الكراهية.
ولا يمكن بالطبع هنا الاكتفاء بضرب مثال على حدث سياسي أمام آخر طبيعي، لكن العقل العربي اليوم والذي يمتهن العرفان في نظرته للغرب تحدث قبل ذلك عن أسباب مرض الايدز وبأن خلفها "السي آي إيه" كما تحدث عن انفلونزا الطيور وبأن أمريكا تقف ورائها لضرب اقتصاد آسيا، والغريب أن ذات العقل الذي يبالغ بقدرة أميركا من ناحية، يدحض قدرتها من ناحية أخرى، وباعتباره يعرف، فهو دائما ما يتنبأ بسقوط أمريكا وانهيارها، أمريكا المؤلهة التي تقف خلف كل حدث.

العرفان أكثر من يعرف الغرب
كثيرة هي الأمور والقضايا التي تم فضحها على يد الإعلاميين الغربيين، قضايا تخص الفساد وتصرفات السياسيين والصفقات السرية وغيرها، إلا أن الفضيحة المدوية الوحيدة التي لا يعرفها الفرنسيين بخبرائهم ومثقفيهم وصحفييهم وكتابهم، هي ذاتها التي يعرفها المسلم الذي يعيش في اليمن أو قرية نائية في باكستان وهي فضيحة تدبير اعتداءات مقر شارلي ايبدو!
مؤامرة ضخمة تحاك ضد الإسلام، تشبه تلك المؤامرة الكونية التي تحاك ضد نظام الممانعة في سوريا، والتي شاهدها كل أنصار النظام لكنهم لم يشاهدوا المظاهرات التي ملأت الشوارع.

العرفان يعرف أكثر من الغرب
سخر الغرب مخصصات ضخمة للعلم، من جامعات ومعاهد ومراكز أبحاث ودراسات ومختبرات وغيره، وهو الذي يعلم أن حضارته القائمة على العلم لن تستمر إلا بالعلم ذاته، إلا أن المسلمين هداهم الله إلى ما يعادل كل ذلك، وهو القرآن الذي يوجد بداخله كل ما يكتشفه الغرب، وما يعبر عنه المسلمون "بالإعجاز العلمي" لكنهم وللأسف لم يكتشفوا النظريات العلمية في القرآن قبل أن يعلن عنها الغرب، والغريب أن العقل البياني السني والذي يرفض العرفاني ولا يأخذ به لتفسير القرآن، أصبح يمتهنه فيما يخص الإعجاز العلمي، فينسفون كل ما قاله المفسرون القدماء بلحظة، في حين أن هؤلاء المفسرون لا زال تفسيرهم للقرآن هو الصحيح فيما يخص الحدود والقضايا الإقتصادية والإجتماعية وتنظيمها، وفي حين أنهم لا يقبلون أي قراءة أخرى لهذه النصوص خارج القراءة القديمة والتي لم تخلو من إملاءات الظروف السياسية لذلك الزمن.

أخيراً: أود الإعتراض على الجابري والذي أسمى هذا العقل بـ " العقل المستقيل"، وإنطلاقاً من نظرة الغرب لهذا العقل، وكما عبر لي العديد من الأصدقاء الفرنسيين، سأسميه بالعقل المثير للشفقة.



#رأفت_الغانم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انتعاشات العالم العربي صورة مغايرة من باريس
- بيت الصحفيين: نموذج لدعم حرية الصحافة
- سلامة كيلة: المعارضة السورية تعبر عن سياسات النظام ومصر على ...
- الوهابية ديانة سماوية رابعة
- العالم سجن وهابي
- انتصار حماس المحير


المزيد.....




- إبراهيم عيسى يُعلق على سؤال -معقول هيخش الجنة؟- وهذا ما قاله ...
- -حرب غزة- تلقي بظلالها داخل كندا.. الضحايا يهود ومسلمين
- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف ...
- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف ...
- يهود متطرفون من الحريديم يرفضون إنهاء إعفائهم من الخدمة العس ...
- الحشاشين والإخوان.. كيف أصبح القتل عقيدة؟
- -أعلام نازية وخطاب معاد لليهود-.. بايدن يوجه اتهامات خطيرة ل ...
- ما هي أبرز الأحداث التي أدت للتوتر في باحات المسجد الأقصى؟
- توماس فريدمان: نتنياهو أسوأ زعيم في التاريخ اليهودي
- مسلسل الست وهيبة.. ضجة في العراق ومطالب بوقفه بسبب-الإساءة ل ...


المزيد.....

- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد
- التجليات الأخلاقية في الفلسفة الكانطية: الواجب بوصفه قانونا ... / علي أسعد وطفة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - رأفت الغانم - العرفان السياسي ونظرية المؤامرة