رشا ممتاز
الحوار المتمدن-العدد: 4690 - 2015 / 1 / 13 - 19:14
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
هناك من يتعجب ويستنكر من تضخيم ردود الفعل على المذبحة الإرهابية البشعة التي حدثت فى باريس ضد صحفيين فى جريدة شارلى ابدو وضد اليهود الفرنسيين , محاوليين الاستخفاف والتقليل من اهمية الحدث لأنهم بيحسبوا قوة اى عملية ارهابية بعدد ضحاياها وبما ان عدد الضحايا مكنش كتير , فبتسمع كلام حقير من عينة فرنسا قالبه الدنيا عشان 17 واحد ماتوا بس ايه المبالغه والمحن ده !!
طبعا الناس دى مش قادرة ولا هتقدر تستوعب أو تفهم ان اللى هز المجتمع الفرنسى وزلزل كيانه مكنش عدد القتلى بقدر ما كان المساس بقيم الجمهورية المقدسة بالقيم التى بذلت فرنسا من اجلها الدماء والأرواح عبر التاريخ, القيم التي جعلت فرنسا تتحول من دولة يسيطر عليها الخوف و الجهل و البؤس والكهانة لبلد العلمانية و النور والحريات..
نعم يا سادة خرجت فرنسا فى مليونية تضم اكتر من 4 مليون مواطن في كافة ارجاءها , مليونية تضم النساء والرجال و الشباب والعجائز و الاطفال و الرضع و ذوى الاحتياجات الخاصة لدعم العلمانية وحرية الرأى والفكر والعيش المشترك لدعم شعارات الثورة الفرنسية المقدسة شعارات الجمهورية التى دنسها الارهاب وثقافته الاسلامية العفنة محاولا عبثا اغتيالها خرجت فرنسا عن بكرة ابيها للدفاع عن قيمها قيم الاخاء والحرية والمساواة ..
كان لازم اشارك و اكون جزء فعال من اليوم العظيم لانى حسيت ان الجريمة مستنى بشكل شخصى واثرت فيه جدا لدرجة الاكتئاب والبكاء ..
فلو كان كل منا لديه قيمة معينة من قيم العلمانية والحرية مفضلة عن الباقيين فحرية الرأى والتعبير بالنسبة لى موقعها على قمة هرم الحريات...
لانى بعتبر الإنسان الذي يخشى التعبير عن نفسه و فكره بحرية ويضطر للنفاق والكذب لإرضاء المجتمع, بيسلب ذاته ويفقد بصمته الخاصة ويتحول لمسخ يعيش بعقل إنسان وحواس وجسد إنسان آخر !! يفقد إنسانيته ويتحول إلى بهيمة تساق مع القطيع ,ويصبح عاجز محكوم علي عقلة بعقوبة الحبس الانفرادي مدى الحياة حتى و إن كان الجسد حرا !!
رفع العديد من المشاركين لوحات كتبوها بأنفسهم فلم تكن هناك لوحات تباع او توزع لوحات تحمل كلمات صادقه تعبر عن هدف المشارك فى المظاهرة مثل كلنا شارلى كلنا يهود كلنا بوليس تعاطفا مع الضحايا الأبرياء , لافتات اخرى تقول مارسوا الحب ولا تمارسوا الحرب , ان نعيش معا فى سلام او نموت معا كاغبياء , كلنا مع حرية التعبير , رفعوا صور الكاركاتير الساخر الذى تسبب فى مقتل الابرياء دعما لهم ولحرية فكرهم , شعارات اخرى تقول يا للجبن و العار تواجهون البسمة بالقنابل والرصاص , العيد الكبير للعلمانية , والحب اقوي من الكراهية...
لم نجد احد يرفع صورة الرئيس او يرفع لوحات تحرض على الكراهية والعنف على العكس كانت اللوحات المرفوعة تؤكد على قيم التسامح والعيش المشترك وتفرق بين الاسلام والارهاب فى مشهد شديد الرقى والتحضر مشهد تسيطر عليه المشاعر الصادقة النبيلة , مشهد يعكس مدى عظمة هذا الشعب الذى يسير على خطى فلاسفة التنوير امثال روسو و فولتير ومونتسكيو..
الشعب الذى يردد مقولة فولتير قد اختلف معك فى الرأى ولكنى على استعداد ان اضحى بحياتى فى سبيل ان تقول رأيك المخالف .. بدلا من ترديد ايات الكراهية واحاديث العنف والقتل للمرتد والمعارض ..
رغم احساسى بالحماس لوجودي فى وسط شعب تجرى فى عروقة دماء الحرية إلا اننى كنت فى قمة الحزن والأسى على حالنا فقد تصادف هذا اليوم العظيم لدعم حرية الرأى و التفكير مع جلد رائف بدوى الشاب السعودى العشرينى والاب لابناء سيفخرون به يوما ما , لانه رفض ان يعيش كمسخ مسلوب الحرية ينطق لسانه بما لا يجول فى خاطره قرر ان يعيش هو ذاته تتناسق افكاره مع اقواله قرر ان يخرج عن القطيع و يؤسس الشبكة الليبرالية السعودية ويطالب بإلغاء الارهاب الذى يمارس على الناس ويقمع حرياتهم ويهين كرامتهم وانسانيتهم بإسم هيئة الامر بالمنكر والنهى عن المعروف , قرر ان يعبر عن كراهيته للظلم والقمع والكهنوت الدينى فكان مصيره الحبس عشر سنوات و الجلد 1000 جلده ليكون عبره لكل سعودى قرر ان يفتح ابواب الحرية لعقله !!!
لم نرى مليونية و لا حتى مئوية للدفاع عن رائف بدوى لم يغير احد صورته فى الفيس بوك تعبيرا عن دعمهم لرائف بدوى لم نرى صفحات تقول كلنا رائف بدوى ومن هنا يتضح لك الفرق الشاسع بين الشعوب الحره المتحضرة التى تربت على افكار فلاسفة التنوير وبين الشعوب الميتة التى تربت على القهر والخوف والدروشة والكهانة..
الفرق بين شعوب ترفع قيمة الانسان وقيمة عقلة وبين شعوب اخرى تدوس على الانسان وتسفك دمه وتكبل عقله بإسم الله وبإسم الدين وبإسم النبى وبإسم رجال الدين وبإسم الحاكم وبإسم الثوابت وبإسم الغيرة على الاسلام !!
كان ايضا من الاشياء الصادمه والمخزية التى زادت من امتعاضى واشمئزازى هو صدمتى عندما اقارن بين الملايين فى فرنسا التي خرجت رافعة لافتت تفرق بين الاسلام والارهاب , وتدعو للمحبة والسلام والعيش المشترك وبين ملايين اخرى من العالم العربى تتداول كلمات الشماته والحقد والكراهية والتشفى والغل والتشكيك فى الحدث !!
من هنا نستطيع طرح السؤال الذى لم يكف الناس عن ترديده هل حرية التعبير تشمل اهانة الاديان والسخرية من الرموز الدينية والمقدسات ؟؟
نعم يا عزيزى حرية التعبير تشمل حق تناول كافة الافكار والايدولوجيات والشخصيات العامة بالنقد والسخرية , والاديان افكار عامة لا هى ملكك ولا هى ملك شخص معين ولا فئة من الناس ولكنها مشاع للجميع وكذلك رموزها ومع ذلك فحرية التعبير ليست مطلقة ولكن وضعت ضوابط لها مثل تجريم الحض على العنصرية والطائفية والعنف ضد الاشخاص والمجموعات اى ضد اتباع الدين لان مثل هذه السلوكيات تصيب الانسان و لا مقدس سوى الانسان ...
تأكد انك كلما وضعت امام العقل والتفكير خطوط حمراء لا يجوز الاقتراب منها باسم المقدسات فانت ترتد من الانسانية الى الهمجية ..
الجريمة الكبرى هى ان تعتقد بما يخالف عقلك فالذين يجعلونك تعتقد بما هو مخالف للعقل، قادرون على جعلك ترتكب الفظائع
لقد خرجت فرنسا وكل دول العالم الحر من صمتها لتدعم حرية الرأى والتفكير وبعدما كانت جريدة شارلى مديونة لا تستطيع ان تدفع تمن ايجار الشهر
منحتها الدولة دعم بمليون يورو وفتح صندوق تبرعات لها لدعمها بالملايين و اصبحت النسخ القديمة والتى تتناول قصة حياة محمد بعد ما كانت قيمة النسخة 2 يورو تباع فى المزاد بألف والفين يورو
وبعدما كان اقصى عدد توزيع للمجلة 20 الف نسخه سوف تصدر غدا 4 مليون نسخة فى عدد خاص يجمع كل الرسوم التى كانت سبب فى مقتل وارهاب الابرياء
بعدما كان هناك شارلى واحد اصبح هناك مئات الملايين حول العالم كلهم شارلى
وهكذا لا يزيد الارهاب العالم المتحضر الحر سوى مزيد من القوة و الدعم للحرية
بينما يقبع رائف بدوى بعد جلده الف جلده واهانته فى ميدان عام يدفع ثمن حريته وشجاعته وحيدا فى زنزانته لعشر سنوات قادمة ...
اختار ان يكون حبيس الجسد ولكنه حر العقل والتفكير...
اختار ان يكون انسان وراء القضبان على ان يكون فردا فى قطيع النعاج ...
فكم منكم رائف بدوى ؟؟؟؟
#رشا_ممتاز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟