أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محسن حنيص - عرس عماد مياسة















المزيد.....

عرس عماد مياسة


محسن حنيص
(Mohsin Shawkat)


الحوار المتمدن-العدد: 4685 - 2015 / 1 / 8 - 01:06
المحور: الادب والفن
    



عرس عماد مياسة
..
ولد عماد مياسة وهو يحمل حاسة شم قوية جدا من النادر ان تخونه . يمكنه وهو معصوب العينين ان يميز ان كان امامه أنسان أم حيوان , , قشرة بصل ام باذنجان , عمود خشب ام حديد . وقبل ان يبلغ الخامسة عشر ظهر في برنامج مسابقات تلفزيوني يقدمه الفنان ( سامي قفطان ) . عصبت عينا عماد مياسة ووضع أمامه عشرة أشخاص ليحدد بأنفه طبيعة عملهم . واستطاع في نفس البرنامج التعرف على محتويات عشرة اطباق من الطعام دون ان يتذوقها . كان وجهه مغطى تماما بفوطة سوداء ولم وترك له سوى ثقب صغير يخرج منه منخريه . و ما ان انهى دراسته الاعدادية حتى وجد له خاله (مياس ) وهو شرطي سابق في مديرية الأمن ميدانا خصبا للأستفادة من حاسته الخارقة حيث قاده من يده و قدم اوراقه الى كلية الامن القومي في منطقة الفحامة . وفي الاختبار العملي استطاع عماد ان يهزم خمسة كلاب بوليسية ويتعرف على القاتل بعد عجز هذه الحيوانات المدربة . فقبل في الأمن القومي على الفور .
خلال ثلاث سنوات من الدراسة التطبيقية في المعتقلات وزنزانات التعذيب في الامن العامة والشعبة الخامسة للأستخبارات تم تدريب انفه بحيث يكون قادرا على شم المعارضين السياسيين للسلطة والتعرف عليهم بمجرد الاقتراب منهم . بل وشم جميع الاماكن المحتملة التي يلتقون فيها من مقاه وحانات وجوامع او اوكار سرية مخترقة ويتعرف على رائحة الكتب التي يتداولوها . وحين تخرج برتبة ملازم في مديرية الامن العامة كلف بتشكيل شبكة من الوكلاء والجواسيس في مدينة الثورة . وضع خارطة دقيقة لجميع الأماكن التي تخرج منها الروائح الممنوعة .
لا نعرف المصير الذي آل اليه عماد مياسة بعد 2003 لكننا نعرف عن كثب فترته الذهبية . الانجازات التي حققها انفه و فترة صعوده و يوم عرسه .
كانت مسيرة عماد مياسة حافلة بالأنجاز ومليئة بالضحايا . لا يمكن ان نتحدث عن جميع الضحايا لأننا نحتاج الى مجلد كامل لكننا سنكتفي بنماذج مبتسرة من قطاع 20 الذي خرج منه هذا الأنف الأسطوري .
بدأ باقرب الجيران . وهذا أمر طبيعي لأن حاسة الشم هنا تكون اقوى ما يمكن . اثناء مروره شم رائحة كتاب (فلسفتنا) لمحمد باقر الصدر بين الكتب المدرسية التي يحملها (علي ابن حجي حسن) ممزوجة برائحة الحسينية ( الشوشترية ) في مدينة النجف . عرف منها ان علي يتصل دوريا بالفيلسوف والفقيه (المخترق أمنيا و المراقب لحظيا ) وربما يكون وكيله في قطاع 20 . اكتشف ان ( زينب) اخت علي هي الاخرى تخفي كتبا ممنوعة تحت عباءتها . كان أنف عماد لايخطئ أبدا . لم يمض سوى شهرين على هذه (الشمة) حتى اختفى علي واخته والأخ الأصغر قاسم .
كان شم الشيوعيين اسهل بكثير من غيرهم بسبب رائحتهم النفاذة . كان بيت (سالم مهاوي) الطالب في كلية الطب في البصرة على بعد عشرين مترا . فكان مجرد ان يزيح عماد فراش النوم و يخرج أنفه كافيا لمعرفة مايجري في البيت المقابل . ويعرف من يدخل ومن يخرج . استطاع ان يشم ( سعدون عباس الحريشاوي ) زميل سالم في كلية الطب . وحين أرسلت دائرة أمن البصرة الى بغداد أستفسارا عن الطالبين المعتقلين لديها , انتقل الاستفسار من يد الى أخرى حتى وصل الى يد عماد مياسة فكتب تقريرا وافيا عنهما عجل في سقيهم عصير البرتقال ممزوجا بسم الثاليوم .
كان بأمكان عماد مياسة تمييز الماوي من غير الماوي والتروتسكي عن الستاليني وجماعة اللجنة المركزية عن القيادة المركزية ( الكفاح المسلح ) . وهو يستطيع تمييز رائحة صحيفة (طريق الشعب ) على بعد 200 متر . وكان بمجرد الوقوف امام الدار يمكنه من معرفة أذا كان البيت يحوي (رأس المال ) لماركس , او (ضد دوهرنغ) لأنجلز , او ( ما العمل ؟) لفلاديمير لينين . او حتى مؤلفات لودفيغ فيورباخ رغم نقده اللاذع لهيغل .
وحين بدأت موجة الكتابات المعارضة على الحيطان وازدحمت جدران المدارس والمنظمات الحزبية بشعار ( الموت لصدام ) كان عماد مياسة هو بطل أخماد هذه الفورة . طلب من مدير الأمن العام الدكتور (فاضل البراك ) مهلة شهرين ليضع بين يديه جميع الاصابع المتورطة . كان يمرر انفه على تلك الكتابات فيعرف على الفور اسماء مرتكبيها . بدأ عماد عمليات الملاحقة واستطاع ان يرسل الى زنازين مديرية الامن قوافل من الشبان المتورطين لا يسعنا ذكر أسمائهم جميعا . زج بالعشرات واختفت آثارهم لكنه استطاع ان يفي بوعده الى مدير الأمن العام .
بعد سنوات طويلة رحنا نعد الذين كانت لنا صلة مباشرة بهم , ممن شمهم عماد بقوة فأخرجهم من عالم الدنيا قبل الأوان , واغلبهم كانوا روادا للباص الخشبية ويسكرون معنا دوريا :
((, بيت فليح الساعدي , بيت مناتي , محمد منشد , وليد جاسم مهدي , بيت شرجي , علي اخو سعدية , حمزة حسين , قادر الفقير , علي وزينب وقاسم من عائلة حجي حسن , محمد عبد الواحد كويش , عبد عداي , حسن ابن نعناعة , كامل كريم , عبدعلي حسين , سالم مهاوي , سعدون عباس الحريشاوي , سعد ابو شيبة , رعد شوحي , صبري ابو صابرين )).
بعد ان جلس على تل من الضحايا . قرر عماد مياسة ان يتزوج . زوجته امه واحدة من بنات اخيها مياس . طبع بطاقات لجميع بيوت الحي , لم يستثني أحدا حتى بيوت ضحاياه . ونشر الف وخمسمئة كرسي , وجلب فرقتين للغجر وثلاثة مطربين من الاذاعة والتلفزيون مع عريف حفل يعمل في الاعلام .
في يوم العرس بقيت الكراسي فارغة , لم يرقص احد . فقد حدثت مقاطعة جماعية لكنها غير معلنة . كان هناك تنسيق ضمني باختراع كم من الاعذار المختلفة و تقديمها على دفعات الى مياسة . فقد هرب اقرب الجيران بحجة موت اقاربهم او زيارة مرضاهم . واخترع سيد عاتي ( عبر مكبر الصوت في الحسينية) وفاة مفاجئة لأحدى بنات الحسن يتطلب زيارة الكوفة والمبيت فيها ليليتين . وادعى جميع الموظفين في الدولة ان لديهم خفارة . اما الطلبة والعاطلين فقد تطوعوا في حملات العمل الشعبي لبناء مجمع 7 نيسان قرب البلديات . ولكي لا تجبر الفتيات على الزغاريد او الرقص فقد تحججن بأضطراب العادة الشهرية . وشرب (نجم ابو ليلى) ليتر ونصف من الخمر (العرق) ليبيت في الحانة فلا يضطر للمشاركة في الزفة . ورتب (هاني حسن الرماحي ) مسؤول الفريق الكروي مباراة فجائية مع شباب المعقل في البصرة في نفس يوم العرس .
خلال يومين فرغ الحي بالكامل ولم يحضر العرس سوى زملاء عماد مياسة في مديرية الأمن الذين ظلوا ينتظرون ان يهتز جبل حصاروست ويرقص لكي يرقصوا بعده . . كانوا جالسين ببدلاتهم الرصاصية وشواربهم التي تحاكي (۸-;- شباط ) وأطراف المسدسات التي تبرز من تحت الأبط . أما أكتافهم فكانت اكثر رصانة وصلابة من أعمدة قلعة القشلة . صافحوا زميلهم وقدموا له هداياهم المالية ( النقوط ) في ظروف ورقية مغلقة وغادروا الحفل دون ان تهتز لهم شعرة واحدة . وفيما عدا اطلاق العيارات النارية فان العرس لم يشهد شيئا جديرا بالذكر . انفض العرس وعاد الغجر والموسيقيون الى بيوتهم . بقي عماد لوحده مع الف وخمسمئة كرسي فارغ ينتظر من يزفه .
في اعراس مدينة الثورة هناك عقيدة راسخة هي ان فض البكارة لا تتم الا اذا تم بعص العريس ( وضع الاصبع الوسطى في الدبر ) قبل دخوله على عروسه ( الزفة ) . ويقوم بذلك عادة شباب الحي والأصدقاء المقربون . وكلما كانت عدد (البعابيص ) والاصابع اكثر كلما كان الوقت اللازم لفض البكارة أقصر .
تلفت يمينا ويسارا فلم يجد أحدا . الوقت يمضي ولا أحد يدخل الزقاق ولا يخرج منه . دخل العرس وانواره في سكون مطبق . كان بحاجة ماسة لمن يبعصه كي ينتهي من هذا اليوم ويرتاح . بدأ الخوف يتسلل اليه وخشي ان يصاب بأنتكاسة اذا دخل دون زفة وأصابع تدور في دبره . نادى في داخله :
( الا يوجد حتى اصبع واحد يبعصني ؟ ) .
لم يكن هناك أي صدى لندائه . طاف على البيوت واحدا واحدا , وضع أنفه على الابواب والشبابيك . شم رائحة البيوت فوجدها خالية من أي أثر للبشر . رأته امه مياسة حائرا يفرك بأنفه فسألته :
((ماذا يقول لك أنفك يا ولدي ؟ ))
أجاب : (( أشم رائحة مؤامرة يا أمي )) .
ثم سألها عن خاله ( مياس ) فقالت لقد ذهب مبكرا يا ولدي , لم يعد خالك فقط بل والد عروستك و العرف لا يسمح له بالبقاء في الزفة ولا حتى بالبعص .
سألها : ((ماذا نفعل يا أمي ؟ )) .
أجابت : (( لم يبق يا ولدي سوى ان تتوكل على الله و تمد اصبعك الى دبرك ))
.....
محسن حنيص
هولندا



#محسن_حنيص (هاشتاغ)       Mohsin_Shawkat#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خمسة أعراس لم يرقص بها أحد
- باص ابو راضي - نص مفتوح جدا -
- وأيده بجنود لن تروها


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محسن حنيص - عرس عماد مياسة