أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - سمير زين العابدين على - شهادات استثمار قناة السويس في إطار مدرسة الكنزيين الجدد















المزيد.....


شهادات استثمار قناة السويس في إطار مدرسة الكنزيين الجدد


سمير زين العابدين على

الحوار المتمدن-العدد: 4670 - 2014 / 12 / 23 - 12:45
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


أثار موضوع شهادات استثمار مشروع تنمية قناة السويس والتي استمرت لعدة أيام خلال شهر سبتمبر الماضي العديد من التساؤلات حول ما يمكن أن تؤديه هذه الشهادات من امتصاص فائض السيولة من السوق المصرية ، ومن ثم تراجع معدلات التضخم تدريجيا. حيث تشير البيانات إلى أن المعروض النقدي قد انخفض من مستوى 437 مليار جنيه في أغسطس 2014 – أي قبل بدء عمليات الاكتتاب – إلى 382 مليار جنيه في سبتمبر 2014 أي بعد انتهاء عمليات الاكتتاب في هذه الشهادات ، وتشير التقديرات إلى انخفاض النقد المتداول خارج الجهاز المصرفي من نحو 290 مليار جنيه في أغسطس 2014 إلى نحو 260 مليار جنيه في سبتمبر من نفس العام بفعل تحول جزء من السيولة من جيوب الأفراد وخزائن المؤسسات إلى الاكتتاب في شهادات استثمار المشروع ---;--- وانخفاض الودائع الجارية بالعملة المحلية من 146 مليار جنيه في أغسطس 2014 إلى 113 مليار جنيه فقط في سبتمبر 2014 بفعل تحول جزء من ودائع الأفراد والمؤسسات إلى الاكتتاب في هذه الشهادات.

وفيما يتعلق بالآثار المتوقعة لهذه الشهادات على معدلات التضخم وحالة الكساد في الأسواق ، فقد انقسمت الآراء إلى فريقين الأول يرى أن هذه الشهادات - والتي سحبت نحو 64 مليار جنيه من السيولة المحلية- سوف يكون لها أثار ايجابية تتمثل في انخفاض معدل التضخم في السوق المصرية خلال الأجل القصير . حيث تشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى أن معدل التضخم انخفض من 11.4 % خلال شهر أغسطس 2014 إلى 11.1 % خلال شهر سبتمبر من نفس العام ، قبل أن يرتفع إلى 11.5 % خلال شهر أكتوبر 2014 ، ثم عاود الانخفاض إلى 8.5% خلال شهر نوفمبر 2014 ، ويتوقع استمرار تراجعه خلال ديسمبر الجاري 2014.على حين يرى الرأي الآخر أن هذه الشهادات لن تؤثر على معدلات التضخم بالانخفاض، بل سيظل المستوى العام للأسعار كما هو بفعل ما يطلقون عليه سريان فكر المدرسة الكينزية الجديدة. فأي من رأى الفريقين يمكن أن يسود؟

المشاهد للواقع المصري يدرك للوهلة الأولى أن معدل التضخم لم يتأثر كثيرا خلال فترة الشهور اللاحقة لغلق باب الاكتتاب في هذه الشهادات ---;--- وهى الفترة من سبتمبر حتى ديسمبر 2014 ، رغم التراجعات المحدودة له. فهل يمكن الاعتماد على فكر الكينزيون الجدد في تفسير هذه الظاهرة ؟ أي لماذا لم يؤدى الاكتتاب في شهادات استثمار مشروع تنمية قناة السويس إلى تراجع معدلات التضخم في السوق المصرية بفعل تراجع المعروض النقدي المرتبط بسحب 64 مليار جنيه مصري من القطاع العائلي وقطاع الإعمال ؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه خلال السطور التالية والتي تتلخص في تناول موضوع شهادات استثمار مشروع تنمية قناة السويس وربط آثارها بفكر الكينزيين الجد.

شهادات استثمار مشروع تنمية قناة السويس وخفض معدلات التضخم
لدراسة التأثير المتوقع للاكتتاب في شهادات استثمار مشروع تنمية قناة السويس ، يستلزم الأمر النظر إلى معادلة الطلب الكلى وهى : الطلب الكلى = الإنفاق الاستهلاكي + الإنفاق الاستثماري + الإنفاق الحكومي + صافى الصادرات( الصادرات – الواردات)
أو بعبارة أخرى يتكون الطلب الكلى من طلب القطاع العائلي ، وطلب قطاع الأعمال ، وطلب القطاع الحكومي ، والطلب الخارجي. وفى ضوء المعادلة السابقة ، يمكن استنتاج التوقعات الآتية:
-;---;-----;--- سيكون هناك تحول بمقدار 64 مليار جنيه حسب المخطط لتمويل المشروع من بند الإنفاق الاستهلاكي للأفراد ، والإنفاق الاستثماري للمؤسسات إلى بند الإنفاق الحكومي.
-;---;-----;--- من المتوقع أن يؤدى انخفاض ما في حوزة الأفراد من نقود سواء نتيجة سحبها من النقد المتداول خارج الجهاز المصرفي أو من ودائع الأفراد بالبنوك ، وما في حوزة المؤسسات إلى انخفاض الطلب على السلع والخدمات في السوق المصرية ، الأمر الذي يدفع معدلات التضخم للانخفاض ، ولكن لابد من مراعاة بعض الملاحظات وهى :
- إن مبلغ 64 مليار جنيه التي تم تحويلها من بندى الإنفاق الاستهلاكي والإنفاق الاستثماري إلى بند الإنفاق الحكومي سوف يتجه لتمويل أعمال البنية الأساسية لمشروع تنمية قناة السويس - أو لبند الواردات من السلع الرأسمالية والوسيطة اللازمة لإتمام عمليات الحفر والإنشاءات المصاحبة لها ، بما يعنى أن هذا المبلغ لن يعاد ضخه في السوق المصرية في الأجل القصير، بل سيقتصر على تمويل استثمار حكومي ثابت في الحفر والمعدات ، واستيراد معدات وآلات قد يحتاجها المشروع بالإضافة إلى جزء بسيط سيعود إلى جيوب الأفراد في شكل عوائد ربع سنوية تقدر بنحو 1.92 مليار جنيه كل ثلاث شهور ، ونحو 45 مليون جنيه شهريا تمثل مرتبات نحو 15 ألف عامل يتم توظيفهم في المشروع ، على اعتبار متوسط راتب شهري 3000 جنيه وفقا لتصريحات بعض مسئولي تنفيذ المشروع.
- إن معدل التضخم سينخفض خلال الأجل القصير ( الثلاث شهور الأولى ) ثم يبدأ في الارتفاع تدريجيا بمعدل طفيف.
- لن يتأثر المستوى التوازني للدخل القومي حيث أن سحب 64 مليار جنيه من القطاع العائلي وقطاع الأعمال سيعوضه زيادة الإنفاق الحكومي بنفس المقدار ، ولكن هذا الإنفاق سيمثل إنفاق استثماري حكومي ثابت في أعمال بنية أساسية وبذلك سيكون المستوى التوازني للدخل القومي دون تغيير مع تراجع المستوى العام للأسعار.
- مع سيادة فكرة المضاعف ، فإن تراجع الإنفاق الاستهلاكي للقطاع العائلي ، والإنفاق الاستثماري لقطاع الأعمال والمصحوب بتراجع المستوى العام للأسعار قد يحدث فجوة ركودية مدعومة بتراجع طفيف في الإنفاق الاستثماري لقطاع الأعمال.

ولكن هل فعلا تراجعت معدلات التضخم ؟ ، يشير الواقع الفعلي أن المستوى العام للأسعار في مصر لم يشهد التراجع المأمول خلال الفترة التي تلت غلق باب الاكتتاب ، فهل تفسر مدرسة فكر الكينزيين الجدد لماذا حدث هذا ؟ هذا ما ينقلنا على النقطة الثانية وهى تناول فكر الكنيزيين الجدد، وتقييم الأفكار الرئيسية لهذه المدرسة ومدى ملائمتها لتفسير الظواهر الاقتصادية في وقتنا الحالي.

مدرسة الكينزيين الجدد :
ظهر مصطلح الكينزيين الجدد على يد Pakin و Bade عام 1982 فى كتابهم " On Modern Macroeconomics ، وقد ظهر هذا الخط من الفكر في السبعينيات .إن جوهر فكر المدرسة الكينزية الجديدة هي غياب التكيف المستمر الذى يقوم به السوق ، بعكس ما افترضه الكلاسيك من استمرار التكيف التلقائى لمتغيرات الاسعار والكميات والاجور التى يقوم بها السوق دون تدخل . وإسقاطا على هذه الحالة ، لن تؤدى صدمة الطلب أي تراجع الطلب الاستهلاكي والاستثماري المرتبط بامتصاص جزء من سيولة السوق في شهادات استثمار قناة السويس إلى قيام السوق بعملية تكييف تلقائي من خلال تراجع معدلات الأسعار ومستويات التوظف. وبذلك يعتمد أنصار هذه المدرسة على جمود الأجور والأسعار رغم التراجع المتوقع للطلب ، بسبب المنافسة غير الكاملة في أسواق العمل وأسواق السلع ، و قوة النقابات العمالية ، وأن جمود الأجور والأسعار هو العنصر الحاكم فى تفسير التقلبات التى تحدثها صدمات الطلب الكلى والعرض الكلى على مستوى التوظف والإنتاج. وقد ميزت المدرسة بين نوعين من الجمود :
-;---;-الجمود الأسمى : يحدث لو عامل ما قد منع مستوى السعر الاسمي من إجراء التصحيح المطلوب بما يحاكى تماما الاختلال في الطلب الاسمي.
-;-- الجمود الحقيقي : ويحدث لو أن عامل ما منع الأجور الحقيقية من إجراء التصحيح ، أو لو كان هناك جمود في احد الأجور بالنسبة إلى آخر ، أو في احد الأسعار مقارنة بالأخر. يبدو أن الكينزيين الجدد يرون أن كلا من الجمود الاسمى والجمود الحقيقى يدعم كلاهما الاخر.
وقد فرقت المدرسة بين نوعين من الأسواق
-;---;- أسواق تتصف بجمود الأسعار Fix Price Markets وهى في الغالب أسواق العمل ، وأجزاء كثيرة من أسواق السلع . القاعدة أن الأسعار محددة وان الأسعار والأجور تتصف بالقصور الذاتي والجمود.
-;---;- أسواق تتصف بمرونة الأسعار Flex Price Market وهى في الغالب الأسواق المالية وبعض أسواق السلع .
ولكن ، لما تتصف الأسعار والأجور بالجمود ؟ يرى أصحاب المدرسة الكينزية الجديدة أن لذلك عدة أسباب هي :
أ‌- المنشاة الفردية تعمل في ظل سوق المنافسة غير الكاملة Imperfect Competition
ب‌- فشل التنسيق Coordination Failure بين المنشآت الفردية بما يكفل أعادة التوازن.
ت‌- سيادة ظاهرة المعلومات اللامتجانسة Asymmetric Information
و يقر الكينزيون الجدد بأن فشل التنسيق Coordination Failure بين المنشأت لتخفيض السعر وزيادة الانتاج سمة تكرس من هذا الوضع حيث لا تستطيع المنشات تحسين وضع رفاه المجتمع بسبب فشل التنسيق الناتج عن المعلومات غير المتجانسة حيث لا تدرك أى منشاة فردية سلوك المنشآت الاخرى ، كما تخشى كل منشأة اجراء تخفيض فى السعر ( لأن تكاليف الانتاج لن تقل بسبب جمود الأجور) قد يترتب عليه ارتفاع التكلفة مما قد يضطرها لتخفيض اجور العمالة لديها وهو ما قد يترتب عليه تحول عمالتها الى المنشات الاخرى ، كما تخشى كل منشاة من اجراء تخفيض سعرى قد يفسر من قبل المشترين بأنه انخفاض فى جودة منتجاتها مقارنة بمنتجات المنشات الأخرى.
وبذلك فإن فشل التنسيق يعنى سيادة وضع سيئ للجميع نتيجة عدم وجود حوافز خاصة للمنشأت لاختيار استراتيجية مشتركة قد تؤدى الى نتائح افضل . وفى نظام اقتصادى لا مركزى مثل اقتصاد السوق الحرة ، ليس هناك حافز خاص لمنشأة فردية فى ان تخفض الاسعار وزيادة الانتاج مع افتراضها لسلبية استجابة المنشأت الاخرى . ولأن الاستيراتيجية المثالية لمنشأة ما تعتمد على الاستراتيجيات المتنبناه من قبل المنشآت الاخرى فإن المنشأت كلها قد تكسب لو خفضت السعر وزودت الانتاج ولكن هذا لن يحدث بسبب فشل التنسيق.

ولكن لماذا ترفض المنشاة تخفيض مستوى السعر وتخفيض مستوى الاجر ، أى لماذا جمود الاجور والاسعار ؟
أسباب جمود الأجور
أ-نماذج العقود الضمنية
يكمن مضمون هذه النظريات فى ان المنشأت تسعى للاحتفاظ بولاء القوى العاملة لديها ، فتجد أنه من الضروري الدخول في عقود تفاهم ضمنى غير مكتوب مع عمالها ، وتقدم هذه العقود غير المرئية Invisible Handshake الامان لكل عامل فيما يتعلق ببنود علاقة العمل مع المنشأة تحت ظروف عمل متنوعة.
ب-نماذج أجر الكفاءة
تفسر نظرية اجر الكفاءة ان المنشأة لا ترغب فى تخفيض مستوى الاجر المدفوع لان انتاجية ( الجهد او الكفاءة ) عنصر العمل ليست مستقلة عن مستوى الاجر الذى يتقاضاه. ان نظرية اجر الكفاءة التى وصفها Gordon عام 1990 واسس هيكلها Solow عام 1979 ، حيث قدم Solow نماذج اجر الكفاءة وفى نموذجه يرى ان جمود الاجر Wage Stickiness يهم الطرف القائم بالتوظف أو المنشأة لان خفض الاجور قد يخفض الانتاجية مما يرفع التكاليف ومن ثم يخفض ارباح المنشأة . وبالتالى فالمنشأة التى تعمل فى ظل المنافسة الاحتكارية وتسعى لتدنية التكاليف تسعى للحفاظ على مستوى ثابت للاجور.

ج-نموذج الاختيار العكسي The adverse selection model
يقوم هذه النموذج على فكرة أن المنشأت تعرض اجورا مرتفعة لاجتذاب افضل الكفاءات ، ونظرا لان سوق العمل ملئ بالافراد ذات الاختلافات والتباينات فى القدرات والمهارات والخبرات فان المنشأة ليس لديها معلومات كافية عن خصائص وقدرات كل متقدم بسبب المعلومات غير المتماثلة Asymmetric Information ( وتظهر نتيجة أن احد أطراف المعاملة يتوافر لديه معلومات أكثر مما تتوافر لدى الطرف الاخر ) . وبسبب عدم تجانس المعلومات فان الافراد يكون لديهم معلومات افضل عن قدراتهم وخبراتهم وامكانياتهم الذهنية والبدنية على حين لا تعرف المنشاة بدقة هذه المعلومات، فتخشى من توظيف عمالة قد تكتشف فيما بعد انها غير مؤهلة للقيام بمهام الاعمال مما يضطرها إما لفصل هذه العمالة أو للانفاق على برامج تدريبية وتعليمية لرفع مهاراتهم .
ونظرا لارتفاع تكاليف التوظيف والفصل التى تواجهها لمنشأة فضلا عن ارتفاع تكاليف التدريب والتعليم ، وتكاليف مراقبة ومتابعة أداء العمال ، تحاول المنشاة تجنب هذه التكاليف ( تجنب الاختيار العكسى ) من خلال عرض مستوى أجور أعلى من اجر الحجز الذى يقبله العامل Reservation Wage مما يجذب اكثر الافراد كفاءة ، وأى متقدم للوظيفة يقبل مستوى اجر أقل من ذلك ينظر اليه على انه متقدم غير كفء A potential lemon . وتتردد المنشأة فى عرض اجور اقل حتى لو واجهت بفائض عرض لانه لو اقدمت على ذلك قد تدفع العمالة الماهرة لديها بترك المنشأة والبحث عن منشأت اخرى.

د-نموذج تحول العمالة The labor turnover model
من الأسباب التي تدعو المنشات لعرض اجر الكفاءة يما يفوق مستوى الاجر اللازم لتصفية السوق أو أجر التوازن أو اجر الحجز هى خفض التكاليف المرتبطة بتحول العمالة من العمل بالمنشأة الى اللجوء الى منشأة اخرى . وتكمن فكرة النموذج فى أن رغبة العامل فى ترك العمل ستنخفض بدرجة كبيرة لو الشركة دفعت له أجرا أعلى من مستوى الأجر السائد فى السوق ، ولان معدلات ترك العمل هى دالة متناقصة فى الاجور الحقيقية quitting rates is a decreasing ---function--- of the real wage ، فيكون لدى المنشأة حافز لدفع اجر الكفاءة لخفض تكاليف تحول العمالة ومن ثم يكون هناك بطالة اجبارية لان كل المنشأة تسعى لرفع مستوى الاجر لردع العمال عن ترك العمل .
ه-نموذج التنصل The shirking model
فى معظم الاحوال تكون عقود العمل غير كاملة بما يسمح للعمال بالمقارنة بين جهدهم المبذول ومستوى الاجر الذى يتقاضونه . ولان عقود العمل لا يمكن ان تحدد كل العوامل المرتبطة باداء العمال لمهامهم وواجباتهم ( فعلى سبيل المثال، يصعب وضع نص فى عقود العمل تلزم العامل بأداء واجبه على أكمل وجه ) ، فدائما ما يقارن العامل بين جهده وما يتقاضاه من اجر ومن هنا تظهر ما يعرف بحرية العامل فـى اختيار جهده المبذول Effort Discretion . ونظرا لارتفاع التكاليف التى تتحملها المنشأة لجمع المعومات المتعلقة بانتاجية العامل ، والرقابة والملاحظة المستمرة لأدائهم خاصة اذا كان نشاط الشركة يعتمد على ادارة العمل الجماعى ، فإن دفع معدل أجر أعلى من اجر التوازن يعمل كحافز يردع العامل عن التنصل من اداء المهام والواجبات. ومما يزيد من هذه المشكلة وجود المعلومات غير المتماثلة حيث يدرك العمال جيدا قدراتهم وكم الجهد القادرين على بذله عند كل مستوى من مستويات الانتاج ، على حين لا يتوافر للمنشأة هذه المعلومات ، ويؤدى ذلك الى ما يعرف بمشكلة الوكيل الرئيسى A" principal agent" problem وهى علاقة وكالة تتطور عندما يكون هناك علاقة بين الفاعلين الاقتصاديين بحيث ان رفاه احد الاطراف تعتمد على تصرفات الطرف الاخر اى عندما يكون رفاه الوكيل الرئيسى the principal أى صاحب المنشأة هنا تتأثر باعمال أو تكاسل الطرف الاخر ( العمال والادارة ) . ولتجنب مشكلة التنصل يكون الحل هو قيام المنشأة بدفع اجر الكفاءة .
و-نموذج العدالة The fairness model
تؤثر مستويات الاجور غير العادلة ، وكذلك تخفيض معدلات الاجور على الروح المعنوية لقوى العمل ، وتؤكد النماذج السوسيولوجية على مثل هذه العوامل كأهمية تناسب الأجور ، الولاء والانتماء ، الثقة والعدالة . وتؤكد هذه النماذج على ان شعور المنشأة بأهمية العدالة والمساواة تعمل كرادع للمنشأت يمنعها من عرض مستويات متدنية جدا من الاجور فى سوق العمل وتسخدم هذه النماذج لتفسير وجود البطالة طويلة الاجل .
ن-نماذج العاملين والدخلاء Insider-outsiders models
يقوم هذا النموذج على تفسير لماذا لا يقوم العاطلون بعرض مستوى أجر أقل لدخول سوق العمل بما يسمح بانخفاض مستويات الاجور وتزايد التوظف . ويبدو ان ذلك هو الوصية الحادية عشر eleventh commandment حيث لا يسمح المشتغلون للعاطلين بسرقة وظائفهم . ويحاول هذا النموذج تفسير لماذا يدوم جمود الاجور فى وجود البطالة الاجبارية . ففى هذا النموذج يمثل شاغلو الوظائف دور الداخلين The Insiders على حين يمثل العاطلون دور الخارجين The Outsiders . وعلى حين – وكما رأينا فى نموذج اجر الكفاءة – كانت المنشاة هى التى تقرر ان تدفع مستوى مرتفع من الاجور أعلى من مستوى أجر تصفية السوق أو أعلى من مستوى الاجر التوازنى ، ففى نموذج الداخلين والخارجين ينتقل التركيز إلى قوة الداخلين الذين يحددون – على الاقل جزئيا – قرارات التوظف وقرارات تحديد الاجور .

أسباب جمود الأسعار
أ-أسواق العملاء customer markets
من الخصائص المميزة لأسواق العملاء أنه يتميز بتكرار اقل فى البحث مقارنة بتكرار الشراء ، فمعظم المنتجات تباع من خلال عمليات الترويج والعرض ودائما ما يفتقد المشترون للمعلومات الكافية عن أقل العروض اسعارا فى الاسواق. وبسبب تكاليف البحث المرتبطة بعمليات الشراء فان البائعين يتوافر لهم بعض القوى الاحتكارية حتى فى حالة وجود عدد كبير من المنشأت العاملة فى السوق وتبيع نفس المنتجات. ونظرا لان عدد ا كبيرا من العملاء يقومون بعمليات شرائية متكررة فيكون من مصلحة اى منشاة إثناء عملائها عن البحث فى الاسوق عن فرص شرائية أفضل لدى المنشأت الاخرى ، وبذلك لا يكون للمنشأة حافز لإجراء تغييرات متكررة فى الأسعار وهو اسلوب قد يحفز العملاء على البحث عن عروض افضل لدى المنشأت الاخرى . وعلى حين أن أى زيادة فى أسعار منتجات منشأة ما يتم ملاحظتها فورا من قبل عملاء المنشأت الأخرى ، فإن أي تخفيض في أسعار منتجات هذه المنشأة قلما يلاحظ نظرا لان المعلومات المتعلقة بهذا التخفيض السعرى تستغرق وقتا حتى تصل لعملاء الشركات الاخرى . والاختلاف فى معدلات استجابة العملاء لزيادة الأسعار وانخفاضها فضلا عن رغبة المنشأة فى الاحتفاظ بعملائها التقليديين يؤدى إلى ظهور جمود فى الأسعار النسبية. وبذلك فان المنشأة لا ترغب في تغييرات الاسعار حتى لا يتجه عملائها لمنشأت اخرى ، كما أن إجراء تخفيض سعرى لن يكون مجديا لانه ياخذ وقت للوصول لعملاء المنشأت الاخرى ، كما أن زيادة السعر سيكون ملحوظ بسرعة من العملاء . وبذلك فإن الاختلاف فى معدلات استجابة العملاء لتزايد او تناقص السعر ، ورغبة الشركة فى الابقاء على عملائها التقليديين يؤدى لجمود السعر النسبى
ب- جمود الأسعار وجدول المدخلات والمخرجات
تتعقد عمليات اتخاذ القرارات فى عالم الاقتصاد الحقيقى ، فالاف المنشأت تقوم بشراء الاف من المكونات والمدخلات الانتاجية من الاف المنشأت الاخرى سواء المنشأت المحلية أو الاجنبية . وبسبب لا مركزية وتعدد العلاقات بين المنتجين والموردين ، فلن تتمكن منشأة بمفردها من اتخاذ اجراء سعرى – سواء بالزيادة او النقص- قد يؤدى الى التأثير على دورة الاعمال الكلية . لان المنشأة مرتبطة بالاف المنشأت الاخرى من خلال جدول مدخلات ومخرجات شديد التعقيد فيكون من المستحيل عليها معرفة هوية كل الوكلاء الاخرين المرتبطين معا عبر شبكة واسعة من العلاقات بين المنتجين والموردين . وبسبب هذا التعقيد فلن يكون هناك درجة من التأكد بان (الإيراد الحدي) و(التكلفة الحدية) يسيران جنبا الى جنب فى أعقاب اى صدمة طلب كلى . فليس هناك ما يضمن أن تنفض التكلفة الحدية لمنشأة فردية بالتناسب مع انخفاض الطلب الكلى على منتجاتها ، كما أن كثير من المنشأت الفردية الموردة والعاملة خارج الحدود قد لا تتعرض لنفس ظروف انخفاض الطلب الكلى التى تتعرض لها منشاة اخرى فى بلد اخر ، مما يحد من قدرتها على اجراء تخفيض فى أسعار توريداتها للمنشأة التى تعرضت لصدمة طلب كلى على منتجاتها ، لان مثل هذا التخفيض قد يؤدى الى افلاسها والنتيجة النهائية حالة من جمود السعر الحقيقى.

ج-الحكم على الجودة من خلال السعر Judging quality by price
تتردد المنشأت فى اجراء تخفيض سعرى عندما تتعرض لانخفاض فى الطلب على منتجاتها . ففى أسواق تتميز بعدم كمال المعلومات المتوافرة للعملاء حول خصائص المنتجات الأملين فى شرائها ، فقد يستخدم السعر كمؤشر للحكم على جودة المنتج . فاجراء تخفيض سعرى على منتج المنشأة يكون مصحوبا بدرجة من المخاطرة تتعلق بأن بقوم عملاء المنشأة سواء العملاء الحاليين أو العملاء المحتملين بتفسير هذا التخفيض على أنه نتيجة تدهور جودة ونوعية منتج المنشاة ، ويؤدى ذلك فى النهاية الى جمود الاسعار الحقيقية.
وفى دراسة ميدانية شملت عددا من المنشأت الفردية ، دلت النتائج عن أن اسباب جمود الاسعار يرجع الى العوامل التالية :
• فشل التنسيق – كل منشأة تنتظر الاخرى لكى تقوم بتغيير السعر
• التسعير المبنى على التكلفة والمرتبط بالابطاء
• تفضيل تغيير سمات المنتج Product Attributes بدلا من السعر
• العقود الضمنية
• العقود الاسمية الصريحة
• التصحيح السعرى المكلف – تكاليف القائمة
• تفضيل تغيير المخزون وليس السعر
• ثبات التكلفة الحدية وثبات التسعير بالهامش
• التأخيرات البيروقراطية
• الحكم على الجودة من خلال السعر
وقد استخدم الكينزيون الجدد مفهومهم عن جمود الاجور والأسعار في تفسير لماذا لا تؤدى صدمات الطلب إلى قيام السوق بإجراء تصحيح من خلال تغيرات الأجور والأسعار.

السياسات المقترحة للكينزيين الجدد Policy Implications

اقترح الكينزيون الجدد حزمة من السياسات في حالات تراجع معدلات الطلب في السوق المحلية ويروا أن كسر جمود الأجور والأسعار يستلزم إتباع السياسات التالية ---;---
- إتباع سياسة نقدية تستهدف التضخم Inflation-Targeting Monetary Policy من خلال الإعلان عن معدل تضخم مستهدف في الأجل المتوسط.
- التزام مؤسسي من المنشات باستقرار الاسعار ( 2-3% معدل تضخم مقبول) كهدف رئيسي للسياسة النقدية.
- تطبيق سياسات الحد الأدنى للأجور ، نظم تأمينات البطالة ، سياسات تدريب العمالة.
- إصلاح مؤسسي يهدف لخفض قوى الموجودين فى سوق العمل وجعل الموجودين خارج سوق العمل اكثر جذبا للقائمين بالتوظف ( اعادة تدريب العمالة العاطلة لرفع رأس مالهم البشرى وانتاجيتهم الحدية ).
- سياسات لتحسين انتقالات العمالة مثل اقامة أسواق إسكان عالية الكفاءة.
- ترتيبات مشاركة الأرباح والتي تؤدى الى تحسين مرونة الاجور بهدف تخفيف صدمات الاقتصاد الكلى.
- اعادة تصميم نظم تعويضات البطالة لتشجيع البحث عن عمل، وهذه السياسات تشمل:
- تبسيط وتخفيف تشريعات العمل لخفض تكلفة الفصل والتوظف ( او دوران العمالة)
- اصلاح العلاقات الصناعية بهدف تخفيف احتمالات الاضراب .

وفى النهاية ، لا بد من التأكيد على أن فكر الكينزيين الجدد قد لاقى رواجا لدى الدوائر الاقتصادية في الاقتصاد الرأسمالي الغربي خلال عقودا من الزمان ، ولكن هل يمكن أن ينطبق هذا الفكر على وضع الاقتصاديات النامية كالاقتصاد المصري ؟ أم أن هناك عوامل أخرى تنطبق على الاقتصاد المصري ، وكما قال أحد المسئولين إن مبلغ 64 مليار التي تم سحبها من جيوب الأفراد والمؤسسات لا يمثل سوى قطرة في بحر المليارات من الجنيهات التي يملكها المصريون ويحتفظون بها في صور قيم منقولة وغير منقولة لن تؤثر على قدرتهم الشرائية.



#سمير_زين_العابدين_على (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -انخفاض انتاجية الموظف العام- الأسباب والحلول-
- قرارات السيسى: 45 جنيه للموظف العام ، و 3360 جنيه لملاك عربا ...
- قصة الفأر الطماع
- ملخص دراسة عن القطن المصرى


المزيد.....




- كيف يسهم مشروع سد باتوكا جورج في بناء مستقبل أفضل لزامبيا وز ...
- الشيكل مستمر في التقهقر وسط التوترات الجيوسياسية
- أسعار النفط تتجه لإنهاء سلسلة خسائر استمرت أسبوعين
- -تيك توك- تفضل الإغلاق في أميركا إذا فشلت الخيارات القانونية ...
- المركزي الياباني يثبت الفائدة.. والين يواصل الهبوط
- المغرب يطرح مناقصة لبناء مزرعة رياح بقدرة 400 ميغاوات
- -BHP- للتعدين تريد شراء -أنغلو أميركان- مقابل 39 مليار دولار ...
- الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع
- مساهمو بيانات والياه سات يوافقون على الاندماج لإنشاء SPACE42 ...
- -ألفابت- تتجه لتجاوز تريليوني دولار بعد أرباح فاقت التوقعات ...


المزيد.....

- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة
- تجربة مملكة النرويج في الاصلاح النقدي وتغيير سعر الصرف ومدى ... / سناء عبد القادر مصطفى
- اقتصادات الدول العربية والعمل الاقتصادي العربي المشترك / الأستاذ الدكتور مصطفى العبد الله الكفري


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - سمير زين العابدين على - شهادات استثمار قناة السويس في إطار مدرسة الكنزيين الجدد