أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - سعدي يوسف - نقد القرود، وقرود النقد!















المزيد.....

سعدي يوسف - نقد القرود، وقرود النقد!


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 4644 - 2014 / 11 / 26 - 16:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ليس في العبارات الحادة التي كتبها الشاعر العراقي والعربي الكبير سعدي يوسف، جديدا من حيث اللغة والعبارة والكلمات والتوجيه والتوجه. بمعنى أنها موجودة في قاموس اللغة العربية وقدرتها على "النحت" والتوليف، كما أنها موجودة في التداول العلني وغير العلني بين العراقيين (العرب) فيما يخص الأكراد و"كردستان". والشيء الوحيد الجديد فيها ضمن هذا السياق هو طباعة كلمة "قردستان" على "الورق"، التي أثارت ردود فعل مختلفة ومتناقضة، بين رافض لها وقابل، حانق ومتشفي، حزين وفرح، أي كل الأشكال المعقولة والمقبولة في حالات النزاع والخلاف. وإذا كانت حصة الرفض والحنق غالبة ومطلقة عند الأكراد، فان لها ما يفسرها سواء بمعايير الشعور القومي أو بمعايير المشاعر البشرية المميزة للأكراد في هذه المرحلة من تاريخ العراق السياسي.
وفيما لو تجاوزنا مظاهر هذه الحالة، بالدخول إلى صلب القضية، أو إلى البواعث الدفينة القائمة وراءها وأسبابها المتنوعة ومقدماتها الفعلية، فإننا سوف نقف أمام الإشكالية الجوهرية الحقيقة، ألا وهي إشكالية الوطن العراقي، والهوية العراقية، وفكرة الوطنية العراقية المختلفة والمتعارضة والمتناقضة بين العرب والأكراد في العراق، أي كل ما يؤدي إلى غاية هذا الاختلاف والتعارض والتناقض تجاه القضية القومية في العراق بشكل عام والعلاقة العربية - الكردية بشكل خاص.
لقد كان بإمكان الكثير قول هذه العبارة دون أن تثير ردود فعل. لاسيما وان المواقع الالكترونية تحتوي على ما هو أشنع منها عند العرب والأكراد تجاه احدهم الآخر. طبعا إن العرب اقل حساسية تجاه مختلف أنواع الشتيمة المبثوثة من جانب الأقليات القومية والدينية في مختلف المواقع الالكترونية، والتي يهبط اغلبها إلى مستوى يتسم بقلة الأدب والذوق، اللذين يعكسان بدورهما حالة الهوس الصغير المميز للصغار، وكذلك بسبب تشبعه بما يمكن دعوته بالبلادة التامة والغباء الغريب والجهل المعرفي والثقافي والتاريخي. وهي صفة الأقليات غير المندمجة، بالمعنى الثقافي، في كل مكان وتاريخ تجاه الأغلبية. والمقصود بذلك الأقلية التي تعيش بمعايير وقيم الانغلاق القومي أو العرقي أو الديني أو المذهبي أو الطائفي وغيره من الأشكال الأخرى. وسرّ ذلك يكمن في أن الأقلية كيان لم يكتمل. وهذه مفارقة ومأساة بقدر واحد تجعل من الهوس (القومي والديني وما شابه ذلك) "عقلا". بينما في الواقع هو مجرد نفس غضبية.
غير أن الأمر يختلف حالما تصدر هذه العبارة من شخصية بحجم ووزن سعدي يوسف. ويعود ذلك إلى سببين. الأول هو "طفح" المشاعر المعادية للأكراد في العراق، بحيث وصل إلى عقول وقلوب شخصياته المثقفة والمبدعة. والثاني هو صدورها من "الشيوعي الأخير" الذي تشبع في كل تجاربه الحياتية والشعرية بالفكرة الأممية، والتوجه الاجتماعي الديمقراطي، والنزعة والإنسانية، وعقيدة التسامح العقلاني. بعبارة أخرى، إن ما كتبه سعدي يوسف ليس شعرا ولا موقفا سياسيا، ولا نقدا قوميا، بل هو شيء اقرب ما يكون إلى ما دعته المتصوفة بالشطح. انه "شطح" المشاعر الصادقة لشاعر صدوق فيما يتعلق بفكرة النقد والبوح بما فيه كما هو.
لم يكن سعدي يوسف في يوم ما من الأيام مداحا للسلطة والأحزاب وما شابه ذلك، بل شاعر المشاعر الفردية الصادقة والمصقولة بفكرة الإنسان الحر، والمجتمع المدني، والانتماء الثقافي للكينونة العربية. وضمن هذا السياق لا معنى للهجوم عليه والمغلف بعبارات "الشوفينية" أو انعدام "الوطنية" و"الإنسانية" و"التسامح" وما شابه ذلك. فهناك فرق جوهري بين نقد القرود وقرود النقد.
بعبارة أخرى، إن نقد القرود لا ينبغي أن يكون حافرا لظهور قرود النقد، بمعنى أن نقد النزعة التقليدية والتقليد لا ينبغي أن يكون مبررا لظهور مقلدين أغبياء جدد لا يفقهون حقيقة النقد ومعناه ومغزاه وغاياته. وذلك لأن النقد اللاذع الذي كتبه سعدي يوسف لم يكن من حيث الجوهر موجها ضد الأكراد و"كردستان"، بقدر ما انه موجه ضد حالة العراق العربي، أي العراق التاريخي الثقافي الذي تمّثله ومّثله سعدي يوسف في إبداعه الشعري. تماما كما أجاب مرة أبو يزيد البسطامي عندما طرق الباب عليه رجل يستأذنه بالدخول، قائلا: "ادخل! ليس في الدار غير الله!". لقد فهمه الأغبياء على انه كفر والحاد، وذلك لأنهم فهموا من كلامه انه جعل من نفسه آلهة. بينما هو أراد القول، بأنه لا شيء في الدار غير الله، وان أبو يزيد لا يزيد عن كونه عدم الوجود المتسامي، الذي لا تفقهه قرود النقد المزيف.
فالنقد كما هو معلوم من النقد، أي من عض الدراهم من اجل معرفة ما إذا كانت ذهبا خالصا أم مزيف. لقد كان سعدي يوسف في مواقفه النقدية عضّاضا لدراهم العراق المزيفة، بينما عضه منتقدوه! وهذا فرق شاسع بين عض الأحباب وعض الكلاب. مع أن الأخيرة صادقة وفية، شأن الببغاء جميلة بترديدها للكلمات، والقرود في تقليدها البهلواني. وهي مقاربات إنسانية صرف، وذلك لأن حقيقة القرد ليست في التقليد، وحقيقة الببغاء ليست في الترديد، وحقيقة الكلاب ليست في النباح، كما أن حقيقة الإنسان ليست في البلادة والغباء بل في العقل والفكرة الإنسانية. ومن ثم لم يكن طفح المشاعر السياسية عند سعدي يوسف سوى شطح الفكرة الصادقة التي قالها قبله شاعر العراق والعرب الأكبر المتنبي:
وإنّما النّاسُ بالمُلُوكِ ومَــــا
تُفْلِحُ عُرْبٌ مُلُوكُها عَجَـــمُ
لا أدَبٌ عِندَهُمْ ولا حَسَـبٌ
ولا عُهُودٌ لهُمْ ولا ذِمَـــــمُ
إنّي وإنْ لُمْتُ حاسدِيّ فَمَا
أنْكِرُ أنّي عُقُوبَةٌ لَهُـــــــمُ
إن مهمة الشاعر الكبير أن يكون عقوبة للحالة التي تجعل كل من لا أدب عنده ولا عهد ولا ذمة "ملكا"، كما هو الحال بالنسبة للبرازانية. وهي حالة غريبة ومثيرة بقدر واحد في العراق الحديث، بمعنى صعود نجم حثالة سياسية عائلية اتسم تاريخها الذاتي بالخيانة والغدر للمصالح العراقية الكبرى، مع أنها دخيلة عليه وعائشة على أرضه، ونكرة شبه تامة بالمعنى التاريخي والثقافي. أنها "قردية" بمعنى تقليدها (للدكتاتورية الصدامية) وتقليدية من حيث بنيتها العائلية والقبلية. وفي هذا يكمن سرّ خرابها وتخريبها للعراق، الذي أصبح "الرجوع" إليه بعد عام 2003 طريقا للخروج منه بغائم المادة 140، وقبلها بسرقة كل ما كان بالإمكان سرقته في مجرى الاحتلال الأمريكي للعراق. وأخير التواطؤ مع بقايا الصدامية ودواعش الغدر لاحتلال ما يمكن احتلاله وسرقته. وهذا هو ديدن من لا يسمع ولا يرى ولا يتكلم، أي كل ما وجد تمثيله في صورة القرود الثلاثة الشهيرة، أو القرد في صوره الثلاث. والحقيقة واحدة. بمعنى أن البرزانية وأمثالها في العراق من تشيع سياسي فاسد بمعايير الرؤية الاجتماعية والوطنية، وتيارات سنية إرهابية ومتفسخة بمعايير الفكرة الوطنية والقومية، لا يمكنهم رؤية وسماع الحقيقة القائلة، بان وجودها مؤقت، وان كل ما سرقته سوف يجري استرجاعه، وأنها سوف لن تكون قادرة على الكلام عندما يصدر الحكم التاريخي بإعدام وجودها في العراق مرة واحدة والى الأبد.
***



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخوارج – إرادة الحق والحقيقة (4)
- الخوارج – خروج الإرادة المتسامية(3)
- الخوارج – استقامة الإرادة وعنف الوجدان(2)
- الخوارج – غيب الإرادة وخراج الروح (1)
- الخوارج والدواعش- قطبا الحق والباطل
- الصراع الروسي – الأمريكي حول المشرق العربي وإيران(3-3)
- الصراع الروسي – الأمريكي حول المشرق العربي وإيران (2)
- الصراع الروسي – الأمريكي حول المشرق العربي وإيران (1)
- الخلافة العربية عند محمد عبده والخلافة الإسلامية عند داعش
- المركزية الإسلامية المعاصرة- قوانين التاريخ ومنطق الثقافة
- المالكي وعبد الكريم قاسم - نهاية المأساة وبداية المهزلة
- التحدي التاريخي الأكبر للبديل الوطني العراقي
- القضية السورية وإشكالية صراع الشرق والغرب
- الدولة والأمة والإصلاح في سوريا
- الدولة الشرعية والإصلاح في سوريا
- المالكي وملكوت الدولة العراقية
- الإخلاص في فكرة المقاومة عند (حزب الله)
- (حزب الله) والقضية السورية
- الكينونة الملهمة لجمال عبد الناصر وحسن نصر الله
- إشكالية الفكرة القومية والإسلامية للإخوان المسلمين


المزيد.....




- رمى المقص من يده وركض خارجًا.. حلاق ينقذ طفلة صغيرة من الدهس ...
- مسيّرة للأمن الإيراني تقتل إرهابيين في ضواحي زاهدان
- الجيش الأمريكي يبدأ بناء رصيف بحري قبالة غزة لتوفير المساعدا ...
- إصابة شائعة.. كل ما تحتاج معرفته عن تمزق الرباط الصليبي
- إنفوغراف.. خارطة الجامعات الأميركية المناصرة لفلسطين
- مصر.. ساويرس يرد على مهاجمة سعد الدين الشاذلي وخلافه مع السا ...
- تصريحات لواء بالجيش المصري تثير اهتمام الإسرائيليين
- سيدني.. اتهامات للشرطة بازدواجية المعايير في تعاملها مع حادث ...
- ليبيا وإثيوبيا تبحثان استئناف تعاونهما بعد انقطاع استمر 20 ع ...
- بحضور كيم جونغ أون.. احتفالات بيوم الجيش في كوريا الشمالية ع ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ميثم الجنابي - سعدي يوسف - نقد القرود، وقرود النقد!