أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد زكريا توفيق - مرة أخرى، الأزهر وفهم نظرية التطور















المزيد.....


مرة أخرى، الأزهر وفهم نظرية التطور


محمد زكريا توفيق

الحوار المتمدن-العدد: 4579 - 2014 / 9 / 19 - 22:40
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    




جاء في جريدة اليوم السابع على لسان شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، مايلي: نظرية "داروين" في التطور مضطربة وليس لها سند علمي يثبتها، حديث الجمعة، 19 سبتمبر 2014.

مضيفاً أنه لم يظهر حتى الآن اكتشاف واحد علمي يقيني يثبت أن نظرية داروين على حق، بعد مرور 150 عاماً. كما يجب نفي تلك النظرية حال الارتكان إلى الدين، منوهاً بأنه سيوضح ضعف المنطقية والفلسفية في تلك النظرية، وأنها ضد المنطق وضد العقل والدين.

لقد قمت بالرد على شيخ الأزهر في مقال سابق، عندما أدلى بحديث مشابه، هاجم فيه نظرية التطور وشكك في صحتها. وها هو يعيد نفس الادعاء بعدم صحتها، بل يضيف أنها نظرية مضطربة. ثم يعد بتوضيح ضعف منطقيتها، ويجزم بأنها ضد العقل وضد الدين.

يبدو أن شيخ الأزهر، مع احترامنا الشديد له ولعلمه، قد ركب جواده وحمل سيفه وشمر عن ساعده وقرر أخذ الأمر بيده وخوض معركة القضاء على نظرية التطور بنفسه. ولا أدري ما سبب هذا العناء الذي لا مبرر له.

فنظرية داروين لا تشكل أي خطر بالنسبة للعقول المبرمجة على الفكر الديني، كما إنها مجهولة في كل المحافل الأكاديمية والعلمية في بلادنا ومعظم بلاد المسلمين. لا تدرس في مدارسنا أو جامعاتنا، ولا يعرف الدهماء عنها شيئا. ولا يستطيعون التفرقة بينها وبين البطيخ كما يقول الشوام، أو بينها وبين كوز الدرة كما يقول المصريون.

سيدي الشيخ، المسرح خالي لك ولمشايخ الأزهر العظام لكي يصولوا ويجولوا فيه بكل حرية. لقد خلى لك الجو فبيضي واصفري. لا أحد يستطيع أن ينافسكم في امتلاك الحقيقة المطلقة، ولا يقدر أحد على إعمال عقله حتى يفهم الدين بطريقة مختلفة، لا تتعارض مع العلم ولا تصطدم بالحضارة والتراث الإنساني .

لا بد أن يكون الدين والفهم عن طريقكم وحدكم، أي عن طريق الكتب الصفراء والتفاسير العتيقة المبنية على الإسرائيليات والطافحة بالخرافات والأساطير. والتي تصرون على بقائها غذاء عقليا بائسا لطلبة الأزهر بكل مراحله. مما تسبب في ضياع أجيال بكاملها، إما بسبب الاغتراب عن العقل والنفس، أو بسبب السقوط في مستنقع التطرف والفكر الظلامي.

لا بد من تقديس البخاري وصفحاته المفروشة بالتناقض وبقصص السحر والعموليات والشياطين والجان والعفاريت والثعابين القرع والعذاب والهوان للمتبولين على أنفسهم من المؤمنين.

مناطحة صخرة العلوم قضية خاسرة يا فضيلة الشيخ بالتأكيد. حاولت الكنيسة في العصور الوسطى والمظلمة، محاربة العلوم لكنها فشلت فشلا ذريعا. لقد حاربت العقل وكروية الأرض ودورانها حول الشمس، وحرقت الفيلسوف برونو وهددت بحرق جاليليو.

حاربت الكنيسة القول بأن البرق كهرباء فمنعت بل وحرمت استخدام مانعات الصواعق فوق المباني المرتفعة. وحاربت التشريح بحجة أن الجسد لا يجب تشويهه، وحاربت التطعيم ضد الجدري وغيره من الأمراض. مما تسبب عنه تأخر الطب في أوروبا أكثر من ألف سنة.

حاربت الكنيسة أيضا الفنون والآداب والفلسفة والفكر بكل أنواعه، فيما عدا الفكر الديني وقصص الكتاب المقدس. وقادت الكنيسة حملة حرق الساحرات وصلب الكفار والقضاء على قرى بأكملها لاختلاف العقيدة.

قادت الكنيسة أيضا الحروب الصليبية والحروب الدينية بين الكاثوليك والبروتستانت. فتاريخ الفكر الديني وتسلط المؤسسات الدينية على مقدرات الشعوب قصة حزينة باكية خالية من اي بهجة وليس فيها أي اشراق.

يقول الشيخ الطيب أنه لم يظهر حتى الآن اكتشاف واحد علمى يقينى يثبت أن نظرية داروين على حق، بعد مرور 150 عاماً. ويقول أيضا أنها ضد المنطق وضد العقل والدين.

كونها نظرية ضد الدين، فهذا صحيح، لانها تتعارض مع نظرية الخلق. وياليت شيخ الأزهر توقف هنا، ولم يهاجمها من المنظور العلمي. لكن قوله أنه لم يظهر حتى الآن اكتشاف علمي واحد يقيني يثبت صحتها، وكونها ضد العقل، فهذا خطأ بين، يبين أن شيخ الأزهر يهاجم نظرية علمية وهو لا يعرفها ولم يقم بدراستها جيدا.

إن كان لدى فضيلة الشيخ ما يثبت عدم صحتها علميا، فلماذا لا يقدم بحثا بذلك للمحافل العلمية حتى تعم الفائدة، بدلا من أن يقصر حديثة على أناس لا تؤمن أصلا ولا تريد أن تؤمن بصحة النظرية .

باقي المقال سيركز على دليل علمي واحد، من بين ألوف الأدلة التي تبين عقلانية ومنطقية نظرية التطور لداروين. وأرجو المعذرة لجفاف الأسلوب العلمي، بالرغم من محاولتي تبسيط الموضوع بقدر الامكان للسادة القراء، بدون المساس بالدقة المطلوبة:

الجين، هو الصفة الوراثية التي تنتقل من الآباء إلى الأولاد. الكروموزوم داخل الخلية، هو المركبة التى تحمل جينات وراثية داخلها. في الواقع، الكروموزوم عبارة عن حمض نووي (DNA)، ملتف حول بروتين، لحفظ الحمض النووي.

الاسم العلمي للحمض النووي هو "الحمض النووي منقوص الأكسوجين". هو بمثابة الرسم الهندسي والتعليمات اللازمة للكائن الحي لكي يمارس الحياة.

يعتبر وسيلة تخزين للمعلومات الوراثية (دار كتب). ويحتوي على المعلومات اللازمة لبناء البروتينات. به أيضا معلومات لازمة لتصنيع الحمض الريبي النووي (RNA)، الذي يقوم بترجمة لغة الجينات، ويعمل كقالب لتصنيع البروتينات. الجينات موجودة كأجزاء متصلة من الحمض النووي.

هل تعلم أنه في يوم من الأيام كان كل منا، مجرد خليتين صغيرتين لا يمكن رؤيتهما بالعين المجردة. ثم انقسمت إلى أربعة، والأربعة إلى ثمانية وهكذا.

بعد ذلك بدأت الخلايا ترتب نفسها في مجموعات، لكي تكون العينين والقلب والرئة والمخ والشرايين وخلافه، حتى يصبح كل منا شخصا فريدا لا يشبهه شخص آخر في هذا الكون. كيف حدث ذلك؟ الإجابة تأتى من الحمض النووي (DNA).

لكن ما هو شكل الحمض النووي هذا، وكيف يحفظ بداخله المعلومات؟ الحمض النووي عبارة عن جزيئ كيميائي. على شكل جدارين متوازيين من السكر والفسفات، بينهما درجات سلم ملتفة لولبيا (Double Helix). أى في شكل السلالم الداخلية الحلزونية في الفيلات الحديثة، عددها 3 بليون سلمة. وكل درجة مكونة من نصفين.

الحمض النووي موروث من الأبوين. موجود في كل خلية من خلايا الجسد فيما عدا خلايا الدم الحمراء. طول الحمض النووي داخل الخلية الواحدة، إذا مد في خط مستقيم، 2 متر. الحمض النووي من الصعب وضعه داخل الخلية الصغيرة التى لا ترى بالعين المجردة، لكن أجسامنا تضغطه وتلويه وتضعه في شكل حلزوني حتى تصغر من حجمه وتجعله مناسبا لحجم الخلية.

لكن كيف يقوم الحمض النووي بتخزين المعلومات؟ الكمبيوتر الذي نستخدمه والذي يصنع المعجزات، يستخدم حرفين فقط أو رقمين اثنين لا ثالث لهما. هما الواحد والصفر.

عندما نكتب على شاشة الكمبيوتر كلمة أو رقم أو صورة أو حتى أغنية، تتحول داخل الكمبيوتر إلى وحايد وأصفار. لأن الكمبيوتر لا يستطيع التعامل مع أي شئ آخر.

اللغة الإنجليزية 26 حرف أساسي بالإضافة للحروف الخاصة. واللغة الألمانية 30 حرف، والعربية 28 حرف. لكن الحمض النووي مكتوب بأربعة حروف من البروتينات فقط. هي أدينين ورمزه (A)، جوانين (G)، ثايمين (T)، سايتوسين (C). أسماء لا تصلح لبناتنا. وهي التي تكون الدرجات العرضية للحمض النووي.

في الواقع أننا لو نظرنا إلى الحمض النووي مليا تحت المجهر الإلكتروني، لوجدناه عبارة عن نصفين ملحومين من الوسط بالطول. كل درجة مقسومة حرفين. (A) مع (T)، و(C) مع (G). بذلك يكون كل نصف مكمل للآخر.

ترتيب السلالم أو الدرجات، وأيهما قبل أو بعد الآخر هو الذي يترجم إلى معلومات. هي لغة الخلق. هذه المعلومات، فضلا عن قيمتها الوراثية، تقول للخلية كيف تصنع البروتينات اللازمة للجسم وأشياء أخرى. بذلك تكون جيناتنا المكتوبة بلغة الحمض النووي، مسؤولة عن ملايين الأنشطة التي تحدث في جسمي وجسمك الآن.

الحمض النووي يختلف من شخص لآخر. لكن الاختلاف لا يتعدى الواحد في الألف. هذا الاختلاف هو الذي يجعل لون الشعر ولون البشرة والطول والوزن ولون العينين مختلف من شخص لآخر.

المعلومات الموجودة في الحمض النووي، تساعد الخلية في تصنيع أنواع معينة من البروتينات. هذه البروتينات تساعد على الهضم، أو في حمل الأكسوجين إلى باقي خلايا الجسد. وهي أيضا، تهاجم الباكتيريا والفيروسات عندما تدخل الجسم، ولها وظائف أخرى هامة.

لأن الحمض النووي هو الذي يحدد نوع البروتين المطلوب، فهو بذلك يكون المسيطر على معظم أنشطة الجسم. لون العيون مثلا، صفة وراثية مكتوبة على هيئة ترتيب معين داخل جزء من الحمض النووي. كذلك كل صفة وراثية أخرى. أي تغيير في هذا الترتيب يعتبر خطأ، يسمى تغّيار أحيائي (Mutation).

عند تكوين الجنين، تحدث انقسامات في الخلايا تصل إلى 50 ترليون انقسام. كل مرة تنقسم فيها الخلية، ينقسم الحمض النووي من المنتصف إلى نصفين. وينفصل الحرف (A) عن (T)، والحرف (C) عن (G). وقبل أن تتكون الخلية الجديدة، يستكمل كل نصف، ويصبح (DNA) كامل.

الآن يحدث في جسمي وجسمك عمليات النسخ الأحيائي. الحمض النووي يكرر نفسه ويصنع حمض جديد كل مرة تنقسم فيها الخلية. التغيار الأحيائي أو الأخطاء، تحدث أثناء النسخ في بعض الأحيان. وخصوصا إذا كان الحمض النووي به خلل بسبب تعرضه للإشعاع أو للتلوث الكيميائي.

بعض الأخطاء تكون مفيدة وتساعدنا على التغلب على مصاعب الحياة في البيئات الجديدة. وهي عامل هام في استمرار تطور الكائنات.

فمثلا يمكن لهذه الأخطاء أن تجعل مقاومتنا أفضل لمرض الملاريا. لكنها قد تسبب مرض فقر الدم في نفس الوقت. الخلايا تستطيع في بعض الأحيان علاج هذه الأخطاء الناجمة عن النسخ، لكن في أحيان أخرى كثيرة لا تستطيع.

الخطأ قد يكون بسبب إلتحام الحرف (A) مثلا، بالحرف الخطأ (C) لتكوين درجة في الحمض النووي الجديد، بدلا من (T). في بعض الأحيان، خطأ واحد لا يسبب أى ضرر للخلية. لكن في حالات أخرى، قد يؤثر هذا الخطأ في تصنيع البروتين ويجعله غير كامل. لأن وصفة الطبيخ تكون غير كاملة في هذه الحالة. فيه سطور غير واضحة في الكتاب.

ممكن أيضا أن يكون الخطأ بسبب فقدان جزء من تركيبة الحمض النووي، أو بإضافة جزء زائد له. في هذه الحالة، يكون إنتاج البروتين المطلوب إما ناقصا بسبب نقص المعلومات (مثل عدم إضافة السكر إلى الفطائر)، أو به خطوة زائدة (مثل إضافة خل إلى الفطيرة).

أيضا من الأخطاء، إنعكاس ترتيب الحروف أو الدرجات في الحمض النووي. مثل عكس حروف الكلمات. هذا قد ينتج عنه نزيف أو لخبطة في تصنيع البروتينات.

يوجد أيضا حمض آخر يسمى الحمض الريبى النووي (RNA). له أنواع مختلفة لوظائف مختلفة. يشبه في الشكل نصف ال (DNA) بعد الانشطار. له جدار واحد، ودرجاته تتكون كل منها من حرف واحد. إلا أن حروف ال(RNA) الأربعة، تتفق ثلاثة منها مع حروف ال (DNA). أما الحرف الرابع الثايمين في ال (DNA) فيستبدل باليوراسيل في ال (RNA).

الحمض الريبي النووي (RNA)، يأتي عن طريق النسخ باستخدام المعلومات المخزونة في ال (DNA)، بواسطة إنزيمات معينة. ثم يجري على ال (RNA) تعديلات أخرى بواسطة إنزيمات تجعل ال (RNA) يصلح كقالب أو (ستمبة) لصناعة البروتينات. كما أنه يعمل أيضا كناقل للأحماض الأمينية اللازمة لتصنيع البروتينات.

كيف بدأت الحياة على ظهر الأرض؟ يعتقد الكثير من العلماء أن الحياة قد بدأت على سطح الأرض كميكروبات ثم تطورت. أول خطوة لنشوء الحياة، هي توافر المواد الخام اللازمة لها.

اكتشف علماء الفلك أن المواد اللازمة للحياة موجودة في الشهب والنيازك والسحب الترابية الموجودة بين النجوم. هذه المواد بعد سقوطها على الكرة الأرضية، تمثل المواد اللازمة لتكوين الخلية. مواد مثل الفوسفات، وهو العمود الفقري للحمض النووي مستودع المعلومات. والأحماض الأمينية، اللازمة لصناعة البروتين.

في البداية، وبعد فترة زمنية معينة، كان هناك الحمض النووي (DNA)، والحمض الريبي النووي (RNA) والبروتينات. أيهما وجد أولا؟ الحمض النووي (DNA) يحمل المعلومات (دار معارف). لكنه عديم الفائدة بدون الحمض الريبي النووي (RNA).

ال (DNA) لا يستطيع أن يصل جزيئات البروتينات ببعضها أو يفصلها. والبروتين بالرغم من أنه يقوم بالعمل اللازم لبقاء الخلية حية، إلا أنه لا يستطيع أن يحفظ المعلومات من جيل إلى آخر. لكن الحمض الريبي (RNA)، هو الوحيد الذي يستطيع القيام بالوظيفتين في نفس الوقت. فهو يستطيع أن يحمل الجينات الوراثية، ويستطيع أن يعمل أيضا مثل الإنزيمات والبروتين. لذلك يعتقد العلماء أن الحياة بدأت أولا بال (RNA).

عندما اكتشف العلماء ال (RNA) داخل الخلية عام 1960م، بدأوا في الاعتقاد بأن ال (RNA) هو الخميرة التى تولدت منها الحياة. في عام 1982م، اكتشف توماس سيتش، من جامعة كولورادو، أن ال (RNA) عبارة عن جزيئ هجين.

من ناحية، هو يحمل الجينات الوراثية داخله، ومن ناحية أخرى يعمل عمل الانزيمات. أى أنه يستطيع أن يغير من تركيبة الجزيئات الأخرى. مثل الانزيمات التى تقوم بهضم الطعام. والانزيمات التى تقوم أيضا بتصحيح أخطاء الترتيب في الجينات. ووجد سيتش أن بعض أنواع من ال (RNA)، تقوم بتصحيح نفسها بدون مساعدة من الانزيمات.

بعد ذلك في الثمانينات، أمكن علماء البيولوجيا جعل ال (RNA) تتطور أمامهم في المعامل. مجموعة باحثين برئاسة جيرالد جويس بكاليفورنيا، بدأت ب ال (RNA). ثم قامت بنسخه 10 ترليون مرة. في كل مرة بها تغير بسيط في التركيب. ثم قاموا بوضع (DNA) في أنبوبة اختبار، وخلطها ب (RNA) المعدلة.

لأن ال (RNA) المعدل يعمل كإنزيم يقطع فقط جزيئات ال (RNA)، لم تكن هناك دهشة كبيرة عندما وجد العلماء أن ال (RNA) المعدل فشل في قطع أجزاء من الحمض النووي (DNA). بنسبة واحد في المليون فقط، كان يقوم الحمض الريبي (RNA) المعدل بقطع جزء من ال الحمض النووي (DNA). وحتى هذه النسبة الصغيرة جدا، كانت تقوم بعملها بطريقة رديئة تستغرق ساعة زمنية كاملة.

قام جويس ومجموعته بفصل هذه النسبة الصغيرة من ال (RNA) القادرة على القطع (مثل الإختيار الطبيعي )، ونسخ كل منها مليون مرة. وأيضا في كل مرة يتم فيها النسخ، يحدث تغيير بسيط في تركيبتها. فوجد أن بعض النسخ الجديدة، تستطيع قطع الحمض النووي بطريقة أسرع من الأجيال السابقة لها. تطور.

كرر جويس هذه العملية 27 مرة، كل مرة ينتج فيها جيلا جديدا أسرع من السابق له. عملية استغرقت سنتين تجارب. في النهاية توصل إلى (RNA) يستطيع قطع ال (DNA) في خمس دقائق. قدرته على قطع ال (DNA) تعادل قدرته على قطع ال (RNA) كما يحدث في الطبيعة.

جويس وعلماء آخرون يستطيعون الآن أن يجعلوا ال (RNA) يتطور بسرعة في المعمل أكثر من ذى قبل. وأمكنهم إنتاج 27 جيل جديد في مجرد ثلاث ساعات بدلا من سنتين. ووجد العلماء أنه في الظروف المناسبة، يمكن للتطور أن يجعل ال (RNA) يقوم بوظائف لم يقم بها من قبل.

ال (RNA) المتطور يستطيع قطع أجزاء أو التأثير في أي جزيئ بصفة عامة الآن، من الذرة إلى الخلية الكاملة. كما أنه يستطيع وصل جزيئين ببعضهما لتكوين جزيئ جديد. أمل جديد في علاج السرطان. (إستيقظوا يا علماءنا. وأفيقوا يا شيوخنا من الغيبوبة التى أنتم فيها. وبطلوا يا شبابنا الكورة شوية والقات والجرعات الدينية الزائدة والتطرف. انتبهوا للعلم وما يجري في العالم حولنا).

ال (RNA) المتطور يستطيع وصل الأحماض الأمينية التى أمكن تحضيرها في المعامل، وهي خطوة هامة في تحضير البروتين. تخيل إمكانية تحضير اللحمة في المعامل.

يستطيع أيضا وصل ألياف إلى جدار الحمض النووي. أي أن ال (RNA) يستطيع القيام بكل وظائف الخلية، بدون الحاجة إلى الحمض النووي (DNA) أو البروتين.

قابلية ال (RNA) للتطور الكبيرة، جعلت شركات الكيمياء البيولوجية والأدوية، تقوم بتجارب لتحويله إلى عقار جديد ضد تجلط الدم وعقاقير أخرى. الذين لا يؤمنون بنظرية التطور، أرجوا من الله ألا يحتاجوا في المستقبل لمثل هذه الأدوية المصنعة على أساسيات نظرية التطور.

أبحاث جويس وفريقه، تثبت أن الحمض الريبي النووي (RNA)، كان يلعب دور ال (DNA) والبروتين معا عندما بدأت الحياة على سطح الأرض. العديد من العلماء ينظرون إلى تلك الحقبة على أنها عالم ال (RNA).

في مايو 2009م، قام جون سزرلاند، ومجموعة باحثين من جامعة مانشستر بالمملكة المتحدة، بتحضير الجزيئ الكيميائي (ribonucleotide) في المعمل. هذا هو وحدة البناء الأساسية لل (RNA). ويعني أن العالم كان في البداية عالم ال (RNA) كما أثبتت أبحاث جويس من قبل. ودليل قوي على أن الحياة يمكن أن تكون قد بدأت تلقائيا على سطح الكرة الأرضية.

بعد أن تطور الحمض الريبى النووي (RNA) في بداية الخلق، تكون البروتين. نوع متطور من ال (RNA) كان قادرا على تجميع الأحماض الأمينية وتكوين البروتين. البروتين الناتج، ربما كان يساعد ال (RNA) على النسخ بسرعة أكبر. وبعد ذلك، ال (RNA) المكون من جدار واحد و درجات عرضية، أمكنه تصنيع الحمض النووي المكون من جدارين ودرجات عرضية.

الحمض النووي (DNA)، أقل عرضة للتغيار الأحيائي والأخطاء من ال (RNA)، وأكثر استقرارا، وأصلح لخزن المعلومات ونقلها من جيل إلى جيل لمدد طويلة.

مع وجود ال (DNA) والبروتينات، أصبح العبئ خفيفا على ال (RNA). لكنه لا يزال يحتفظ ببعض خواصه السابقة، مثل القدرة على علاج نفسه وتصحيح جسمه. ولا يزال يلعب دورا هاما في تصنيع البروتينات وفصل وتوصيل أجزاء الحمض النووي ببعضها.

محاولة محاربة العلوم لأسباب أيديولوجية، هي جهود ضائعة وإضرار بالعقل والخلق، وكارثة لتقدم الإنسان. فقد حاول الاتحاد السوفيتي السابق فى عصر ستالين صبغ بعض العلوم بالصبغة الماركسية، وحاول تصنيفها إلى علوم تؤيد الفكر الاشتراكي، وأخرى تتعارض معه.

لكن هذه المحاولات باءت كلها بالفشل الذريع، وكانت النتيجة كارثة علمية. فى أوائل الثلاثينات من القرن العشرين، قاد عالم البيولوجيا "ليزنكوف" حملة إرهاب فكري ضد باقي علماء البيولوجيا الذين يعارضون أفكاره ونظرياته التي قام بتحريفها لأسباب سياسية، كي توائم النظرية الماركسية. وقام بتشريد العلماء المعارضين، وبالتحريض على قتلهم فى بعض الأحيان. كما حدث بالنسبة لعالم البيولوجيا "فافيلوف"، الذي أعدم بسبب عدم موافقته على نظريات ليزنكوف.

كذلك، قام الاتحاد السوفيتي بمنع تدريس نظرية التطور لداروين، وتبنى بدلا منها نظرية "لامارك"، الذي يقول بأن التطور يحدث لكن بسبب عوامل البيئة والمجتمع، بعكس داروين الذي بنى نظريته على مبدأ الاختيار الطبيعى (البقاء للأصلح).

الغريب أن نظرية داروين ظلت مرفوضة داخل الاتحاد السوفيتي حتى عام 1965م. لذلك تأخرت علوم البيولوجيا في الاتحاد السوفيتي عن مثيلاتها فى الغرب. وتأخرت الزراعة وإنتاج المحاصيل, وكانت كارثة على الاقتصاد السوفيتي، وكانت من أهم الأسباب التي أدت إلى عزل خروتشوف فيى أوائل الستينات.

بعد موت هيباتيا، الفيلسوفة والعالمة المصرية، على أيدي التعصب الديني في مدينة الاسكندرية، فر أساتذة الفلسفة إلى أثينا. ثم تدهور المجتمع العلمي الأفلاطوني في البلاد.

في عام 529م، أغلق الامبراطور جستينيان مدارس أثينا، فاقتصر علمها على ترديد القديم مرارا وتكرارا. ولم تخرج عليه ، إلا إلى نزعات صوفية تستعير من مذاهب بعيدة عن المسيحية الأصلية.

ثم أغلق جستانيان مدارس الفلسفة والبلاغة في كل البلاد، وصادر أملاكها وحرم الاشتغال بالتعليم على جميع العلمانيين. وبذلك انقضى عهد الفلسفة اليونانية بعد حياة دامت أحد عشر قرنا من الزمان.

بذلك، يكون قد تم الانتقال من الفلسفة إلى الدين، ومن أفلاطون إلى المسيح. وأسبل الستار الكثيف على العقل والفكر. وبدأت رحلة الألف سنة. العصور المظلمة، والعصور الوسطى. حالكة السواد والبؤس.

ها نحن نعيد عجلة التاريخ يا فضيلة الشيخ، ونكرر عصر هيباتيا.
قريبا سوف يجرم تدريس الفلسفة والمنطق وكل تاريخ يخالف تاريخ البعثة المحمدية. وسف تلغى كل اللغات، فيما عدى لغة القران. وسوف يحرم الأدب والفن والموسيقى، لأنها كلها ملاهي تلهي عن ذكر الله.

وسوف يجرم تدريس نظرية التطور والهندسة الوراثية وعلم الأجنة. و يمنع لعب كرة القدم وكل الألعاب الرياضية. ويصادر الفن والتمثيل في التلفزيون والمسرح والسينما.

ثم تتحول علومنا وثقافتنا ومعارفنا إلى تكرار لما سبق، أو تأكيد لما أتفق عليه السلف الصالح. وسوف تفقد المرأة كل مكاسبها، وترجع جارية لزوجها وأولادها كما كانت. وسوف يبقى المسيحيون أهل ذمة كما كانوا، وباقي الملل والنحل، كفارا يستحقون القتل والسحل.

سوف لا يكون لنا مجد سوى مجد قريش، ولا أبطال إلا أبطال قريش. فهم أسيادنا وتيجان رؤوسنا. ونحن الموالي أولاد الجارية وأحفاد فرعون الذي أغرقه الله في اليم بسبب مطاردته لنبي اليهود. هل رأيتم إلى أين نحن ذاهبون؟ وأي مصير أسود ينتظرنا؟



#محمد_زكريا_توفيق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأخوين ميناكمي، لبلاوتوس 4/4
- الأخوين ميناكمي، لبلاوتوس 4/3
- الرقص الشرقي والكبت الجنسي
- الأخوين ميناكمي، لبلاوتوس 2/4
- الأخوين ميناكمي، لبلاوتوس 1/4
- الأخلاق عند أرسطو، والصداقة عند مونتين
- شيخ الأزهر ونظرية التطور
- هل ينتصر الدين في معركته ضد الإلحاد؟
- جرة الذهب، لبلاوتوس
- الحل الأمني وحده لا يكفي لمحاربة الإرهاب
- سنة سودة ولا أمل في إصلاح ديني
- أرسطو، فكر تحتاجه بلادنا (2)
- أرسطو، فكر تحتاجه بلادنا
- البيت المسكون، لبلاوتوس
- الخديوي إسماعيل المفترى عليه
- الكستيس، ليوريبيديس - هل يمكن أن تفدي الزوجة زوجها بحياتها؟
- نساء طروادة، ليوريبيديس - صرخة ضد الحرب والعبودية
- إفيجينيا، ليوريبيديس - التضحية بالأبناء إرضاء للرب
- إلكترا، لسوفوكليس
- أنتيجون لسوفوكليس، أقدم صرخة في وجه الدكتاتورية


المزيد.....




- السعودية.. مكتب محمد بن سلمان ينشر فيديو على قارب وينعى بدر ...
- السعودية تقتص من الغامدي بقضية وفاة شعيب متأثرا بطعنة آلة حا ...
- ماكرون يواصل -غموضه الاستراتيجي- تجاه روسيا
- أميت شاه: استراتيجي هادئ، يخشاه الجميع، وكان وراء صعود مودي ...
- عالم روسي يتحدث عن تأثير التوهج الشمسي
- مركبة كيوريوسيتي تكتشف ماضيا شبيها بالأرض على الكوكب الأحمر ...
- أسباب الرغبة الشديدة في تناول الجعة
- أيهما أسوأ، أكاذيب إسرائيل بشأن غزة أم الداعمين الغربيين لتل ...
- البيت الأبيض يعترف بأن المساعدات الأمريكية لن تغير الوضع في ...
- تقارير: لا اتفاق حتى الآن في مفاوضات القاهرة بشأن غزة والمنا ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - محمد زكريا توفيق - مرة أخرى، الأزهر وفهم نظرية التطور