أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فيصل قرقطي - قصيدة النثر بين رفض التسمية وضياع المصطلح















المزيد.....

قصيدة النثر بين رفض التسمية وضياع المصطلح


فيصل قرقطي

الحوار المتمدن-العدد: 1272 - 2005 / 7 / 31 - 02:46
المحور: الادب والفن
    


كثر الحديث في السنتين الأخيرتين عن " قصيدة النثر" من قبل الشعراء والنقاد على السواء.
فمنهم من اعتبرها موضة "تقليعة" وتراجع عنها، ومنهم من حدد موقفه منها على أساس الالتباس الحاصل في تسميتها، كمصطلح "قصيدة النثر" ومدى التعارض بين هاتين الكلمتين. ومنهم من رفضها كليا على أنها نتاج الفكر الغربي، وخصوصا الترجمات الشعرية التي لا تناسب، أو تتناسب، مع واقعنا العربي.
ومنهم من ذهب أكثر من ذلك، إذ أنه رفضها.. ورفض مصطلح التسمية مجتهدا أو مطلقا عليها وصفا جديدا مثل "القصيدة الخنثى" أو "نثر شعري"، أو شعر منثور.
كل هذه الآراء مع احترامنا الكبير لها، أتت دون مناقشة "قصيدة النثر"، نقاشا هادئا وموضوعيا عن موقع معرفي بعيدا عن مواقع التعصب والغضب. ولكن أيا يمكن الأمر فأن إثارة القضية تأخذ أبعاداً، في المحصلة، لمصلحة الايجاب والجدل المعرفي الذي يثير وينير الأسئلة.

التسمية: قصيدة النثر
أخذ الكثير من الشعراء والنقاد، على السواء، على هذه التسمية التناقض الماثل بين المفردتين "قصيدة" و "نثر" إذ كيف يتساوى منطق التعبير والدلالة بين القصيدة والنثر، على الغرم من معنى التضاد بينهما. إذ اعتاد الفكر العربي أن يفهم كلمة "قصيدة" فهما كلاسيكيا محدودا.. بمعنى الشعر الموزون المقفى، وبذل شعراء منتصف القرن، أو رواد قصيدة التفعيلة، جهودا مضنية لتوسيع هذا المفهوم كي يصل إلى حدود ثقيل قصيدة التفعيلة، التي جاءت منذ نهاية الأربعينات، كتطور واع لقصيدة بحور الخليل بن أحمد الفراهيدي، ومحاولة فتحا على مداها الأرحب والأوسع.. إلا أن الفهم ظل قاصراً.. ولم تنصف حتى قصيدة التفعيلة، وكنا نقول قبل عشرين عاما ونيف أنه من الظلم بمكان الحكم على قصيدة التفعيلة، الآن، دون الأخذ بعين الاعتبار تجربتها التاريخية، حيث أنها لم تكتمل دورتها التاريخية، واها لم تأخذ نصيبها من الزمن، وأن عشرين أو ثلاثين سنة من عمرها ليست كافية للحكم عليها حكما مطلقا..
والآن، وبعد مرور أكثر من خمسين عاما على عمرها الزمني لا يستطيع أحدٌ، سواء كان شاعرا أو ناقدا، أنكار ما حققته قصيدة التفعيلة في الشعر العربي، بل واستطاعت أن تأخذ دورها الحياتي والإبداعي والأدبي بامتياز.
ويبدو أن حال قصيدة النثر لا يختلف كثيرا عن حال قصيدة التفعيلة، إذ ما زال الحكم عليها بمجمله يجء متسرعا.
نعود للتناقض الدال على التسمية بين قصيدة ونثر، هذا التناقض الماثل في الذاكرة الشعرية العربية، التي ما زالت تتمرس وراء المفاهيم التقليدية، ولا تحاول الخروج من الأطر المحددة والجاهزة، التي أثبتت عليها هذه الذاكرة، حتى جزءا من بنيتها ولحمتها. خصوصا إذا عرفنا أن مصطلح " الشعرية"، أي شعرية النص، يمكن أن يكون في أي نوع من أنواع الإبداع، ويمكن أن نلحظه في القصة مثلا أو الرواية أو القطعة النثرية، أو حتى في النص السينمائي أو المسرحي حتى.. بل وأكثر من ذلك أن الشعرية تتجسد من حولنا في الكثير من الإيماءات والحركات، في ظلال الوردة أو نور البهجة الطفولية مثلا.. وحتى يمكن ملاحظة الشعرية في الأعمال اليدوية للنجارين والحدادين على سبيل المثال.
إذا من هذا الفهم ننطلق إلى النص الشعري النثري، الذي هو استجابة طبيعية لتطور العصر نقلته من حدود الوزن والقافية.
وهذا لا يعني أبدا أن كل نص نثري هو قصيدة نثر، أو نص شعري، مثلما هو الحال في القصيدة العامودية، ليس كل قصيدة عامودية تحفل بشعرية إذ أن في تاريخنا الشعري هناك الكثير من القصائد العامودية تندرج تحت اسم "النظم" ولا تنطوي على شعرية ما.. إذاً أصل إلى نتيجة هنا مؤداها أنه من التسرع بمكان الحكم على قصيدة النثر من خلال التسمية، بل من الأجدر الحكم عليها من خلال بنيانها الشعري.. وهل هو شعري حقاً أم نثري؟!
لا شك أن هناك الكثير من النماذج الشعرية النثرية، لتجارب شعراء كثيرين، سقطت في فخ نثرية النثر، وبذلك قاومت الالتباس المحتوم وأعطت المبرر للكثيرين للوقوف موقف السلب من قصيدة النثر. وذلك مرده إلى أن تطور الحياة وتعقيداتها وإفرازاتها قد تجاوز المعتاد والمألوف.. بمعنى أنه قديما كان الشعراء يعدون على أصابع اليد الواحدة، في هذا البلد أو ذاك. وبالمقابل كان الناس أيضا يعدون بعشرات الآلاف.. أما الآن فإن الشعراء يعدون بالمئات، وكذلك السكان يعدون بالملايين، وهذا أمر طبيعي يؤكد النمو الديمغرافي والتطور الإنساني على السواء.
أما من اعتبر من الشعراء والنقاد قصيدة النثر كتقليعة فهذا ما يحكم عليه الزمن، وما يجعلنا ننتظر حكم الزمن، أي بمعنى ما انتظار ما سيأتي بعد قصيدة النثر هذه. هذا من جهة، ومن جهة أخرى نستطيع القول ما العيب في كلمة نثر؟ وما حدود رفع كلمة قصيدة إلى مرتبة أعلى من كلمة نثر؟ إن الذين يحكمون على التعارض بين الكلمتين يحطون من قيمة النثر. وهذا لا يتعارض مع الإبداع والعملية الإبداعية، لأنه من غير المعقول أن تقتصر الحالة الإبداعية على القصيدة مثلا، دون النثر. أليس هناك الكثير من الأعمال الإبداعية النثرية في حقول القصة والرواية، مثلا؟!!

قصيدة النثر نتاج الفكر الغربي

ذهب البعض إلى رفض قصيدة النثر، على أساس أنها نتاج الفكر الغربي، وهي الوليد الطبيعي للترجمات الشعرية الغربية، دون الالتفات إلى طبيعة الصوغ الماثل فيها للغة العربية، بل دون الالتفات أيضا إلى مصادرها الحقيقية، التي إلى أكثر من أربعة آلاف سنة قبل الميلاد، إذ أن المبدعين الأوائل، الذين كتبوا تاريخ شعوبهم ومعاناتهم، والأحداث التي مرت عليهم، وعلى بلدانهم، قبل أكثر من ألفي سنة قبل الميلاد، كتبوا شعراً، أو شعرهم، ولم يكونوا يعرفون الأوزان العروضية، أو وزان الخليل بن أحمد الفراهيدي.
ولأسوق مثلا على هذا القول، نعود إلى الملاحم والأساطير التي كتبت في بلاد الشام، في فلسطين وبلاد ما بين النهرين، مثلا، وكذلك عند الفراعنة. فمثلا نجد في النصوص الكنعانية، وتحديدا في اللوحات الحاملة لأخبار الملك الكبير، وهي نصوص من الملاحم الكنعانية على لسان عناة:
ستغور قدماك وشريعة البلاد لن تدير وجهها نحوك
وشعوب بعل في ميريام الشمالية
تحارب كالجيش وكأنها ألف أبليس
ليأتوك بالشفاء ولتبعث من جديد
ليأتوك بخبر طيب أيها السيد
غير أن الأخبار الطيبة بالنسبة لك
هي القرابين والهدايا
كما نجد مثلا آخر في كتاب الموتى الفرعوني لـ "بيرت أم هرو". من فصل التحول إلى صقر ذهبي على لسان "أوزيريس":
عسى أن أنهض أنا في عش "سشد" مثل صقر من ذهب
يخرج من بيضته
عسى أن أطير وأحوم كالصقر بظهر سبعة أذرع وأجنحة
من زمرد الجنوب
عسى أن أشرق من زورق "سكتت"
وأن يحضر لي قلبي من جبل الشرق
هسى أن أحط على زورق "عدت"
وأن يأتوا إليَ بجميع الذين بصحبته
وهم يحنون رؤوسهم بينما يتقدمون للقائي
عسى أن أنهض وأجمع شتات نفسي
كما الصقر الذهبي الجميل براس "العنقاء"
كما لا تخفى علينا الملاحم السومرية والبابلية وما أتحفتنا به من نصوص "عندما في الأعالي" مثلا أو ملحمة "جلجاميش". هذه النصوص، التي كان لها أثر كبير في الشعرية العربية عموما. هذا إضافة إلى الكتابات الأدبية في التراث العربي، منذ الجاهلية والإسلام، بل وحتى كتاب الله القرآن الكريم ضم بين دفتيه نماذج لقصيدة النثر.. إضافة إلى كتابات كل من النفري والصوفيين والمعتزلة، وابو حيان التوحيدي.. ألخ.. ثم في العصور الحديثة كتابات جبران خليل جبران وغيره كثير في بدايات القرن.
وهذا كله يدحض الرأي القائل أن قصيدة النثر جاءت انعكاسا للفكر الغربي وترجماته الشعرية.
قصيدة النثر: قصيدة خنثى
تبنى الشاعر والناقد عز الدين مناصرة هذه التسمية وأطلقها على قصيدة النثر بغية الحط من مكانتها أو ربما توصيفها، ربما.. وأيا يكن الأمر فإن هذه التسمية لا تصلح البتة، لا توصيفا ولا تسمية لقصيدة النثر، وذلك لأسباب كثيرة نستدل عليها من خلال تحليلنا للتسمية ذاتها.
فماذا تعني قصيدة خنثى وهي ليست مصطلحا ولا تجاري المصطلح في شيء؟
أول ما تعنيه تسمية "خنثى" أنها توصيف للذكورية المستلبة، أو الذكورية الناقصة. وهذه الكلمة تكاد تكون ترجمة حرفية للاسم "نيوترو" الموجود في لغات أوروبا الشرقية (رومانيا، بلغاريا، روسيا.. الخ) ويعني الاسم "نيوترو" الحياد التام بين المؤنث والمذكر.
أما كلمة خنثى العربية فهي تنحاز لوصف الرجولة المستلبة وبالتالي هي ترجمة غير دقيقة لهذه الكلمة "نيوترو" فلا أعرف مدى الإيجابية لإطلاقها على قصيدة النثر.. إلا إذا انطلقنا في تحليل تسمية قصيدة النثر تحليلا جنسيا، بالرغم من أن القصيدة في الشعر العربي تذكر وتؤنث على السواء. ألا نستعمل كلمة قصيد... بالضبط مثلما نستخدم نثر ونثرية. إلا ان الذي التبس على هذه التسمية أيضا شعرية النص الخبيثة، وراء قصيد الكلام غير الموزون غير المقفى، وبذلك يتفق معنا الكثرون بأنه ليس كل كلام موزون ومقفى شعرا، وليس كل كلام غير موزون وغير مقفى شعرا أيضا.
خلاصة، القول أن قصيدة النثر ليست كلمات بعيدة عن الوزن والقافية، وحسب، إنها كلمات تنبض بالشعرية والموسيقى، وفي هذين الإطارين يمكن تحليلها ودراستها. وبقدر ما انفلتت قصيدة النثر من قوانين الشعر الكلاسيكية، وزنا وقافية، عروضيين، بقدر ما مازجت نفسها في قوانين أكثر صرامة في إيحاء النبضة الشعرية، وتركيب الهرمونات الموسيقية داخل النبض الشعري، وبذلك تكون التجربة المائلة لقصيدة النثر محدودة القياس ومحدودة النجاح، ومن التعجل بمكان الحكم عليها حكما كليا.. لندع التجربة تكمل دورتها في الزمن كي تثبت جدارتها أو فشلها، وهذا ما سيشهد به الزمن والتجربة على السواء.
فلسطين



#فيصل_قرقطي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حركة النقد العربي : بين فقد المصطلح .. وتمجيد الرموز
- بين الاصالة والحداثة
- النص والأيديولوجيا
- يسار فريد .. كيقضة حلم مؤكد
- النص .. والبنية الابداعية
- الخطاب الروائي محاكاة.. أم تجريب كلاسيكي؟!
- في اللغة والتفكير


المزيد.....




- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فيصل قرقطي - قصيدة النثر بين رفض التسمية وضياع المصطلح