أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أسماء السكوتي - مؤامرة














المزيد.....

مؤامرة


أسماء السكوتي

الحوار المتمدن-العدد: 4451 - 2014 / 5 / 12 - 22:36
المحور: الادب والفن
    


تململ بانزعاج في مقعده الضيق، وزاد من انزعاجه صراخ طفلة صغيرة في الخلف. كان يتمنى لو كان يستطيع أن يضع يده الضخمة على فمها الصغير فيخرسها للأبد.
باعتباري ساردا جد محايد، ليس بيدي أن أوقف سيل هذه الاستيهامات الشريرة أو أنقص منها شيئا قد يزعج راحة القارئ العزيز. ولكني لا أخفيكم أني أتمنى لو يتمادى أكثر حتى أجد ما أخبركم به. أف، لهذه المهنة القبيحة.
غفى لبعض الوقت، وأفاق فجأة على رنين هاتفه المزعج ليجد نفسه مازال قابعا في المقعد اللعين. اللعنة على مخاطبه الذي أقفل الخط قبل أن يرد عليه، من تراه يظن نفسه ليوقظه من غفوته الوجيزة بهذه الحافلة الوضيعة ويطالبه بمعاودة الاتصال به. لو كان يملك ثمن المكالمة الهاتفية لاختار حافلة أكثر أناقة وركابا أقل عددا وضجيجا من هؤلاء الغوغاء. في النهاية أسلم أمره وقرر أن يتصل بهذا المتطفل الذي أقلق راحته على الأقل ليجد شيئا يشغل به نفسه في هذه الطريق الطويلة.
تبادل بعض كلمات المجاملة الفارغة مع الحقير الذي تلفن له منذ دقيقة –قضاها يفكر أيطلبه أم لا- فوجده نائما (أو هكذا ادعى اللعين) أخبره أن الحافلة ستصل في تمام الثانية عشرة إلى المدينة وأن عليه أن يجده في المحطة في انتظاره، اعتذر الرجل بكثرة المهام التي عليه أن يقضيها اليوم، وأنهى كلامه قائلا: "على العموم، ما أكثر سيارات الأجرة هناك، وأنت تعرف البيت". المغرور الحقير، كيف يسمح لنفسه أن يخاطبه هكذا، ألا يعلم هو بوجود سيارات الأجرة، أيظنه إنسانا وحشيا أم قرويا لم يسمع بسيارة أجرة من قبل. أجبر نفسه على الابتسام وأعلن لمخاطبه أن لا مشكلة وأنه سيراه عشية في المنزل.
أغلق الهاتف بعنف، لديه الكثير من المهام، هكذا؟! ما أوقحه، لماذا إذن هو نائم إلى حد الساعة.
هو ناقم على كل شيء الآن، على أخته التي تزوجت من مثل هذا الرجل اللعين، على أبيه الذي بارك هذا الزواج، وحتى على أبناء أخته الذين لم يولدوا بعد والذين سيكونون على شاكلة أبيهم يوما ما.
التفت إلى تلك الجالسة قربه، ما أقبحها ومع ذلك فهي لا تشارك الآخرين في صخبهم وهذه نقطة ايجابية تحسب لها، أوشك على الإعجاب بها ولكنه تدارك خطأه في الوقت المناسب عندما انتبه إلى الكتاب الذي كان بيدها، هو رواية بلا شك –فالنساء لا يقرأن غيرها- والمشكلة أنها رواية انجليزية، هو يكره هذه اللغة منذ صباه، تُذكره بالعصا الغليظة التي كان أبوه ينزل بها على ظهره كلما أخطأ في التهجي.
لم تعجبه جلسة الفتاة بدورها، تضع رجلا على رجل ، ناسية أنها تستقل حافلة أشبه بوكر فئران تتطلب شيئا من التواضع والتضايق الذي يتنافى مع ابتسامتها الهادئة المستفزة.
تململ ثانية وكأنه جالس على الجمر، وليسلي نفسه وينسى ضيق الكرسي على جسده النحيف بدأ يفكر في المستقبل، ترى ماذا تخبؤه له هذه المدينة الفاجرة من مفاجآت، المهم أن تستحق هذا الشقاء الذي بذله في سبيل الوصول إليها بركوبه هذه الحافلة الوضيعة وجلوسه قرب هذه السخيفة الصغيرة التي أخذت تقرأ في جريدة.
اعتبر اختيارها لجريدة بالعربية محاولة مشكورة لها في سبيل استمالته، حتى أنه أوشك أن يسقط في شباكها ويصدق طيبتها المزعومة، إلا أنها في اللحظة الأخيرة كشفت عن معدنها الحقيقي. الغبية تركت كل صفحات الجريدة وأبت إلا أن تستقر على صفحة مليئة بالمربعات الفارغة تقريبا إلا من بعض الأرقام التي تناثرت عليها في فوضى بادية، تأملت المربعات قليلا وبدأت تملأها بأرقام أخرى أكثر فوضوية. هذه البائسة تأبى إلى أن تزعج راحته لتذكره بالحزام الجلدي الذي كان أبوه يهبط به على رأسه الصغير آنذاك كلما أخطأ في أحد تمارين الرياضيات.
لابد أن زوج أخته هو من دفع لها لتجلس بقربه وتذكره بعقد الطفولة. زاد من يقينه ابتسامها كلما سمعت صراخ الطفلة في الخلف، لاشك أنها ابنتها وربما تكون الاثنتان مبعوثتان - لتنغصا عليه الرحلة- من طرف زوج أخته أو أبيه.
هو يرجح أن أباه هو باعث هاتين المصيبتين –الأم وابنتها- لأن زوج أخته لا يعرف شيئا عن ضعفه في الإنجليزية والرياضيات، وإلا لما قبل أن يشغله محاسبا في شركته اللعينة. وربما يكون على علم بذلك، ربما أخبرته زوجته، ربما هو لم يقبل بتشغيله إلا لكي يحرجه ويثبت له أنه أقل منه، وإلا لماذا اختار له هذه الوظيفة دون غيرها.
نعم، لابد أن تكون أخته هي التي أفشت ضعفه وفضحت عجزه عن إتمام دراسته، كانت دائما تكرهه لأن أمهما كانت تفضله هو، وبعد وفاة أمه العزيزة عجزت أن تكون له أما ثانية ومن ثم قبلت أول رجل يطلبها للزواج لتتركه وحيدا، بمجرد أن يصل إلى بيتها سيعرف كيف يعاقبها عن كل ما جنت في حقه.
ولكن قبل ذلك، عليه أولا أ يعاقب هذه الجاسوسة التي ادعت البراءة وأوشكت مرتين أن تجعله يحسن الظن بها، لولا ذكاؤه وحرصه المعهودان. فكر بالعقوبة التي ستشفي غليله منها، ولكنه اكتشف فجأة أن صاحبته ليست الوحيدة التي تستحق العقاب من الركاب، هناك الطفلة القبيحة التي تصرخ منذ الصباح، وسائق الحافلة الذي أبى إلا أن يسلك هذا الطريق المُحفَّر المتعرج، وركاب الحافلة الذين تركوا كل الحافلات الأخرى ليكتموا أنفاسه وليزعجوه بهمهماتهم.
هكذا اكتشف أنه ضحية مؤامرة خطيرة، وأن الحافلة وسائقها وكل ركابها مبعوثون من طرف أبيه وأخته وزوجها من أجل الدفع به للجنون.



#أسماء_السكوتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كتابة عمومية


المزيد.....




- مصر.. القبض على مغني المهرجانات -مجدي شطة- وبحوزته مخدرات
- أجمل مغامرات القط والفار.. نزل تردد توم وجيري الجديد TOM and ...
- “سلي طفلك الان” نزل تردد طيور الجنة بيبي الجديد 2024 وشاهد أ ...
- فرانسوا بورغا للجزيرة نت: الصهيونية حاليا أيديولوجية طائفية ...
- الحضارة المفقودة.. هل حقا بنيت الأهرامات والمعابد القديمة بت ...
- المؤسس عثمان الموسم الخامس الحلقة 159 على ATV التركية بعد 24 ...
- وفاة الممثل البريطاني برنارد هيل، المعروف بدور القبطان في في ...
- -زرقاء اليمامة-.. أول أوبرا سعودية والأكبر في الشرق الأوسط
- نصائح لممثلة إسرائيل في مسابقة يوروفيجن بالبقاء في غرفتها با ...
- -رمز مقدس للعائلة والطفولة-.. أول مهرجان أوراسي -للمهود- في ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أسماء السكوتي - مؤامرة