أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد الحمد المندلاوي - رحلة نوروزية الى مندلي















المزيد.....

رحلة نوروزية الى مندلي


احمد الحمد المندلاوي

الحوار المتمدن-العدد: 4420 - 2014 / 4 / 10 - 10:29
المحور: الادب والفن
    


بسم الله الرحمن الرحيم
رحلة نوروزية الى مندلي


**الإحتفال بعيد النوروز عادة قديمة متمركزة في مندلي و معنى نوروز ( اليوم الجديد )، تستعد العوائل في مندلي لهذا اليوم قبل حلوله بشهر،إذ يحضرون الجلية و هي (حنطة منقوعة في الحليب ثم تقلى على الصاج ) بعدها تخلط مع السمسم،وتسمّى شعبياً بـ(كَه نمه شيره) ويحضرون الكرزات والحلويات والبيض المصبوغ، ويستحضرون لأولادهم الثياب الربيعية الممتازة،ويخرجون الى خارج المدينة في صبيحة يوم 21 آذار من كل سنة الى طاحونة ميرزا ضمن منطقة كبرات،ومنها الى البساتين فيفرحون ويبتهجون ويلعبون الألاعيب المختلفة كالجوبية والساز والدبكات، والطبل يدق، والناي يعزف والكل في هرج ومرج، وفرح وحبور.

و في ليلة النوروز يتمّ إشعال النيران فوق السطوح ابتهاجاً لهذا اليوم الجديد،رمزاً لإنتصار الثائر كاوه الحداد على الملك الآشوري الجائر الضحّاك، وبعد انتهاء اليوم يرجعون الى بيوتهم والفرح والسرور قد أخذ منهم مأخذه، وهم في نشوة وابتهاج .
نوروز هذا العام أختلف عندي كليّاً عن بقية السنين فلم أرَه في مسقط رأسي منذ أكثر من عشرين سنة بسبب الهجرة،و من ثم السكن في العاصمة بغداد،وحرمتُ بذلك من نسائم نوروز و طيب الأرض و ضحكة الزهور البريّة لنا ..وعندما قرّر الأهل قضاء عطلة النوروز - في أرض الآباء و الأجداد هكذا كنّا نخاطب الأولاد والأحفاد الذين بلغ تعدادهم (36) فرداً، وافقتُ بلا تردّد على ذلك ،و هرعنا الى الاستعداد للسفرة التي تهواها الروح قبل العين (السيّارة،الأطفال،والمتاع و غير ذلك)،و هكذا فعل بقيّة العائلة ،إنطلقنا جميعاً الى مهد الصبا و مرتع الطفولة فرحين بذلك و أداعب أحفادي بقولي المشهور لدينا (هيّا الى أرض الآباء و الأجداد)،ونحنُ في السيّارة نتناول شيئاً من الكرزات،و الفواكه،والحلويات،ولا سيما ما صنعته البي بي الكبيرة (الكليجة) ذات طعم خاص يرجعني الى أيام الطفولة و نحن نركض الى منطقة (ميرزا) على مشارف قرية كبرات الجميلة و الساقية،وحقول الحنطة و الشعير و نقطف أزهار (كل بابونك الصفراء- الإقحوان الطبيعي) .
خرجنا من بعقوبة،و واجهتنا قطعة المرور المدونة عليها (كنعان - بلدروز- مندلي) والأطفال يقرأون الأسماء بصوت عالٍ مع صخب و تصفيق.
عبرنا كنعان و أحدهم ينادي: وصلنا مندلي..
فأجبته: هذا حي مندلي في كنعان،و ليس مندلي..هكذا فعل بنا الطاغية جعلنا شذر مذر.و لكن نعمّر المدن حيث ما كنّا.
وصلنا بلدروز وأكثر أحبابنا وأهالينا في حي مندلي في بلدروز،و ما زلنا في الطريق الى أرض الآباء و الأجداد،و صلنا منطقة الجسر و النهر..ثمّ معمل الطابوق،و تبة روميل،و قطعة المرور يساراً تشير الى الإمام كرزالدين و حاج يوسف (عليهما السلام) .. و كانت أسراب السيارات كثيرة عند مدخل المدينة حيث بقينا أكثر من نصف ساعة كي نجتاز نقطة السيطرة.
ها نحن على مشارف المدينة شارع يوصل الى مدينة مندلي،الأرض خضراء بالوانها الزاهية،والسماء زرقاء صافية تداعبها أشعة الشمس الذهبية،بينهما سلسلة جبال حمرين بلونها اللازوردي في ظلال جبال بشتكوه العالية،ويميناً يأخذنا الطريق الى قرى قره لوس،والذي يمتد الى خانقين ..ونسيم نوروز تداعب وجوهنا و الأرض أصبحت سجادة خضراء مع زهور صفراء حيناً و بنفسجية حيناً آخر لتزين هذه السجادة ،اتجهنا يميناً نحو سدّ مندلي و (كومة سنك)،و أسراب السيارات تملأ الطريق ذهاباً و إياباً ،و نحن كنا عائلة كبيرة (30 فرداً) نبحث عن مكان مناسب للأستراحة و تناول طعام الغداء الذي جلبناه معنا،فلم نعثر على ذلك فالأماكن الجيدة كلها محجوزة من قبل العوائل المندلاوية القادمة من بغداد و بلدروز و كنعان و غيرها .. و كأن الأرض مزروعة بالناس كالحقول و الأزهار،و نتنفس من ريح طلع النخيل مع طيب الزهور .
واتجهنا الى قلعة عز الدين النقيب لغرض الإستراحة،و نحن في قرية (بتكوكر) القابعة على ضفاف نهر صغير،وتعلوها مئذنة جامع (الأبرار)،أدّينا الصلاة و الحمد لله.والأطفال في هرج و مرج مع ألاعيبهم .قررنا الذهاب الى قرية كبرات لنحطّ رحالنا هناك .. فنزلنا عند منطقة (جوارآسيا – بالعربية أربع طواحين) وهنا نهر صغير يسير بهدوء و وقار و كأنّه يسرد لنا قصة الآباء و الأجداد و حياتهم البسيطة الحالمة ..أخذ الأطفال يلهون بماء النهر و قطف الزهور ..المكان كان بين النخيل، قمنا نجلب الحطب لأعداد الطعام و تهيئة الشاي،آه ما أجمل الطبيعة و الأرتماء في أحضانها الدافئة .حقاً كان طعاماً طيباً في - أرض الآباء و الأجداد – و بحضور الأهل،فقلت مع نفسي:
كما للحضارة محاسن جمّة،ولها مساوئ أيضاً.بدأنا بلعب (كرة القدم) و مداعبة الأطفال الصغار،ونحن نسمع من هنا و هنا الدبكات الكوردية و أغاني (كتان كتانة) و غيرها من الأناشيد الفلكلورية،و تمرّ السيارات المختلفة،وكذلك الدراجات البخارية و الهوائية،و الخيول أيضاً،مشاهد لطيفة بقيت متعلقة في الذاكرة،حان وقت العصر و لابّد لنا من إستراحة، رجعنا الى مدينة مندلي،بإتجاه منزلنا القديم في محلة قلعة بالي مقابل الحسينية و الصغار يسألوننا هذا بيتنا خرائب و أنقاض ،فإذا بي أترنّم مع نفسي:
كان لي دارٌ هنا في ربوةٍ فمحاها البعثُ في ليلٍ بهيمْ
بلبلٌ يشدو معي في ساحِها لحنَ حبّ فوق قيثار قديمْ
تركنا المدينة الى دور قلم حاج حيثُ ينتظرُنا الأخ العزيز الأستاذ عامر فرمان،و في طريقنا نسلّم على هذا و ذاك من أصدقائنا و محبينا .. شربنا الشاي للمرة العاشرة،و نحن مقابل المكان الأثري (مقام علي)،آن الغروب و الشمس في الأفق،وكما قال الشاعر الرصافي : نزلت تجرُّ الى الغروب ِذيولا ..
حضرنا الصلاة في جامع الإمام الحسين (ع) بإمامة الشيخ أحمد الساعدي،و ألقى بين الصلاتين كلمة رائعة تطرق فيها الى كيفية الإنتخابات المحلية للمحافظات،كانت ليلة رائعة و نحن في ضيافة الأستاذ عامر، قضيناها بالأحاديث الشيّقة فمن الأدب الى الرياضة ،الى النكات البريئة،الى التطور البطئ الذي يحدث في البلدة،الى قصص أيام زمان،والنساء لهنَّ أحاديثهنَّ أيضاً و لكن في جناح خاص بهنَّ.
كانت ليلة هادئة بلا ضجيج،وبلا دخان المولدات،نهضت صباحاً نشطاً وقلت في نفسي:آه لم أنم مثل هذه النومة منذ ما يقارب ربع قرن من حياتي،وهكذا تمرُّ ساعات الضحى و نحن نداعب الطبيعة و هي تداعبنا مع قهقهة الصغار،وقمنا بزيارة أهالينا ما استطعنا،و قفلنا راجعين الى بغداد و الساعة تشير الى الرابعة عصراً ..و كانت الكاميرا (آلة التصوير) لا تقف لحظة بيد أصغر أولادي (علي محمد) لإلتقاط صور تذكارية لهذه الرحلة النوروزية،و هكذا إنتهت الزيارة النوروزية لربوع مندلي - أرض الآباء و الأجداد – و لكنها لم تنتهِ في ذاكرتنا.
و في نهاية هذا المطاف أودّ أن أشير الى إنَّ منظمة الأمم المتحدة أقرّت في عام 2010م في قرار لها جعل عيد نوروز عيداً للتراث العالمي،والذي يعود تاريخه الى ثلاثة آلاف سنة.و كثير من الشعوب الآسيوية يحتفلون بهذا اليوم أيضاً،و قد بلغ تعداد الذين احتفلوا به عام 2012م أكثر من 300 مليون نسمة،وهو عيد بهيج قديم،جعله الله مباركاً علينا وعلى شعبنا و عراقنا ،ويعود كلّ عام علينا بخير و يمن و أمان و إزدهار.
أحمد الحمد المندلاوي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



#احمد_الحمد_المندلاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجيب بين الأمثال والأقوال
- بنيامين ..نبي تاران:أماكن من مندلي / 4
- من روائع الأدب العالمي..سعدي الشيرازي
- بير محمد :أماكن من مندلي / 3
- ليسَ للحُبِّ فِطامٌ
- تعريف حلبجة و لوحات الأنين..عن مركز مندلي/5
- تراتيل الصِّبا..
- يا واحة ليس لها حدُّ
- حلبجة و لوحات الأنين / القسم الأخير
- حلبجة و لوحات الأنين / القسم 7
- حلبجة و لوحات الأنين / القسم 6
- حلبجة و لوحات الأنين / القسم 5
- حلبجة و لوحات الأنين -- القسم 4
- حلبجة و لوحات الأنين / القسم 3
- حلبجة و لوحات الأنين / القسم 2
- حلبجة و لوحات الأنين / القسم 1
- و خلاهنَّ مصيبة.
- صغيرة..و رائعة
- باوه كورزين :أماكن من مندلي / 2
- في أروقة شفق..والثقافة الفيلية في بغداد


المزيد.....




- “اعتمد رسميا”… جدول امتحانات الثانوية الأزهرية 2024/1445 للش ...
- كونشيرتو الكَمان لمَندِلسون الذي ألهَم الرَحابِنة
- التهافت على الضلال
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- الإيطالي جوسيبي كونتي يدعو إلى وقف إطلاق النار في كل مكان في ...
- جوامع العراق ومساجده التاريخية.. صروح علمية ومراكز إشعاع حضا ...
- مصر.. الفنان أحمد حلمي يكشف معلومات عن الراحل علاء ولي الدين ...
- -أشقر وشعره كيرلي وحلو-..مشهد من مسلسل مصري يثير الغضب بمواق ...
- شجرة غير مورقة في لندن يبعث فيها الفنان بانكسي -الحياة- من خ ...
- عارف حجاوي: الصحافة العربية ينقصها القارئ والفتح الإسلامي كا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - احمد الحمد المندلاوي - رحلة نوروزية الى مندلي