أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل محمود - (ريثما...) ينقذنا الجمال !















المزيد.....

(ريثما...) ينقذنا الجمال !


نبيل محمود

الحوار المتمدن-العدد: 4418 - 2014 / 4 / 8 - 12:36
المحور: الادب والفن
    


قراءة في ديوان (ريثما...) للمبدعة المغربية سعيدة عفيف

((انّ الجمال سوف ينقذ العالم.)) (دوستويفسكي، رواية الأبله)

إنّ رهان الشاعرة تجاوز الوعد إلى الإنجاز الشعري بتقديمها قصائد تساؤل تنشد التغيير، وتروم بلوغ المثال الجمالي لوجود إنساني أكثر سموّاً. وهي ليست قصائد سكون وركون للتنميط السائد للوعي والوجدان. فالاستبصار الشعري يخلق ويؤسّس بتجاوز الرؤية الإيديولوجية الملفّقة تحت وطأة المصلحة والعادة..

((وما يدوم إنّما يؤسّسه الشعراء..)) (هلدرلن)

في زمن تتھاوى فيه كل أسس عوالمنا القديمة، وتتھافت كل الإيديولوجيات العاجزة والخطابات البالية.. يغدو الإفلات من (أزمنة غابرة تبتلعني...) ضرورة، و(أتحدّى كل رِهان واثق) فالرتق لن يخفي التمزّقات الكبرى، ولن تُجْدي، أمام الأسئلة العميقة والتحديات العظيمة، إلاّ الرؤية التي تتحوّل إلى رؤيا تغيير كليّة تعتق الإنسان من كل الإغترابات..

(وذات هوس.. أمشي
خالية من كل زعامة.. أو كهانة
من كل سياسة أو كياسة)
(من قصيدة رهان)

بأسلوب يتفادى البهرجة اللغوية والحذلقة اللفظية، ويتحاشى الصخب.. تستلهم قوة الصورة الشعرية، والعبارة الرشيقة، والوحدة العضوية المتماسكة، لتنسج قصيدتها الأنيقة. فالإفراط الشكلاني غالباً ما يتبنّاه العقل الفقير، للتمويه على خلّوه من الجوهر الفكري والوجداني. إنّ تمرّس الشاعرة وخبرتها بالكتابة القصصية والروائية مكّنها من ادراك الفروق الجوهرية بين الكتابة النثرية والكتابة الشعرية، وتشذيب قصيدتها من الشوائب والترهّل.

(وأزمنٌة عربية تتملَّكُنا
تيَّمَتها الكراسي
وليست تهُم كل المآسي
تُعهِّر الحب
تُفتي بسحل وردة من لونها الأحمر
في زمن الخزي الأغبر
.....
إذ لا سقوطَ في الحب
ولا خطيئة..)
(من قصيدة في عيد الحب)

علاقة الرجل بالمرأة، أوْلتھا الشاعرة اھتماماً واضحاً.. المرأة، ھذا (الكائن المؤجّل)، كانت ولا تزال تعاني من التلاعب بمصيرها، من قبل مجتمعٍ منتفخٍ ومنتشٍ بقيمه الذكورية. يتغنّى احتفالاً بصفاتھا الأنثوية ويُغيّب جوھرھا الإنساني. إنّ الكثير من النساء، مع الأسف، يتقمّصن ھذه الرؤية الذكورية ويعكسْنھا في سلوكهن وخطابھن وأبداعهن، أو يشطحن بتبنّي بعض خطابات الحركات النسوية التي تغلو وكأنّھا خطاب ذكوري معكوس. فتضيع المرأة، كأنثى دون أن تحقّق ذاتها كإنسان. حتى الوسط الثقافي لا يسلم من هيمنة هذا الخطاب، بتبنّيه لمصطلح (الأدب النسائي)!، مثلاً، الذي يحتفي ظاهراً بالابداع النسائي، فيما يضمر التمييز في جوهره ، وتفوح منه رائحة (الفحولة!) المختالة..

((يتضمّن تمجيد الطبع الأنثوي إذلالا للاّتي يتّصفن به جميعاً.))
(ثيودور أدورنو، الأدب الصغير - أفكار ملتقطة من الحياة المشوّهة، ت. ناجي العونلّي، شرق غرب للنشر - ط1 2011، ص 161)

إنّ ما يُحسب للشاعرة ھو تناولها الناضج والواعي لھذه القضية، فنجدھا تشخّص الخلل في العلاقات اللاإنسانية وليس في أطرافھا. تقدّم تصوراً شعرياً يغادر كون القبيلة والجماعة والنشيد الشمولي الأحادي، فمثلاً، تشجب الصورة السلبية للمرأة، بتحريرها (شهرزاد) من أسْر الحكاية النمطية التي ترسّخت في الوعي الاجتماعي، ووضعت المرأة تحت رحمة هوى وسيف الرجل..

(أتدري..؟
كرهت أن أكون لعينيك
شهرزاد التي لا تنتهي..
في ليال لا تنتهي..
بحكايات لا تنتهي..
فلا..لا تنبس بشيء..
ولا تندهش..
فقد أحرقت مدن الوهم،
وأزمنة القهر..)
(من قصيدة قبس من نار)

إنّ الشاعرة تؤسّس خطاباً جمالياً، وتحلم عبر إبداعھا بإحلال علاقة إنسانية، تعيد للكائن البشري إنسانيته وكرامته وحريته، أرجلاً كان أم امرأة.. تنسج الشعري بالفكري، دون الانزلاق إلى خطاب مباشر أو ھتاف أو شعار، ولا تضحّي بالشعري على صعيد الجملة أو الصورة أو بنية القصيدة ككل. فصرْح الحياة الإنسانية المتكافئة السعيدة لا يقوم بغير الحس والمثال الجمالي، فتستعير - برمزية دالة - المرسم كفضاء، وتباشر المرأة بذاتها!، في قصيدة (ريثما...)، عملية خلق وتشكيل الكون الجديد، وما استعارتها هذه غير تأكيدٍ على البعد الجمالي للخلاص وقدرة المرأة على الخلق..

(لكم يثملني هذا الدمار الأنيق
لسراب اليقين الباهت
فتشرق وجها مكتمل الأبعاد
أرسمه لونا..
أنسجه حلما..
أعشقه كونا
أخطه حرفا..
فيكون ...)
(من قصيدة ريثما)

بقصائد مضيئة تقارب الحب بكل أحواله وأطواره، من تلاقٍ وافتراق، من حضور وغياب، من اشتعال وانطفاء. ھذا المبرّح الأبدي للقلب البشري.. ومُسكِّن التياعات الروح ومُبدِّد وحشتھا.. بأسلوب عذبٍ وعميق، يتراوح بين حسيّة مرھفة حيناً وصوفية قلقة حيناً. كأنّنا نقرأ في قصيدتها أكثر من قصيدة..

(ويُمشِّط شعري بأغنيات الزمن الجميل
يجدل ضفائري من تنفس الحقول وطمي الجداول
بشرائط من النارنج وشقائق نعمان
ويُفصّل تنانيري ألوانا من زهو العصافير الغريبة
...................
تكلم .. تكلم .. ولا تنتهي..!
أشعر في صوتك بذوبان كل اللغات
وانحسار المسافات
فأنمو همسةً همسةً
تستيقظ حواسي .. لمسةً لمسةً
تزهو وتورق أفناني..)
(من قصيدة يا لصوتكَ)

إنّ ديوان (ريثما...) يقدّم نماذج متقدّمة لقصيدة النثر، التي أصابها ما أصابها من قدْح وتجريح، نتيجة توهّم البعض أنّها أسهل أشكال الكتابة الشعرية.. وتحامل النقد غير البريء ضدها. وما أبلغ إيجاز د. عواد أبو زينة للسمات الجوهرية للديوان حينما كتب (الحُلمُ والخَلْقُ والصّنعة. عوالم ثلاثة متماهية متمازجة في ديوان "ريثما".)

ما نقرأه في ديوان المبدعة سعيدة عفيف، ھو التقابل بين وجود عنيف ومتوحش وظالم، ونزوع لعالم مفعم بالجمال والحرية الإنسانية، ھو الأمل بخلاص جمالي للإنسان.. شاعرة بقلم رشيق، تقتصد بالألفاظ وتسرف بالمعاني. ما يجعل من ديوانھا عملاً شعرياً لافتاً ومضيئاً.. تبدأ بـ (رھان) كبير، يتألّق فيه الشعر عبر قصائد متميّزة وعميقة، وتنتھي إلى جمال مشرق ينتشل الكون من وحشته، في قصيدة الديوان الأخيرة (سيدتي)..

فجودي بابتسامة غرّاء
تبعث الدفء جهارا
بأحشاء الكون الموحش البارد
وارعَيْ جمالا
هَدْهِديه بين ذراعيك
صنوا مقيما أبد الدهر
في عينيك..
(من قصيدة سيدتي)



#نبيل_محمود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طاحونة الزمان
- عيد المرأة والرياء الذكوري!
- قطوف
- !!!( 2014 )
- ((نجم)) و ((مانديلا))
- كلّ شتاء
- مثول الهوى
- الحكمة المتوارية
- ((مشروع الخراب الكبير)) من مناطق النفوذ إلى مناطق الأستثمار ...
- البحث عن البطل !
- مهارة انتاج الآثام !
- حديقة النجوم
- الرسالة المصرية
- رئيسان وراء القضبان! والشعب في الشوارع..
- عصف الأشواق
- عَشَرات
- جدل الشوق والشقاء
- بعد البحر دخلنا الدغل
- ديمقراطية الميادين!
- صروح وجروح


المزيد.....




- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل محمود - (ريثما...) ينقذنا الجمال !