أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد حميد الصباغ - حكايتي مع أبي














المزيد.....

حكايتي مع أبي


سعد حميد الصباغ

الحوار المتمدن-العدد: 4385 - 2014 / 3 / 6 - 07:39
المحور: الادب والفن
    


كان أبي والى عهد قريب يمتلك دكانا لبيع الأصباغ يقع في شارع باتا وهو أحد الشوارع التجارية الرئيسية في مدينة السماوة. ومنذ صغري أعتدت أن أساعد والدي في دكانه. وكان يحدث في أحيان كثيرة أن يطرأ شاغل لوالدي فيتركني وحدي في الدكان أدير شؤونه. كنت معتادا أن اخذ مصروفي اليومي من خزانة وارد الدكان(يُسمّى بالعراقي: الدخل). وبما انني كنت مولّعا جدا بشراء الكتب الجرائد والمجلات, فقد كنت أتجاوز في بعض الاحيان مصروفي اليومي فأزيد عليه قليلا أو كثيرا. رغم ذلك, لم يحدث قط أن سألني أبي أو حاسبني عن وارد المحل اليومي. فقد أولاني أبي ثقته المطلقة في أدارة الدكان والتصرف بوارده.

في مساء أحد الايام, طرأ شاغل لأبي أستدعى منه ان يغادر الدكان. وقبل ان يغادر أوصاني أن أدير شؤون الدكان وأن أتولّى قفله لأنه سوف لن يكون بأمكانه ان يعود في مساء ذلك اليوم.

في اليوم التالي ,قال لي أبي- وكنت موجودا معه في الدكان- أن هناك نقصا في وارد المحل قدره ثمانون دينارا( كان هذا المبلغ يساوي الكثير في تلك الايام), وسألني اذا كنت أعلم شيئا عن ذلك. أجبته بأنني لاأعلم من هذا الامر شيئا. سألني أبي اذا كنت قد تركت الدكان وقت غيابه, فأجبته بالنفي. تمتم أبي مع نفسه قائلا: " أذن أين ذهبت الثمانون دينارا ؟ " .
كان من الصعب عليّ أن اخفي علامات الحزن والوجوم التي أرتسمت ملامحها على وجهي, ولاحظ أبي عليّ ذلك فأقترب مني ورّبت على كتفي قائلا بكلمات تفيض حنانا: " بابا سعودي(هكذا كان ولايزال يناديني), لاتهتم لذلك, فربما أكون أنا مخطئا في حساب وارد المحل". أدركت أن أبي كان يحاول تخفيف آثار ماحدث رغم علمي انه لم يكن يشك في صدقي قيد أنملة.
جرّاء ذلك ,ظل الحزن والغم يلازمني أياما, حاولت أمي خلالها وبكلماتها الدافئة أن تمسح ضلال هذا الحزن الذي اكتنفني فلم تجدي محاولاتها معي نفعا, فقد كنت أشعر(وكنت وقتها لاأتجاوز الخامسة عشرة) بأنني السبب في ضياع ذلك المال. وأغتمّ جميع مَن في البيت لغّمي بما فيهم أخوتي وأخواتي وأصبح تفكيرهم وشاغلهم جميعا ليس في المال الذي فُقد وانما في معاناتي النفسية الكبيرة التي كنت أكابدها. حينذاك-وبدون أن أعلم- تشاور أبي مع أمي لغرض ايجاد سبيل لأخراجي من تلك المعاناة, فوضع أبي خطة محكمة تليق بفتى ساذج مثلي لكي تنطوي عليّ حيلتها.

بعد مضي اسبوع على أثر تلك الحادثة , ذهبتُ بصحبة أبي الى الدكان. قال لي أبي: " بابا سعودي, ربما تكون النقود التي فُقدت في مكان ما من الدكان, أريدك أن تبحث في أسفل خزانة النقود فلربما تكون قد سقطت هناك ". ولم يطل بي الانتظار لأنفذ ماقاله أبي, حتى أنحنيت على الارض ومددتُ يدي أسفل خزانة النقود محركا يدي يمينا وشمالا ومحاولا ان أصل الى أبعد نقطة يمكن ان تكون فيها النقود. وبعد محاولتين أو ثلاثة, أمسكت يدي بصرة فجذبتها خارجا رغم ضيق المكان. نظرت الى الصرة فأذا هي نقود قد لُفت بشريط مطاطي(لاستيك). لم أتمالك نفسي من الفرح فصحت: " أبي, لقد وجدتها, هاهي النقود التي فُقدت!؟ ", ثم نهضت واقفا مُسلما أبي النقود. وتمادى أبي في اخراجه المذهل للمسرحية التي اعدها لي بأتقان, فقال لي:
" أريدك أن تعد النقود ". رحت أعد النقود بسرعة وكلي أمل ان تكون ثمانون دينارا. يا الهي. ياليّ من فتى ساذج! لقد كانت النقود ثمانون دينارا لاتزيد ولا تنقص! ومن فرط سذاجتي انني لم أعّر انتباها الى ان النقود كانت مصفوفة بشكل مرتب جدا ومحاطة بشريط مطاطي! من قال ان السذاجة شيئا سيئا !؟ أحمدك ربي وأشكرك على سذاجتي في ذلك الوقت فلولاها ما كنت لأشعر بسعادتي في العثور على النقود!
أنطلقت الى البيت لأزُفّ لوالدتي الخبر السعيد. ما أن اخبرتها بذلك حتى هلّت دموعها. فهمت من دموع والدتي انها ما كانت مبتهجة بالعثور على النقود بقد ما كانت مبتهجة لأمارات السعادة وقد أرتسمت على وجهي أخيرا .

ومرت سنوات, حتى جاء يوم ذكّرتني امي بهذه الحادثة واخبرتني: " ان أباك لم يعثر على النقود التي فُقدت, وانه لما رأك بتلك الحالة, أعدّ لك تلك الخطة التي انطلت عليك لكي يزيل الحزن الذي خيّم على قلبك."
رباه. ما أجمل هديتك الغالية لي: أبي! رباه. أعني أن أرد جزءا من تضحياته وحبه ووفائه, وأنىّ لي ذلك ولو عشت أعمارا مديدة ؟ رباه: أجعل كل نفس من أنفاسي معطرا بحب أبي. رباه: أريد أن أعبدك, فمتعني بالنظر في وجه أبي! رباه: لقد طفح بي الوجد وأغتالني الشوق, فهل من سبيل أن اسعد برؤية أبي قبل أن أشد الرحال أليك؟ رباه:أعني على شوقي وغربتي واحفظ أبي وآباء كل الناس الخيريين.


أبي: " أنني أهمس اليك: أنني أحبك . هل تسمعني؟"


أبنك الذي قتله الحنين اليك
سعودي



#سعد_حميد_الصباغ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انجازاتنا في زمن الاختلاف
- شِعر


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري الكبير صلاح السعدني
- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد حميد الصباغ - حكايتي مع أبي