أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد بن زكري - ظاهرة السيسي















المزيد.....

ظاهرة السيسي


محمد بن زكري

الحوار المتمدن-العدد: 4375 - 2014 / 2 / 24 - 12:58
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا أظن أن ما فعله السيسي بتاريخ 3 يوليو 2013 ، يختلف كثيرا عمّا فعله طنطاوي بتاريخ 11 فبراير 2011 ، فتحصيل حاصل ان أيّا من الموقفين لم يكن (ثوريا) وليس له من علاقة بالثورة - بما هي كذلك - بصرف النظر عن الأهمية النسبية لكل منهما في سياق الظروف الموضوعية التي أفرزته - أو بالأحرى فرضته - عبر تقاطع قرار المؤسسة العسكرية مع الإرادة الشعبية ، في لحظة تاريخية فارقة ، ما كان للجنرالات - مع ما طرحته من احتمالات - إلا أن ينحنوا للعاصفة .
وعلى الرغم من (اضطرار) السيسي - كما اضطر سلفه طنطاوي - لإظهار الانحياز الى الشعب المنتفض غضبا ضد سلطة حكم الاستبداد والفساد .. متمثلة في مبارك أو مرسي ؛ فمن المؤكد أن كِلا (المشيريْن) إنما فعل ما فعله خوفا من الجماهير الغاضبة ، وليس استجابة لمطالبها أو تعبيرا عن تطلعاتها ، فالمارشال السيسي لم (ينقلب) في الواقع ضد نظام الإخوان المسلمين - والإخوان هم من يقود تيار الإسلام السياسي - خلافا لما يدّعيه إعلام الجزيرة ، بل إنه استبق تطور الحركة الاحتجاجية الشعبية الواسعة في الشارع .. إلى ثورة اجتماعية (لا زالت أسبابها وعواملها واحتمالاتها قائمة) للإطاحة بدكتاتورية النظام الراسمالي التابع في مصر ، فحركة السيسي استطاعت - مؤقتا - امتصاص احتقان الشارع جرّاء سياسات الإفقار والإقصاء ، التي مارسها الإخوان المسلمون ، امتدادا لممارسات نظام مبارك الساداتي ، الذي كان الإخوان جزءً منه على صعيد السياسات الاقتصادية والتوجه الراسمالي ، ذي الطابع الطفيلي الكومبرادوري التابع ، فضلا عما كان لهم من حضور سياسي في البرلمان .. كما في أوساط المجتمع المدني .
وكما انخدعت الجماهير - غير المسيّسة - بوهم انحياز المارشال طنطاوي وجنرالاته لانتفاضة 25 يناير ، بدافع من (الوطنية) لا بدافع من الحفاظ على جوهر النظام الراسمالي ومصالح الطبقة الحاكمة من رجال المال والأعمال ؛ فها هي نفس الجماهير تلدغ مرة اخرى من نفس الجحر ، وتنخدع بأكذوبة (المخلّص) ، التي يسوّق لها الإعلام الرسمي و إعلام أصحاب الملايين - بل المليارات - من أباطرة المضاربة في اسواق العقارات والاستثمار السياحي والمستفيدين من خصخصة منشآت القطاع العام ، لتظهير المارشال السيسي في صورة البطل الأسطوري الذي ارسلته السماء لإنقاذ الشعب من (الغولة) الإخوانية ، دون الانتباه إلى حقيقة الإبقاء على (دراكولات) الراسمالية مصاصة دماء الفقراء ؛ حيث تنخرط مئات الابواق (المحترفة) فضلا عن مئات التكنوقراط والجنرالات المتقاعدين والمحللين - والمحرِّمين - السياسيين مدفوعي الأجر .. في (زفة) فولكلورية متلفزة على مدى الأربع وعشرين ساعة يوميا ، من التطبيل والتزمير عبر برامج التوك شو ، والشعوذة الثورجية ، والنفاق السياسوي ؛ لصناعة نصف إله مقدس .. كان حتى الأمس القريب عضوا عاديا في آخر قائمة مجلس جنرالات المشير طنطاوي ، مع استدعاء اسم جمال عبد الناصر من التاريخ ، لإضفاء هالة من وهم (الزعامة الثورية) على المارشال السيسي ، الذي يصر على ان يظل لغزا غامضا ، لا أحد يدري شيئا عن توجهه الفكري او خياراته السياسية او موقفه من الأساس المادي للانقسام الاجتماعي والاستقطاب الطبقي الحاد ، الذي يرفع اقلية ضئيلة هي بضعة آلاف من الشعب المصري الى القمة ، بينما يلقي بأغلبية التسعين مليون فقير ومفقر الى الحضيض .
وفي لعبة الربيع العربي ، التي تحتفظ أميركا بخيوط التحكم في دُماها المحلية والإقليمية ، وتنفرد برسم الأدوار و (خلق) الشخوص في سيناريوهاتها المتغايرة والمتغيرة ؛ يبدو أن إعادة تأهيل الدولة الراسمالية في مصر تحديدا ، تقتضي - لديهم - أخذ خطوة إلى الوراء آنيّاً ، من أجل التقدم لاحقا خطوتين إلى الأمام ، و ذلك بإعطاء فرصة للمؤسسة العسكرية كي تتدارك الأوضاع المتفجرة و تمسك بزمام حركة الجماهير في الشارع ، حتى لا تنفلت كليّا فتصل الى نقطة اللاعودة وتصعب السيطرة عليها ؛ الأمر الذي يتطلب (أولا) صناعة و تصنيم (رمز) يختزل في ذاته (المتورمة) إرادة الجماهير وآمالها ، ويملك القدرة الاستثنائية على تلبية مطالبها ، وصولا الى أهداف : العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية ، التي كانت هي شعارات انتفاضة 25 يناير 2011 . ويتطلب في الوقت ذاته (ثانيا) تحريك الإسلاميين للدخول في مواجهة عدائية مفتوحة مع السلطة الجديدة ، تهدد السلم الاجتماعي والأمن القومي بانتكاسات موجعة ؛ الأمر الذي من شأنه أن يقلص مساحة التطلعات الشعبية ويخفض سقفها ، فتتراجع من مطالب العدالة الاجتماعية الناجزة ، في دولة ديمقراطية لكل ابنائها ، إلى طلب الأمن والأمان ، اكتفاءً بمجرد البقاء على قيد الحياة ، ضمن هامش ضيق من الحقوق والحريات ، على أطراف مجتمع التمايز الطبقي ، في دولة طرفية (مهمة جدا) من دول محيط النظام الراسمالي العالمي .
وفي هذه الأجواء الأمنية المتوترة ، محبوكة الإعداد والإخراج على مسرح أحداث (ثورة !) الربيع العربي في مصر ، والمصحوبة بضجيج (زفة) شعبوية عالية النبرة ، لصناعة الزعيم القائد (الفوهرر / الدوتشي) معبود الجماهير ، فإن صوت العواطف والغرائز البدائية يغطي على صوت العقل والمنطق ، فالجموع المحكومة بغريزة القطيع ، عبثا تحاول إقناعها بأن اليوم هو غير الأمس ، وأن التاريخ لا يكرر نفسه ابدا ، وأن عبد الناصر هو - تماما - غير السيسي ؛ لأن ظروف حركة التحرر الوطني العالمية ، وتأثير المد الاشتراكي بمختلف مدارسه الفكرية ، وطبيعة العلاقات الدولية والاستقطاب الثنائي .. خلال ستينيات القرن الماضي ، هي التي شكلت شخصية عبد الناصر - فضلا عن تكوينه الذاتي - استجابة لتحديات تلك المرحلة ، وهي غير الظروف التي نعيشها والتحديات التي علينا مواجهتها اليوم .
ولعل اختلاف موقف المملكة السعودية من نظام عبد الناصر عن موقفها من النظام المصري القائم - بما فيه للسيسي من دور وموقع - يوفر مؤشرا بالغ الدلالة ، في إطار توزيع أدوار لعبة الأمم دوليا وإقليميا للحقبة الزمنية الراهنة ، بقدر ما يوفر مدخلا جيوبوليتيكيّا لمزيد من فهم الإستراتيجية الأميركية لفرض الهيمنة على منطقة (الشرق الأوسط الكبير) ، خاصة مع تداعيات الأزمة المالية والاقتصادية الحادة ، التي تعصف بالاقتصاد الأميركي - أكبر اقتصاد راسمالي في العالم - فضلا عن الهزات الارتدادية للأزمة ، التي عمت أضرارها كل مراكز وأطراف النمط ؛ الأمر الذي يرتب - وطنيا - ضرورة فك الارتباط الهيكلي للاقتصاد المصري (نموذجا للاقتصادات العربية المتخلفة .. التابعة ، وبالأخص الاقتصادات الريعية كالاقتصاد الليبي) مع النظام الراسمالي العالمي ، والذهاب إلى خيار إيجاد صيغة (وطنية) عصرية لبناء مجتمع العدالة الاجتماعية ، تأسيسا على قراءة موضوعية للواقع وحاجات تغييره جذريا لمصلحة الأغلبية الشعبية الأقل حظا من ثروة المجتمع ، دون الإخلال بحقوق المواطنة للأقلية الطبقية ، التي (عليها) أن تمتثل لشرط التخلي عن طبيعتها الاستحواذية الجشعة ، وتعيد تموضعها في إطار الانتماء للشعب والولاء للوطن .
ولا أظن أن الظروف الموضوعية والذاتية لشاغلي المواقع القيادية العليا ، المتربعين على قمة هرم السلطة في نظم الراسمالية التابعة - أو من في حكمهم من رجال المال والأعمال - تؤهلهم لتَقدُّم صفوف القوى الشعبية على طريق الثورة الاجتماعية ، التي هي النموذج الوحيد - شكلا ومحتوى - لحركة التغيير التاريخية (الآن) باتجاه إعادة بناء المجتمع والدولة على أساس تكافؤ حقوق المواطنة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا بين الكافة . وذلك هو ما يخيف القوى الطبقية الاستغلالية الحاكمة ، من تحوّل الثورة الشعبية إلى ثورة اجتماعية ، فتعمد الى ركوب موجتها وتصنيع (رمز) تُسقط عليه كل الميزات - الوهمية - التي تجعل منه ضرورة تاريخية ، لقيادة ما يسمونه مرحلة الانتقال من الثورة الى الدولة ، التي لن تكون - في المحصلة النهائية - سوى نفس دولة الاستبداد والفساد التي كانت مستهدفة بالثورة الشعبية .
وبهذا المنظور و بإلقاء نظرة فاحصة على المشهد البانورامي المصري ، لا اظنني أظلم المشير السيسي عندما لا أطابق بينه وبين الزعيم الراحل عبد الناصر . ولن يمضي وقت طويل ، حتى يتبين للجماهير الثائرة أن السياسات الاقتصادية والمالية والاجتماعية المستهدفة بالثورة ، ظلت باقية على حالها لم تتغير ، وأن شيئا من أهداف الانتفاضة الشعبية الثورية لم ينجز ، وسوف تعي أنها كانت ضحية وهْمٍ كبير ، عندما تهيّأ لها أن التاريخ قد يعيد نفسه ؛ خاصة وأن الحراك الثوري من أجل العدالة الاجتماعية ، ينطوي بطبيعته على إمكانية تحرير الجماهير الثائرة - ولو تدريجيا و بدرجات متفاوتة - من وهْم امتياز النخبة وكاريزما القائد ؛ وارتقائها من ثم إلى مستوى وعي النخبة وتحمل مسؤولية القيادة ، فتفرز من بين صفوفها قيادات ثورية لإدارة شؤون الدولة والمجتمع ، بأعلى معايير الحكم الرشيد . ويُصار بالتالي إلى انحسار صناعة الآلهة .



#محمد_بن_زكري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مات الملك .. عاش الملك !
- فصول من تراجيديا الربيع العربي


المزيد.....




- اخترقت غازاته طبقة الغلاف الجوي.. علماء يراقبون مدى تأثير بر ...
- البنتاغون.. بناء رصيف مؤقت سينفذ قريبا جدا في غزة
- نائب وزير الخارجية الروسي يبحث مع وفد سوري التسوية في البلاد ...
- تونس وليبيا والجزائر في قمة ثلاثية.. لماذا غاب كل من المغرب ...
- بالفيديو.. حصانان طليقان في وسط لندن
- الجيش الإسرائيلي يعلن استعداد لواءي احتياط جديدين للعمل في غ ...
- الخارجية الإيرانية تعلق على أحداث جامعة كولومبيا الأمريكية
- روسيا تخطط لبناء منشآت لإطلاق صواريخ -كورونا- في مطار -فوستو ...
- ما علاقة ضعف البصر بالميول الانتحارية؟
- -صاروخ سري روسي- يدمّر برج التلفزيون في خاركوف الأوكرانية (ف ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد بن زكري - ظاهرة السيسي