أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية - فؤاد الصلاحي - المشهد السياسي اليمني ..تقدير موقف















المزيد.....


المشهد السياسي اليمني ..تقدير موقف


فؤاد الصلاحي
استاذ علم الاجتماع السياسي

(Fuad Alsalahi)


الحوار المتمدن-العدد: 4372 - 2014 / 2 / 21 - 10:12
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية
    


مدخل :
في اطار الانتفاضات الشعبية الموسومة بـ الربيع العربي كان اليمن على موعد مع انتفاضة 11 فبراير 2011 ضد نظام الرئيس صالح الذي حكم اليمن لمدة 34 عام وفق ادوات مناهضة للدولة وللقانون تعزيزا لدور القبيلة الحاشدية التي ينتمي اليها ويستند على قاعدتها الاجتماعية ووفق نزوات خاصة به جعلت من القرار السياسي اداة اعتباطية لاتخدم المواطن ولا تظهر مؤسسة الدولة حتى بابسط مظاهرها . ومع تزايد حدة السخط الشعبي والمظاهرات الفئوية خلال الفترة 2004-2011 وما ارتبط بها من حروب عبثية في شمال اليمن وظهور الحراك الجنوبي السلمي بدعواته المتدرجة من الحقوق المطلبية النقابية الى حقوق المواطنية التي خضعت للاقصاء وصولا الى سقف مرتفع في المطالب متمثلا بالانفصال وعودة الجنوب الى دولته المعلنة عام 90 اي قبل دولة الوحدة.
ووفقا للمسار الثوري في تونس ومصر وما خلقه من زخم حماسي لدى الشباب اليمني تبلور استنادا الى عوامل موضوعية في الداخل القيام بحركة شبابية شعبية اظهرت فاعليتها في احتلال الميادين العامة بدءا من ميدان الحرية بتعز وميدان بوابة جامعة صنعاء يوم الحادي عشر من فبراير وصولا الى سبع وثلاثين ساحة وميدان في عموم المحافظات اليمنية . هنا كسر الشباب حاجز الخوف من الاجهزة القمعية وسرعان ما اظهر الشعب تاييدا لهذا الموقف بل وتزايد الاصطفاف الشعبي من كل الفئات ومنها القبيلة والمرأة والحركات الاحتجاجية الجنوبية والشمالية ناهيك عن الاحزاب التقليدية .
هنا اظهر الربيع اليمني دهشة كبيرة للمراقب الخارجي والداخلي واظهر حضورا غير مسبوق في التاريخ الحديث والمعاصر حتى ان النظام نفسه لم يكن مصدقا لمايراه من فعل ثوري حاشد في عموم اليمن وكان مندهشا ومستغربا في كيفية تحقيق الاصطفاف الشعبي الذي لم يكن النظام ذاته قادر على تحقيقه.
الجدير بالذكر ان الانتفاضة الشعبية في اليمن –وفي الدول الاخرى- لم تكن بتخطيط من الاحزاب ولا بقياداتها فهي اضعف من ان تقود مثل هذه الانتفاضات الواسعة. فهذا ملمح ايجابي وجديد في حركية الشارع العربي. وان التحقت الاحزاب فيما بعد بالمسار الثوري لكن الشباب المتعدد في مكوناته السياسية ومرجعياته الاجتماعية ووفق تبلور وعي سياسي تجاه تراكم الازمات وحالات البؤس التي كان اليمن يعيشها تحت حكم نظام صالح هنا اظهر الشباب والشعب رغبة علنية في الانعتاق من اسر حكم معادي للنظام وللدولة وللشعب في آن واحد. بل ان اللانظام هو وصف حقيقي لطبيعة حكم الرئيس صالح طيلة ثلاثة عقود.
ومع وطأة الفعل الثوري حدث انقسام في المؤسسة العسكرية والقبلية وتحولت المواقف للكثير من الاحزاب والشخصيات الاجتماعية وبقدر ما كان يؤمل من هذا التحول بان يدفع بالمسار الثوري الى الامام كان معيقا لاكمال المسار الثوري بل تم تجميد هذا المسار والهرولة نحو التوقيع على مبادرة شكلت وأدا للمسار الثوري انطلاقا من مضمونها والياتها ومقصدها الرئيسي حيث تضمنت القول بالازمة التي يعانيها اليمن ولم تعترف بالثورة كمسار او كانتفاضة شعبية ومن هنا كان الموقعين على المبادرة هم من قبل بالمحاصصة كمنهجية مكنت الطرف الاخر من استعادة توازنه لبعض الوقت ومكنت الطرف الثوري من دفع فاتورة التغيير ارواحا ودماء دون الالتفات الي اهدافه وشعاراته بازعومة ان المبادرة كصلح سياسي وتحكيم اجتماعي تمثل الحكمة اليمانية التي لا اساس لها في ارض الواقع .
من الميادين الى المبادرة والحوار :
وحين كان المشهد الثوري في اوج عنفوانه وكان الشباب يهتف باعلى صوته ويرفع سقف مطالبه في تغيير النظام ومحاكمة الفاسدين والمجرمين قاتلي الشباب في مظاهراتهم السلمية هنا صكت الاحزاب اولى مفارقاتها مع الساحات ومع الثورة عبارة المسارين الثوري في الساحات مع الشباب والسياسي مع الاحزاب وفي الحوار مع الخصم والوسطاء . وهنا كانت المبادرة التي اعلنت نسختها الاولى في ابريل 2011 قد دخلت ورشة التعديل للمرة الثانية والثالثة حتى ان جاء شهر نوفمبر من العام ذاته الا ونص المبادرة موافق عليه من الاحزاب التي كانت تدعي انها معارضة وبين نظام الرئيس صالح وبواسطة خليجية سعودية في الاساس .
ولان نصوص المبادرة لاتتضمن اي اشارة الى الشعب وثورته او انتفاضته فانها اسمت المشهد السياسي "بالازمة " التي لابد وان يتم تجاوزها عبر اتفاق بين طرفي المعارضة والسلطة وهو اول نفي للمسار الثوري في وثيقة رسمية بل ودولية. وقد تضمنت الوثيقة الاتفاق بين الجانبين وبحضور الدول الراعية وهي عشر دول خمس خليجية وخمس دول غربية اهمها امريكا والمندوب الاممي جمال بن عمر. وقد نصت المبادرة على "الحفاظ على الاستقرار ووحدة اليمن وامنه وانتقال السلطة بطريقة سلمية بما يلبي طموحات الشعب في التغيير والاصلاح وتجنيب اليمن منزلق الفوضى والعنف وباعتماد توافق وطني تلتزم به كل الاطراف يكون ازالة التوتر السياسي والامني ووقف كل اشكال المتابعة والملاحقة". وهنا تم اعتماد منطق المحاصصة باقتسام حقائب الحكومة والمناصب الاخرى المتعددة مدنية وعسكرية وهنا تم اقصاء الشباب والثوار الحقيقيون رغم ان المبادرة لم يوقع عليها سوى احزاب محددة تتمثل في اللقاء المشترك (يضم ستة احزاب ) والمؤتمر الشعبي وحلفائه(خمسة احزاب) ومع خروج الرئيس صالح وتسلم نائبه مقاليد السلطة بحفل رسمي وحضور اقليمي ودولي اعقبه استفتاء ولا نقول انتخابات لان التصويت كان بنعم أو لا لمرشح واحد .
هذه المبادرة رغم انها جمدت الانهيار الكامل للدولة والمجتمع وارجأت الحرب الاهلية الى موعد قد يكون قادم في اي وقت نظرا لان المشهد السياسي المأزوم مفتوح الاحتمالات ، الا انها لم تلغي مشاهد الفوضى الامنية والعنف اللذان سادا كل ارجاء البلاد. هنا تشكلت حكومة وحدة وطنية باقتسام الحقائب بالمناصفة بين طرفي المبادرة وهو مدخل لعدم استقرار الحكومة وعدم فاعليتها فكل طرف فيها تفنن في اعاقة عمل الطرف الاخر . وخلال عامين من عمر هذه الحكومة لم يكن لها من نصيب في الانجازات سوى بقائها في موقعها دونما اثر ملموس على ارض الواقع والقياس هنا بحجم الاهداف والتوقعات الشعبية وبمدى تحقيقها لنصوص المبادرة الخليجية وللعلم هذه الحكومة لاتعتبر حكومة الثورة بل حكومة وفاق جاءت بها المبادرة وفق محاصصة حزبية اعلنت الاحزاب حينها بان هذه الحكومة تشكل تعبيرا عن فاعلية الانتفاضة الثورية وان مهمتها اكمال مسار التغيير السياسي.
ولان عدم الثقة هو السائد بين مختلف مراكز القوى والاحزاب السياسية فقد شهدت اليمن تحركات مدنية وعسكرية لارباك المشهد السياسي وتصعيدا من كل طرف ضد الاخر ، هنا شهدنا مظاهرات للعسكر وللمدنيين من اتباع الفريقين ضد بعضهما في مختلف المدن وخاصة العاصمة . كما شهدت اليمن موجة من الاغتيالات للعسكريين والامنيين (70ضابط امن ) والمدنيين ولاتزال مستمرة كان اخرها اغتيال اثنين من اعضاء مؤتمر الحوار ومحاولاتي ااغتيال لامين الحزب الاشتراكي ، ناهيك عن تخريب شبكة الكهرباء لتغرق البلاد في ظلام لمدة ثلاث سنوات يحصل المواطن فيها على ساعات محدودة من الاضاءة ليلا او نهارا .
ومع البدء في اصدار قرارات لهيكلة الجيش والامن تصاعد العنف والتمرد داخل بعض الوحدات العسكرية رفضا لهذه القرارات التي نفذ بعضها بحوارات اوربية وخليجية مع جميع الاطراف وبتهديد مباشر باصدار عقوبات من مجلس الامن هنا تم اخراج اقارب الرئيس من مواقعهم القيادية الى مواقع اخرى مدنية ودبلوماسية مع الابقاء على الاخرين بتدوير مواقعهم واماكن وظائغهم وهنا اصبح الرئيس والحكومة محكومان بتوازن مراكز القوى وبتوازن الرعب بين الطرفين وكان هاجس الامن والاغتيالات اهم مؤشر في توجهات الرئيس وحكومته خاصة وانالرئيس قد تعرض لمحاولة اغتيال في مكتبه بوزارة الدفاع.
ومع تزايد سؤ الاوضاع الاقتصادية وفقا لارتفاع الاسعار والاحتكار وضعف فاعلية الحكومة وعدم ايفاء اصدقاء اليمن بوعودهم المالية ظهرت ملامح البؤس والفاقة في عموم البلاد وتزايد السكان الفقراء الى نحويزيد عن 60% ممن يعيشون بدولارين في اليوم اضافة الى ارتفاع معدلات البطالة 46% من قوة العمل وتسرب الاطفال من المدارس مع انتشار للامراض والاوبئة (حمى الضنك،الملاريا،). في هذا السياق كان المشهد العام قلقا ينذر بتجدد دورات العنف التي كانت تظهر بين الحين والاخر ، هنا تزايدت حالات الاختطاف لاجانب ويمنيين وقطع الطرق والاعتداء على المؤسسات العمومية وتزايد تهريب الاسلحة الى حركات وجماعات متعددة ،كما صعدت الجماعات الارهابية والقاعدية هجماتها على منشآت اجنبية وحكومية وحاولت جماعات تكفيرية متشددة الاستيلاء على مدن واماكن تعتبرها بدايات لدولتها الاسلامية (محافظة ابين في الجنوب) .
ولان المشهد السياسي اليمني ليس معطى محلي بل هو معطى اقليمي ودولي فكان للخارج صوت وكلمة مقررة في المشهد السياسي بدءا من التوقيع على المبادرة وتشكيل الحكومة واعتماد المواجهة نحو تعقب الجماعات التكفيرية والقاعدية وكذلك تجاه التسوية السياسية التي اتجهت خطواتها قدما نحو الحوار الوطني من خلال تشكيل اللجنة الفنية للحوار ومهمتها اعداد منهجية الحوار وقضاياه الرئيسية وتحديد حجم اعضاء مؤتمر الحوار وكيفية تمثيلهم للاحزاب والمكونات السياسية والشبابية والمرأة والمجتمع المدني باجمالي 565 عضوا.
ومن حيث الشكل والمظهر كان هناك تمثيل غير مسبوق للشباب والمرأة والمجتمع المدني فكان للمرأة حضور بعدد 159 سيدة بنسبة تصل الى 30% وكان 20%للشباب . لكن اللجنة الفنية المشكلة من امناء عموم الاحزاب وبرئاسة الرئيس هادي وضمت اخرين مثلها مثل لجان المؤتمر كانت الفاعلية لمراكز القوى عبر ممثليها واتباعها .وبدلا من ان يتجه الحوار نحو أس الازمة بتعبير الوثيقة او أس الاشكالية وفق اهداف الانتفاضة وهي بناء الدولة وحل القضية الجنوبية تم اعتماد 13 قضية يتم تقسيم المتحاورون الى لجان بعدد القضايا ومنها لجنة واحدة تهتم بمسألة بناء الدولة مما ادخل المؤتمر في تعويم مقصود وممنهج خلال عام تخلله عنف ومقاطعات وانسحاب للبعض وتجميد عمل لبعض اللجان ثم سرعان ما يتم التدخل من المندوب الاممي وسفارات الدول الراعية للمبادرة. وفي نهاية المطاف يتم الاعلان عن وثيقة المؤتمر التي تم الاحتفاء بها رسميا ونقدها شعبيا لانها لم تتضمن الصيغة المطلوبة والمتوقعة لانهاء كل مظاهر الفوضى والاختلالات خاصة وانها –اي الوثيقة- لم تتضمن اي ضمانات حقيقية للتنفيذ بل انه قد أوكل تنفيذ بعضا من مقرراتها للحكومة التي هي محل نقد شعبي واسع لاخفاقها في تحقيقي اي انجاز خلال عامين. لكن الوثيقة والرئيس هادي دفعوا بقضية واحدة الى الواجهة الاعلامية وهي ذات اهمية وخطورة تلقفها المجتمع وكان القصد منها نقل جزء من الصراع السياسي من دوائر الدولة والحكومة الى قاع المجتمع ونعني بها قضية الاقاليم والحكم الفيدرالي التي شكلت مجالا لحوارات متجددة داخل الشارع اليمني.
مقررات مؤتمر الحوار الوطني وعوامل النجاح والفشل:
اضافة الى اهمية الحوار ذاته بين مختلف المكونات السياسية والحزبية والاجتماعية وهو عمل ايجابي حيث يجلس المتحاورون وفق اجندة محددة يتكاشفون في مطالبهم خاصة وان المؤتمر اظهر نزقا في الحوار وتطرفا في المطالب من البعض واعتماد مساومات في قضايا محددة لتمرير قضايا اخرى ، هنا كان لعامل الوقت والمواجهة المباشرة اثرها في انجاز مقررات المؤتمر في مختلف المجالات عدا مجال بناء الدولة والقضية الجنوبية التي تم التفويض بها من المتحاورين للرئيس هادي وللمندوب الاممي وهي نقيصة اساسية في مخرجات المؤتمر وفي اداء المتحاورين انفسهم. ومع ذلك فقد توصل الجميع الى اقرار وثيقة عامة لاتعبر عن اجماع وطني بقدر انها تعبير عن اجماع حزبي وسياسي لان اعضاء مؤتمر الحوار يمثلون الاحزاب التقليدية اضافة الى الحراك الجنوبي والحوثيين وهماالطرفان اللذان لم يوقعا على المبادرة الخليجية ، زد على ذلك ممثلي الشباب والمرأة والمجتمع المدني وجميعهم تم اختيارهم بمعرفة الاحزاب ومراكز القوى .
الجدير بالذكر ان جميع مخرجات الحوار ليست اكثر من توصيات او مقترحات التزم الجميع بالعمل بها لكن الضمانات الحقيقية لتنفيذها غائبة والدليل على ذلك ان اطراف ثلاثة رئيسية اعترضوا بل ورفضوا التقسيم المقترح بعدد الاقاليم الستة وهو مقترح الرئيس ولجنة الاقاليم . ومجمل القرارات تشير الى مجالات الحوار الخاصة بالدولة والتنمية والعدالة الانتقالية وحقوق الانسان والقضية الجنوبية وقضية صعدة وتمكين المرأة والمهمشين وتعزيز الحوكمة والنزاهة في ادارة الدولة والحكومة واستكمال هيكلة مؤسسة الجيش والامن . لكن في الاهمية والصدارة يأتي قرار اعلان اليمن دولة اتحادية مكونة من ستة اقاليم ثم تلى ذلك التأكيد على اهمية الدولة اليمنية الحديثة في اطار وحدة الارض والانسان ،وضرورة تفعيل دور الدولة بالياتها المؤسسية والقانونية وسيطرتها على جميع اراضي البلاد ،وانهاء العنف والفوضى الامنية والعمل الدؤوب لتحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية والاسراع بملف العدالة الانتقالية بالتأكيد على عملية المصالحة والتسامح تعزيزا للاستقرار والوحدة الوطنية.
في هذا السياق ووفقا للمدى الاجرائي للحوار زمنيا فانه انهى اعماله بالتوافق على غالبية المقترحات والتوصيات وقدم اعلاميا ورسميا كمؤتمر ناجح علل ذلك بانتصار الحكمة اليمانية والرغبة في تحقيق الاستقرار وبناء الدولة .لكن الواقع الاجتماعي في تلقى مقررات الحوار لايقول بنجاحه ، فهناك اعتراض قوى من الحراك وغالبية ابناء الجنوب الذين يرون خلاص قضيتهم باستعادة الدولة الجنوبية أو باعتماد حل الاقليمين لمدة خمس سنوات يعقبه استفتاء شعبي ،وهناك النخبة الثقافية لاترى في المؤتمر نجاحا قدر انتهاء مسار زمني محدد لان مخرجاته لا تعدو كونها مجرد توصيات لم تلامس القضايا الاساسية والجوهرية التي كانت مطلبا شعبيا في ساحات التغيير .
واما مسألة تحويل اليمن الى دولة اتحادية، فقد كان الامر محل نقاش وتوافق منذ الاربعينات من القرن العشرين بل وما قبله فهناك حوار بين الامام يحي وعدد من السلاطين في الجنوب ،وفي ثورة 48 تضمن دستورها تأكيد على اللامركزية لتفعيل الحكم المحلي ، ثم محاولة تاسيس الاتحاد الفيدرالي عام 55 ثم تناول اهم الرموز الوطنية في كتاباته وهو النعمان الاشارة الى خيار الفيدرالية والحكم المحلي وجدد الطرح لهذا الموضوع قبل حرب صيف 94 من الحزب الاشتراكي واعيد الطرح بعد الحرب كمخرج لتلك الازمة التي نجمت عن حرب انتصر فيها طرف على طرف اخر داخل بلد واحد.
واهم الصعوبات التي يمكن أن تعترض تطبيق مخرجات الحوار ان المتحاورين انفسهم ليسوا محل ثقة مع بعضهم وان هناك مشاريع كنتونية غير معلنة للبعض يذهبون اليها عمليا ومنها توسع الحوثيين في السيطرة العسكرية على مناطق تتجاوز محافظتهم الاساسية ،ومحاولة رموز القبيلة تجديد فاعليتها وفق ادعائها بنصرتها للثورة، ثم ان تنفيذ المقررات يتطلب حكومة كفاءات وطنية محايدة لتتمكن من العمل الجاد بعيدا عن الانتهازية الحزبية ومنطق الصفقات المتبادلة. وفي حال الاسراع باعادة الاعتبار للدولة وتحقيق قدرا من الاستقرار وتحسين معيشة المواطنين يكون المجتمع هو المستفيد الاول ، لكن استمرار المحاصصة الحزبية تجعل المجتمع هو الخاسر والاحزاب بقياداتها وازلامها هم المستفيدون ، مع العلم ان جميع الاحزاب في اليمن لايتجاوز عدد اعضائها عشرة في المائة من اجمالي السكان. وهناك عوامل خارجية لاتهتم لامر بناء دولة وطنية قوية في اليمن منها دول الجوار الخليجي خاصة السعودية كما ان حلفائها في الداخل (القبيلة ومراكز القوى العسكرية) يريدون دولة تنقاد لهم وتمكنهم من الحضور السياسي والمجتمعي وهو امر يفقد الدولة حضورها ويقلل فاعليتها .
كما ان المجموعات الارهابية والتكفيرية والقاعدة ترى في حضور الدولة والاستقرار عوامل منافية لحضورها ، لكن المؤكد ان الاطراف الاقليمية والدولية لاتريد دولة منهارة للعواقب الامنية الخطيرة على مصالحها ولذا تريد دولة تقوم بدور الشرطي لمصالحها ، مع ان الوثيقة تتحدث عن دولة وطنية بمظاهرها المدنية الديمقراطية وهو تعبير شكلاني دون القصد السياسي، لان الوثيقة لم تتضمن اي اشارة الى دور مراكز القوى التقليدية في اضعاف الدولة وضرورة تجاوزهم بل اعتبرتهم واحدا من مكونات العمل السياسي واعتمدت الحكومة اليمنية موازنة ماليه لهم تتجاوز ميزانية البحث العلمي .
وتبقى مسألة التدخلات الاقليمية والدولية في الشأن اليمني خاصة وان الازمة الراهنة اظهرت مجموعات وحركات تمد يدها طلبا للمعونة والدعم وهنا اصبح اليمن او يكاد يكون ساحة للصراع الاقليمي والدولي في تصفيات سياسية ومذهبية لاتخفي نفسها . والدليل على ذلك تجدد المواجهات الدائرة مع الحوثيين والقبيلة ممثلة بآل الاحمر المدعومين حزبيا وعسكريا وانتقال المواجهات الى اكثر من مكان وصولا الى تخوم العاصمة صنعاء. بل وفي داخل العاصمة من خلال الحشود والاستعراضات الشعبية في اكثر من مناسبة . هذه المواجهة بقدر ما تنهك طرفيها الا انها جعلت من الدولة متفرجا وغير فاعل في ضبط او منع تلك المواجهات وان كان بعض المراقبون يرون في سلبية الدولة رغبة غير معلنة لدى الرئيس في انهاك الخصمين واضعافهما .
ومع ذلك فان رفض الحوثيين والحراك الجنوبي والحزب الاشتراكي لاهم مقررات الحوار المتمثل في صيغة الاقاليم المكونة للدولة الاتحادية قد يجعل من تطبيق الوثيقة وتنفيذ بنودها امرا مؤجلا الى حين او يعصف بها نهائيا . ولدينا في تاريخنا السياسي سوابق تؤكد ما نذهب اليه حيث تم العصف بوثيقة العهد والاتفاق وهي اهم وثيقة سياسية ينجح اليمنيون في اعدادها والتوافق عليها عام94 بحضور اقليمي ودولي غير مسبوق وقبل ان يجف حبر التوقيع عليها التهبت الارض اليمنية بالحرب بين طرفي الازمة معلنة نهاية الوثيقة وفشلها.
اخيرا يدرك ابناء اليمن جميعا النخبة والعامة بان الحوار هو الفرصة الاخيرة لانقاذ الدولة والمجتمع ومنع تمدد الفوضى وتعميمها ورغبة من الجميع بالخروج من الازمة واعادة الاعتبار للدولة وتحقيق تطلعات المجتمع بالاستقرار والتنمية وهو امر محل مساومات من مراكز القوى حزبيا وقبليبا وعسكريا وهنا مكمن الخطر الرئيسي على البلاد وعلى فشل الوثيقة ومقررات الحوار الوطني. هذا ان لم تبرز دورة جديدة من العنف والمواجهات العسكرية او اتجاه احد الاطراف استنادا الى القوة العسكرية والقبلية بالتنسيق مع حلفائه بالخارج الاقليمي بتنفيذ انقلاب لفرض امر واقع يعيد اليمن الى مربع العنف وبداياته الاولى.



#فؤاد_الصلاحي (هاشتاغ)       Fuad__Alsalahi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المخلص ... رمز الميثولوجيا السياسية في الفكر العربي
- في اليمن..الغباء السياسي والصدفة التاريخية
- الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟
- برجوازية طفيلية وحكومات فاسدة ..؟
- اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟
- اليسار الجديد.. رؤية نقدية


المزيد.....




- من أثينا إلى بيروت.. عمال خرجوا في مسيرات في عيدهم فصدحت حنا ...
- بيربوك: توسيع الاتحاد الأوروبي قبل 20 عاما جلب فوائد مهمة لل ...
- نتنياهو: سندخل رفح إن تمسكت حماس بمطلبها
- القاهرة وباريس تدعوان إلى التوصل لاتفاق
- -حاقد ومعاد للسامية-.. رئيس الوزراء الإسرائيلي يهاجم الرئيس ...
- بالفيديو.. رصد وتدمير منظومتين من صواريخ -هيمارس- الأمريكية ...
- مسيرة حاشدة بلندن في يوم العمال
- محكمة العدل الدولية ترد دعوى نيكاراغوا
- خردة الناتو تعرض في حديقة النصر بموسكو
- رحيل الناشر والمترجم السعودي يوسف الصمعان


المزيد.....

- واقع الصحافة الملتزمة، و مصير الإعلام الجاد ... !!! / محمد الحنفي
- احداث نوفمبر محرم 1979 في السعودية / منشورات الحزب الشيوعي في السعودية
- محنة اليسار البحريني / حميد خنجي
- شيئ من تاريخ الحركة الشيوعية واليسارية في البحرين والخليج ال ... / فاضل الحليبي
- الاسلاميين في اليمن ... براغماتية سياسية وجمود ايدولوجي ..؟ / فؤاد الصلاحي
- مراجعات في أزمة اليسار في البحرين / كمال الذيب
- اليسار الجديد وثورات الربيع العربي ..مقاربة منهجية..؟ / فؤاد الصلاحي
- الشباب البحريني وأفق المشاركة السياسية / خليل بوهزّاع
- إعادة بناء منظومة الفضيلة في المجتمع السعودي(1) / حمزه القزاز
- أنصار الله من هم ,,وماهي أهدافه وعقيدتهم / محمد النعماني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في الخليج والجزيرة العربية - فؤاد الصلاحي - المشهد السياسي اليمني ..تقدير موقف