أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - خالد خالص - استقلال القضاء عن سلطة المال















المزيد.....

استقلال القضاء عن سلطة المال


خالد خالص

الحوار المتمدن-العدد: 1242 - 2005 / 6 / 28 - 12:24
المحور: حقوق الانسان
    


استقلال القضاء عن سلطة المال و عن سلطة النفس الأمارة بالسوء

قال صلى الله عليه و سلم "كاد الفقر أن يكون كفرا". و قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه "لو كان الفقر رجلا لقتلته "، ومن تم وجبت محاربة العوز المادي داخل الجهاز القضائي برمته و تمكينه من جميع الإمكانات التي تصون كرامة أفراده و كرامة ذويهم، و قد عمل المغرب في هذا الاتجاة منذ سنوات خلت حيث أصبحت وضعية القضاة وضعية مريحة بالمقارنة مع رجالات من نفس المستوى الجامعي يعملون في قطاعات أخرى إلا أن الملاحظ هو الخطر الذي يهدد هذه المؤسسة برمتها من خلال داء الرشوة الذي تفشى و بشكل مهول داخل جهاز العدل. و قد جاء في تقرير ترانسبارانسي المغرب ليوم 6 يناير 2004 أن البحوث الميدانية حول النزاهة تؤكد "المستوي المرتفع الذي بلغته الرشوة في بلادنا و مدى الابتذال الذي وصلت إليه هذه الظاهرة، إذ لم يعد بإمكان أحد أن يدعي أن هذه الظاهرة غير معروفة في بلادنا أو أنها بمثابة انحراف يمكن تقويمه بإجراءات ظرفية".
و الرشوة في القضاء هي ما يعطى لمن لا يستحق على حساب من يستحق وذلك بغية كسب قضايا ما كان لها ان تكسب دون مقابل والراشي لا يدفع رشوته إلا لأنه يعلم أن هناك حق لغيره يرغب هو في هدره.
والرشوة آفة اجتماعية تنخر الجسد الاجتماعي لأنها إعانة على الظلم و العدوان و هدر لكرامة الإنسان لما يترتب عنها من ضياع للحقوق و فساد للمجتمع. وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم "لعن الله الراشي و المرتشي و الرائش" أي الوسيط بينهما .
والرشوة داخل الجهاز القضائي دلالة على فساد القضاء و موت الضمير و ترك الأخلاق والتنافس على تقديم الرشوة بدل التنافس على تقديم البينة، و الرشوة تربك القانون و تضعف المدافعين عنه بل هي تقتل القانون المتعارف عليه و تبرز قانون المال وتزيل كل وقار على القضاء.
وإذا كانت الرشوة في المجتمع تعبر عن فساد دوائر الدولة وغياب الرقابة و موت الضمير وترك الأخلاق واعتبار المادة دون غيرها فإن تفشيها في الجهاز القضائي هو مؤشر على هلاك الدولة برمتها باعتبار ان السلطة القضائية التي من المفروض أن تحارب الرشوة هي نفسها مرتشية.
حقيقة أن المشرع واع بمرض المجتمع هذا وقننه بالنسبة للقضاة حيث يمنع على هؤلاء أن يباشروا إلى جانب مهامهم أي نشاط بأجر أو بدونه باستثناء التعليم إذا رخص لهم بذلك وزير العدل، وإذا كان زوج القاضي يمارس نشاطا خاصا يدر عليه نفعا صرح القاضي بذلك لوزير العدل ليتخذ أو يأمر باتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ على استقلال القضاء و كرامته ( الفصل 15 من النظام الاساسي لرجال القضاء )، كما يلزم المشرع القاضي بالتصريح كتابة بما يملكه من عقار و قيم منقولة وكذا ما يملكه منها زوجه وأبناؤه القاصرون ويقدم تصريحا إضافيا فورا كلما حدث تغيير في وضعيته المالية (الفصل 16)، و يتتبع وزير العدل ثروة القضاة وأعضاء عائلتهم ويمكنه بعد موافقة المجلس الأعلى للقضاء أن يقدر ثروة القضاة بواسطة التفتيش (الفصل 17). إلا أن الملاحظ هو أن هذه النصوص بقيت منذ أزيد من ثلاثة عقود حبرا على ورق، إذ الكل يعرف الثروات الهائلة لكثير من القضاة لم يكونوا يملكون شيئا عند التحاقهم بمهامهم، وأصبحوا بين عشية وضحاها من أصحاب الفيلات والضيعات والعمارات والسيارات الفخمة، ناهيك عن مستواهم المعيشي اليومي المرتفع جدا، ودون أن تقوم الوزارة المكلفة بالتدقيق في مصدر هذه الثروات.
ولا يمكن لأحد أن يجادل في تفشي آفة الرشوة لدى الكثير من القضاة ومن يدور في فلكهم، فتقارير ترانسبارانسي المغرب في متناول الجميع للاطلاع على هذا الورم الخبيث الموجود في جسم القضاء. وأمام السيل الذي بلغ الزبى في جميع أنحاء المغرب فإن صحافيا كتب "إن النار قريبة من الحطب بأكثر ما تتحمله سلامة البلاد " . ولا يمكن القضاء على هذه الآفة إلا بالإرادة السياسية المنعدمة في بلادنا، والتي إن هي تحركت أعيدت الثقة للمواطن في إدارته و في قضائه ومن تم في وطنه. حقا إن المشرع أدخل تعديلا جوهريا على القانون الجنائي عن طريق تشديد العقوبات الخاصة بجرائم الاختلاس والغدر واستغلال النفوذ والارتشاء، وذلك بالتشديد في العقوبات السالبة للحرية والرفع من العقوبات المالية كما تمت إضافة عقوبة المصادرة لفائدة الدولة كعقوبة إضافية، وتمديدها لتشمل الأموال والقيم المنقولة والممتلكات والعائدات المتحصلة من ارتكاب الجريمة أيا كانت هذه الأموال، وأيا كان المستفيد منها. كما أضيف لمجموعة القانون الجنائي فصل جديد يتمتع بموجبه الراشي المبلغ عن الجريمة للسلطات القضائية بعذر معف من العقاب، وذلك لتشجيع التبليغ عن جريمة الرشوة. إلا أن الإرادة السياسية لا زالت تتردد في هذا المجال وربما أنها تنتظر الضوء الأخضر من جهة معينة لتنطلق في دق الطبول كعادتها.
و ملخص القول أن القاضي إذا لم يستطع التحرر من جذب المال الحرام فإنه يقضي على الثقة في القضاء وعن وقار القضاء ومن تم يقضي على مصداقية الدولة.
ولا يمكن للمحامي مهما بلغت درجة كفاءته وحنكته أن يقوم بمهامه وهو غير مطمئن لقاض مرتش إذ بدل التنافس على الأدلة والأدلة المضادة فإن المنافسة تنتقل إلى من سيعطي الأكثر من المال.
ولا بد من الوقوف هنا على الدور الذي تلعبه بعض العناصر الفاسدة من المحامين كذلك في نشر الرشوة في عالم القضاء، إذ أصبح البعض منا "سماسرة" لبعض القضاة يشاركونهم و يقتسمون معهم المال الحرام، فانعدام الشعور بالمسؤولية أدى إلى سريان حالة من الاستهتار لدى البعض منا، استهتار بالقوانين واستهتار بالمتقاضين واستهتار بمهنة الدفاع وبالقضاء ككل والنتيجة هي ما آلت إليه مهنة المحاماة من عدم ثقة المجتمع في الأفراد المكونين لها إذ عاد هذا المجتمع ينظر للكثير منا نظرة احتقار لما نقوم به من مساعدة على هدر الحقوق.
ولابد من تقويم العناصر الفاسدة أو استئصالها إن لم تنفع فيها عملية التقويم سواء تعلق الامر بالقضاة أو بالمحامين الذين يشاركونهم في تخريب عالم القضاء لتعود الثقة في هذا الأخير من طرف المتقاضين وتصح مقولة العدل أساس الملك.
ومن جهة أخرى، فإن الاستقلال فضيلة لا تمنح فقط بالقوانين بل يجب استحقاقها على أرض الواقع. والقاضي بطبيعة الحال فرد من أفراد المجتمع ينتمي لعائلة معينة وينتمي لمنطقة معينة أو لقبيلة معينة أو لعرق معين، كما يمكن للقاضي أن يكون له تعاطف مع جهة سياسية معينة بالرغم من أن المشرع يمنع عليه كل نشاط سياسي وكل موقف سياسي ( الفصل 13 من النظام الأساسي لرجال القضاء ). فلا يكفي القاضي الابتعاد عن سلطة المال، بل عليه أن يتحدى تنازع المصلحة الشخصية أو العائلية أو العرقية أو القبلية أو السياسية ليبرهن للجميع على أنه فعلا محايدا مستقلا وقورا.
ويشعر المحامي أمام هذا القاضي بنوع من الارتياح لأنه في قرارة نفسه مؤمن باستقلاله عن سلطة المال وعن سلطة النفس الأمارة بالسوء.



#خالد_خالص (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محطات تاريخية لاستقلال القضاء
- استقلال القضاء وانعكاسه على مهنة المحاماة
- مدخل لدراسة اعراف وتقاليد مهنة المحاماة
- انعكاس استقلال القضاء على دور المحامي وعلى مهنة المحاماة
- المرأة و المحاماة
- المحاكم الالكترونية
- الطفل ذي الأمّين و الرجل الحامل و البقية تأتي
- المحامي ما فائدته ؟ - السر المهني للمحامي
- نحن معشر القضاة
- السر المهني للطبيب
- III-المحامي ما فائدته؟ دفاعا عن مهنة المحاماة
- الاجراءات المتبعة في دعوى التعويض الادارية
- قاضي الاستقبال
- الولوج الى مهنة المحاماة و التمرين
- مشروع قانون تنظم بموجبه مهنة المحاماة
- المحامي ما فائدته؟ دفاعا عن مهنة المحاماة
- المحامي ما فائدته


المزيد.....




- مغني راب إيراني يواجه حكماً بالإعدام وسط إدانات واسعة
- -حماس- تعلن تسلمها ردا رسميا إسرائيليا حول مقترحات الحركة لص ...
- تحتاج 14 عاماً لإزالتها.. الأمم المتحدة: حجم الأنقاض في غزة ...
- اليمنيون يتظاهرون في صنعاء دعماً للفلسطينيين في غزة
- عائلات الأسرى تتظاهر أمام منزل غانتس ونتنياهو متهم بعرقلة صف ...
- منظمة العفو الدولية تدعو للإفراج عن معارض مسجون في تونس بدأ ...
- ما حدود تغير موقف الدول المانحة بعد تقرير حول الأونروا ؟
- الاحتلال يشن حملة اعتقالات بالضفة ويحمي اقتحامات المستوطنين ...
- المفوض الأممي لحقوق الإنسان يعرب عن قلقه إزاء تصاعد العنف فى ...
- الأونروا: وفاة طفلين في غزة بسبب ارتفاع درجات الحرارة مع تفا ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - خالد خالص - استقلال القضاء عن سلطة المال