أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - بدور زكي محمد - عندما لا نسمي الأشياء بأسمائها















المزيد.....

عندما لا نسمي الأشياء بأسمائها


بدور زكي محمد

الحوار المتمدن-العدد: 4360 - 2014 / 2 / 9 - 15:40
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    



يرد مصطلح "الفكر الإرهابي" في كثير من المقالات السياسية، وفي دراسات وكتب تتطرق لكيفية معالجة ظاهرة الإرهاب التي اصبحت مرافقة للتغييرات السياسية في بلدان عدة. ويبدو لي أننا نحتاج لوقفة طويلة أمام ما يعنيه هذا المصطلح، وهل حقاً إن المجموعات المسلحة التي تمارس أفعال الخطف والقتل والتعذيب والإغتصاب والقرصنة، تمتلك زوايا في عقلها الجمعي تتيح لها أن تصوغ أي فكر؟
باعتقادي أن معظم من يرددون ذلك المصطلح إنما يتجنبون المساس بمقولات فقهية قديمة، أو فتاوى اكتسبت بمرور الزمن حصانة من النقد، بخاصة في أيامنا هذه التي جفّت فيها منابع التأمل، وتراجع العقل العام أمام سيل الدعاة على اختلاف مذاهبهم وأغراضهم، الذين يقصفون آذاننا كل يوم بفتاوى غليظة. الإرهابيون لا طاقة لهم على التفكير، ولا وقت لديهم، وأغلبهم يتبعون مقالات القدماء، حفظوها عن ظهر قلب دون أن يعوا مضامينها السياسية والإجتماعية.
وحتى نسمي الأشياء بأسمائها، نحتاج إلى توجيه الإنتباه إلى فتوى قديمة، للفقيه الحنبلي إبن تيمية ( توفى في العام الهجري 728)، استدعت في زمانها استنكار جمهرة من علما الدين، ومفادها التالي: إن زيارة قبر الرسول (ص) معصية، ومن يتوسل به أو يطلب شفاعته، مشرك. ولغرابة هذه الفتوى فإن بعض علماء عصره كفروه واعتبروا ماجاء به انتهاكاً لمكانة الرسول السامية، كما انبرى خطباء كثر يحذرون الناس من خطورة ما قاله، وكان أولئك أكثر وعياً من أغلب رجال الدين والدعاة في عصرنا. والإرهابيون حين يهاجمون زوار المقامات، وينبشون قبور الصحابة، إنما يطبقون فتوى معلمهم القديم، فمادام زائر مرقد الرسول مشرك وعاصي، فكيف يكون زائر مرقد الحسين في العراق، ومسجده في مصر، وكيف يكون زائر السيدة زينب، وحجر بن عدي في سوريا؟ هل جاؤوا بفكر من عندهم، أم أنهم متّبعون طائعون؟ أليس أحرى بعلمائنا أن يجتمعوا على رأي ليفنّدوا تلك الفتوى ويرفعوا عنها حصانة الإجتهاد؟
لم تبتلِ أمة بمثل ما ابتلى المسلمون بآفة النقل عن فقهائهم، فبعضهم جمع في كتبه آلافاً من الأحاديث، وادّعى صحتها، ورتب عليها أحكاماً لا تطاق، حتى إن قسماً منها لا ينسجم مع العقل السليم وأخلاقيات الإسلام نفسها، لمجرد إن راوي الحديث أو راويته من الصحابة أو التابعين أو من ذوي سمعة مقبولة تاريخياً، وقد لا يكونوا رووه أصلاً وأوضح مثل على ما أقول هو حديث إرضاع الكبير، وحديث الذبابة إذا سقطت في الأكل فأحد جناحيها فيه الداء وفي الآخر دواء!!
فكرة خطيرة أخرى ورثها الإرهابيون وليست من صناعة عقولهم، وتقوم على عقيدة {الولاء والبراء} عند شيوخ الحنابلة، وتعني موالاة المسلمين ومحبتهم، والبراءة من الكافرين ودينهم، وبغضهم ومعاداتهم، وأحدى أسانيدهم في ذلك هي الآية الأولى من سورة الممتحنة، التي تقول: { قد كانت لكم إسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا براء منكم ومما تعبدون من دون الله، كفرنا بكم وبدا بيننا العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده}. ويشرح اثنين من كبار علماء الوهابية، إبن باز والعثيمين، هذا المفهوم، بأن البغض والعداوة لايعنيان الظلم والعدوان على الكفار، ما لم يكونوا محاربين، وإنما بغضهم في القلوب وعدم اتخاذهم أصحاباً. وإذا ماعلمنا بأن البغض في القلوب يقود في أغلب الأحوال إلى أفعال عدوانية، وأن صفة الكافرين اتسعت عبر التاريخ وأصبحت تشمل أصحاب الديانات السماوية من غير المسلمين، حتى وصلت إلى زماننا، ندرك كم هو الخطر المحدق بأمن الأوطان وسلامتها من جرّاء مفهوم الولاء والبراء، ما لا ينفع معه استدراك الشيخين الوهابيين، ومحاولتهما تجميل هذا المفهوم الذي ينطوي أساساً على فكرة الكراهية، التي تتناقض مع سماحة الإسلام المفترضة، فالشباب الذين تلقوا تربية صارمة تقوم على بغض غير المسلمين، لا يستطيعون أن يحبسوا كراهيتهم في قلوبهم، وإنما سرعان ما سيعبروا عنها بنشاط عدواني. كما إن هذا المفهوم توغل في العمق، تاريخياً وحاضراً، وطبقه المتشددون على بعض المسلمين من غير الحنابلة، بزعم أنهم مبتدعة يجب محاربتهم، ما يوسع رقعة البراء ومن ثم العدوان. ثم إن الآية المُستشهد بها تتحدث عن قوم عبدوا الأصنام وعذبوا النبي إبراهيم وكانوا ينوون التخلص منه، فما علاقتنا بها كي نتخذ منها دليلاً على مناصبة العداوة لغير المسلمين، ولمسلمين من مذاهب شتى، فضلاً عن ملايين من البشر لا يحاربون الإسلام بل ويحتضنون المسلمين في ديارهم؟ وإذا كان هذا سندهم فكيف سيفسرون قول القرآن بأن الله خلق الناس شعوباً وقبائل ليتعارفوا، لا ليتقاتلوا أو يبغض بعضهم بعضاً؟ أم أنهم سيلعبون لعبة "الناسخ والمنسوخ"؟
والمقصود من هذا المصطلح الفقهي أن هناك آيات قرآنية بقيت في التلاوة لكن حكمها توقف لأن آيات أخرى نزلت بعدها أوقفت مفعولها، ووفق هذا التصور فإن الآيات التي تتحدث عن حرية المعتقد، نُسخت أي ألغيت وحلّت محلها آيات القتال التي وردت في سورة براءة أو ما يعرف بسورة (التوبة). لقد تجاوز فقهاء الإرهاب كل المسافات رجوعاً إلى الوراء، واستدعوا التاريخ بمعاركه المحدودة، وقرروا سريان الحروب التي وردت في تلك السورة على زماننا هذا، بمعنى وجوب مقاتلة غير المسلمين، بل وأكثر المسلمين ممن لا يعتقدون بمذهب الوهابية، وفتاوى ابن تيمية، وسموا ذلك جهاداً. لقد جرى التعسف على أشدّه في تفسير آيات القتال تلك، وقليل من علماء الدين من يجرؤ على الطعن بتفسيرات الأقدمين، وتكاد أصواتهم لا تسمع وسط ضجيج الدعاة المسلحين بأموال خليجية.
ومن الفتاوى القديمة التي أسست للإرهاب، فتوى التترس لابن تيمية أيضاً، ومقتضاها أنه يجوز قتل المسلمين الذين يقعون في أسر الأعداء، إذا كان في قتلهم مصلحة لجيش المسلمين، أي أن العدو قد يجعل منهم درعاً بشرياً أو ترساً لضمان توقف هجوم المسلمين. هذه الفتوى جرى القياس عليها فأفتى فقهاء جدد كالشيخ القرضاوي وغيره، بجواز قتل المدنيين العراقيين، مادام الأميركيون يحتلون العراق!! هذا على سبيل المثال. وبموجب الفتوى القديمة وتحديثها قُتل الآلاف من المسلمين في بلدان شتى، واعتبرت التفجيرات في أميركا وأوروبا، التي راح ضحيتها بعض المسلمين تطبيقاً لفتوى التترس.

أخلص مما تقدم إلى أننا لايمكن أن نفسر ظاهرة الإرهاب الحالية بكونها مجرد إساءة فهم للإسلام، أو تطرف في تطبيق تعاليمه فقط، وإنما يتوجب علينا رد الظاهرة إلى جذورها التي تتمثل بمقولات فقهاء قدماء، وتفاسيرهم لآيات معينة من القرآن، هم لا لوم عليهم عما توصلوا إليه في عصور غابرة، لفقر مناهج البحث لديهم وإمكاناتهم المحدودة، لكن كل اللوم يقع على علماء الدين المعاصرين، الذين فتحت أمامهم كل مجالات المعرفة، لكنهم يصرّون على نهج الإتّباع الأعمى. وكما أشرت فإن أوضح مثال على ما أقول هو حديث إرضاع الكبير، وهذا الحديث وإن كان بعيداً كل البعد عن ظاهرة الإرهاب، لكنه يقدم صورة واضحة عن الفكر الذي يتحكم بمعظم فقهاء المسلمين وعلمائهم في أيامنا؛ فحين كشف الدكتور عزت عطية، رئيس قسم الحديث في كلية أصول الدين الأزهرية، عن حديث إرضاع الكبير، الذي روته السيدة عائشة، وكان ذلك في العام 2007، هبّت عاصفة من الإستنكار والإشمئزاز، لكن الأزهر لم يجرؤ على تكذيب هذا الحديث، أو حتى تنزيه السيدة عائشة عن روايته، بل سارع إلى معاقبة الدكتور عزت، وفصله من عمله، لماذا لأنه كشف المستور، وفي حينه قال وكيل وزارة الأوقاف المصرية: ما كل ما في التراث يمكن الحديث عنه، كما أصدر شيخ الأزهر في حينه، الدكتور محمد طنطاوي، توصية تفيد بأن " ما أفتى به عزت عطية يتنافى مع مبادئ الدين الإسلامي الحنيف ويخالف مبادئ الأخلاق ويسيئ إلى الأزهر".
أن ظاهرة الإرهاب ما كانت لتقوم بمثل هذه الشدّة والوحشية، لولا تسلحها بمقولات قديمة، ومادام الباعث الديني مرفوداً بوفرة المال الخليجي، وكون بعض العمليات الإرهابية يخدم أغراضاً سياسية، فإن القضاء على الإرهابيين مهمة في غاية الصعوبة، ولا ينفع معه إلا قليلاً، الأمر الملكي الذي أصدره العاهل السعودي، بمعاقبة المشتركين في قتال خارجي بالسجن مدة تتراوح بين ثلاثة إلى ثلاثين عاماً، كما لاتنفع معه مؤتمرات التقريب بين المذاهب، مادام القائمون عليها متمترسين بأقوال السلف، ومتمسكين بأحاديث عن فضل مذاهب على غيرها، ما يبقي البغضاء على حالها ويشكل رافداً مهما للإرهاب. الدواء الحقيقي لظاهرة العنف الديني هو اعتراف علماء الأمة ومؤسساتها الدينية، بأن بعض الأحاديث، سواء المحرضة على القتل أو التي تتنافى مع الأخلاق الإسلامية، أو ما كان منها يضخم شخصيات إسلامية ويحقّر غيرها، إنما هي أحاديث كاذبة، جرى الإفتراء على من نسبت لهم، أو حتى توجيه المسلمين إلى نبذها لأنها تتعلق بماضِ لايمكن إصلاحه ويتسبب تكرار روايته في تعميق الشقّة بينهم. ومادامت الجرأة مستبعدة عن هؤلاء، وإن كثيراُ منهم إما يخافون من الإرهابيين، أو أنهم مقتنعون بتلك الأحاديث، فسيبقى الإرهاب يعبث بحاضرنا ويهدد مستقبلنا. أختم مقالي بحديث "التفلية" رواه صحابي مشهور، لن أذكر اسمه لأنه ربما جرى الإفتراء عليه، فقد قتل على يد السلطة في زمانه، الحديث طريف ومؤداه : إن الزوجة يمكن أن تستقبل صديق زوجها في غيبته، لتقوم بتفلية رأسه، أي تنقيته من القمل!! هدانا الله وعقلنا إلى تنقية أحاديث السلف من كل ما علق بها من خرافات وجهل وكذب.



#بدور_زكي_محمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تسطيح الديمقراطية في خطاب دول الغرب: القلق على مرسي نموذجاً
- صورة الاسلام في الغرب


المزيد.....




- القضاء التونسي يصدر حكمه في جريمة قتل بشعة هزت البلاد عام 20 ...
- -بمنتهى الحزم-.. فرنسا تدين الهجوم على قافلة للصليب الأحمر ف ...
- خلافات بسبب تعيين قادة بالجيش الإسرائيلي
- تواصل الحراك الطلابي بعدة جامعات أمريكية
- هنغاريا: حضور عسكريي الناتو في أوكرانيا سيكون تخطيا للخطوط ا ...
- تركيا تعلق معاملاتها التجارية مع إسرائيل
- أويغور فرنسا يعتبرون زيارة الرئيس الصيني لباريس -صفعة- لهم
- البنتاغون يخصص 23.5 مليون دولار لشراء أسلحة لكييف ضد أجهزة ا ...
- وزارة العدل الأمريكية تتهم سيناتورا من حزب بايدن بتلقي رشوة ...
- صحيفة ألمانية تتحدث عن سلاح روسي جديد -فريد ومرعب-


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - بدور زكي محمد - عندما لا نسمي الأشياء بأسمائها