أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - عبدالمنعم الحر - التسوية السِّلمية للنزاعات المسلحة في إطار ميثاق جامعة الدول العربية















المزيد.....


التسوية السِّلمية للنزاعات المسلحة في إطار ميثاق جامعة الدول العربية


عبدالمنعم الحر

الحوار المتمدن-العدد: 4333 - 2014 / 1 / 13 - 00:48
المحور: دراسات وابحاث قانونية
    


تمهيد
تبقى جامعة الدول العربية المنظمة الرسمية الوحيدة التي تمثل " الأمة العربية " منذ تأسيسها، فلم يتجاوز عدد الدول المؤسسة آنذاك السبعة ، وقد أصبح اليوم عدد البلدان المنتسبة إليها اثنين وعشرين، وهى هيئة عربية تضم الدول العربية الموقعة على ميثاقها، والتي تتكلم اللغة العربية على امتداد الوطن العربي، وبذلك تكون الجامعة العربية منظمة دولية إقليمية تتميز عن غيرها من المنظمات بأنها تجمع بين دول تقع ضمن رقعة جغرافية واحدة، تسكنها أمة عربية واحدة، ذات تاريخ وتراث واحد، ولغة وحضارة واحدة، وآمال وطموحات مشتركة، وينص ميثاقها على أنها تأسست استجابة للرأي العام في الوطن العربي، وتعد جامعة الدول العربية من أقدم المنظمات الدولية والإقليمية فقد تأسست في "22 مارس 1945م" ، وهذا يعني أنها تأسست قبل منظمة الأمم المتحدة بثلاثة شهور .
وقد استحدثت جامعة الدول العربية عددا كبيراً من المنظمات المتخصصة والمستقلة، كالمنظمة العربية للعمل، والاتحاد البريدي، واتحاد المواصلات السلكية واللاسلكية وغيرها، وتمارس جامعة الدول العربية نشاطات متنوعة في مختلف المجالات، وما نسعى إليه في هذا المبحث هو هل للجامعة دور فعال وإيجابي في حل المنازعات التي تنشب بين الدول الأطراف فيها؟ وهل باستطاعتها أن تسهم في إرساء بيئة عربية مستقرة مثلما هو شأن المنظمات الإقليمية الأخرى وكلها أحدث منها نشأة؟ ولا تقوم بين أعضائها هذه الروابط سالفة الذكر.
سواء أكانت الجامعة العربية فكرة عربية صافية، أم كانت فكرة إنجليزية الأصل وضعها
( إيدن ) في محاولة لإجهاض فكرة القومية العربية ، إلا أنها اليوم حقيقة واقعة علينا دراسة جوانب القصور فيها " بالميثاق " ,ومعرفة أسباب عدم فاعليتها ومحاولة لتوضيح كيفية تفعيلها.
أولا - الإطار القانوني لتسوية المنازعات وفقا لميثاق الجامعة :
إن المادة الخامسة من الميثاق قد انطوت على الأحكام والمبادئ العامة المتصلة بنظام تسوية المنازعات، وتكاد تكون المادة الوحيدة التي تناولت هذا الموضوع، لولا الإشارة التي وردت في معاهدة الدفاع المشترك، و هذا فضلا عن المادة الثامنة عشرة التي أشارة إلى إمكانية تحقيق محكمة عدل عربية، والتي لم تَرَالنور حتى هذا الوقت وأصبحت حلماً ، فقد نصت المادة الخامسة على أنه " لا يجوز الالتجاء إلى القوة لفض المنازعات بين دولتين أو أكثر من دول الجامعة، فإذا نشب بينهما خلاف لا يتعلق باستقلال الدولة أو سيادتها أو سلامة أراضيها، ولجأ المتنازعون إلى المجلس لفض هذا الخلاف، كان قراره عندئذ نافذاً أو ملزماً.وفي هذه الحالة لا يكون للدول التي وقع بينها الخلاف الاشتراك في مداولات المجلس وقراراته ويتوسط المجلس في الخلاف الذي يخشى منه وقوع حرب بين دول الجامعة أو مع أية دولة أخرى غير عضو في الجامعة للتوفيق بينهما ، وبهذا نلاحظ إن المادة الخامسة من ميثاق الجامعة جاءت أكثر تواضعاً من نص المادة (33) من ميثاق الأمم المتحدة التي أشرنا لها في المبحث السابق. فقد اقتصرت هذه المادة على ذكر وسيلتين هما الوساطة والتحكيم، مع الإشارة إلى أن الجامعة قد استخدمت وسائل أخرى للتسوية السِّلمية للمنازعات سنتطرق لها لاحقاً في هذا المبحث .
1- الوساطة كوسيلة لفض المنازعات وتسويتها وفقا لميثاق جامعة الدول العربية :
إن ميثاق جامعة الدول العربية اقتصر على ذكر وسيلة سياسية ودبلوماسية واحدة تعطي الفرصة لمجلس الجامعة بغية التدخل لفض المنازعات بطريقة سلمية متمثلة في الوساطة ، بمعنى أن أي وساطة تجرى خارج المجلس إنما تخرج من نطاق عمل الجامعة، هذا وإن الوساطة قد اقتصرت على المنازعات التي يمكن أن تفضي إلى حرب بين دولتين عربيتين وهذا من قبيل المفارقات، إذ إن المفترض أن الجامعة وظيفتها وقائية كذلك، بمعنى أنها لا يجب أن تنتظر حتى يخشى من تصاعد نزاع من ثم يتحول إلى حرب، إضافة لذلك فإن الوساطة التي يتحدَّث عنها الميثاق تتسم بسمة أساسية وهى أن النتيجة التي تصل إليها ليست بالضرورة ملزمة للأطراف المتنازعة .
فالوساطة في نهاية المطاف هي مبادرة ودية يقوم بها المجلس من أجل الوصول إلى حلول مرضية للأطراف المتنازعة وذلك بشرط ألاَّ يكون في أمور تخص استقلال الدولة أو سلامة أراضيها أو سيادتها ، وتصدر القرارات الخاصة بالوساطة بأغلبية الآراء دون احتساب أصوات الدول المتنازعة , ولنجاح الوساطة كوسيلة سياسية دبلوماسية لابد من توفر العديد من الاعتبارات أهمها :
- مواقف الأطراف المتنازعة من الجامعة .
- رغبة الأطراف المتنازعة في تدخل مجلس الجامعة .
- طبيعة النزاع ودرجة خطورته .
- التأثيرات الخارجية ودرجة الاستقطاب الدولي في حل أو تأزيم النزاع .
ولقد بحث مجلس الجامعة في العديد من الخلافات العربية / العربية وخاصة في مسألة الحدود، فقد نظر في النزاع العراقي الكويتي سنة 1961م، والنزاع المصري السوداني، و النزاع بين شطري اليمن الشمالي والجنوبي، والنزاع الحدودي بين المغرب والجزائر.
2- التحكيم كوسيلة لفض المنازعات وتسويتها وفقا لميثاق جامعة الدول العربية:
لقد تمت الإشارة إلى وسيلة التحكيم في المادة الخامسة من ميثاق جامعة الدول العربية كوسيلة لتسوية المنازعات، مع تأكيدها على التحكيم الاختياري وليس الإجباري، أي إن أي دولة عربية محل نزاع ليس هناك ما يحملها على قبول التحكيم، مما يعني أنه لا يحق لمجلس الجامعة القيام بمهمة التحكيم دون رضى الأطراف المتنازعة بغض النظر عن درجة خطورة هذا النزاع وطبيعته، بمعنى أن التحكيم ينبغي ألاَّ يتعلق بنزاع يمس استقلال الدولة العضو وسيادتها وسلامة إقليمها، وبمعنى آخر فإن التحكيم لا يشمل المنازعات السياسية، وبهذا وتماشيا مع أحكام ومنطق الميثاق فإن أية دولة تستطيع أن تتنصل من التحكيم مبررة أن نزاعها يتعلق بواحدة من هذه المحرمات الثلاث " السيادة ، الاستقلال ، وسلامة الأراضي" ولو أرادت ذلك لأمكنها دون أي أثر قانوني عليها .
إن تحديد الإطار السابق يساهم في إضعاف دور الجامعة العربية في هذا المجال، كما أن غياب أية إشارة في الميثاق إلى طبيعة الجزاء الذي يمكن أن يترتب على الأطراف التي قبلت التحكيم ثم رفضت الالتزام بقراراته، يجعل أحكام الميثاق لا فائدة منها في مناقشة هذه المسألة، ولذلك وبناءاً على الطابع الاختياري الذي تمسَّكت به الدول العربية عند تأسيسها للجامعة تم تخويل جهاز سياسي – وهو مجلس الجامعة – للقيام بمهمة التحكيم ( وليس جهازاً قضائياً ) ، دفع بالبعض إلى رفض فكرة التحكيم الإلزامي ( الموقف العراقي) معتبراً أن القيام بهذه المهمة من قبل مجلس الجامعة سيخلق وضعا خطيراً يهدد تركيب الجامعة بصفة شاملة .
3- الوسائل غير المنصوص عليها في الميثاق :
في إطار علاقات الدول العربية ، استخدمت الجامعة أسلوباً لم يرد في الميثاق يتمحور حول جهازين رئيسين هما :
أ- الدور السياسي للأمين العام في تسوية المنازعات العربية .
رغم أن وظيفة الأمين العام للجامعة تم النص عليها في ميثاق الجامعة وفي الأنظمة الداخلية لكل من مجلس الجامعة وأماناتها العامة، غير أنه يمكننا أن نستنتج هنا أن وظيفة الأمين العام قد شهدت تطورا كبيرا وبصفة خاصة دوره السياسي بالنسبة لكافة القضايا العربية. وقد استند الأمين العام في قيامه بدور سياسي رئيسي في مجال تسوية المنازعات العربية والوساطة بين الأطراف العربية المتنازعة إلى تزايد اهتمام الجامعة – وبصفة خاصة المجلس – بمنصب الأمين العام والاقتناع بأهمية هذا المنصب باعتباره أحد العوامل الفاعلة في إدارة مختلف المنازعات العربية المحلية بشكل إيجابي، كما استند الأمين العام إلى مجموعة النصوص الواردة في النظام الداخلي لكل من مجلس الجامعة والأمانة العامة وفي مقدمتها المادتين (20 ، 21) من نظام المجلس الداخلي، فقد توسَّع الأمين العام في ممارسة بعض الصلاحيات السياسية من قبيل تمثيل الجامعة في الخارج، حيث لم يقف دوره في فض المنازعات العربية عند حدود وسيلتي الوساطة والتحكيم المنصوص عليهما في الميثاق ، وإنما تجاوز ذلك إلى المساعي الحميدة ، وتقصي الحقائق، وإرسال لجان التحقيق وسواها .. مقتفية في ذلك أثر الأمم المتحدة .
ومن الجدير بالإشارة هنا أن دور الأمين العام في تسوية المنازعات قد بلغ ما بلغه بالممارسة وليس عن طريق الميثاق، ولهذا الاعتبار يلاحظ أن هذا الدور لصيق بالأمين العام، وخبرته السياسية ومكانته لدى النخب العربية الحاكمة، وهذا يعني أن الدور ينشط خلال ولاية ويفتر خلال ولاية أمين عام أخر .
ومن أمثلة ذلك أنه من بين خمسة من الأمناء العامين الذين تعاقبوا على الجامعة من تأسيسها وحتى الآن – دون حساب الأمين العام السادس عمرو موسى حيث لم تتحدد ملامح مرحلته بعد – كانت مرحلة محمود رياض رغم قصرها (1972-1979), وكذلك عبد الرحمن عزَّام، دليلاً على ذلك ، فكلاً منهما لم يرتضِ أن يكون مجرد موظف إداري وإنما عمل بجهد لأخذ أدوار سياسية معتمداً في ذلك على مهاراته السياسية الفردية وتاريخه السياسي وعلاقته بدولة المقر باعتبار أن الأمين العام يحمل دائما جنسية دولة المقر وهو وضع استقر بالممارسة إذ لا يوجد ما ينص عليه في الميثاق ، و أن العلاقة بين الأمين العام ودولة المقر تثير نتائج مختلفة بالنسبة إلى دور الأمين العام في تسوية المنازعات، فمثلا نجد في بعض الحالات أن الدول تتردد في قبول وساطة أو مساعي الأمين العام خشية أن يكون مدفوعا لخدمة سياسات ومصالح الدولة المنتمى لها .
كما أنه في النزاع بين( ليبيا – مصر) عام 1977م, لم يتدخل الأمين العام الخامس حتى لا يفهم من تدخله أنه منحاز لدولته وهى دولة المقر ، رغم أن الأمين العام للمنظمة الدولية " لا يتكلم باسم دولة واحدة ، بل يتكلم باسم كافة الدول الأعضاء في المنظمة لا يمثل أحد الأطراف ولا الأغلبية بل المجموعة بأكملها؛ ومن ثم فعليه أن يتسم بأعلى خصال الحياد حتى يحصل على ثقة الجميع ، فهو ليس طرفا في التنظيم وإنما هو حكم فيه . مع أنه وفي أحوال كثيرة كان أداء الأمين العام على درجة كبيرة من الكفاءة حين تحلل من قيود الدولة المنتمي إليها، لأنها كانت غير مهتمة أو لم يكن لها موقف إزاء نزاع معين ، أو لم تكن علاقة الأمين العام بالقيادة السياسية في دولته على ما يرام . ففي الحرب الأهلية اللبنانية تحرك الأمين العام في أعقاب اندلاع الشرارة الأولى للحرب الأهلية ولم تكن مصر قد كونت رأياً بعد في شأن هذه الحرب.
ب- دور دبلوماسية مؤتمرات القمة العربية في تسوية المنازعات العربية :-
إن الاجتماعات الدورية لرؤساء الدول والحكومات العربية لها فائدتها في التسوية السِّلمية للمنازعات التي قد تنشأ بين الدول العربية؛ لأن في ذلك فرصة للقاء الزعماء والقيادات العربية، ويعني حضور الأطراف المتنازعة جلسات مؤتمر القمة أنه قد تتاح الفرصة المناسبة للمساعدة عن طريق طرف ثالث له استعداد لتقريب وجهات نظر الأطراف المتنازعة، حيث إن مناخ عقد مؤتمرات القمة قد تتهيأ فيه الفرصة المباشرة للدبلوماسية الشخصية لرؤساء الدول؛ لذلك نجد أن لمؤتمر القمة دوره الفاعل في التسوية السِّلمية للمنازعات، خاصة إذا كان طرفا النزاع حاضرين في المؤتمر وهكذا نجد الجامعة استحدثت دبلوماسية القمة العربية كأحد أدوات تسوية المنازعات العربية، وقد لعبث اجتماعات رؤساء وملوك الدول العربية دوراً محورياً في تسوية المنازعات من خلال صورتين:
1- إن اجتماعات القمة تخلق المناخ المناسب للتفاهم بين رؤساء الدول الأطراف المتنازعة، حتى وإن لم يكن الهدف من الاجتماع هو تسوية النزاع، وعلى سبيل المثال فقد مهَّد اجتماع القمة العربية الأول عام (1964) إلى لقاء مصري سعودي لتسوية الأزمة اليمنية . أي أن جامعة الدول العربية تقوم بوظيفة " اتصالية " بين القيادات العربية تمهد بالتالي لتسوية المنازعات .
2- يمكن اجتماع رؤساء وملوك الدول العربية في إطار الجامعة من أجل تسوية نزاع عربي ما، ومن أمثلة هذه الصورة اجتماع القمة العربية في أكتوبر "1976م" للنظر في الحرب الأهلية في لبنان وهو الاجتماع الذي أسفر عن وضع التشكيل النهائي لقوات الردع العربية في لبنان .
إلا أنه وعلى الرغم من كل تلك الاستحداثات التي استحدثتها الجامعة في تعاملها مع المنازعات، إلا أنها إلا إنها لم تفلح إلى اليوم في إخراج مشروع إنشاء محكمة عدل عربية إلى حيز النفاذ بالرغم من تعهد الدول العربية في ميثاق جامعتها بإنشاء هذه المحكمة، فلقد اهتم ميثاق الجامعة بمسألة الجهاز القضائي، ولكن اهتمامه به جاء متواضعاً لا يفي بالغرض.
فالمادة (19) تنص على ما يلي " يجوز بموافقة ثلثي دول الجامعة تعديل هذا الميثاق، وعلى وجه الخصوص لجعل الروابط بينهم أمتن وأوثق، ولإنشاء محكمة عدل عربية ..... " فالإشارة إلى إمكانية إنشاء المحكمة بهذا الشكل توصى بالانطباعات التالية :
أ - أن الإشارة الواردة في المادة (19) لا تتضمن أية قيمة إلزامية ، أو أي اهتمام جدي بإنشاء المحكمة .
ب- أن الإشارة المذكورة تعني تأجيل البحث في أمر تأسيس المحكمة إلى أجل غير مسمى ، وتعنى كذلك عدم اهتمام الأعضاء بأمر تلك المحكمة .
جـ- إن المادة (19) تربط بين مسألتين - إنشاء المحكمة وتعديل الميثاق - وهذا الربط يشكل عقبة في طريق إنشاء المحكمة؛ لأن تعديل المواثيق في المنظمات الدولية يعتبر من الأمور الصعبة .
د- إن استعمال كلمة " يجوز " قبل الحديث عن إنشاء المحكمة يجعل من هذا الأمر مسألة تقديرية أو نسبية لمجلس الجامعة .
وفي حقيقة الأمر إن هناك عوامل واعتبارات عديدة ومتشابكة حالت حتى الآن دون قيام المحكمة نشير إلى أهمها :
1- عوامل نفسية :- وفي طليعتها عامل عدم الثقة بالقضاء الدولي والنظرة بحذر إلى دوره في تسوية المنازعات. وترجع هذه العوامل النفسية إلى اعتبارات سياسية، فعدم الثقة بالقضاء الدولي يرجع إلى العهود الماضية التي كانت فيها الأقطار العربية خاضعة للاستعمار و تنظر إلى الوسائل القانونية على أنها نتاج الحضارة الغربية .
2- عوامل قانونية :- وفي طليعتها عدم الرغبة في الخضوع لأحكام القانون الدولي في العلاقات الدولية وتعليل ذلك يكمن في الصراع الذي يقوم في المنظمات الدولية بين تمسك الدول بسيادتها المطلقة وميل المنظمات إلى توسيع صلاحياتها على حساب تلك السيادة هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى يرى البعض إن وجود محكمة العدل الدولية يغني عن وجود محكمة عدل عربية ، وأن الدول العربية بحكم عضويتها في الأمم المتحدة تستطيع اللجوء إليها لتسوية منازعاتها.
3- الاختلاف حول ولاية المحكمة :- فالدول العربية ليست على اتفاق حول اختصاص المحكمة هل هو إلزامي أم اختياري ؟ وهل يمكن الأخذ بالقواعد والأصول المطبقة في محكمة العدل الدولية .
4- الاعتبارات السياسية :- ولعلها أبرز الأسباب التي جعلت نظام تسوية المنازعات في الجامعة نظاماً ضعيفاً، فالدول العربية تتشبث بمبدأ السيادة المطلقة. والميثاق يشير إلى هذه السيادة في أكثر من موضع وهذا المفهوم للسيادة يعطل عمل الجامعة ويحول دون تطوير العمل العربي المشترك.
1- الاعتبارات المستمدة من موقف الدول العربية من الجامعة:- فموقفها من الجامعة يتسم بالسلبية واللامبالاة وعدم الاهتمام بالتطوير، ومن كان هذا موقفه فلا ينتظر منه الموافقة على إنشاء محكمة تؤمِّن العدالة
وفي نهاية هذا المبحث نحاول ولو بإيجاز توضيح أسباب فشل الجامعة العربية ووسائل تفعيلها، إذ تقف عوامل عديدة وراء عجز الجامعة عن أداء مهامها بصورة صحيحة ومنها :-
أ- إن ميثاق الجامعة هو أساس المشكلة، لأنه القاعدة الأساسية التي قامت عليها الجامعة فهو قد كتب في ظروف ومعطيات لا تتوافق مع الظروف والمعطيات الحالية التي يواجهها النظام الإقليمي العربي في المرحلة الراهنة .
ب - والسبب الآخر يكمن في النظرة الشعبية والرسمية لطبيعة الدور الوظيفي للجامعة العربية، فالشعوب العربية تنظر إلى الجامعة كأداة للوحدة ، بينما الحكومات العربية لا تتعامل معها إلا في إطار أنها منظمة إقليمية عربية محكومة بميثاقها المحدد .
جـ- عدم وجود ارتباط حقيقي بين الجامعة ككيان إقليمي له شخصيته الاعتبارية، وبين الدول الأعضاء فيها، حيث تقوم الأخيرة بتطويع هذا الارتباط من منطلق مصلحة ضيقة ( قطرية )، وليس من منطلق مصلحة ( قومية )، وأدّى هذا الوضع إلى افتقاد الجامعة للفاعلية المتوقعة منها في تعاملها مع القضايا العربية .
د- إن أزمة الجامعة في توافق الإرادات العربية وارتباط ذلك بتخلف الوعي السياسي لدى الطبقات الحاكمة في الدول العربية . يعد أحد أهم أوجه قصورها حيث غياب مفهوم المصلحة العربية الواحدة وسيادة التفكير القطري الضيق .
هـ- ومن الأسباب التي ظهرت مؤخراً هو ما اصطلح على تسميته " بالإصلاح السياسي "، الذي برز بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م ضمن الأجندة الأمريكية تجاه بعض دول الشرق الأوسط ومن ضمنها الدول العربية ، على اعتبار أن تلك الدول ( حسب الرؤية الأمريكية ) هي بيئة يتواجد فيها الإرهاب؛ بسبب وجود الأنظمة الاستبدادية وانتشار الفقر والبطالة، والقصور في مناهج التعليم وبرامجه، وبخاصة التعليم الديني والثقافي، ومتى ما استطاعت الولايات المتحدة التفوق على (الإرهاب ) ونشر ( الديمقراطية ) في تلك الدول، فإنها سوف تنتقل إلى المرحلة التالية، وهى إعادة ترسيم المنطقة العربية وتطبيق مشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي يتضمن إدماج الدول العربية في نظام واحد يشمل إسرائيل وتركيا تحديداً وإيران وباكستان في مراحل لاحقة، على أنه وأياً كانت الأسباب التي تقف وراء مشاريع الإصلاح السياسي في المنطقة، قررت الجامعة العربية أخذ زمام المبادرة والعمل على استكمال دراسة مشاريع الإصلاح التي لم تعد تقتصر على إصلاح ميثاق الجامعة العربية فحسب، بل شمل أيضا النظر في عملية إصلاح النظام الإقليمي العربي وصولا إلى إصلاح الجامعة العربية بكل مؤسساتها ووظائفها وأجهزتها الفنية والإدارية، أمّا بخصوص المقترحات الهادفة إلى معالجة أوجه القصور التي تعاني منها الجامعة تناولت هذه المقترحات ما يلي :-
1- تعديل الميثاق وجعل نظام التصويت في اتخاذ القرارات بالأغلبية لا بالإجماع.
2- ضرورة النص على أن تتمتع مثل هذه القرارات بقوة النفاذ الفعلي والمباشر داخل أقاليم الدول الأعضاء .
3- ضرورة إعادة النظر في موضوعات الأمن الجماعي والتسوية السِّلمية .
4- ضرورة إدخال مشروع محكمة العدل العربية حيز النفاذ، بحيث تضطلع من خلال اختصاصها القضائي الملزم وذلك بأمر التسوية السِّلمية لما ينشأ بين الدول العربية من منازعات، ومن خلال ما تقدمه من فتاوى وآراء استشارية ، هذا فضلا عن قيامها بتفسير الميثاق وما يعقد بين الدول العربية من معاهدات .
5- إعادة النظر في أحكام الجزاءات التي توقع على الدول المخالفة لأحكام مواثيقها المنشئة، وذلك على اعتبار أن وجود نظام قوى وفعّال للجزاءات والمساءلة في نطاق المنظمة الدولية يعد أحد الشروط الضرورية التي تكفل لها النجاح والفعالية.
6- تفعيل آلية مؤتمرات القمة العربية، وهى الآلية التي استخدمها مجلس الجامعة في الممارسة دون أن يكون ثمة نص عليها في الميثاق، من خلال تقنينها وتحديد علاقتها بمجلس الجامعة ، وبحيث يتعين على الأخير احترام ما يصدره المؤتمر من قرارات ويقتصر المؤتمر في مباشرة مهامه على الأمور ذات الأهمية القصوى مع ترك الأمور الأقل أهمية للمجلس .
الخلاصة :-
قد تحدثنا في مبدأ التسوية السِّلمية في إطار ميثاق جامعة الدول العربية و ذلك من خلال توضيح الإطار القانوني لتسوية المنازعات فيها، والتي تمثلت في الوساطة والتحكيم كما ورد في المادة الخامسة من ميثاقها، بالإضافة إلى ذلك قمنا بتوضيح الوسائل التي استحدثتها ولم ينص عليها في الميثاق، وكذلك عملنا على توضيح الاعتبارات التي حالت دون قيام محكمة العدل العربية، وذلك في محاولة لتوضيح الدور الذي يفترض أن تقوم به هذه المنظمة الإقليمية، والتي تكاد تكون المنظمة الإقليمية الأكثر تماسكًا لاعتبارات عديدة ذكرناها سابقاً، وبهذا سنعمل في الفصل الثاني على توضيح أحد الأزمات التي تواجه دولة عضواً في الجامعة والدور التي قامت به الجامعة العربية منذ اندلاع الأزمة .



#عبدالمنعم_الحر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مصر ليبية


المزيد.....




- مقر حقوق الإنسان في ايران يدين سلوك أمريكا المنافق
- -غير قابلة للحياة-.. الأمم المتحدة: إزالة الركام من غزة قد ت ...
- الأمم المتحدة تحذر من عواقب وخيمة على المدنيين في الفاشر الس ...
- مكتب المفوض الأممي لحقوق الإنسان: مقتل ما لا يقل عن 43 في ال ...
- مسئول بالأمم المتحدة: إزالة الركام من غزة قد تستغرق 14 عاما ...
- فيديو.. طفلة غزّية تعيل أسرتها بغسل ملابس النازحين
- لوموند: العداء يتفاقم ضد اللاجئين السوريين في لبنان
- اعتقال نازيين مرتبطين بكييف خططا لأعمال إرهابية غربي روسيا
- شاهد.. لحظة اعتقال اكاديمية بجامعة إيموري الأميركية لدعمها ق ...
- الشرطة الاميركية تقمع انتفاضة الجامعات وتدهس حرية التعبير


المزيد.....

- التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من ... / هيثم الفقى
- محاضرات في الترجمة القانونية / محمد عبد الكريم يوسف
- قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة ... / سعيد زيوش
- قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية ... / محمد أوبالاك
- الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات ... / محمد أوبالاك
- أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف ... / نجم الدين فارس
- قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه / القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / اكرم زاده الكوردي
- المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي / أكرم زاده الكوردي
- حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما ... / اكرم زاده الكوردي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث قانونية - عبدالمنعم الحر - التسوية السِّلمية للنزاعات المسلحة في إطار ميثاق جامعة الدول العربية