أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - صفاء الحافظ وصباح الدرّة :ثلاثون عاماً على الإختفاء القسري















المزيد.....

صفاء الحافظ وصباح الدرّة :ثلاثون عاماً على الإختفاء القسري


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 4328 - 2014 / 1 / 7 - 16:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



سواءً كانوا يرتدون ملابس عادية أم زيّاً رسمياً، ام كانوا بوجوه مكشوفة أم يضعون أقنعة فوقها، يظهر بعضهم مباغتةً في مكان محدد ومرصود، فيقومون بتطويقه، لاصطياد الضحية، وهم يحملون السلاح في الغالب، بصورة ظاهرة أو مستترة، لكنهم يصوبونه عند اللزوم إلى صدر من يريدون اقتناصه أو إلى رأسه، ويأمرونه بالامتثال إلى إرادتهم دون إبداء أي رد فعل من شأنه أن يؤدي إلى إطلاق النار عليه.
غالباً ما يخفي هؤلاء الرجال هوياتهم ولا يفصحون عن الجهة التي ينفّذون أوامرها، ويبدأون بجرّ الشخص، وأحياناً بضعة أشخاص إلى سيارة أو عدّة سيارات تكون جاهزة في العادة، لتنطلق بسرعة خاطفة نحو مكان الاختفاء القسري، ولكي لا يعرف الضحية المكان الذي يتوجّه إليه الخاطفون يضعون قماشة سميكة فوق عينية أو يلبسون رأسه كيساً، ويوثقون يديه، كل ذلك دون أوامر إلقاء القبض في أغلب الأحيان.
هكذا يبدأ الفصل الأول للمأساة التي تفضي إلى الاختفاء القسري Forced Disappearance أو الإختفاء غير الطوعي Unvoluntary Disappearance حسب تعبيرات الأمم المتحدة، ثم تبدأ فصول المأساة والعذاب الأخرى للمختفي وأسرته وللمجتمع. فالضحايا يظلون يجهلون أي شيء عمّا يجري خارج مكان اختفائهم، وأسرهم تجهل هي الأخرى إن كانوا على قيد الحياة أم لا؟ وإن قلقهم يكبر مع مرور الأيام وينعكس ذلك على حياة الأسرة خصوصاً: الزوجة والأولاد وتبعات ذلك قانونياً واجتماعياً ونفسياً ومعاشياً إن كان هو معيلها الوحيد.
في كل عام ومنذ عقود من الزمان، يستعيد العالم ذكرى المختفين قسرياً، في الجزائر والمغرب ولبنان والعراق وليبيا وإيران وسوريا وتشيلي والأرجنتين والعديد من دول أمريكا اللاتينية وبعض دول آسيا وأفريقيا، خصوصاً وأن ظاهرة الاختفاء القسري متفشية في أكثر من 63 بلداً. وقد استذكرنا وعلى مدى أعوام المهدي بن بركة الذي اختفى في باريس العام 1965 والإمام موسى الصدر الذي اختفى في طرابلس العام 1978 والدكتور صفاء الحافظ والدكتور صباح الدرّة وعايدة ياسين ودارا توفيق وأسعد الشبيبي والسيد محمد باقر الصدر وأخته بنت الهدى وعزيز السيد جاسم وغيرهم الذين اختفوا في العراق، مثلما اختفى منصور الكيخيا في القاهرة العام 1993، وفي لبنان لا يزال مصير شبلي العيسمي الذي اختفى قسرياً منذ عامين ونيّف (2011) مجهولاً، وهكذا. قلّة من المختفين قسرياً أجلي مصيرهم، فقد ظل المرتكبون حريصون على إخفاء كل أثر لهم.
في أواخر العام 2012 وفي الذكرى الـ 19 لاختفاء منصور الكيخيا أجلي مصيره الذي ظل مجهولاً منذ أن اختفى في القاهرة، ومنها، نقل إلى طرابلس بصورة سرّية حسبما انكشفت الحكاية، ومكث في معتقل سرّي خاص لغاية العام 1997 وتوفي بعدها، ولكنه استبقي في ثلاجة لغاية العام 2011، الاّ أن الثورة كشفت عن ملابسات اختفائه لاحقاً وقامت بتكريمه في حفل مهيب في ديسمبر (كانون الأول) العام 2012، وقد دعي كاتب السطور الذي كان له شرف كتابة كتاب عنه وعن ظروف اختفائه بعنوان “الاختفاء القسري في القانون الدولي- الكيخيا نموذجاً” (بالعربية والانكليزية، في العام 1998) وألقى كلمة في طرابلس وأخرى في بنغازي في الساحة التي انطلقت منها الثورة.
بعد أيام ستحل الذكرى الثلاثون لاختفاء الدكتور صفاء الحافظ ورفيقه الدكتور صباح الدرّة اللذان اختفيا قسرياً في ظروف غامضة وملابسات لا تزال مبهمة وملتبسة حتى الآن، حيث ألقي القبض على المراسل في الرطبة، الذي كان متوجهاً من بيروت إلى بغداد، واقتيد إلى جهة مجهولة، وتم اكتشاف جوازي سفر بحوزته لتسهيل مهمة الحافظ والدرّة لمغادرة العراق، وقد أرفقت معهما رسالة خاصة، وقد تكون تلك المعلومات وراء التعجيل بتصفيتهما، على الرغم من مطالبات المنظمات الدولية والعربية بإجلاء مصيرهما ومصير العديد من المختفين قسرياً.الخاطفون وحدهم هم الذين ظلّوا يراهنون على نسيان صفاء الحافظ وصباح الدرّة، كي تذبل القضية تدريجياً ويتلاشى الاحتجاج، بل يصبح الأمر مجرد ذكرى، ولذلك تراهم عمدوا إلى التعتيم، وأثاروا غباراً من الشك لإبعاد الموضوع عن دائرة الضوء وإبقائه في دائرة الظل… وهكذا كانوا يأملون في تآكله تدريجياً بالإهمال وصدأ الذاكرة وازدحام الأحداث ودورة الزمن .
وفي كل عام، ولاسيّما مع اقتراب ذكرى صدور الاعلان العالمي لحقوق الإنسان، غالباً ما يتردَّد السؤال المحيّر الذي كنت أستعيده وأطرحه بهذه المناسبة.. لماذا وكيف تمارس سلطة رسمية أو سلطات تابعة لها أو بمعرفتها، مهمات أبعد ما تكون عن مهمات الدولة، فتخفي أثر مواطن أعزل عن الأنظار في حين بإمكانها إلقاء القبض عليه إذا كان متهماً بارتكاب ” جريمة” ما، وتقديمه إلى المحاكمة الأصولية، وهو لا يملك سوى الامتثال للإجراءات الرسمية القانونية لسلطة مدججة بالسلاح والمال والإعلام والمخبرين، حتى وإن كان بريئاً؟
ثم لماذا تستبدل وظيفة الدولة، وهي حفظ وتنظيم حياة الناس وأمنهم وممتلكاتهم، بمهمات عصابة خارجة عن القانون، مثلما تفعل الأخيرة عندما تقوم بخطف مواطن أو احتجاز سيّدة أو أخذ رهائن بمن فيهم أطفال سواء لطلب فدية أو لأي سبب ومبرر آخر؟
ربما كان ضيق صدر السلطات وتبرّمها من الرأي الآخر هو الذي يعطي الإجابات المقنعة على أعمال تقوم بها ” الدولة”، وهي في تناقض مع أبسط مقوماتها كدولة، وقد تكفّ أن تصبح دولة باستمرارها، لكن ذلك جواباً غير كاف، إلاّ إذا نظرنا للأمر من زاوية عدم الثقة بالنفس، والخوف من الضحية وانتهاك حرمة المجتمع وترويعه باسم ” الآيديولوجيا” أو الدين أو الطائفة غيرها، بما يؤدي إلى تدمير العلاقات الإنسانية بين البشر وتصفية الخصم أو حجبه امتلاك الحقيقة التي تشكّل الأساس في الأفكار والأنظمة الاستبدادية والشمولية.
وبارتكاب جريمة الاختفاء القسري تكون الدولة قد خرقت (الشرعية الدولية) في أكثر من محور وكذلك الحقوق الفردية والجماعية للإنسان المنصوص عليها في المعاهدات والاتفاقيات الدولية. ويمكننا مقاربة ذلك من خلال الحقوق الاتية:
1- حق الحياة والحرية والأمان الشخصي.
2- الحق في ظروف احتجاز إنسانية أي عدم الخضوع للتعذيب أو المعاملة القاسية أو الحاطة بالكرامة.
3- الحق في الاعتراف بالإنسان كشخصية قانونية، فالاختفاء القسري يحجب عن الإنسان الحق في أن يكون له شخصية قانونية معترف بها، خصوصاً وأنه مجهول المصير، ومجهول المكان، ويعتبر في وضعيته تلك خارج النطاق القانوني.
4- الحق في محاكمة عادلة.
5- الحق في حياة أسرية طبيعية .
لقد أولت الأمم المتحدة اهتماماً مبكّراً بظاهرة الاختفاء القسري، ففي عام 1979 أصدرت قراراً بعنوان” الأشخاص المختفون”، وفي العام 1980 أنشأت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة الفريق العامل المعني بمتابعة حالات الاختفاء القسري. ومن مهماته العمل كقناة اتصال بين عوائل المفقودين والحكومات، ويصدر الفريق العامل تقريراً سنوياً يغطّي فيه حالات الاختفاء القسري منذ ذلك التاريخ.
وفي الدورة السابعة والأربعين للجمعية العامة أصدرت الأمم المتحدة إعلاناً في 18 كانون الأول (ديسمبر) 1992 أطلقت عليه ” إعلان بشأن حماية الأشخاص من الاختفاء القسري أو غير الطوعي”، معتبرة أعمال الاختفاء القسري جريمة ضد الكرامة الإنسانية ويُدان بوصفه إنكاراً لمقاصد ميثاق الأمم المتحدة وانتهاكاً صارخاً وخطيراً لحقوق الإنسان وحريات الأساسية. واعتبر الاعلان إن جميع أعمال الاختفاء القسري تعتبر جريمة مستمرة باستمرار مرتكبيها في التكتّم على مصير الضحية ومكان اختفائه، ولا تسقط هذه الجريمة بالتقادم ولا يستفيد مرتكبوها من أي قانون عفو خاص، مثلما عبّر عن ذلك قرار الجمعية العامة رقم 39 لعام 1994 مشيراً إلى قلق المجتمع الدولي إزاء استمرار هذه الظاهرة الإجرامية، التي تستحق عقوبات ملائمة.



#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أحقاً هي السلطة الرابعة؟
- هل استوطن الإرهاب في العراق؟
- البحرين: إضاءات على طريق الوحدة الوطنية والتغيير والعدالة!
- رذيلتان لا تنجبان فضيلة
- عبد الرحمن النعيمي اليساري الأكثر اعتدالاً: حين يعجن وسيلته ...
- مانديلا وثلاثيته الأثيرة!
- براغ والقدس
- نيلسون مانديلا .. الأسود الأكثر نصاعة
- موسم الانتخابات العربية
- الجاسوس والجاسوسية!
- التغيير: الشرعية ونقيضها
- الإعلام والإرهاب: السالب والموجب !
- الروس قادمون.. نعم ولكن
- من هو قاتل عرفات!؟
- حقوق المرأة والخلاف في الجوهر
- جراح الذاكرة والإفلات من العقاب
- دبلوماسية مكافحة الإرهاب!
- هل الغاز وراء التفاهم الروسي – الأمريكي؟
- في الظاهرة العنفية عراقياً
- ما بعد -جنيف 2-


المزيد.....




- إعلام: وفد مصري إلى تل أبيب وإسرائيل تقبل هدنة مؤقتة وانسحاب ...
- -أنصار الله- تنفي استئناف المفاوضات مع السعودية وتتهم الولاي ...
- وزير الزراعة الأوكراني يستقيل على خلفية شبهات فساد
- ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب عنف- في ...
- دراسة حديثة: العاصفة التي ضربت الإمارات وعمان كان سببها -على ...
- -عقيدة المحيط- الجديدة.. ماذا تخشى إسرائيل؟
- مصر: بدء التوقيت الصيفي بهدف -ترشيد الطاقة-.. والحكومة تقدم ...
- دبلوماسية الباندا.. الصين تنوي إرسال زوجين من الدببة إلى إسب ...
- انهيار أشرعة الطاحونة الحمراء في باريس من فوق أشهر صالة عروض ...
- الخارجية الأمريكية لا تعتبر تصريحات نتنياهو تدخلا في شؤونها ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - صفاء الحافظ وصباح الدرّة :ثلاثون عاماً على الإختفاء القسري