أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - حدود العقل .. 4 - الحجر














المزيد.....

حدود العقل .. 4 - الحجر


سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)


الحوار المتمدن-العدد: 4311 - 2013 / 12 / 20 - 13:26
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لا بد قبل الذهاب أبعد من هذا التساؤل الإشارة إلى أن الفرق بين العلوم الطبيعية "التجريبية" والعلوم الإنسانية لا يكمن فقط في المنهج المستعمل في البحث والتحليل ولا في الأدوات العديدة المستعملة للتجربة والقياس، الفرق الحقيقي يكمن في الهدف الذي نريد الوصول إليه من وراء البحث. العلوم التجريبية لا ترمي إلى "المعرفة" connaissance بالمعنى الفلسفى وإنما إلى "العلم" بمعنى الدراية savoir حيث تبحث عن الإلمام وتسجيل شروط إمكانية الحوادث العامة وإظهار القوانين التي تسير عليها. فهي تتعلم تدريجيا وخطوة خطوة ما يوجد قبليا في الطبيعة وتظهره للوجود، فالكهرباء والذرة والجاذبية والموجات الكهرومغناطيسية والجينات، كلها متواجدة في الطبيعة حتى دون أن نكتشفها، والبشرية لم تنتظر أرشميدس لتبني القوارب والبواخر وكل الأجسام الطافية على الماء. والعلم بهذه القوانين يمكن الإنسان من تنظيم عمله بطريقة تمكنه من كسب الوقت وبناء وتركيب أدوات جديدة لتسهيل حياته وهو ما يسمى عموما بالصناعة والتكنولوجيا. فالعلوم التجريبية مكنت الإنسان من أن يبحث عن كيفية صناعة وسيلة للتنقل تختلف عن الحمار والحصان أو الجمل، ويتمكن تدريجيا من الوصول إلى صناعة الباخرة ثم القطار ثم السيارة والطائرة والصاروخ. وفي الجانب الآخر نجد العلوم الإنسانية تبحث عن "فهم" الدوافع التي تجعل الإنسان محتاجا للطيران وللتنقل السريع بدلا من السير على قدميه أو الزحف على بطنه مثل بقية الأحياء. عملية الفهم إذا ترتبط بالعمل الإنساني وقصديته ودوافعه المتعددة. فالجيولوجي مثلا لا يرمي إلى "فهم" الحجر الذي بين يديه، إنه فقط يحلل مكوناته ونسبة المعادن المختلفة الداخلة في تركيبه ليتمكن من تحديد الفترة الجيولوجية التي تكوّن فيها ويدرس نسيج الحجر وبنيته الكثيفة أو الطبقية ولونه، ويحدد إن كان ينتمي إلى الصخور النارية أو الرسوبية أو المتحولة إلخ . أما الأركيولوجي أو عالم الآثار، فإن ما يهمه في دراسة الحجر هو أثر الإنسان على هذا الحجر، كيف تحصل عليه ومن أي مصدر وكيف نحت وصنع منه أداة تمكنه من أداء وظيفة معينة، وكذلك خصائص هذا الإنسان الذي استعمله ومظهره وطوله ووزنه وحجم يده إن كان رجلا أو إمرأة، مستعملا اليد المنى أو اليسرى.. إلخ. فهذا الحجر لا يشير فقط إلى مكوناته المعدنية الجيولوجية ولم يعد موضوعا طبيعيا كحجر الجيولوجي، ولكنه أصبح موضوعا ثقافيا يشير إلى إنسان معين في فترة معينة من تاريخ البشرية. وعالم الآثار الذي يدرس هذا الحجر يرمي إلى فهم الإنسان الذي استعمل هذا الحجر ذات يوم في غرض من أغراضه. من هنا نرى أن العلوم الطبيعية والتجريبة لا تهدف أساسا إلى معرفة العالم أو فهمه كما سبق القول، إنها خطوة مهمة في الطريق إلى هذه المعرفة ولكنها غير كافية وتحتاج إلى المعرفة الإنسانية الأكثر شمولا والأكثر إرتباطا بالإنسان. فتكديس المعلومات وتراكم القوانين والنظريات العلمية وعظمة الإنجازات التكنولوجية لن يجعلها تتحول بمعجزة إلى معنى أو معرفة. فالأفعال الإنسانية مهما كانت لن تنتظم من تلقاء نفسها في مركب جوهري يدل بنفسه على معناه، لا بد من تدخل العقل الإنساني ليدرك أن كل فعل ذو دلالة في جوهره، وإذا غابت هذه الدلالة تسقط وتتلاشى طبيعته كفعل إنساني. وربما يكون هذا التدخل هو ما يمكن تسميته بالفكر الفلسفي الذي يسعى إلى تحديد المبادئ العامة و‫-;-الوصول إلى معنى الإنسان والحياة والعالم، ‬-;-وإدراك‫-;- جوهر الأشياء وماهيتها.‬-;- الفلسفه إذا هي المجال "الوحيد" الذي يتحقق فيه العقل بكل إمكانياته ويعبر عن جوهره ويرسم خريطة البشرية ويخطط حدوده القصوى. وتاريخ الفلسفة هو بطريقة ما تاريخ العقل ذاته في محاولاته المتعددة واليائسة وربما المستحيلة لتجاوز ذاته والخروج من سجن الفكر المنغلق وفك الحصار وايجاد الأدلة على مشروعيته. وعندما نطرح هذا السؤال البسيط ما هو العقل؟ فإنه من الواضح أن العقل ذاته هو مصدر التساؤل، وهو الذي يتسائل عن ماهيته بواسطة اللغة، وسيلة التساؤل الوحيدة والممكنة والقادرة على إيصال الجمل الإستفهامية إلى الآخر ـ القارئ ـ العاقل بدوره والذي يستطيع أن يمارس عملية التفكير ويحاول الإجابة عن السؤال عن ماهية العقل. العقل إذا يسائل نفسه عن ماهيته، فكيف يستطيع العقل أن يتعالى عن ذاته ويعاين هويته ويحيط بها دون أن يتحول إلى "موضوع" للدراسة ويتشيأ. وهذه الحلقة المغلقة تبدو في كثير من الأحيان غير قابلة للكسر أو الإنقطاع. العقل لا يستطيع أن يفكر في ذاته وهو يفكر، كما أن العين البشرية لا تستطيع أن ترى ذاتها وهي "ترى" أي لا تستطيع أن ترى الرؤية ذاتها، كذلك العقل لا يستطيع أن يفاجئ نفسه وهو يفكر، فلا بد له من أن يستعين بمعارف سابقة، ليست مباشرة ليتصور نفسه وكيفية تواجده في العالم.



#سعود_سالم (هاشتاغ)       Saoud_Salem#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حدود العقل .. 3 - السيبورج
- خرائب الوعي .. 27 - لماذا هناك أي شيء؟
- حدود العقل .. 2 - الجسد
- جدلية السيد والعبد
- حدود العقل .. 1 - الإنسان
- الإنسان حيوان قاتل - حل الجيوش هو الحل
- الجريمة والعقال 6 - العلم ضد التربية
- الجريمة والعقال 5 - القرود الخمسة والموزة المحرمة
- الجريمة والعقال 4 - العصا لمن عصى
- الجريمة والعقال 3- الإسلام .. رسالة ملغمة
- الجريمة والعقال 2- البحث عن الجنة
- الجريمة والعقال 1- الحشاشون
- الإنسان حيوان قاتل 11 - ماكبث .. القاتل والمقتول
- الإنسان حيوان قاتل 10 - لماذا لا يحدث إنقلاب عسكري في أمريكا ...
- الإنسان حيوان قاتل 9 - المظلة البلغارية
- الإنسان حيوان قاتل 8 - أسطورة اوزيريس
- الإنسان حيوان قاتل 7 - القاتل بالجملة
- الإنسان حيوان قاتل 6 - القتلة الجياع
- الإنسان حيوان قاتل 5 - السن بالسن والرقبة بالرقبة
- الإنسان حيوان قاتل 4 - لاتغضب بدلا من لا تقتل


المزيد.....




- إيران:ما الذي ستغيره العقوبات الأمريكية والأوروبية الجديدة؟ ...
- الرئيس السابق للاستخبارات القومية الأمريكية يرد على الهجوم ا ...
- وزير خارجية الأردن لنظيره الإيراني: لن نسمح لإيران أو إسرائي ...
- وسائل إعلام: إسرائيل تشن غارات على جنوب سوريا تزامنا مع أنبا ...
- حرب غزة| قصف مستمر على القطاع وأنباء عن ضربة إسرائيلية على أ ...
- انفجارات بأصفهان بإيران ووسائل إعلام تتحدث عن ضربة إسرائيلية ...
- في حال نشوب حرب.. ما هي قدرات كل من إسرائيل وإيران العسكرية؟ ...
- دوي انفجارات قرب مطار أصفهان وقاعدة هشتم شكاري الجوية ومسؤول ...
- أنباء عن -هجوم إسرائيلي محدود على إيران- وسط نفي إيراني- لحظ ...
- -واينت-: صمت في إسرائيل والجيش في حالة تأهب قصوى


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سعود سالم - حدود العقل .. 4 - الحجر