أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - يعقوب بن افرات - امريكا تتراجع وإسرائيل تنعزل















المزيد.....


امريكا تتراجع وإسرائيل تنعزل


يعقوب بن افرات

الحوار المتمدن-العدد: 4307 - 2013 / 12 / 16 - 13:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ننشر فيما يلي الجزء السياسي العام لوثيقة اللجنة المركزية لحزب دعم والتي جرى إقرارها يوم 1 كانون اول (ديسمبر) 2013.

في اجتماع اللجنة المركزية الأخيرة التي انعقدت في يوليو 2013 تم استعراض الوضع في الشرق الاوسط إثر التراجع الملحوظ في مكانة الولايات المتحدة في المنطقة. كما تم التطرق الى الربيع العربي وتحديدا لآثار الانقلاب العسكري في مصر وتراجع القوى الثورية في سوريا امام العناصر الجهادية والانقسامات الطائفية التي تلعب لصالح نظام الأسد الفاشي.
في الجانب التنظيمي استعرضنا الظروف التي قادت لتشكيل قائمة ائتلافية لخوض لانتخابات المحلية في تل ابيب باسم "مدينة بلا حدود" برئاسة الرفيقة اسماء اغبارية زحالقة والناشطة اميلي مواطي، وذلك وبعد ان تعثرت المفاوضات مع القوائم التي توجهت إلينا للبحث في امكانية الانضمام اليها.
وفي الفترة الماضية طرأت تطورات خطيرة في المنطقة منها ما يتعلق بالاتفاق الروسي الامريكي حول السلاح الكيماوي في سورية، والاتفاق بين الغرب وإيران حول المشروع النووي الايراني، وكذلك المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية. وتعكس هذه التطورات وضعا سياسيا جديدا في المنطقة، نابعا من الظروف التي أسهبناها في وثيقة اللجنة المركزية الاخيرة. اما بالنسبة للانتخابات المحلية فعلينا استخلاص العبر والدروس من التجربة التي وإن لم تنته باجتياز نسبة الحسم الا انها منحتنا دعم 1900 مصوّت، مما يعتبر تقدما ملموسا في مكانتنا في تل أبيب.

أمريكا وروسيا تشكلان إطارا دوليا جديدا
الأزمة في العلاقات بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الامريكية التي وصلت ذروتها في الموضوع الايراني، بدأت تتجلى مع تراجع الرئيس الأمريكي براك اوباما عن قراره ضرب النظام السوري ردا على استخدام الغاز الكيماوي ضد مواطنين عزل في الغوطة الشرقية في ضواحي دمشق في 21 أغسطس، والتي راح ضحيتها المئات من سكان المنطقة. وكان اوباما قد طلب تفويضا من الكونغرس الامريكي برغم ان الدستور الامريكي يمنحه الصلاحية المطلقة لاتخاذ مثل هذه الخطوات. وكان اوباما يهدف من وراء هذا التوجه الى قطع الطريق امام منتقديه من الحزب الجمهوري في حال أخفقت الضربة العسكرية ضد النظام السوري. الأمر الجديد كان ان الاغلبية في الكونغرس رفضت المبادرة للهجوم، الأمر الذي توافق مع استطلاعات الرأي العام التي ابدت معارضة شديدة للتدخل العسكري في سورية.
تطور سياسي داخلي مماثل وعلى نفس الخلفية سبق أن حدث في بريطانيا. فقد صوّت مجلس العموم البريطاني ضد مشروع القرار الحكومي بضرب النظام السوري على خلفية احداث الغوطة الشرقية في دمشق. هنا أيضا انضم عدد كبير من حزب المحافظين الحاكم الى موقف المعارضة الذي مثّله حزب العمل البريطاني، مما سبب هزيمة سياسية كبيرة جدا لرئيس الوزراء ديفيد كامرون. كان واضحا ان الرأي العام في دول الغرب سئم من الحروب ولا يريد أي تدخل في الشؤون الداخلية للأمم وتحديدا في الشرق الاوسط.
أدى هذا التطور الخطير في كل من بريطانيا وأمريكا الى تقدم ملحوظ في الدور الروسي الذي يطمح منذ ترؤس فلاديمير بوتين للبلاد إلى استعادة مكانة روسيا في العالم. وقد تقدم الروس بمبادرة قد انقذت اوباما من الورطة امام الكونغرس، حسبها يوافق النظام السوري على تسليم الاسلحة الكيماوية وتدميرها لقاء امتناع امريكي عن تسديد الضربة العسكرية. وقد خلق هذا التفاهم الجديد بين امريكا وروسيا اطارا دوليا جديد تتنازل فيه امريكا عن سعيها لاحتكارها المطلق للعالم مستفيدة من قوتها العسكرية وذلك لصالح الشراكة مع روسيا في حل الازمات الدولية.
الاتفاق الروسي الامريكي حول سورية منح مزيدا من الوقت لنظام الأسد المجرم للاستمرار في حرب الابادة ضد شعبه، ولكنه بالنسبة لدول الغرب يعبر عن تطور مهم بل إيجابي علما ان الرأي العام تعب وزاد استياءه من سياسة الحرب والقمع التي مارستها الادارة الامريكية في عهد الرئيس جورج بوش وحلفائه في بريطانيا وعدد من الدول الاوروبية. ان ما حسم الامر بكل ما يتعلق بالموقف من الحرب على سورية، هو بلا شك الازمة الاقتصادية العميقة التي دخلتها الدول الرأسمالية بعد انهيار اسواق المال والبنوك اثر انفجار فقاعة القطاع العقاري عام 2008.
كان انتخاب اوباما للولاية الأولى بأغلبية شعبية كبيرة إشارة واضحة من الجمهور الامريكي بأنه يتوقع تغييرا جذريا في السياسة الخارجية والاقتصادية التي أدت لكارثة اجتماعية ضربت قطاعات واسعة من الطبقة العاملة الامريكية التي فقدت مدخراتها، اموال التقاعد، بيوتها وأماكن عملها. لقد تلاشى الحلم الامريكي وتحول الى كابوس أدى إلى فقدان الثقة بالمؤسسات الحاكمة التي تعمل لصالح الشركات الكبيرة والبنوك التي تم إنقاذها من الانهيار على حساب المال العام والضرائب التي يدفعها العمال. الاتجاه السياسي العام انتقل الى الإصلاح الداخلي على حساب التدخل الخارجي.
لقد كلفت الحروب الميزانية الأمريكية أكثر من الف مليار دولار وأحدثت فيها عجزا كبيرا، مما أدى إلى تقليص وحتى انهيار الكثير من الخدمات الحكومية في مجال الصحة، التعليم، المواصلات وتطوير البنى التحتية والاقتصاد. إضافة للضرر المادي الكبير، فقد فشلت هذه الحروب في تحقيق أهدافها رغم الخسائر الجسيمة التي تكبدها الجيش الامريكي والتدمير الكامل لكل من العراق وأفغانستان. ان كل ما حصلت عليه أمريكا في سبع سنوات من احتلال العراق هو تشكيل نظام طائفي شيعي تابع لإيران ومنهمك في حرب اهلية مع المواطنين السنة والأكراد، وفي افغانستان يتفاوض الامريكان مع حركة طالبان بعد ان فشلوا في القضاء عليها. وقد وعد اوباما بالانسحاب من العراق وأفغانستان استجابة منه للمطلب الشعبي والتعب العام من الحروب.
ايران محور الازمة بين امريكا وإسرائيل
الازمة الاقتصادية التي أدت لتغييرات سياسية عميقة في العالم كله، كان منها انتخاب اوباما في أمريكا وسقوط الانظمة العربية بما عرف بالربيع العربي، أثرت كبير الأثر على ايران ايضا. بل ان الحركة الخضراء التي اندلعت في ايران احتجاجا على انتخاب الرئيس احمدي نجاد هي التي بشرت بالربيع العربي. فقد سئم الشباب الايراني من النظام الاستبدادي الاصولي والمتزمت ويطمح الى التغيير والتحديث والانفتاح الديمقراطي، وبالمقابل قام النظام بقمع الانتفاضة بالحديد والنار. ورغم كل محاولات النظام تبرير موقفه المتشدد على اساس عقائدي وحتى تحرري ضد ظلم "الشيطان" الامريكي وإسرائيل، إلا ان الشعب الايراني استمر في سعيه للحرية والعدالة الاجتماعية.
لا شك ان العقوبات الاقتصادية المفروضة من الغرب بسبب عدم انصياع النظام الايراني لقرارات مجلس الامن بخصوص مشروعه النووي، ساهمت في تعميق الازمة الاقتصادية الايرانية، ولكن الربيع العربي وتحديدا الثورة السورية شكلت ناقوس خطر على النظام الذي فقد شعبيته في صفوف الطبقة الوسطى الايرانية. ان عزلة النظام وتورطه في سورية ساهما بفوز حسن روحاني في الرئاسة رغم المنافسة الشديدة من قبل المتشددين الذين حظوا بدعم المرشد الاعلى علي خامنئي. وكان انتخاب روحاني علامة واضحة بان الرأي العام الإيراني يريد التغيير، وانه غير مستعد لخوض معارك مع الغرب والاستمرار في التدخل بسورية وتطوير المشروع النووي.
كان من الطبيعي ان ينتهز اوباما الفرصة لمد الجسور مع ايران بعد التغيير السياسي الذي حصل فيها، الأمر الذي انسجم مع موقفه الانسحاب من الحروب كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية. الموقف الامريكي الجديد الذي يمثله اوباما ساهم بلا شك في تعزيز التيار المعتدل في الشرق الاوسط، ومنح التيار الذي دعم روحاني هامشا سياسيا مهما لتحقيق وعوده بتفكيك العقوبات وبالمقابل تخفيف التدخل السافر للنظام في حياة المواطنين. بعد الاتفاق بين روسيا والولايات المتحدة على تدمير الاسلحة الكيماوية في سورية، كان من الطبيعي ان تتقدم ايران بمبادرة لتحسين علاقاتها مع الغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة.
هذا التطور المهم في كل من ايران وأمريكا على خلفية الربيع العربي، تجاوز إسرائيل التي تبدو معزولة عن كل ما يحدث. ورغم الاحتجاج الاجتماعي غير المسبوق في تاريخ إسرائيل، إلا ان نتائجه السياسية جاءت بعكس الآمال التي عقدت عليه. مئات الآلاف الذين خرجوا للشوارع في صيف 2011 لم تمتلك رؤية سياسية واضحة بل عملت عامدة على استثناء القضية الفلسطينية والعلاقة بين اليهود والعرب من النقاش العام، بحيث اختفت هذه القضايا السياسية الجوهرية عن قائمة المطالب التي أطلقتها حركة الاحتجاج. وكان المجهود الاكبر لتوحيد الصفوف بين اليمين واليسار على اساس القاسم المشترك الاجتماعي الاقتصادي.
المستفيد من هذه السياسة الجبانة التي ضحّت بالفلسطينيين لصالح الإجماع الصهيوني حول القضايا الاجتماعية، كان اليمين المتطرف. فقد جاءت التصويت في الانتخابات للكنيست لصالح قائمة جديدة برئاسة يئير لبيد وقائمة المستوطنين المتجددة بقيادة رجل الاعمال نفتالي بنيط، الامر الذي أدى الى تشكيل حكومة يمينية متطرفة يسيطر عليها المستوطنون وأعضاء الليكود وإسرائيل بيتنا الأكثر تعصبا أمثال أفيغدور ليبرمان. وكان من الطبيعي ان تجد اسرائيل نفسها خارج التطور العام نحو الانفراج في العلاقات مع ايران والنأي عن انتهاج ورقة الحرب كوسيلة للحصول على مكاسب سياسية.
في حين يسعى اوباما للوصول الى حل وسط يمنح ايران الحق بتطوير الطاقة الذرية ولكن دون الوصول لدرجة امتلاك سلاح نووي، تصر إسرائيل على تفكيك المشروع النووي الايراني برمته. وفي حين يعمل اوباما على تقوية التيار المعتدل في ايران على حساب التيار المتشدد الذي يرأسه المرشد العام بدعم من الحرس الثوري الايراني، يسعى نتانياهو لإسقاط النظام بكامله عبر تضييق الخناق على النظام من خلال المزيد من العقوبات الاقتصادية وحتى بالضربة العسكرية اذا استمر النظام الايراني في مسيرته نحو امتلاك السلاح النووي.
وتدرك ادارة اوباما كون الربيع العربي تحولا تاريخيا عميقا يعبر عن طموحات الشعوب العربية للانضمام للعالم العصري من خلال الاطاحة بالأنظمة الاستبدادية الفاسدة التي عرقلت النمو الاقتصادي وفاقمت المشاكل الاجتماعية الجمة التي تعاني منها الجماهير العربية وعلى رأسها الفقر المدقع. بالنسبة للولايات المتحدة، ما نراه من تراجع وصراع داخلي في الدول التي تمت فيه الاطاحة بالنظام الاستبدادي، هو تطور طبيعي لا بد منه في مسيرة التاريخ نحو بناء انظمة ديمقراطية حديثة. ولكن نتانياهو يرى ان الربيع العربي عبارة عن تطرف ديني، وان ما يحدث من صراعات داخلية وتحديدا الانقلاب العسكري في مصر هو دليل على ان العقلية العربية والتركيبة القبلية والطائفية لا تحتمل الديمقراطية.
مقابل مساعي التهدئة الامريكية، تعمل اسرائيل على إحباط الربيع العربي وتتحالف لهذا الغرض مع النظام السعودي والنظام العسكري المصري والنظام الملكي الاردني، وهي مستعدة للتعايش مع النظام السوري. وفي حين تفهم امريكا ان سقوط هذه الانظمة صار أمرا محتوما لعدم حيازتها برامج اجتماعية تلبي طموحات الشعوب بل تسعى لتكريس الفساد والاستبداد، تتشبث اسرائيل بموقفها العدائي للشعوب الثائرة، ولا ترى سوى الحرب والقمع وسيلة للحصول على مطامعها.
اين الانتفاضة الثالثة؟
الاتفاق المرتقب بين الدول العظمى وإيران سيشكل تحولا كبيرا في العلاقات الدولية، وسيضع اسرائيل في وضع حرج بعد ان عارضت الاتفاق ووصفته بأنه تنازل سافر لإيران. لقد استنتج نتانياهو من الاتفاق مع ايران، انه ليس لإسرائيل طرف تعتمد عليه ولذا فعليها الحفاظ على امنها الأمر الذي يعني، حسب تفسير الزعيم الاسرائيلي، عدم تقديم أية تنازلات للجانب الفلسطيني. بالنسبة لنتانياهو لا فرق بين الفلسطينيين والايرانيين والعرب عموما، جميعهم يريدون القضاء على إسرائيل، وهم يرفضون الوصول معها الى اتفاق سلام لأنهم لا يريدون الاعتراف بيهودية الدولة ويتحججون بالاستيطان في الضفة الغربية لعرقلة أي اتفاق.
مقابل هذا التفكير المشوه لا توجد هناك معارضة سياسية حقيقية داخل الكنيست، الأمر الذي يمنح الحكومة الاحتكار المطلق للساحة السياسية. النقاش في اسرائيل اليوم يدور بين اليمين واليمين المتطرف الذي يحظى بنفوذ سياسي غير مسبوق. من اجل الحفاظ على موقعه السياسي يسعى نتانياهو لإرضاء أطماع اليمين في توسيع الاستيطان وسد الطريق امام أية امكانية للوصول لاتفاق. ومن هنا فالمفاوضات بين الحكومة الاسرائيلية والسلطة الفلسطينية تراوح مكانها لأن اسرائيل ترفض الخوض في الامور الجوهرية وعلى رأسها الحدود، وتهدر الوقت في نقاشات حول الترتيبات الامنية وفي مقدمتها المطالبة بالسيطرة العسكرية على غور الاردن على امتداد الحدود مع الاردن.
السؤال البديهي هو لماذا تستمر السلطة الفلسطينية في المفاوضات العقيمة رغم ادراكها ان اسرائيل تستغلها لتعميق الاستيطان؟ ابو مازن رضخ للضغط الامريكي وتحديدا الى طلب وزير الخارجية جون كري الذي هدد بوقف الدعم المالي للسلطة اذا هي انسحبت من المفاوضات. لقد حوّلت السلطة الفلسطينية وجودها إلى هدف بحد ذاته، بلا علاقة بالنتائج المدمرة التي تجرها سياستها على الشعب الفلسطيني وعلى قضيته. ان اعتماد السلطة الفلسطينية كليا على الدعم الخارجي، أفقدها منذ زمن طويل استقلالية قرارها.
ما يشغل بال ابو مازن اليوم ليس المفاوضات مع اسرائيل او الوصول الى اتفاق معها، بل معركته مع حركة حماس التي تسيطر على قطاع غزة. المفاوضات مع اسرائيل والدعم المالي الامريكي المرافق لها، اصبحا وسيلة للضغط على حماس. اما حماس من جانبها فتوظف شعار المقاومة المسلحة لفضح السلطة في الضفة الغربية. لقد اعاد الانقلاب العسكري في مصر للسلطة الفلسطينية الامل في العودة الى غزة مجددا، بعد ان فتحت الحكومة الانقلابية في مصر حربا ضد حماس، وقامت بهدم الانفاق واغلاق المعابر في رفح. وفي حين تعاني غزة من انقطاع الكهرباء لمدة 18 ساعة يوميا، تواصل الضفة الغربية حياتها العادية.
الحرب الداخلية بين فتح وحماس أدخلت الشعب الفلسطيني إلى نفق مظلم، فالقيادات الفلسطينية مشغولة بالحرب التناحرية، وهي مثل كل الانظمة العربية غير مهتمة بمصير شعبها بل بسلامة سلطتها وامتيازاتها. بمرور الزمن تزداد المعاناة في كل من غزة والضفة الغربية. فإذا كانت غزة تعاني من الطوق المفروض عليها من قبل مصر وإسرائيل، فإن سكان الضفة الغربية يرون كيف تتآكل الارض بسبب الاستيطان مما يبعد حلم الدولة المستقلة عن الواقع.
أدى هذا الوضع إلى نقاش داخل اسرائيل حول امكانية حدوث انتفاضة ثالثة، فقد اعتاد الجمهور الاسرائيلي على اندلاع انتفاضة شعبيه في كل مرة تنغلق منافذ الحل السياسي. وتزداد التكهنات حول امكانية حدوث انتفاضة جديدة كلما تحدث عملية قتل فردية لمستوطن او جندي اسرائيلي، ولكن المسؤولين الاسرائيليين يكررون نفس الموقف: "هذه أعمال فردية غير منظمة ولا علاقة عضوية بين حادث وآخر". غير ان الحوادث آخذة بالتكرار، وتوحي بأن المواطن الفلسطيني بدأ يفقد صبره مع تبدد الآمال في الوصول الى حل يحرره من الاحتلال والاستيطان.
قد يكون السبب في عدم حدوث انتفاضة ثالثة غياب القيادة السياسية المعنية بمثل هذه الانتفاضة. السياسة الفلسطينية اليوم محتكرة من قبل فتح وحماس، ولم يبرز حتى الآن تيار ثالث يطرح بديلا ديمقراطيا مستقلا بعيدا عن التبعية لامريكا ومصر الانقلابية من جهة او لقطر وتركيا من جهة أخرى. اضافة الى الاحتلال الاجرامي، يتعرض الشعب الفلسطيني الى نظام قمعي داخلي في كل من غزة والضفة الغربية. ان نظام فتح وحماس هو نظام لا دستور او برلمان يضبطه، ولا مجال للمواطن العادي للمطالبة بالحق والعدالة.
الاقتصاد العالمي قنبلة موقوتة
ان فهم التحولات السريعة في العالم العربي، وتحديدا التراجع الذي شهدناه في كل من مصر وسورية، يستدعي فحص السياق الدولي العام لهذه الاحداث. لا شك ان ما نراه في مصر وسورية هو تراجع كبير للقوى الديمقراطية واليسارية امام الفاشية العسكرية في مصر والتطرف الاسلامي في سورية. ولكن رغم هذا التراجع الكبير، فالتاريخ لا يعود الى الوراء. بمعنى آخر عهد مبارك قد ولى رغم المحاولات اليائسة من قبل الجيش لاستعادة نفوذه وسيطرته الاستبدادية، وكذلك لن ينجح بشار الاسد في العودة لحكم سورية، رغم كل محاولاته لتدمير البلد من اجل انقاذ نفسه.
كما حددنا في وثيقة المؤتمر الرابع لحزب دعم عام 1999، يستحيل ان تنجح ثورة ديمقراطية تطلب العدالة الاجتماعية دون ان يرافقها تحول كبير في الدول الصناعية الكبيرة وعلى رأسها الولايات المتحدة نفسها. ما يحدث اليوم في تونس ومصر وسورية يؤكد من جديد صحة هذا الاعتقاد. لقد وصلنا الى هذا الاستنتاج بسبب التراجع الكبير بل الهزيمة التي منيت بها الثورة الفلسطينية منذ توقيعها اتفاق اوسلو على خلفية انهيار الاتحاد السوفييتي عن الساحة العالمية.
لا يمكن تفسير ما حدث في القرن العشرين من ثورات عالمية دون الدعم الاستراتيجي الذي وفّره الاتحاد السوفييتي. لا يمكن تفسير التاريخ المعاصر لمصر، العراق، ليبيا، سورية وفلسطين، دون فهم العلاقة الجدلية مع ثورة اكتوبر ووجود الاتحاد السوفيتي كمنافس الولايات المتحدة على النفوذ في العالم. واذا كان من المستحيل حدوث الربيع العربي في تسعينات القرن الماضي او في العقد الاول من القرن الحالي بسبب السيطرة المطلقة التي تمتعت بها الولايات المتحدة، فان حدوثها في العقد الثاني جاء تحصيل حاصل لزعزعة مكانة امريكا وتراجع دورها في العالم.
الربيع العربي ليس سوى احد افرزات الازمة الاقتصادية العميقة التي أصابت النظام الرأسمالي في صيف 2008، والتي لم يتمكن من التغلب عليها حتى الآن. لقد جاء الربيع العربي في عالم يشهد نوعا من التمرد او الرفض للنظام السياسي الحالي الذي يخدم 1% من الأثرياء على حساب 99% من المجتمع. فتونس والقاهرة كانتا جزءا من انتفاضة امتدت من مدريد، إلى روما الى أثينا وصولا الى نيويورك وحتى تل ابيب. غير ان هذه الانتفاضة العالمية تراجعت بسبب ضعفها السياسي، وهذا التراجع تجلى ايضا في دول الربيع العربي نفسه.
تراجع امريكا لم يتبعه ظهور بديل اشتراكي، بل تعزيز القوى الرجعية مثل النظام الروسي الذي يستفيد من الضعف الامريكي، وبروز دور دول اقليمية غنية بالنفط مثل السعودية وقطر وإيران وحتى تركيا. من يتابع ما يحدث في الشرق الاوسط يفهم كيف وقع الربيع العربي بين فكي الكماشة، بين الاخوان المسلمين الذين استندوا الى قطر وبين انصار مبارك والجيش المصري الذي يستندون للسعودية. هذه اللعبة بين قطر والسعودية امتدت ايضا على الساحة السورية الامر الذي أدى الى تفكك المعارضة السياسية التي فقدت مصداقيتها لصالح العناصر الجهادية المتطرفة.
لم يتمكن اليسار الديمقراطي العربي من طرح بديل ثالث نظرا لضعفه المادي من ناحية وضعفه التنظيمي الذي تجلى في غيابه عن صفوف الطبقة العاملة والفلاحين. في مصر تحالف اليسار مع الجيش وفلول نظام مبارك من اجل إسقاط الرئيس المنتخب، الأمر الذي ضرب عرض الحائط بكل مكتسبات ثورة 25 يناير. وسدد هذا السلوك ضربة قوية لمصداقية هؤلاء الثوار الذين تهربوا من المنافسة السياسية الديمقراطية خوفا من نفوذ الاخوان المسلمين، وتحالفوا مع الشيطان نفسه وسلموا الشعب من جديد الى الذين قمعوه 60 عاما.
ان ضعف الولايات المتحدة يعبر عن ضعف النظام الرأسمالي برمته بما في ذلك أتباعه وأذنابه. واذا استطاعت السعودية ضرب ثورة 25 يناير وفرض نفوذها على مصر وسورية فهذه المكاسب مؤقتة وغير مستقرة. فليس بمقدور النظام المصري الحالي ان يوفر للشعب المصري الحد الادنى من المطالب التي ثار لأجلها. ان النظام السعودي نفسه يعيش تناقضات داخلية كبيرة جدا، انه نظام متخلف، متزمت، غير ديمقراطي، فاسد يشتري الذمم بأموال النفط ويستند على تسعة ملايين عامل أجنبي. من الواضح ان الانظمة العربية لا يمكن ان تلبي حاجات المجتمع العربي الذي يطمح للانضمام للقرن الحادي والعشرين.
ان عهد الثورات لم ينته بعد، بل كان الربيع العربي مجرد الفاتحة له. ان الحديث الجاري اليوم في كل المحافل الدولية هو عن الازمة الاقتصادية التي تتفاقم في حين تعجز الحكومات وعلى رأسها الادارة الامريكية عن حلها. ان الخطر الوجودي على الحضارة البشرية اليوم ليست ايران او كوريا الشمالية بل عجز الدول عن توفير الحاجات الأساسية للمواطنين، وأولها الحق بالعمل. من هنا يتم توجيه كل الطاقات والموارد الى إنعاش الاقتصاد المريض ولكن دون جدوى. ويعود سبب الفشل في تواصل احتكار الشركات والبنوك الكبرى للاقتصاد وللنظام السياسي.
الخطوات الاقتصادية التي اتبعتها الولايات المتحدة بقيادة ادارة اوباما فاقمت الأزمة الاقتصادية بدل حلها. فقد اخترع البنك الفدرالي الامريكي أسلوبا اقتصاديا جديدا عُرف باسم "التخفيف الكمي"، وحسبه اشترى البنك المركزي الامريكي حتى الآن أكثر من أربعة آلاف مليار دولار من سندات البنوك الكبيرة بهدف تسهيل الائتمان والقروض لتطوير الصناعة والتجارة. المشكلة ان البنوك زادت سيولتها ووسعت نفوذها، مما جعل مؤشرات اسواق الاوراق المالية تحقق معدلات قياسية، ولكنها لم تلتزم بإقراض المستهلكين مما يفسر استمرار الجمود في عدد اماكن العمل مما يعني ان البطالة تحولت الى داء مزمن.
الحال ان الولايات المتحدة تواجه خطر الانهيار المالي الجديد، إما بسبب وقف سياسة "التخفيف الكمي" او بسبب الاستمرار فيها مما قد يؤدي إلى خلق فقاعة مالية جديدة تحديدا في الدول النامية مثل تركيا او البرازيل التي ستنفجر عاجلا أم آجلا اذا توقف "التخفيف الكمي" الذي سيؤدي الى ارتفاع قيمة الدولار ومقابل العملة المحلية. ان كثير من الشريكات في الدول النامية اقترضت بالدولار الرخيص بسبب سياسة "التخفيف الكمي" وستوجه صعوبة كبيرة في سد ديونها بعد ان يرتفع قيمة الدولار بسبب توقف البنك الفيدرالي عن هذا السياسة.
النتيجة الواضحة لسياسة اوباما المالية هي ان ال1% يزدادون ثراء وال99% يزدادون فقرا. الفجوات الاجتماعية كفيلة بإحداث انتفاضات شعبية في كل انحاء العالم بعد ان فقد العمال الأمل في تحسين ظروفهم وفقد الشباب مستقبلهم. العالم امام تغيير جذري في النظام نظرا لأزمته العميقة من جهة، وبسبب الإدراك الشعبي الجديد بان النظام يتحدث باسم الديمقراطية ولكنه يعمل لصالح البلوتوقراطية (حكم رأس المال)، ولا بد من استبداله بنظام بديل يعيد للديمقراطية معناها الأساسي وهو حكم الشعب لأجل الشعب.



#يعقوب_بن_افرات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الانتخابات المحلية تكشف عمق الكارثة في المجتمع العربي
- أوباما تائه والأسد ضائع
- على الأسد الرحيل!
- عباس يقود الفلسطينيين الى الجحيم
- انقلاب بغطاء ليبرالي
- مصر أضاعت طريقها
- يسقط يسقط حكم العسكر!
- المستوطنات هي -شظيّة في المؤخّرة الإسرائيليّة-
- انتصار الأسد في القصير يعجّل في تفكّك سورية
- الربيع التركي يخلط كل المفاهيم
- وزير الماليّة الاسرائيلي لپيد ضدّ العمّال
- أوباما يعلن توبته لنتنياهو
- سنتان للثورة السوريّة: “إمّا الأسد أو الخراب”، شعار يحقّق ذا ...
- مصر لا تحتمل المقاطعة
- انتفاضة مع وقف التنفيذ
- الولايات المتّحدة تمهّد لاتّفاقيّة مثيلة لأوسلو في سورية
- مصر: طريق الآلام نحو الديمقراطيّة
- الانتخابات في اسرائيل
- لا قوميّة للرأسماليّين الكبار
- الثورة المصريّة على شفا الهاوية


المزيد.....




- برق قاتل.. عشرات الوفيات في باكستان بسبب العواصف ومشاهد مروع ...
- الوداع الأخير بين ناسا وإنجينويتي
- -طعام خارق- يسيطر على ارتفاع ضغط الدم
- عبد اللهيان: لن نتردد في جعل إسرائيل تندم إذا عاودت استخدام ...
- بروكسل تعتزم استثمار نحو 3 مليارات يورو من الفوائد على الأصو ...
- فيديو يظهر صعود دخان ورماد فوق جبل روانغ في إندونيسيا تزامنا ...
- اعتصام أمام مقر الأنروا في بيروت
- إصابة طفلتين طعنا قرب مدرستهما شرق فرنسا
- بِكر والديها وأول أحفاد العائلة.. الاحتلال يحرم الطفلة جوري ...
- ما النخالية المبرقشة؟


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - يعقوب بن افرات - امريكا تتراجع وإسرائيل تنعزل