أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فيصل القاسم - السلاميون العرب الجدد:مغفلون أم يستغفلون؟















المزيد.....

السلاميون العرب الجدد:مغفلون أم يستغفلون؟


فيصل القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 1225 - 2005 / 6 / 11 - 10:36
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لعل أكثر الشعارات بروزاً لدى من يسمون بالليبراليين العرب الجدد هو شعار نبذ العنف والقوة والتشهير بالإرهاب والإرهابيين واللآجئين إلى الحديد والنار. قلما تخلو مقالة لليبرالي عربي جديد من إدانة الجماعات الإسلامية والمقاومة في العراق وفلسطين كما لو أن مناهضة العنف والدعوة إلى الاستسلام الكامل أصبحت مقرراً صحفياً مفروضاً في الكتابات الليبرالية العربية الجديدة لا تكتمل مقالاتهم من دونه. والويل كل الويل لمن لا يشنـّع بالعنف والداعين إليه في مقدمة أي مقالة "ليبرالية" يكتبها حتى وإن كان موضوعها زراعة قصب السكر في كوبا أو صناعة الفخار في جنوب غرب اليابان أو حتى ترويض الأسود في غابات الأمازون. لقد غدت إدانة العنف في الكتابات الليبرالية العربية الجديدة كالبسملة.

لا شك أنني أحيي هذه الإنسانية المفرطة لدى زملائنا الليبراليين لا بل أقف إجلالاً وإكباراً لهذه "الغاندية" العربية الجديدة وهذا الحرص العظيم على أرواح الحيوانات والطيور الأليفة والناس وممتلكاتهم وحل النزاعات بالطرق السلمية الحضارية ومخاطبة الآخر بالحوار والكلام الجميل بدل الرصاص والبارود والسيارات المفخخة. لا أستطيع أن أثني ما يكفي على هذه الروح المسالمة والرومانسية الإنسانية العالية لدى أصحاب البيانات العالمية المطالبة بمكافحة الإرهاب وملاحقة مروجيه خاصة وأننا شهدنا في الأونة الأخيرة إسهالاً منقطع النظير من البيانات الليبرالية الداعية إلى تعميم ثقافة السلم والسلام وإدانة العنف ومطاردة كل من يتفوه بكلمة يتيمة من كتاب وفقهاء لصالح المقاومة باشكالها كافة.

ولعلنا قرأنا ذلك البيان الشهير الموجه للأمم المتحدة الذي وقع عليه الألاف من زملائنا المتلبرلين والذي يطالبون فيه المنظمة الدولية بتشكيل محكمة خاصة لمحاكمة بعض رجال الدين الذي تجرأوا وطالبوا بمقاومة المحتلين في العراق وغيره. لا أدري لماذ يحاول هذا الرهط من المثقفين "الطهوريين" المزعومين تغطية عين الشمس بغربال. فإما أنهمم سذج أو أنهم يعرفون البئر وغطاءه لكنه مطلوب منهم أن ينزعوا ما تبقى من نخوة وحمية لدى هذا الشعب العربي وحكوماته التي بات مطلوباً منها التخلي حتى عن سكاكين مطابخها ناهيك عن أسلحتها الخفيفة.

لا غبار أبداً على تخليص هذا العالم من الإرهاب والعنف والدموية وجعله "جمهورية إفلاطون" وادعة مسالمة. لكن بالله عليكم لماذا تدينون الضحية التي تحاول يائسة الذود عن نفسها وتغضون الطرف عن سادة العنف والقوة في هذا العالم؟ من الذي يمتلك ترسانات تقليدية ونووية خيالية ووسائل إرهاب عز نظيرها في التاريخ "الإرهابيون العرب المزعومون" أم القوى التي تروع العالم من أقصاه إلى أقصاه بما توفر لها من أدوات السيطرة والهيمنة والإخضاع والترويع والترهيب؟ لماذا تكررون قصة الذئب والحمل الشهيرة حيث يقوم الذئب بتعكير مياه النبع من أعلاها ثم يتهم الحمل المسكين القابع في أسفل النبع. لا أريد طبعاً أن يُفهم كلامي على أن كل الجماعات العربية هي حملان وديعة. على العكس من ذلك هناك جماعات إرهابية شنيعة لا يمكن لأي عاقل أن يبارك أفعالها، لكن بدلاً من التركيز فقط على كل ما هو إرهابي عربي لا بد من توضيح الحقيقة للشعوب حتى تكتمل الصورة والتوقف عن دعوتها للاستسلام المجاني.

هل قرأ أخوتنا الليبراليون العرب الجدد التاريخ؟ بالطبع. لماذا يتجاهلون إذن أن التاريخ منذ بدء الخليقة لم يكن سوى سلسلة فظيعة من الحروب والمجازر والاقتتال والتصادم والعنف والقوة؟ وقد أظهرت دراسة أجراها أحد معاهد حقوق الإنسان أن خمسة عشر بالمائة فقط من التاريخ الإنساني شهد سلاماً وهدوءاً بينما اتسمت فترة الخمسة وثمانين بالمائة الباقية بالصراعات العنيفة والحروب المدمرة. ولو كان هناك حوار فعلا بين الأمم والشعوب لما شهد التاريخ أنهاراً من الدماء. جميل أن ندعو إلى الحوار وأن ندين الداعين إلى العنف، لكن متى كان الحوار سيد الموقف عبر تاريخ البشرية؟ هل تقدم العالم أصلاً إلا بالقوة والعنف؟

يقول المفكر المصري أحمد عباس صالح: "ما أن تقرأ كتاباً في التاريخ إلا وتجد ان محوره هو الحروب وفرض الرأي او المصلحة بالقوة، حتى لو كان الكتاب عن تاريخ العلم او تاريخ الاقتصاد وربما الفنون ايضا. ولم تعش المجتمعات البشرية حتى اليوم على ما تنتجه او تبتكره في منجزات الحياة من طعام وشراب وضروريات، بل على ما تتطلع اليه في أيدي الآخرين. وما من نقلة تاريخية من نظام الى آخر، او تقدم في هذا الجانب او ذاك، إلا وتجد انه كان مصحوبا بالقوة. والتجارة، والاقتصاد بشكل عام، لم يتتطورا او يتقدما في اي بلد إلا وهما مصحوبان بالجيوش والسفن الحربية التي تجوب البحار لقمع الآخرين وفرض التجارة عليهم، او سلب الثروات التي يمتلكونها".

إن تاريخ الغرب "الليبرالي" الحديث هو تاريخ الحروب الصغرى والكبرى، وأوروبا هي القارة الوحيدة التي اشعلت حربين عالميتين في قرن واحد راح ضحيتها مئات الملايين من البشر. لماذا يتناسى زملاؤنا من الليبراليين العرب الجدد أن العنف عنصر اساسي في التاريخ؟ لقد عبّر الكتاب والفنانون طوال نصف القرن الماضي عن احلام بالسلام والتضامن الانساني، مع ان الدول الكبرى كانت تخوض سباقا رهيبا من اجل التسلح، بما في ذلك الاسلحة فائقة الدمار، حتى اصبحت الدولتان العظميان، وهما في ذلك الوقت الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، قادرتين على تدمير الكرة الارضية اكثر من مرة.

ولا يمكننا إلا أن نتفق مع أحمد عباس صالح عندما يقول: "لو استعرضنا ظروفنا في العالم الثالث نجد أنه طوال قرن تقريبا ـ خاصة في الشرق الاوسط ـ أُجهضت الروح الحربية، فعندما صُفيت دولة محمد علي في مصر وانكسرت بعد ذلك بقليل ثورة الجيش المصري التي قادها احمد عرابي، لم يُقلص عدد الجيش واسلحته فحسب بل قـُلصت النزعة الحربية. وربما نستطيع القول بأن النخوة ايضا قد انتزعت انتزاعا بسبب ارهاب القوة واساليب الاذلال المختلفة. وصار الذي تملكه شعوب المنطقة هو التظاهرات المدنية المجردة من اي سلاح، وكم استشهد شباب هذه المناطق في المظاهرات، ومضى وقت طويل لم يدخل فيه جيش من هذه الجيوش اي معركة حربية."

لماذا يُطلب منا نحن العرب والمسلمين أن نستكين وننزوي كالرهبان أو أن نصبح قطعاناً من الحملان الخانعة بينما يواصل المجتمع «المتقدم» الذي يروج الليبراليون العرب الجدد قيمه وعقائده شحذ الميول العدوانية لدى ابنائه والعناية ببنائهم الجسدي وقواهم العضلية، وتنمية نزعات الفضول وحب المغامرة والاندفاع الى المخاطر؟ وكم من حوادث مميتة في سباق السيارات او بعض العاب القوى العنيفة والرحلات المحفوفة بالمخاطر، ولكن هذا لم يجعل المجتمع «الليبرالي المتقدم» يوقف هذه الالعاب والنشاطات او يحد من هذه الميول. والى اليوم من الصعب ان يتجمع جمهور من هذه الدول المحاربة في اي مكان من دون ان تحدث مصادمات تؤدي في احيان كثيرة الى الجراح المميتة، ويتجلى فيها العنف بأقصى درجاته، كما شهدنا في جماهير مشجعي كرة القدم في بريطانيا وغيرها من الدول الاوربية المحاربة الأخرى.

لقد كانت الديانة المسيحية التي تشكل الخلفية الثقافية للمجتمعات الليبرالية المتقدمة تدعو الى التسامح والغفران والسلام «من ضربك على خدك الايمن...»، ولكن في فورات الايمان القديمة التي عاشتها بعض الدول الاوربية كان القتل والحرق والتعذيب والابادة العرقية احيانا جزءا من الايمان العميق باعتباره جهادا ضد الكفرة المخالفين للدين، او المارقين من ابناء الديانة المسيحية نفسها. اما عن الحروب باسم ديانة السلام والمحبة فحدث ولا حرج. نعم لم يكن الامر مقصورا على المسيحيين الاوربيين او الغربيين، فقد شارك الجنس البشري كله بمختلف عقائده في تلك النزعة العدوانية بغرض التوسع في الثروة او السلطة. ذلك ان خصال العنف او غرائز التسلط هي الاصل الفطري الذي قد يبحث عن مبرر عقلاني او اخلاقي عندما تعوزه الحاجة الى ذلك. هل ثمة خطأ في الثقافة السائدة في مجتمعات العالم الثالث وفي المنطقة العربية بصفة خاصة؟ وما الذي يجب عمله؟ بالطبع من حقنا ان نتساءل: هل العنف او قل القوة بأشكالها المختلفة هي القانون الاساسي الذي يحكم مسيرة الجنس البشري الى اليوم؟ واذا كان الامر كذلك، ماذا على شعوب العالم الثالث ان تفعل؟ هل عليها ان تعيد تربية ابنائها على اساس مبدأ القوة والعنف؟ يتساءل صالح.

إن شواهد عديدة هذه الايام تبين لنا ان القوة هي مصدر كل السلطات، وأن العنف والاغتصاب هو العنصر الملازم لكل حركة في التاريخ البشري. واذا كان الامر كذلك فلا مفر من اعادة البناء وشحذ كيانات بشرية قادرة على المواجهة والتصدي بدلاً من الدعوة إلى مطاردة المقاومين وتقليم أظافر المتململين وإخصاء ما تبقى لنا من فحول. وعندما يصبح العالم قرية وادعة تنعم بالهدوء والسكينة والخير والسلم والسلام ويختفي العقبان والكواسر فلا ضير عندها من مطالبة الأمم المتحدة بتشكيل محكمة خاصة لا بل محاكم قراقوشية في كل قرية وضيعة لملاحقة ومحاكمة حتى المعلمين والمعلمات الللواتي يضربن التلاميذ على مؤخراتهم!



#فيصل_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- باي باي مناشير
- إعلام تدجيني Counter-Revolutionary
- الروتين تنكيل منظم بالشعوب العربية
- عندما يصبح -الشعب- خطراً على الديموقراطية والعالم
- تنازل أكثر تحكم أطول!
- كم أنتِ ناكرة للجميل أيتها الصهيونية!
- الانطفاش الإعلاماواتي الحنكليشي
- الحرس القديم .... يادادا
- الحاكم العربي وعُقدة كوريولانوس
- تدويل العرب!
- بلادي وإن جارت علي لئيمة!
- فيفا أوكرانيا...فيفا أوكرانيا!
- الصفر الوطني والصفر الاستعماري
- باي باي إصلاحات
- متى نتخلص من عقدة القائد التاريخي


المزيد.....




- لوحة كانت مفقودة للرسام غوستاف كليمت تُباع بـ32 مليون دولار ...
- حب بين الغيوم.. طيار يتقدم للزواج من مضيفة طيران أمام الركاب ...
- جهاز كشف الكذب وإجابة -ولي عهد السعودية-.. رد أحد أشهر لاعبي ...
- السعودية.. فيديو ادعاء فتاة تعرضها لتهديد وضرب في الرياض يثي ...
- قيادي في حماس يوضح لـCNN موقف الحركة بشأن -نزع السلاح مقابل ...
- -يسرقون بيوت الله-.. غضب في السعودية بعد اكتشاف اختلاسات في ...
- -تايمز أوف إسرائيل-: تل أبيب مستعدة لتغيير مطلبها للإفراج عن ...
- الحرب الإسرائيلية على غزة في يومها الـ203.. تحذيرات عربية ود ...
- -بلومبيرغ-: السعودية تستعد لاستضافة اجتماع لمناقشة مستقبل غز ...
- هل تشيخ المجتمعات وتصبح عرضة للانهيار بمرور الوقت؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فيصل القاسم - السلاميون العرب الجدد:مغفلون أم يستغفلون؟