أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فالح عبد الجبار - كرنفال الديموقراطية: حقيقة الأشياء أم مظاهرها















المزيد.....

كرنفال الديموقراطية: حقيقة الأشياء أم مظاهرها


فالح عبد الجبار

الحوار المتمدن-العدد: 1223 - 2005 / 6 / 9 - 13:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ثمة كرنفال عربي (قد يكون مبكراً) احتفاء بانعطاف نحو الديموقراطية. المحتفون يومئون الى انتخابات فلسطين والعراق، والى حركة «كفاية» (مصر) والى الانتخابات البلدية في المملكة العربية السعودية، فضلاً عن الوثبة اللبنانية لاستعادة مقاليد الديموقراطية البرلمانية. وبوسع المرء ان يسعف المحتفين، هنا، بتوسيع قائمة الاصلاح الديموقراطي، كيما تضم البحرين والمغرب (مثلاً) او الكويت الساعية الى فتح باب المشاركة امام المرأة لتعميم الديموقراطية.
في المقابل ثمة مأتم كامل يقيمه المرتابون من هذه الانتخابات او حركات الاحتجاج الديموقراطي. ويرى الغارقون في الاسي ان هذه التطورات مؤامرة غربية، او اميركية تحديداً، وديموقراطية مستوردة، وان لا بديل عن الرفض والمقاومة رافعين بذلك الثيمات القومية كنقيض لإرساء الديموقراطية (ولو الى حين).
أرى في هذين المسربين خللاً في الرؤية رغم ان كل رؤية تنطوي على عناصر واقعية. فالسؤال الأهم هو ان كان العالم العربي على ابواب تحول ديموقراطي حقاً. والسؤل الموازي في الاهمية هو إن كانت الديموقراطية متسقة مع البعد القومي والاجتماعي عند المعترضين.
الريبة واجب، لا تشكيكاً بقيمة الديموقراطية، ولا تقليلاً لشأن العرب في استحقاقها، ولا نكراناً لأهمية البعد الاجتماعي والقومي، بل خشية من طريقتنا نحن في تقليل الاشياء، طريقتنا المفعمة حماسة قبولاً او نبذاً.
منذ نصف قرن تقريباً والثقافة السياسية (كما العلوم السياسية) في العالم العربي منشغلة عن موضوعة الديموقراطية، اي البنية المؤسساتية للدولة ونواظم عملها (تقسيم السلطات حكم القانون) وعلائقها بالمجتمع، بمواضيع أخرى تسد الافق الفكري منذ الخمسينات، مثل الوحدة القومية او التنمية او الاشتراكية او التحرر او الاسلام السياسي او الأصالة.
اواخر الثمانينات من القرن المنصرم بدأ حديث خجول، هياب، عن «المجتمع المدني» والديموقراطية، بدأه، والحق يقل، بعض التنويريين القوميين، استجابة لتحولات اوروبا الشرقية واميركا اللاتينية بانهيار النظم التوتاليتارية والعسكرية التسلطية. غير ان حرب الخليج 1991، فالانتفاضة الفلسطينية الثانية وصعود ليكود، ادت جميعها الى اسكات هذه البداية، وسرعان ما عادت الثيمات القومية (ازاء خطر خارجي) لتهمين على الأفق. عاد العالم العربي القهقهرى الى قوقعته السابقة، مستكيناً الى رُهاب الغرب، وفوبيا الآخر، هذا المخرج الأيسر لتعليق كل التبعات على مشاجب الغريب.
لعلنا خسرنا بذلك فرصة تعميق النقاش حول الاندراج في موجة الانعطاف العالمي من نموذج الحكم التسلطي او الشمولي (التوتاليتاري) للدولة الى النموذج التمثيلي - الدستوري، الذي اكتسب زخماً اكبر بعد التحولات الكبرى في اوروبا الشرقية، بما في ذلك الاتحاد السوفياتي السابق.
شملت موجة الدمقرطة هذه نحو خمسين دولة. ولم تكن اوروبية (كما كان الحال في القرن التاسع عشر) بل عالمية، ضمت اوروبا وآسيا وافريقيا اميركا اللاتينية.
كان ذلك ثمرة نهاية الحرب الباردة واعترافاً بأن هذه الحرب عينها ختمت بالشمع الاحمر على اي كوة للحريات السياسية في عصر الصراع بين القوتين الاعظم. وما ان زال هذا الغطاء حتى انهارت أول ما انهارت انظمة الحكم العسكرية في اميركا اللاتينية (صنيعة الاستخبارات الاميركية) التي اغتذت مثل الرخويات على عفن الحرب الباردة. ولم تكن وحدها في هذا العيش الطفيلي.
كان القرن العشرون عجيباً حقاً، كان قرن انهيار الديموقراطيات في اوروبا كما تأسست في القرن التاسع عشر، واعادة تأسيسها وفقاً لمتطلبات القرن العشرين. انهارت الديموقراطية في روسيا القيصرية تحت وقع احتدام اللامساواة الاقتصادية المريعة، وحاجات التصنيع (الثورة البلشفية 1917). مثلما انهارت الديموقراطية في ايطاليا والمانيا (1921 و1933) تحت وقع المهانة القومية للامم المهزومة. كانت النازية والفاشية، بمعنى ما، احتجاجاً على اللا مساواة القومية بين الأمم، على كل بشاعة هذا الاحتجاج. وليس مصادفة ان يقارن موسوليني الفوارق الاقتصادية بين الأمم بالفوارق الاقتصادية بين الطبقات، مُعلياً شأن الصراع بين الأمم على صراع الطبقات.
خلاصة التاريخ الاوروبي الغربي في القرن العشرين تفيد ان توسيع المشاركة الاقتصادية حجر اساس في استقرار الديموقراطية التي انبثقت من عالم الاسواق الرأسمالية. من هنا ميلاد دولة الرفاه ونظام الضمان الاجتماعي. كما تفيد هذه الخلاصة ان التوازن بين الامم في حقوق السيادة والمشاركة في الاسواق العالمية (المشاركة الاقتصادية) هو ركيزة اخرى لثبات الديموقراطية. ومن هنا ولدت اتفاقيات بريتون وودز وصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومن بعدهما لاحقاً منظمة التجارة الدولية.
بخلاف هاتين الركيزتين (الاقتصادية - الاجتماعية والقومية) تنحو الامم او جل قواها الاجتماعية الى اعلاء البعد الاجتماعي (الرفاه، الخدمات، او حتى التصنيع) واعلاء الشأن القومي (الاستقلال، الوصول للاسواق العالمية) على الحرية السياسية (الديموقراطية)، بما يؤدي الى تدمير اسس الديموقراطية، وفتح الباب لصعود الشمولية، والغرق في اوحال الحرب، ساخنة او باردة. انفقت المانيا المحرومة من الاسواق البلايين لبناء ترسانتها العسكرية، وخوض الحروب، كما انفق الغرب الليبرالي البلايين لسحق الماكنة الألمانية، وأنفق البلايين الاضافية، بعد الحرب، لبناء الديموقراطية في البلدان المهزومة (المانيا، ايطاليا، اليابان، النمسا).
وفي عالمنا العربي يقف الفكر الديموقراطي نبتة هشة تماماً بازاء تيارين: الاجتماعي والقومي. المدرسة الاجتماعية تمحض الدولة الراعية ما يشبه حق البكورية الاقطاعي، في احتكار الحكم مقابل دفع التنمية وتوفير الخدمات الاجتماعية، على حساب الشرعية الدستورية، والمحاسبة، والانتخاب. في حين أن المدرسة القومية تضع التحرير القومي، بمعناه الواسع أو الضيق، أو بمعناه الحقيقي أو المتخيّل، محل التعارض مع الديموقراطية، ومع حركات اذكاء الصراع للجم أنظمة الحكم التسلطية. وقد ولدت الليبرالية مع جيل السياسيين المتحدرين من عوائل الاعيان والوجهاء، المعتمدين على الملكيات العقارية. اما مدارس الاحتجاج الاجتماعية والقومية فولدت من أوساط الفئات الوسطى ذات التعليم الحديث. من هنا سهولة بل واقع تداخل هاتين المدرستين تداخلاً مكينا أدى، في الممارسة، الى نشوء دول تسلطية (عسكرية في الغالب) تقوم على نظام الحزب الواحد، والاقتصاد الأوامري. حتى بديلها الشعبوي بصيغته الاصولية الاسلامية تشرّب الكثير من أفكار وشعارات هاتين المدرستين.
وعليه فان السجال الديموقراطي الحالي بازاء هاتين المدرستين ليس تجريداً نظرياً، أو بحثاً مجرداً عن انماط متوازنة للتطور الديموقراطي. بل يتخذ هذا السجال شكل تصادم مع نخب حاكمة مدعمة بانتلجنسيا تنعم بامتيازات هذا النظام التسلطي، الذي لا يفكر قط بالتخلي عن مزاياه وامتيازاته، رغم احتدام المشكلات.
هذه هي معضلة السجال الديموقراطي. اما المعضلة الأخرى فتتصل بالبنية المؤسساتية اللازمة لقيام ديموقراطية مستقرة. وهنا تتفق العلوم الاجتماعية على ان الديموقراطية التمثيلية الدستورية، الفاعلة في اطار الدولة القومية الحديثة، كنظام شامل بكامل طبقاته وأفراده، نظام حديث العهد، ينتمي الى طور متقدم من العصر الصناعي ولا سابق له قبل هذا العصر.
ثمة في الاقل ثلاثة شروط مؤسساتية لذلك، وهي تطور الاسواق كقوة اقتصادية منفصلة عن الدولة، وصعود الطبقات الوسطى الحديث، والخروج من أسر الثقافة التقليدية كمنبع للشرعية السياسية. وقد دخل عالمنا العربي عصر الديموقراطية من أواخر عهده الزراعي (أو حتى الرعوي في بعض الاصقاع) الذي يقوم على جماعات مغلقة، وطوائف ثابتة، ذات تراتب هرمي يستبعد المساواة السياسية. ولم ينتقل الا جزئياً نحو مجتمع حديث يقوم على جماعات منفتحة، متغيرة، ذات مساواة سياسية لا تستبعد التفاوت الاجتماعي.
ودخل الدستور الينا في القرن التاسع عشر من بوابة الاحتكاك بالغرب وبفضله. جاءتنا الدساتير عبر مصلحين كبار انحدروا من صلب دولة اقطاعية (مدحت باشا مثلا)، مثلما أُرسي اول البرلمانات والنظم الانتخابية المستقرة في القرن العشرين تحت الاحتلال البريطاني والفرنسي في المشرق العربي. وسقطت النماذج الأولى للنظام التمثيلي - الدستوري لقمة سائغة على يد العسكر، وذلك لهشاشة أساسها الاجتماعي (غياب طبقة وسطى دينامية) ولفظاعة التفاوت الاجتماعي (أرياف الفلاحين المعدمين، ومدن الحرفيين المنهارين) ولاحتدام المشكلة القومية (الاحتلال، القواعد الاجنبية، قيام اسرائيل). والتجربة الوحيدة (اللبنانية) التي حافظت على قدر من الاستمرار بفضل نظام الطوائف، سرعان ما قُمعت وقُيّدت بفعل الصراع الاقليمي - العالمي.
ولعل العالم العربي اليوم على أبواب تحولات اجتماعية وثقافية مهمة، وإن تكن متفاوتة بين مغرب ومشرق وخليج. فالتمديُن بلغ مستوى عالياً، واتساع الطبقات الوسطى سمة بارزة للعيان، ورغم تهمّشها في أصقاع وصعودها في أخرى، فان حتمية تحول مضطرد نحو زيادة مكوناتها المعتمدة على الملكية والرأسمال، على حساب الفئات المعتمدة على الراتب (فهذه الأخيرة شديدة التعلق بالدولة، تسلطية أم لا). لكن الأسواق، رغم بعض الاصلاحات، ما تزال مقيّدة، وما تزال كثرة من الدول تعتاش على ريوع محلية (انتاج النفط)، أو خارجية (بيع الخدمات لدول غنية)، وهذه الريوع تمنح الدولة مصادر مستقلة عن الانتاج المجتمعي للثروة.
أخيراً، ثمة احتدام بين الثقافات التقليدية التي تسبغ الشرعية الدينية على السياسة، للحاكم كما لحركات الاحتجاج، والثقافة الحديثة التي تترك بصماتها حتى على التقليديين. فكسر الصلة بالاقتصاد الأوامري الريعي، وبالثقافة التقليدية هو، بالتالي، المنعطف التاريخي الفعلي نحو الانتقال الديموقراطي.
أما الآن فما يزال العالم العربي يسا حل على ضفاف هذا التفكيك، في وجل. وقبل نحو ثلاثة قرون سخر مونتسكيو، صاحب «روح الشرائع»، من هذه المساحلة: اذا لم نكن نمتلك الأشياء، فلنملك اذاً مظاهر الأشياء!
(باحث عراقي)
2005/03/20



#فالح_عبد_الجبار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق: مصادر العنف ومآله
- نحن والغرب من إدوارد سعيد إلى محمد عبده
- تأملات في العنف, لا سيما عنف أولئك الذين يفجّرون العراق
- في انتظار البرابرة... في وداع البرابرة
- تأملات في الماركسية
- العراق حيال مسألة الفصام بين الأمة والدولة
- عراق غامض المآلات مُقلق, لكن البعث... لن يعود
- التوتاليتارية، الكلمة الغائبة الحاضرة
- من يقف وراء الهجمات على الأمريكيين في العراق؟
- القتال، التمرد او التلاشي
- بين الحزب والقبائل والعشائر التوازن الهش للنظام العراقي
- مزيفو النقود
- إيضاح لا بد منه في بيان الملاكمة المأجورة


المزيد.....




- فيديو أسلوب استقبال وزير الخارجية الأمريكي في الصين يثير تفا ...
- احتجاجات مستمرة لليوم الثامن.. الحركة المؤيدة للفلسطينيين -ت ...
- -مقابر جماعية-.. مطالب محلية وأممية بتحقيق دولي في جرائم ارت ...
- اقتحامات واشتباكات في الضفة.. مستوطنون يدخلون مقام -قبر يوسف ...
- تركيا .. ثاني أكبر جيش في الناتو ولا يمكن التنبؤ بسلوكها
- اكتشاف إنزيمات تحول فصائل الدم المختلفة إلى الفصيلة الأولى
- غزة.. سرقة أعضاء وتغيير أكفان ودفن طفلة حية في المقابر الجما ...
- -إلبايس-: إسبانيا وافقت على تزويد أوكرانيا بأنظمة -باتريوت- ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف بلدتي كفرشوبا وشبعا في جنوب لبنان (صور ...
- القضاء البلغاري يحكم لصالح معارض سعودي مهدد بالترحيل


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فالح عبد الجبار - كرنفال الديموقراطية: حقيقة الأشياء أم مظاهرها