أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - فالح عبد الجبار - العراق: مصادر العنف ومآله















المزيد.....

العراق: مصادر العنف ومآله


فالح عبد الجبار

الحوار المتمدن-العدد: 1222 - 2005 / 6 / 8 - 11:25
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


هناك رؤيتان لمصدر ومآل عنف ما بعد الحرب في العراق: الأولى تعتبره حركة عمادها حزب البعث المخلوع والسلفيون الجدد، هدفها إما العودة (البعث)، أو خوض حرب مقدسة شاملة تنتهي بانتصار الإسلام على الغرب (السلفيون). والثانية تعتبر العنف حركة وطنية، جامعة ومانعة سببها الأول والأخير الاحتلال، وبالتالي فهي منزهة عن أي غرض آخر.
ويمكن لأصحاب كل رؤية ايراد وقائع تكون برهاناً على قولهم، في نقاش بلا نهاية.
ويركّز بعض النقاشات على مخاطر الحرب الأهلية، معترفاً، برواية أو بغيرها، بوجود انقسام عريض في المجتمع العراقي، وهو انقسام لم يكن وليد اليوم بأية حال، إلا أنه احتدم في أعقاب الحرب. ذلك أن الحرب لم تسفر عن وقوع البلد تحت الاحتلال فحسب، بل انتهت الى تفكيك مؤسسات السلطة القديمة، وفتح الباب لنشوء مؤسسات جديدة، بقوى اجتماعية وسياسية جديدة، كانت إما مهمشة أو مقصاة. وهذان الجانبان من نتائج الغزو، أي تفكيك مؤسسات السلطة التوتاليتارية، وإعادة توزيع السلطة على القوى الاجتماعية المقصاة سابقاً، اكتسبا بالتدريج أهمية سياسية واجتماعية متنامية غدت، بصورة أو بأخرى، تتجاوز في أهميتها واقعة الحرب ذاتها عند معظم القوى الفاعلة. لا نعني بذلك أن واقعة الاحتلال لم تعد مريرة عند الفاعلين السياسيين، أو لم تعد واردة كهدف سياسي، فاستعادة السيادة العراقية كانت وستظل محركاً مهماً، إلا أن الخلاف يدور حول سبل الوصول إليها.
إن تفكيك المؤسسات الحصرية القديمة، وبناء المؤسسات التشاركية الجديدة، فتح الباب لاقصاء السادة القدامى، مثلما فتح الباب لمشاركة المبعدين بالأمس. وهذا الانقلاب في الأدوار ينطوي على نتائج عميقة الغور. فتوزيع السلطة السياسية هو في العين ذاته توزيع للثروة الاجتماعية. ذلك أن الدولة العراقية مترعة بعوائد النفط، خلافاً للغرب حيث توزيع الثروة يقرر توسيع السلطة. هذا التحول هو في اساس انقسام المجتمع العراقي تيارين عريضين متضادين، تيار العنف، وتيار التحول التفاوضي. الأول يخفي مقاصده الخاصة وراء الشعارات الوطنية، والثاني يكشف عن مقاصده الخاصة من دون اعتبار لهذه الشعارات.
وتوزيع السلطة، وتوزيع الثروة بالتبعية، هو أيضاً اساس التشظي العراقي الى هويات محلية، إتنية كانت أم طائفية، أم قبلية أو جهوية. فالثروة المجتمعية كانت حكراً على نخب ضيقة، أدت بسياساتها العصبوية الى حرمان الجنوب (عقاباً على انتفاضة 1991) وتحويل مدنه الى احياء صفيح مزرية، وحرمان كردستان حتى من الوقود. من هنا الاندفاع نحو الفيدرالية الاتنية (للكرد) رفعاً لحيف مديد عبر السعي الى تمثيل راسخ في السلطة المركزية، ومشاركة مكفولة في ريوع النفط، أو الاندفاع نحو الفيدرالية الإدارية (في البصرة والعمارة والناصرية) لدرء مخاطر وسوءات نظام إدارة شديد المركزية، يمنع تدفق الخدمات العامة الى الأطراف، ويحيل محافظات نفطية (كالبصرة) الى مدن من الأسمال والفاقة.
لقد أدى تفكيك المؤسسات القديمة الى اشعال فتيل العنف، أو تسهيل اشعاله. فمثلاً، تفكيك مؤسسات العنف (الجيش، الأمن، الإعلام، المخابرات) أحدث فراغاً أمنياً، هبط فيه التناسب الأمني الى السكان من 34 لكل ألف الى 3 لكل ألف، دون توفر قوى دولية شرعية لحفظ السلام (على غرار ما حصل مثلاً في البوسنة أو مناطق أخرى). حصل ذلك في مجتمع فيه 4.5 مليون قطعة سلاح، وجيلان تشبعا بقيم العنف، وفوضى الانفتاح الفجائي لحرية الاحتجاج والحركة، علاوة على نحو ربع مليون سجين جنائي أطلق سراحهم، بينهم 30 ألفاً من عتاة المجرمين المنظمين في مافيات.
وأدى التفكيك المتسرع (بدل التطهير التدريجي) لهذه المؤسسات الى اهانة فئات اجتماعية واسعة (نحو نصف مليون) وإلقائها في لجة الفاقة، رغم أنها كانت تتطلع الى إعادة التأهيل. واقترن الفراغ الأمني بفراغ سياسي ما كان لـ«سلطة الائتلاف الموقنة» (التي ترأسها بول بريمر) أن تسده، وسط مجتمع تجهل تضاريسه. وبات العراق بلا حكومة أهلية شرعية، وبلا وسائل قوة لإدارة البلاد. لا حكومة ولا جيش ولا قضاء. هذه وصفة مؤكدة للحرب الأهلية.
اندلعت أولى بوادر الحرب في حزيران (يونيو) 2003 في الفلوجة، ثم استشرت في عموم المناطق السنّية، الأكثر تمثيلاً في المؤسسات المفككة. ثم تحول العنف من ضرب القوات المتعددة الجنسية كرمز للاحتلال، الى حملة عشوائية ضد كل ما هو أجنبي، من مقار الأمم المتحدة، الى المنظمات الإنسانية كالصليب الاحمر الدولي، أو وكالات الاغاثة.
ومع بدء تشكيل نُوى الحكومة الأهلية (مجلس الحكم فالحكومة الموقتة) تحول العنف الى حملة لتعطيل الانتقال السياسي: ضرب المؤسسات الحكومية، تفجير منشآت النفط والكهرباء، في مسعى لشل العملية السياسية والنشاط الاقتصادي والخدمي. وبعد نقل السيادة ثم الانتخابات، حصل تحول جديد في استراتيجية العنف باتجاه التركيز على الرموز الدينية الشيعية والسنّية والمسيحية، بأمل إثارة حرب طائفية تكون مدخلاً لانهيار العملية السياسية بأسرها.
غير أن هذين التحولين في استراتيجية العنف أوقعاه في مأزق مسدود. ذلك أن رفض العراقيين سلطة الائتلاف الموقتة كان يستهدف، عموماً، استعادة السيادة بالوسائل السلمية، عبر تحركات قاعدية سلمية، وعبر صناديق الاقتراع، ولا شأن له بعودة البعث المخلوع، أو اقامة نظام سلفي على غرار طالبان.
والمفارقة أن العنف الساعي الى تعطيل عملية الانتقال السلمية، أسهم في دفع الولايات المتحدة الى التعجيل بنقل السيادة الى أيد عراقية، والى التعجيل بارساء الاساس الشرعي الوحيد لأية سلطة سياسية: الانتخابات. وإذ توجه العنف ذاته لتدمير عملية نقل السيادة، أو منع الانتخابات، بات العراقيون يرون فيه عموماً وسيلة انتقام تستهدفهم هم، مثلما تستهدف عملية التوزيع الجديد لمقاليد السلطة. وكان خروج 8.5 مليون ناخب أكبر تحدّ لمنظومات العنف، وهزيمة أخلاقية لها.
وكانت أرقام الضحايا تزيد في اقناع جل العراقيين بهذا الموقف. فمجموع ضحايا العنف بين تموز (يوليو) 2003وأيلول (سبتمبر) 2004 زاد على 23 ألف قتيل وقع أغلبهم ضحايا العنف الأهلي، متفوقاً بذلك بمراحل على ضحايا العمليات العسكرية للمتعددة الجنسية.
ويميل جل العراقيين اليوم الى استخدام كلمة «إرهاب» و«إرهابي» الغربية المنشأ لوصف القائمين بالعنف، بعد أن امتنعوا طويلاً عن قبول هذه المفردة. ولم يعد لكلمة المقاومة الوقع الذي كان لها قبل عامين. فخيوط الشرعية عبر التفويض (الانتخابات) ونمو الميل للانخراط في المؤسسات الأمنية الأهلية، مشفوعاً بتحسن كبير في أحوال الطبقات الوسطى وكسر الاحتكار الإعلامي العربي ـ الإيراني الداعم للعنف، تؤلف مادة صلبة لتجاوز مرحلة العنف. ولعل نجاح العملية الدستورية والانتخابات العامة المقبلة من شأنه دفع الأركان الرئيسية للعنف الى نقطة الانحدار. وثمة من الآن بوادر على أن الأغلبية الصامتة في مناطق العنف تخرج الى العلن، معترضة على توجيهه الى العراقيين، أو رافضة المساس بالمنشآت العراقية. فالعنف لن ينتهي بين عشية وضحاياها، لكن مستقبله مسدود.



#فالح_عبد_الجبار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحن والغرب من إدوارد سعيد إلى محمد عبده
- تأملات في العنف, لا سيما عنف أولئك الذين يفجّرون العراق
- في انتظار البرابرة... في وداع البرابرة
- تأملات في الماركسية
- العراق حيال مسألة الفصام بين الأمة والدولة
- عراق غامض المآلات مُقلق, لكن البعث... لن يعود
- التوتاليتارية، الكلمة الغائبة الحاضرة
- من يقف وراء الهجمات على الأمريكيين في العراق؟
- القتال، التمرد او التلاشي
- بين الحزب والقبائل والعشائر التوازن الهش للنظام العراقي
- مزيفو النقود
- إيضاح لا بد منه في بيان الملاكمة المأجورة


المزيد.....




- قدمت نصائح وإرشادات للمسافرين.. -فلاي دبي-: إلغاء وتأخير بعض ...
- -شرطة الموضة-.. من يضع القواعد بشأن ما يُسمح بإرتدائه على مت ...
- رئيسي لبوتين: إيران لا تسعى للتصعيد في الشرق الأوسط
- إسرائيل.. إصابات جراء سقوط مسيّرتين أطلقتا من لبنان (فيديو + ...
- إسرائيل تغلق الطريق رقم 10 على الحدود المصرية
- 4 أسباب تستدعي تحذير الرجال من تناول الفياغرا دون الحاجة إلي ...
- لواء روسي: الحرب الإلكترونية الروسية تعتمد الذكاء الاصطناعي ...
- -سنتكوم-: تفجير مطار كابل عام 2021 استحال تفاديه
- الأمن الروسي يعتقل مشبوها خطط بتوجيه من كييف لأعمال تخريبية ...
- أوكرانيا تتسبب بنقص أنظمة الدفاع الجوي في الغرب


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - فالح عبد الجبار - العراق: مصادر العنف ومآله