أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن خضر - على باب حارة الأرمن في القدس..!!














المزيد.....

على باب حارة الأرمن في القدس..!!


حسن خضر
كاتب وباحث

(Hassan Khader)


الحوار المتمدن-العدد: 4225 - 2013 / 9 / 24 - 14:07
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


القدس جغرافيا ومجاز. تربطني بالجغرافيا ذكرات قليلة، الأبقى منها ما وسّع حدود الجغرافيا، وأعاد واستعاد المجاز. في أواخر تسعينيات القرن الماضي اقترح صديقنا الكاتب والشاعر أسعد الأسعد أن نقوم بجولة في القدس. كانت المناسبة قدوم صديقنا الشاعر محمد القيسي من عمّان.
مشينا، هناك، في الشوارع الضيّقة ساعات طويلة. وكان أسعد كريماً وسخياً في الكلام عن الأماكن التي نعبرها، والمعالم التي نراها. وقد جذبنا إلى مكان بعينه صوت موسيقى كنسية ينبعث من مكان ما. وقعنا في أسر موسيقى تنساب في الأزقة، خفيفة، ورهيفة، تتأرجح على أجنحة طيور لا نراها، وأرشدت آذاننا خطانا إلى مصدر الصوت.
وقفنا أمام بوابة حجرية تتسع لمرور شاحنة، وينفرج في خشبها العتيق باب أصغر يكفي لمرور إنسان. على الجدار الحجري لوحة معدنية بالعبرية والعربية والإنكليزية عن مكان مقدّس، وأمام الباب الصغير حارس شاب أجنبي الملامح. قال لنا أسعد: هنا دير وحارة الأرمن. وارتسمت على ملامح الحارس الشاب، الذي اعترض طريقنا أمام الباب الصغير بجسده، علامة استفهام.
قال أسعد بالإنكليزية: هؤلاء أصدقائي وقد جاءوا في زيارة من الأردن، ويريدون الدخول. قلتُ باللغة نفسها: لا، أنا فلسطيني، جئت من رام الله. فرد الحارس الشاب بالعربية: وأنا فلسطيني، كمان، تفضلوا.
لسعت عبارته قلبي، وغمرتني بفرح مفاجئ. فالهوية الغنية، الحضرية والحضارية (والوطنية، إذا شئت) لا تُقاس بما نُسقط منها، بل بما نضيف إليها. كلما اتسعت اغتنت، وإذا ضاقت أمحلت. لا حق لي في بلادي، ولا في هويتي، أكثر من حق الحارس الشاب على باب حارة الأرمن. فهذه بلاده، وتلك هويته. الدير والحارة منّا ولنا، والموسيقى، السابحة على أجنحة طيور لا نراها، منّا ولنا.
ليس في الحادثة المذكورة ما يستدعي التذكير أكثر من كفاءة اليومي، والعادي، والعابر، حتى وإن تجلى في مجاملة سريعة على باب حارة الأرمن، في تقديم ما يكفي من الدليل والبرهان على خصوصية المكان. فالقدس مكان تشتبك فيه الأرض بالسماء، وتختلط فيه اللغات، والأعراق، والتواريخ الفردية والجمعية، والموسيقى، بالحنين الألفي، والاستيهامات التاريخية، والثقافية، والسياسية. هذا يحدث الآن وهنا، وحدث على مدار آلاف مؤلفة من السنين.
وفي هذا ما يجعل من القدس ثقيلة على كاهل الأحياء. فمن يطيق كل هذه الكثافة الرمزية والدلالية؟ كان إدوارد سعيد يردد هذه العبارة كلما زار البلاد، وأنفق بعض الوقت هناك. غالباً، ما نتحايل على الكثافة، بالاقتراض من ترسانة أخيلة تسكن المتاحف، وأقبية التاريخ. بيد أن الكثافة نفسها تصبح مصدراً للغنى بقدر ما تطعم الحاضر من يد المجاز.
فالقدس يمكن، ويجب، أن تكون مجازاً لفلسطين، بالطريقة نفسها التي تحوّلت بها فلسطين، في نص محمود درويش، مثلاً، من صراع في أرض صغيرة، إلى مجاز للتاريخ الإنساني، وتراجيديا "اختلاف الرواة على الضوء في حجر"، كما جاء في قصيدة حاول فيها القبض على سر مدينة لم يمت فيها أحد تماماً منذ قرون طويلة وبعيدة.
ما معنى هذا الكلام؟
إذا غاب الفرق بين سؤالين نقترب من المعنى. فلو سألنا، مثلاً، منْ وما هي القدس؟ وكنّا، في الواقع، نريد أن نسأل: مَنْ وما هو الفلسطيني؟ يتجلى المعنى في مرآة الحاضر مرّة، كما في مرآة التاريخ مرّات.
ثمة تعددية حضارية، وثقافية، ولغوية، وعرقية، ترجمتها الغزوات، والهجرات، والنبوات، والشهوات. وهذا ما لا نحتاج للعثور عليه في كتب التاريخ، بل يمكن أن نراه في الشارع، على وجوه العابرين، وعلى مائدة الطعام، وفي عمارة البيوت، واللهجة العامية، وثياب آبائنا وأمهاتنا، وأغاني الرعاة، وآلاتهم الموسيقية، وفي المواسم، وطقوس الموت والإنجاب والزواج.
كل مَن جاءوا إلى هذه الأرض، لم يرحلوا تماماً، بل سقط منهم، صعوداً وهبوطاً، في الطريق الطويل على سلّم الغزوات والهجرات والنبوات والشهوات: اسم في أوّل الزقاق هنا، ومفردة في آخره هناك. كتاب مقدس بعد حرب هنا، وموسيقى في عيد هناك.
بهذا المعنى تغتني الهوية بقدر ما نرث مما تراكم، في بلادنا، على مدار قرون، وبقدر ما نعترف بما فيها من التعددية، التي لا تقطن الكتب أو المتاحف، بل وما تزال تتنشق الهواء، الآن وهنا، في وضح النهار.
وعندما نسمع كلاماً عن فلسطين باعتبارها وقفاً إسلامياً، ينبغي القول إن فرادة وتفرّد هذه البلاد، وخصوصيتها التاريخية، لا تمكن أحداً من حق احتكارها. وهذا يصدق، أيضاً، على كل كلام عنها باعتبارها ملكية يهودية حصرية. فلا يجوز الرد على الحصرية بحصرية مضادة. كان هذا على مدار قرون، وما يزال حتى يوم الناس هذا، مصدراً لتوتر دائم في علاقة سكّان البلاد بتاريخها وهويتها.
وإذا كان ثمة من ضرورة لترجمة كل ما تقدّم إلى لغة السياسة. فلنقل إن الكلام عن غنى وتعددية القدس باعتبارها مجازاً لفلسطين، وبوصلة لهوية الفلسطيني، لا يمثل محاولة للانسجام مع هوية المكان وحسب، بل ويفتح أفقاً للتعايش والسلام، أيضاً.
ومع ذلك، ينبغي التذكير، في الوقت نفسه، أن الوقوع في قبضة السياسة بالمعنى اليومي، والصغير، والمُبتذل، لن يمكن أحداً من القبض على معنى وجدوى المجاز، الذي انفتح بكل ما فيه من غنى وامتلاء ظهيرة يوم، على باب حارة الأرمن في القدس.



#حسن_خضر (هاشتاغ)       Hassan_Khader#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كش ملك..!!
- نزهة المشتاق في علم الأنفاق..!!
- الإخوان، سردية جديدة..!!
- مصر فازت، والديمقراطية لم تخسر..!!
- شعبان وبعض من وعود العلمانية..!!
- سلاح التلميذ النجيب في مفاوضات رام الله وتل أبيب..!!
- طه حسين في التحرير وقطب في رابعة..!!
- مصير مصر في الميزان..!!
- حقيقة الصراع في مصر وعليها..!!
- مصرُ التي في خاطري..!!
- يومٌ من أيام القيامة..!!
- لا ثورة، ولا إنقاذ..!!
- جريمة الغامدي وموت الضمير..!!
- وأخيراً، دولة الحق الطبيعي..!!
- فتح والنساء واليد الطالبانية..!!
- لن يقفز..!!
- سورية أصبحت مثل غزة..!!
- مأساة إغريقية كاملة..!!
- في رثاء مارتن رتشارد..!!
- أنا أحبُ الأخ الأكبر..!!


المزيد.....




- بالتعاون مع العراق.. السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية ...
- مسؤول إسرائيلي حول مقترح مصر للهدنة في غزة: نتنياهو لا يريد ...
- بلينكن: الصين هي المورد رقم واحد لقطاع الصناعات العسكرية الر ...
- ألمانيا - تعديلات مهمة في برنامج المساعدات الطلابية -بافوغ- ...
- رصد حشود الدبابات والعربات المدرعة الإسرائيلية على الحدود مع ...
- -حزب الله-: استهدفنا موقع حبوشيت الإسرائيلي ومقر ‏قيادة بثكن ...
- -لا استطيع التنفس-.. لقطات تظهر لحظة وفاة رجل من أصول إفريقي ...
- سموتريتش يهاجم نتنياهو ويصف المقترح المصري لهدنة في غزة بـ-ا ...
- طعن فتاة إسرائيلية في تل أبيب وبن غفير يتعرض لحادثة بعد زيار ...
- أطباق فلسطينية غيرتها الحرب وأمهات يبدعن في توفير الطعام


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حسن خضر - على باب حارة الأرمن في القدس..!!