أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هشام آدم - قراءةٌ في سِفر الوثنية















المزيد.....

قراءةٌ في سِفر الوثنية


هشام آدم

الحوار المتمدن-العدد: 4219 - 2013 / 9 / 18 - 07:24
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


دعونا أولًا نبدأ من هذا الحديث النَّبوي الوارد في صحيح البُخاري: (عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال: كان النبي (ص) بارزًا يومًا للناس فأتاه جبريل، فقال: ما الإيمان؟ قال: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه وبلقائه ورسله وتؤمن بالبعث) وأبدأ بهذا الحديث الصَّحيح لأنَّ فيه تعريف الرَّسول للإيمان. فإذا ما قارنَّا هذا التعريف النبوي بالآية القرآنية التي تقول: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ)(الشُّورى: 52) فما الذي نفهمه على وجه التَّحديد؟ الله يُخاطب رسوله فيقوله له: إنَّك يا محمَّد لم تكن قبل البعثة تعرف لا القرآن ولا الإيمان، والإيمان كما عرَّفهُ النَّبي نفسُه هو الإيمان بالله وملائكته وكُتبه ورُسلُه بالإضافة إلى الإيمان بالبعث. فماذا يُسمى الذي لا يُؤمن بهذه الأشياء مُجتمعةً؟ الاستنباط المبدئي يُوحي بأنَّ الرَّسول كان غير مُؤمنٍ قبل بعثته، ونقيض المُؤمن إنَّما يكونُ المُلحد.

في الحقيقة، لم أجد نفسي مُرتاحًا لهذه النتيجة المنطقية، لأنَّ ثمَّة عددًا من الآثار تدل على عكس ذلك، ولكن دعونا نستدعي آيةً ثانيةً، لإجلاء الصُّورة أكثر، ولنُحاول ربط كُل هذه المُعطياتِ ببعضها لنفهم الأمر على وجهه الأقرب إلى الصِّحة، تقول الآية: (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى)(سورة الضُّحى: 7) فما المقصود بهذه الآية؟ وقبل الرُّجوع إلى التفاسير دعونا نُراجع قواميس اللغة العربية، ونستفهم عن معنى كلمة (ضَلَّ) لنجد أنَّها تأتي بمعنى ضياع الشَّيء في غير حقِّه، والضَّلال والضَّلالة ضد الهُدى والرَّشاد، وضللتُ الطَّريق أي أضعتُ الطَّريق إذا سرتُ في الطريق الخطأ، فما كانت ضلالة محمدٍ قبل بعثته؟ وماذا يعني أن يكون نبيٌ ضالًا قبل بعثته؟

نقرأ في تفسير الطَّبري قوله في تفسير هذه الآية: (وَقَالَ السُّدِّيّ فِي ذَلِكَ مَا : - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثَنَا مِهْرَان , عَنْ السُّدِّيّ {وَوَجَدَك ضَالًّا} قَالَ : كَانَ عَلَى أَمْر قَوْمه أَرْبَعِينَ عَامًا) هذه إشارةٌ إلى محمَّدًا كان وثنيًا على دين قومه قبل بعثته. وفي تفسير ابن كثير نقرأ: (وَقَوْله تَعَالَى " وَوَجَدَك ضَالًّا فَهَدَى " كَقَوْلِهِ " وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْك رُوحًا مِنْ أَمْرنَا مَا كُنْت تَدْرِي مَا الْكِتَاب وَلَا الْإِيمَان) يُشير ابن كثير إلى أنَّ هذه الآية تحمل معنى الآية التي أوردناها سابقًا عن عدم إيمان محمدٍ قبل بعثته، ويُضيف بعض التفسيرات الغريبة كقوله بأنَّ محمدًا ضاع وهو صغير في شعاب مكة، ومرَّةً، نقلًا عن البغوي، بأنَّه ضاع من قافلة عمِّه في طريقهما إلى الشَّام، ونلاحظ النفحة الأسطورية في هذه القصة إذ نقرأ: (وَكَانَ رَاكِبًا نَاقَة فِي اللَّيْل فَجَاءَ إِبْلِيس فَعَدَلَ بِهَا عَنْ الطَّرِيق فَجَاءَ جِبْرَائِيل فَنَفَخَ إِبْلِيس نَفْخَة ذَهَبَ مِنْهَا إِلَى الْحَبَشَة ثُمَّ عَدَلَ بِالرَّاحِلَةِ إِلَى الطَّرِيق) ما يجعلنا نستبعد هاتين القصتين لأنهما تأويلات تلفيقية لا يُعتد بهما. وقال بعض المُفسِّرين أنَّها تعني وجدكَ في قومٍ ضالين فهداهم الله بك، ولا أدري إن كان يصح إطلاق وصف (ضال) على شخصٍ، فقط لأنَّه يعيش بين قومٍ ضالين؟ عمومًا دعونا نضع هذه التفسيرات جانبًا الآن، لنعود إليها لاحقًا، مع استصحابنا لها في مُحاولتنا للرد على هذا السُّؤال: (ما كانت ديانة محمَّد وعقيدته قبل الإسلام؟)

لعلَّ من أبرز ما يُمكن أن يُذكر في هذا المقام، حادثة الغرانيق التي تناولتها كُتب التفاسير والسَّير، ومُختصر القصَّة أنَّ الرَّسول كان يقرأ سورة النجم فلمَّا بلغ آخر السُّورة، وهي قوله: (فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا)(سورة النجم: 62) سجد، فسجد معه المُسلمون والمُشركون، وقصة سجود المُشركين وردت في صحيحي البخاري ومُسلم، ولكن أُختلِف في سبب سجود المُشركين. يُنكر أهل الحديث حادثة الغرانيق، وهي أنَّ الرَّسول قال عند قراءته: (أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى فتلك الغرانيق العُلى وإن شفاعتهن لَتُرتَجَى) ولكن أهل التفسير مُجموعون على أنَّ هذه القصة كانت السَّبب في نزول آية: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)(سورة الحج: 52) وفي تفسير الجلالين نقرأ في تفسيره لهذه الآية: (قَدْ قَرَأَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سُورَة النَّجْم بِمَجْلِسٍ مِنْ قُرَيْش بَعْد: "أَفَرَأَيْتُمْ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى" بِإِلْقَاءِ الشَّيْطَان عَلَى لِسَانه مِنْ غَيْر عِلْمه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ : تِلْكَ الْغَرَانِيق الْعُلَا وَإِنَّ شَفَاعَتهنَّ لَتُرْتَجَى فَفَرِحُوا بِذَلِكَ)(انتهى الاقتباس) وكذلك نقرأ في تفسير الطبري: (ثنا حَجَّاج , عَنْ أَبِي مَعْشَر , عَنْ مُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ وَمُحَمَّد بْن قَيْس قَالَا : جَلَسَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَادٍ مِنْ أَنْدِيَة قُرَيْش كَثِير أَهْله , فَتَمَنَّى يَوْمئِذٍ أَنْ لَا يَأْتِيه مِنَ اللَّه شَيْء فَيَنْفِرُوا عَنْهُ , فَأَنْزَلَ اللَّه عَلَيْهِ : { وَالنَّجْم إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبكُمْ وَمَا غَوَى } فَقَرَأَهَا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , حَتَّى إِذَا بَلَغَ : { أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاة الثَّالِثَة الْأُخْرَى } أَلْقَى عَلَيْهِ الشَّيْطَان كَلِمَتَيْنِ : " تِلْكَ الْغَرَانِقَة الْعُلَى , وَإِنَّ شَفَاعَتهنَّ لَتُرْجَى " , فَتَكَلَّمَ بِهَا . ثُمَّ مَضَى فَقَرَأَ السُّورَة كُلّهَا , فَسَجَدَ فِي آخِر السُّورَة , وَسَجَدَ الْقَوْم جَمِيعًا مَعَهُ)(انتهى الاقتباس) فمن الواضح أنَّ القصة حدثت فعلًا، ولكن أهل الحديث يُنكرونها جُملةُ وتفصيلًا، وأهل التفسير يذكرون أنَّ الشيطان هو من تكلَّم بلسان محمَّد، وأنَّه لم ينطق بها، وهذا ما عليه جمهور السَّلف كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية(كتاب (منهاج السُنة النبوية في الرَّد على الرَّافضة) المُجلد الثاني، ص243)، وفي ذلك شطط.

أمَّا لماذا أرفض شطط المُفسِّرين، فهذا مردُّه إلى أنَّ الأُمة الإسلامية مُجمعةٌ على حفظ الله للقرآن بقوله: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)(سورة الحِجر: 9) والقول بإلقاء الشيطان في القرآن والزيادة عليه يطعن في هذا الحفظ الإلهي، حتى وإن تم نسخه. ونعلم من التراث الإسلامي أنَّ الله شدد الحِراسة على السَّماء قبل بعثة محمَّد، وما ذلك إلَّا حفظًا للوحي قبل نزوله، أفلا يحفظه بعد نزوله؟ أمَّا الأخرى فإنَّ الآية تقول، وتمعنوا في قراءتها جيِّدًا: (إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) فإن نحن صدّقنا أنَّ عبارتي: (تِلْكَ الْغَرَانِقَة الْعُلَى, وَإِنَّ شَفَاعَتهنَّ لَتُرْجَى) نطق بهما الشيطان على لسان محمدٍ أو بصوته، فوفقًا للآية تكون هاتين العبارتين مما تمنى الرَّسول قوله ولم يقله، فالأمر هنا ليس وقفًا على ما قاله الشَّيطان، وإنَّما على ما تمنَّاه الرَّسول، ولإيماني بعدم وجود شياطين فإنَّ ما حدث يُمكن أن أُصنِّفه في خانة زلات اللسان التي تكشف كوامن العقل الباطن، ولكن دعونا نلتزم العقلية الدِّينية ونتظاهر بوجود شياطين فعلًا، فكيف لا يُمكن اعتبار هذه القصة كسرًا لقاعدة الحفظ الإلهي للقرآن؟ وإن قال قائلٌ إنَّ آية حفظ الله للقرآن نزلت بعد قصة الغرانيق فإنَّ السُّؤال الذي يطرح نفسه عندها: (هل ذلك يعني أنَّ القرآن لم يكن محفوظًا قبل هذه الآية؟) من الواضح أنَّ الله تعهد القرآن بالحفظ حتى قبل نزوله منذ البعثة، وآية الحفظ تدل على ذلك، لأنَّه، ببساطةٍ، لم يقل: (من الآن فصاعدًا سوف نحفظ القرآن) بل عمَّم ذلك بالنزول والتنزيل، وهو ما حدث منذ اللحظة الأولى للبعثة.

ومن الغريب أنَّ القرآن كلُّه لم يشهد حادثة إلقاء الشيطان في أُمنية الرَّسول إلَّا في حادثة الغرانيق، فهل لم تكن للرَّسول أُمنياتٌ أخرى بعد تلك الحادثة؟ ولم نسمع بنبي تمنى أُمنيةً فألقى الشَّيطان فيها، هل سمع أحدكم بشيءٍ من هذا، ولو في الإسرائيليات غير الموثوقة؟

حسنًا، لنتجاوز حادثة الغرانيق بكل مدلولاتها، ولنتناول قصةً أخرى وحديثًا آخر، ففي كتاب (الأصنام) يقول المُؤلف في معرض حديثه عن صنم العُزى: (كانت أعظم الأصنام عند قريش. وكانوا يزورونها ويهدون لها ويتقربون عندها بالذبح. وقد بلغنا أن رسول الله " صلى الله عليه وسلم " ذكرها يوما، فقال: لقد أهديت للعزى شاةً عفراء، وأنا على دين قومي)(كتاب (الأصنام) لابن الكلبي، تحقيق أ. أحمد زكي باشا ص19) وبالطبع فإنَّ أهل الحديث طعنوا في هذا الحديث ورفضوه، ولكن لماذا؟ حِجة هؤلاء أنَّ مؤلف كتاب الأصنام (وهو أَبُو المُنْذِرِ هِشَامُ بنُ مُحَمَّدِ الكَلْبِيِّ) متروك الحديث، فلماذا هو متروك الحديث يا ترى؟ هل هو ليس من الثقات أو من الحُفَّاظ أو من قليلي العلم؟ لقد تركوا حديثه والنقل عنه فقط لأنَّه شيعي، وما لا يُعجبهم من أحاديثه تركوه، وإلَّا فهو ثقة، وعلامة عصره، وهو حُجة في الأنساب ونقل عنه في الأنساب والتاريخ كُثر، منهم ابن حزم والميداني والعسكري والبلاذري والطَّبري والمسعودي وياقوت الحموي وابن الجوزي وابن كثير وابن عبد ربه وابن حجر العسقلاني وابن منظور وآخرون، فهو علامة ولاشك، وحتى علماء السُنة يأخذون عنه لموثوقيته، ولكنهم يتعاملون مع أحاديثه بانتقائية، فيأخذون منه ما يُعجبهم، وما لا يُعجبهم يتركونه بحجة أنَّه شيعي متروك الحديث، ولا أدري كيف يكون علامةً ومتروك الحديث في الوقت ذاته؟ أو كيف يكون ثقةً وغير ثقةٍ في الوقت ذاته؟ عمومًا فهذا يُلقي بظلالٍ من الريبة والشَّك على منهج قبول وتصحيح الأحاديث عن أهل السُّنة.

وعلى أيِّ حال فإنَّ كون محمدًا كان على دين قومه أورده السدي في بعض تفاسيره كما تقدَّم، كما أورده أهل السِّيرة، فقد ذكر ابن إسحاقٍ في سيرته: (عن نافع بن جبير بن مطعم قال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو على دين قومه، وهو يقف على بعير له بعرفات، من بين قومه حتى يدفع معهم توفيقاً من الله عز وجل له) ومما يُمكن أن يُذكر هنا للتأييد، ما نجده في كتاب (فتح الباري في شرح صحيح البُخاري) لابن حجر العسقلاني، في كتاب الذبائح والصَّيد، باب ما ذُبح على النُّصُب حديث: (أخبرنا موسى بن عقبة قال أخبرني سالم أنه سمع عبد الله يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح وذاك قبل أن ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي فقدم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرة فيها لحم فأبى أن يأكل منها ثم قال إني لا آكل مما تذبحون على أنصابكم ولا آكل إلا مما ذكر اسم الله عليه)(حديث رقم: 5180) والنُصُب هي الأصنام لأنَّها تكون منصوبةً عادةً، وقيل هي حجارة تُنصبُ حول الكعبة للذبح للأصنام، والقصة تذكر أنَّ محمَّدًا (قبل البعثة) كان يأكل لحمًا، ومرَّ عليه رجلٌ اسمه زيد بن عمرو بن نفيل، وهو من الأحناف المُتعبدين بدين إبراهيم، فلم يسجد لصنمٍ قط، فدعاهُ الرَّسول للأكل، فاعتذر زيد بن عمرو بن نفيل، وأوضح أسبابه بأنَّه لا يأكلُ مما يُذبح لغير الله، أو مما لم يُذكر اسم الله عليها، ما يعني أنَّ محمدًا لم يكن يعبد الأصنام فحسب، بل ويذبح لها أيضًا، وهذا مُصادقٌ لحديث الكلبي أنَّ الرسول أهدى للعزى شاةً عفراء.

وتذكر كُتب السِّير أنَّ بعض الأذى الذي تعرَّض له الرَّسولُ كان وهو يُصلي أمام الكعبة، ومن ذلك قصة محاولة أبي الحكم بن هشام قتله، وهو يُصلي، كما أوردتها كُتب السيرة، ونأخذ منها هذا المقطع: (فلما أصبح أبو جهل أخذ حجرا كما وصف، ثم جلس لرسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظره، وغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان يغدو. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة وقبلته إلى الشام، فكان إذا صلى صلي بين الركن اليماني والحجر الأسود، وجعل الكعبة بينه وبين الشام، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى، وقد غدت قريش فجلسوا في أنديتهم ينتظرون ما أبو جهل فاعل)(سيرة ابن هشام ج1 ص194 وسيرة ابن إسحاق ص236) فإلى من كان يُصلي محمد بالتحديد؟

دعونا نأخذ في عين الاعتبار أنَّ الدَّعوة المكيَّة استمرت في مكة لمدةٍ تقارب الثلاثة عشر عامًا، كانت السَّنوات الثلاث الأولى منها سريَّةً، فنحنُ أمام عشر سنواتٍ من الدَّعوة الجهرية، ونعلم أنَّ الصلاة لم تُفرض إلَّا بعد حادثة الإسراء والمعراج، أي قبل عامٍ ونصف العام من الهجرة. فنحن الآن أمام ثمان سنوات ونصف، تقريبًا، من الدَّعوة الجهرية التي لم تكن فيها الصَّلاة الإسلامية قد فُرضت بعد، ولو قاربنا هذه التواريخ بتاريخ الهجرة الأولى إلى الحبشة، والتي كانت بعد خمس سنواتٍ من البعثة، أي قبل أن تُفرض الصلاة، فسوف نجد من الأحداث التي وقعت في هذه الفترة ما يُؤكد أنَّ الرَّسول كان يُصلي فيها داخل الحرم، فإنَّ السُّؤال يتجدد مرَّةً أخرى: إلى من كان يُصلي؟

كُل هذه القصص والآثار تُؤكد على أنَّ مُحمدًا كان من عُبَّاد الأصنام الوثنيين، فلا يُمكن أن تتوافر هذه الآثار في رجلٍ واحد دون أن تجعلنا نشك، ونتحرى في الأمر مُتمترسين حول عقيدتنا الرَّاسخة بأنَّ الرَّسول لم يسجد لصنم قط مُتجاهلين كل هذه الآثار والأدلة القوية. ولكن ينبثق سؤالٌ آخرٌ من ثنا هذا التتبع التَّاريخي لسيرة محمدٍ قبل البعث: (إذا كان محمدٌ وثنيًا قبل البعثة فلماذا عدل عن ذلك لاحقًا؟)

هنا تجدرُ الإشارةُ إلى أنَّ محمدًا كان يعبد هُبلًا، وهو الصَّنم الذُّكوري الذي كانت بنو هاشمٍ تعبده، ومن هذا نقرأ في كتاب الأصنام للكلبي آنف الذِّكر، وهو يتحدث عن الصَّنم هُبل: (وعنده ¨أي عند هُبل¨ ضرب عبد المُطلب بالقِدَاح لابنه عبد الله والد النَّبي صلى الله عليه وسلَّم)(ص28) فقد كان هُبل صنم والده وجدِّه وصنم بني هاشمٍ في العموم، ويبدو أنَّ محمدًا في بحثه عن (الهداية) مرَّ بفتراتٍ تقلَّب فيها بين عبادة هُبل والعُزى وربما غيرها من الأصنام، حتى نضج فكره الدِّيني، فرفضها جميعًا وبدأ يسبُّها كرد فعلٍ طبيعي لأرجحته الفكرةِ تلك. ولاشك أنَّ في مرحلة مُتأخرةٍ، وبالتحديد بعد زواجه من خديجة ومعرفته اللصيقة بورقة بن نوفل بدأت تنكشف أمامه عوالم دينية جديدة، تعرَّف فيها على عقيدة رآها أفضل من عبادة الأوثان إلى عبادة الله مُباشرةً، وكانت هذه النقلة الرُّوحانية سر إحساسه بالانتقال من الظُّلمة إلى النُّور، وقد يكون ذلك تفسيرًا جيِّدًا لآية: (ما كنتَ تدري ما الكتاب ولا الإيمان) لأنَّ الوثنية عبادة غير كتابية، فلا كتاب مُقدَّس للوثنيين، ولاشك أنَّ محمدًا انبهر أول الأمر باطلاعه على الكُتب المُقدَّسة، واعتبرها صحوةً فكريةً بالنسبة إليه، وكذلك آية: (ووجدكَ ضالًا فهدى) وهكذا أرى الأمر أقرب للقراءة الموضوعية الصَّحيحة من تلك التلفيقات الماكرة للمُفسرين وأهل الحديث، ويظل الأمر مفتوحًا لمزيدٍ من البحث والدِّراسة.



#هشام_آدم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محاولة لقراءة التاريخ الإسلامي بعينين
- زواج عتريس من فؤادة باطل
- هكذا تكلَّم يهوه 1
- يا فتيات العالم المختونات .. افتحوا
- لماذا الله غير موجود 2
- ما الغاية من حياتنا وما الهدف منها بلا دين؟
- هولي بايبل يحرق مراكب العودة - 2
- بين محمَّد ومُسيلمة الكذاب
- هولي بايبل يحرق مراكب العودة
- دردشة فقهية: حدّ الرِّدة في الإسلام
- عن العلمانية مرَّة أخرى
- الحواس التوأمية للإنسان
- انفجار .. فجأة .. صدفة .. تطوّر
- السَّببية مقبرةُ الإله
- فنتازيا التطوُّر
- دردشه فقهية: تعدد الزوجات
- خرافة التكليف الإلهي للإنسان
- كوانتم الشفاء
- شرح وتبسيط لنظرية التطوّر
- لا تناظروا المسلمين حتى ...


المزيد.....




- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - هشام آدم - قراءةٌ في سِفر الوثنية