أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عبدالله المدني - سر اهتمام الصين بآسيا الوسطى















المزيد.....

سر اهتمام الصين بآسيا الوسطى


عبدالله المدني

الحوار المتمدن-العدد: 1199 - 2005 / 5 / 16 - 11:18
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


منذ انفراط عقد الاتحاد السوفياتي في عام 1991 و ما نجم عنه من نشؤ كيانات مستقلة في آسيا الوسطى و الأخيرة تحظى بمكانة خاصة في الاستراتيجيات الخارجية الصينية. وهذا بطبيعة الحال ليس بمستغرب كون المنطقة ارتبطت في القرون الغابرة بروابط متعددة الأوجه مع الصين ، بل شكلت في إحدى الحقب التاريخية جسرا للأخيرة للامتداد في العالم. ويكفي ذكر طريق الحرير و ما ارتبط به من تدفق تجاري و اتصالات ما بين الحضارة الصينية والحضارات الأخرى لتأكيد هذه المقولة.

وخلال العقود الخمسة الأخيرة من عمر الاتحاد السوفياتي ، وتحديدا منذ دخول العلاقات الصينية-السوفياتية في نفق الخلافات الأيديولوجية المريرة و بالتالي تحول طرفيها من حالة التحالف إلى حالة العداء ، انقطع اتصال الصين بآسيا الوسطى و تحولت حدودها المشتركة إلى جدار منيع تظلله سياسات الردع و الاستنفار العسكري.

وهكذا فان زوال الاتحاد السوفياتي أحدث فرحة عارمة في بكين ، ليس فقط بسبب تخلص الأخيرة من خصم أيديولوجي كان في نظرها أكثر خطورة من خصمها الآخر المتمثل في الإمبريالية الغربية، وإنما أيضا بسبب سقوط الحائط المانع من تواصلها مع آسيا الوسطى ذات الأسواق و الثروات الهائلة. على أن الفرحة الصينية صاحبتها أيضا توجسات كثيرة. فمن بعد التعامل الأمني مع حدود مشتركة طويلة لدولة واحدة، صار المطلوب من الصين التعامل مع عدة كيانات ملاصقة لها (كازاخستان وتاجيكستان و قرقيزستان) و أخرى ليست ببعيدة عن حدودها (أوزبكستان وتركمانستان)، معظمها تشكو من حالة انفلات امني و صراعات داخلية في ظل أنظمة ضعيفة أو مشكوك في شرعيتها.

هنا ، و خلافا لاستراتيجياتها الخاصة بمنطقتي شرق آسيا و المحيط الهندي و المعتمدة على بناء النفوذ بمزيج من سياسات التعاون الاقتصادي و سياسات استعراض العضلات العسكرية و الاستحواذ على قواعد و تسهيلات حربية، لجأت بكين حصريا إلى التركيز على التجارة و التنمية و الاستثمار و التعاون الاقتصادي كسبيل لتوطيد نفوذها في دول آسيا الوسطى و بالتالي احتواء ما قد يصدر من الأخيرة من متاعب و تهديدات أمنية ، و تقليص الفرص أمام لاعبين عالميين ( واشنطون و موسكو) و آخرين إقليميين (اليابان و إيران و الهند و باكستان و تركيا و السعودية) لبناء نفوذ خاص بهم في المنطقة

وبحسب مراقبين كثر ، فان بكين تمكنت خلال العقد الماضي من تحقيق الكثير في هذا المجال انطلاقا من الصفر ، وانه لن ينتصف العقد القادم إلا وهي تحتل موقع اللاعب الرئيسي في شئون هذه المنطقة الحيوية ، خاصة إذا ما استمرت روسيا الاتحادية في ضعفها الراهن و انشغلت الولايات المتحدة بمناطق أخرى في العالم.

لكن ماهي العوامل التي فرضت على صانع القرار الصيني هذا الاهتمام المركزي بالمنطقة ، غير عامل إحياء ما انقطع من روابط و صلات تاريخية؟ الحقيقة أن هناك عوامل كثيرة و متشابكة لعل أبرزها ما يلي:


العامل الأول: مخاوف بكين من أن يؤثر صعود النزعة القومية و الدينية في دول آسيا الوسطى الإسلامية و ما يتصل بها من صراعات على استقرار إقليمها الغربي المتاخم لهذه الدول (إقليم سينجيانغ) و المعروف تاريخيا باسم تركستان الشرقية ، حيث تعيش غالبية مسلمة ترتبط بروابط اثنية و ثقافية و لغوية مع سكان آسيان الوسطى ، و تنشط نحو خمس حركات انفصالية إسلامية بحسب اعتراف نادر من بكين في عام 2003 . والمعروف أن نشؤ كيانات إسلامية مستقلة في آسيا الوسطى أعطى دفعة معنوية قوية لهذه الحركات ، تضاعفت في عام 1996 بظهور نظام طالبان الأفغاني الذي انتهج سياسة احتضانها و دعمها و تدريب مقاتليها. و لئن تنفست بكين الصعداء في عام 2001 بزوال نظام طالبان المشاغب ، فان قلقها لم ينته في ظل تنامي موجة الإرهاب المسلح العابر للحدود و استمرار الحركات الإسلامية الراديكالية في أوزبكستان و تاجيكستان في مشاغبة حكوماتها سعيا وراء الإطاحة بها و إقامة أنظمة بديلة مشابهة للنظام الطالباني. ومن ناحية أخرى فان فرحة الصين بزوال طالبان رافقها القلق من التواجد الأمريكي في أفغانستان أي على مقربة من حدودها الغربية ، بكل ما يعنيه ذلك من منغصات مبعثها سياسات واشنطون الضاغطة من اجل الديمقراطية و الإصلاح السياسي.

العامل الثاني: تنظر بكين إلى آسيا الوسطى كمصدر مهم للطاقة التي تتعاظم حاجة الصين إليها يوما بعد يوم في ظل نموها الاقتصادي المدهش و لاسيما منذ عام 1993 الذي شهد تحولها إلى دولة مستوردة للنفط. و يكفي أن نعرف أن كل إضافة إلى الناتج المحلي الصيني بنسبة 1 بالمئة يعني زيادة في استهلاك الطاقة بنسبة 0.528 بالمئة. والمعروف أن منطقة آسيا الوسطى تحتوي على كميات هائلة من النفط (حوالي 200 بليون برميل) و الغاز(حوالي 8 تريليون متر مكعب) بامكانها سد جزء من حاجات الصين بكلفة اقل نظرا للقرب الجغرافي ما بين المصدر و المستورد. ولهذا السبب سعت الصين إلى المنافسة الحامية على الاستثمار ببلايين الدولارات في اكتشاف و إنتاج و نقل و تكرير النفط و الغاز في المنطقة منذ أواسط التسعينات و لاسيما في كازاخستان. و يمكن قول الشيء ذاته عن الحديد و معادن أخرى من تلك التي تتزايد حاجة الصين لها في ظل توسعها الهائل في البناء و الإنشاءات ، وتملك دول آسيا الوسطى كميات كبيرة منها.

العامل الثالث: اهتمام بكين باستتباب الأمن على حدودها الطويلة مع أقطار آسيا الوسطى و روسيا الاتحادية و التي تصل أطوالها الإجمالية إلى 7500 كيلومتر. ومن هذا المنطلق سعت بكين إلى تفاهمات ثنائية و جماعية من اجل المحافظة على الوضع القائم و خلق مناطق حدودية منزوعة السلاح ، على الرغم من مطالبها التاريخية في أراضي تبلغ مساحتها أكثر من نصف مليون كيلومتر مربع وتقول أنها خسرتها كنتيجة لمعاهدات غير متكافئة بين الصين وروسيا في القرن التاسع عشر.

العامل الرابع: حرص بكين على لعب دور في تنمية اقتصاديات المنطقة و ربطها بالاقتصاد الصيني ، ليس لأن ذلك من شأنه ضمان الاستقرار و كبح جماع التطرف المدفوع بدوافع الفقر و الإحباط و تأمين إمدادات الطاقة من آسيا الوسطى إلى الصين دون معوقات فحسب ، وإنما أيضا بسبب ما سيتمخض عن التنمية من أسواق للصادرات الصينية و بالتالي مصادر جديدة و قوية للدخل. ومن ناحية أخرى فان التنمية و ما يرافقها من استقرار يعني إمكانية استغلال الصين لآسيا الوسطى كمعبر اقصر لتجارتها مع دول الاتحاد الأوروبي التي شهدت نموا مضطردا في السنوات الأخيرة ، و إمكانية استعمال دول المنطقة لمنافذ الصين البحرية في التصدير إلى اليابان و كوريا.

العامل الخامس: رغبة الصينيين في تحجيم روابط دول آسيا الوسطى المتنامية مع الولايات المتحدة. وغني عن القول أن بكين نظرت إلى تلك الروابط بعين القلق و فسرتها على أنها جزء من مخطط حلف الناتو للتوسع شرقا. وترسخت هذه النظرة أكثر بعد إطلاق شراكة ما بين الناتو و دول آسيا الوسطى (باستثناء تاجيكستان) و تأسيس واشنطون لقواعد عسكرية في المنطقة و قيام قواتها منذ عام 1996 بمناورات عسكرية مشتركة مع قوات كازاخستان و قرقيزستان و أوزبكستان ، ناهيك عن العمل الدؤوب من جانب شركات الغرب النفطية العملاقة للدخول في المنطقة كمستثمرة في صناعة النفط و الغاز. على أن هذه السياسة الصينية ليست موجهة نحو واشنطون وحدها. فالصينيون قلقون من محاولات موسكو ، ولاسيما منذ مجيء فلاديمير بوتين رئيسا لروسيا الاتحادية ، إحياء روابطها التقليدية بدول آسيا الوسطى شاملة التعاون العسكري و التكنولوجي و النووي. وهم قلقون أيضا من محاولات طوكيو منذ عام 1997 للدخول إلى هذه المنطقة البعيدة عن مناطق نفوذها التقليدية عبر ضخ المساعدات التنموية السخية ، وذلك من اجل أهداف تتعلق بضمان إمدادات الطاقة.

ويمكن إضافة عامل سادس لعب في البدايات دورا محوريا في مسارعة الصينيين إلى توجيه أنظارهم نحو المنطقة ، ألا هو الرعب الناجم عن امتلاك بعض دول آسيا الوسطى لترسانة من الأسلحة النووية و الباليستية الموروثة من الحقبة السوفياتية ، و لا سيما كازاخستان التي ورثت الجزء الأكبر من هذه الترسانة بعد روسيا. وقتها عملت بكين حثيثا مع قوى أخرى لدرء مخاطر وجود تلك الأسلحة في أيدي كيانات ناشئة ومضطربة امنيا على مقربة من أراضيها ، الأمر الذي أفضى إلى توقيع الأخيرة في عام 1995 على معاهدة منع الانتشار النووي و تخلصها من أسلحة الدمار الشامل. أما ما تبقى من هذا الملف فقد تم التعامل معه من خلال منظومة شانغهاي للتعاون التي تأسست في عام 2001 من الصين و روسيا و كازاخستان و قرقيزستان و تاجيكستان أوزبكستان ، بهدف معلن هو التعاون الاقتصادي من اجل التنمية و الرخاء و الاستقرار، و آخر مغلف هو التنسيق و التعاون الأمني من اجل تثبيت الحدود القائمة و محاربة الإرهاب والحركات الانفصالية و تجارة المخدرات و تبييض الأموال.

د. عبدالله المدني
*باحث أكاديمي و خبير في الشئون الآسيوية
تاريخ المادة: 15 مايو 2005
البريد الالكتروني:[email protected]



#عبدالله_المدني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نادي القهوة
- الأصل يشدد قبضته على الفرع
- نظام الكوتا النسائية آسيويا
- بلوشستان كبؤرة توتر جديدة
- لا تزال أفغانستان هدفا للتنافس الإقليمي
- من الخلاف حول العراق إلى الخلاف حول الصين
- عندما تغضب كبرى الديمقراطيات ممن يمسون الديمقراطية
- نجاح جديد للهند في سباقها على مصادر الطاقة
- الأخ الآسيوي الأكبر يضيع فرصة ذهبية لتأكيد نفوذه
- التسونامي يخلق فرصا للسلام في آسيا
- 2004 ، عام آسيوي متميز لولا -التسونامي-
- استراليا كنموذج للحيرة ما بين الشرق و الغرب
- آسيا تتجه نحو التوحد على خطى أوروبا
- آسيا تفتح باب الترشيحات لخلافة كوفي عنان
- نزع صور - الزعيم المبجل-
- فيما العرب مكانك سر الآسيويون يتجاوزن ثورة المعلوماتية إلى - ...
- عظيمة أنت يا بلاد غاندي - الهند إذ تمنح قيادتها لسيخي من الأ ...
- في الذكرى الأولى لاستشهاد الزعيم بعد تحرير العراق من جلاديه ...
- عزاء للعرب.. الهند و-إسرائيل- بين زمنين


المزيد.....




- اخترقت جدار منزل واستقرت في -غرفة نوم-.. شاهد مصير مركبة بعد ...
- مصر تعلن اعتزامها التدخل لدعم دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أ ...
- -القسام- تفجر عبوة -رعدية- بقوة إسرائيلية خاصة وتستهدف ناقلة ...
- قصة الصراع في مضيق هرمز منذ الاحتلال البرتغالي وحتى الحرس ال ...
- هولشتاين كيل يصعد للبوندسليغا للمرة الأولى في تاريخه
- البحرين تدعو للتدخل الفوري لإيصال المساعدات إلى قطاع غزة ومن ...
- طلبت منه البلدية إخفاء قاربه خلف السياج.. فكان رده إبداعيا و ...
- استطلاع: نصف الأمريكيين يعتبرون الإنفاق على مساعدات أوكرانيا ...
- حاكم بيلغورود: 19 شخصا بينهم طفلان أصيبوا بالقصف الأوكراني ل ...
- مشاهد جديدة لسقوط حافلة ركاب في نهر ببطرسبورغ


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عبدالله المدني - سر اهتمام الصين بآسيا الوسطى