أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - عزالدين بوغانمي - أن تمنح الحكم للإسلام السياسي ، كأنك منحت سلاحا لمجنون















المزيد.....

أن تمنح الحكم للإسلام السياسي ، كأنك منحت سلاحا لمجنون


عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)


الحوار المتمدن-العدد: 4149 - 2013 / 7 / 10 - 15:09
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
    


تبدأ الحرية حين ينتهي الجهل. فالديمقراطية ليست قواعد نظرية مجردة يكفي تطبيقها لينتهي التخلف والإستبداد . الديمقراطية ثقافة ودرجة من درجات النضج الإنساني، وهي في الأخير خيار سياسي إقتصادي شامل يجب أن تكون له حاضنة شعبية تحمله برنامجا وشعارا . وأبعد من هذا، الديمقراطية تحتاج إلى درجة من الوعي السياسي الشعبي. حتى لا تمنح الإنتخابات الحكم للجهلة. وحينها تكون الديمقراطية الشكلانية التي تدغدغ البعض كمن منح سلاحا لمجنون.

أولا: الإسلاميون بكل توجهاتهم، بما في ذلك جماعة الإخوان المسلمين في مصر الذين يتظاهرون بتبنيهم للديمقراطية، هم في الحقيقة يعتقدون بقوة أن الديمقراطية معادية للإسلام، وأنها ضرب من الكفر والإلحاد. ويشنون عليها حربا شاملة بإستخدام منابر المساجد لتحريض المواطنين ضد بعضهم البعض وبزرع الفتنة، وبالإغتيال السياسي، وبتقسيم الشعب، وبتخريب نسيج المجتمع وضرب وحدته، وصولا إلى الأعمال العسكرية المسلحة ... فهم يشنون حربا حقيقية على الديمقراطية في مجتمعات انتفضت بالملايين وواجهت الرصاص ، وقدمت خيرة شبابها شهداء ، متطلعة لبناء الديمقراطية .. وصحيح أن الحمى الثورية وأوضاع الفوضى والغبار السياسي الذي رافق الثورة في مصر، وفي تونس كذلك، قد جعل الإسلاميين يفوزون في إنتخابات مشبوهة وملوثة بالمال السياسي .. ولكن ما أن انتهت مرحلة الهيجان العاطفي ، واستهلكت شعارات التجييش والتهريج الديني ، حتى إلتفت الفرد إلى وضعه الذي ثار من أجل تحسينه ، إلتفت إلى الشغل والحرية والكرامة ، وتلمس حلمه العظيم بالتقدم والإزدهار الذي رافق أيام الثورة ، فلم يجد سوى ملامح إستبداد بشع ما إنفك يتأسس فوق جثث الشهداء .
لهذه الأسباب، إفتضح أمر الجماعة سريعا في البلدين. وفي رأي لن تتمكن الأحزاب المعادية للديمقراطية، الكارهة للتمدن ولقيمة الحرية (مهما كانت افكارها) أن تحكم بلدانا، حيث مطلب الديمقراطية شعبي وجارف .. على أن هذا لا يعني إنتصار القوى الثورية بشكل آلي .

ثانيا: منهجية العنف التي تستخدمها حركات الإسلام السياسي ستخرجها تماماً من المجتمع، ليس كفصيلٍ سياسي فحسب، وإنما كفكرةٍ تحيا بين الناس . الكثير من الشباب وخصوصا (أبناء الجالية) لا يفهمون الأساس الإيديولوجي الأصلي الذي يمنع هذه الجماعات من أن تكون ديمقراطية و غير عنيفة، فيصدقون إدعاءاتها إنطلاقا من خطابها المنطوق .
والحقيقة أن سبب الجنوح إلى العنف هي المرجعية السياسية لهذه الحركات المبنية على فكرة "التكليف". إذ تعتبر نفسها مكلفة بإجبار الناس على إتباع منهجها في كل ما يتصل بأحوال الفرد والمجتمع. أي إدماج السكان بالخطاب أو بحد السلاح في المنظومة العقدية - السياسية، لذلك الحزب الذي يدعي أن أحكامه مطابقة لأحكام الشريعة سواء كان هذا الحزب في الحكم أو خارج الحكم . و أساس هذا التوجه الدعوي / العسكري، هي فتاوي إبن تيمية وتلاميذه، كإعتبار المجتمع (مجتمعا جاهليا)؛ والناس فيه على ضلالة . ومن هذا المنطلق ، فلا يوجد "مواطنون" ولا "مواطنة" في تصور الإخوان المسلمين في مصر، ونفس الشيء بالنسبة لحركة النهضة وحزب التحرير وأنصار الشريعة وجبهة النصرة في سوريا. بل يوجد مسلمون (أي هذه الجماعات حصرا، و من يتبعها و يبايعها بلا شروط) ويوجد (بقية المجتمع) كفار ومرتدون ... مهدور دمهم، والحرب الإيمانية عليهم مفتوحة كفرض إسلامي إلى يوم الدين .. ولكن للحرب مقتضياتها وظروفها، بدءا بخطب الأيمة في المساجد ... و أنشطة الترغيب عبر جمعيات النهي عن المنكر وما شابهها ، وصولا إلى شن الحرب الشاملة .
هذا هو السبب العميق لعجز هذه الجماعات على إدارة الدولة والمجتمع في العصر الحديث. فهي ، بهذا المعنى، غير قادرة على التحول إلى حركات سياسية سلمية، ولا هي بمقدورها إعتبار السكان مواطنين أحرارا، وليس من الممكن أبدا إعتبار المواطنين مصدر الشرعية ومصدر الحكم (مهما حاولت رفع شعارات الديمقراطية) لأن ذلك سينسف أهم الأسس التي تقوم عليها هذه الحركات . ألا وهي "فكرة التكليف" وما يرتبط بها، أي الحكم بما يرونه "شرع الله" والجهاد في ما يرونه "سبيل الله".

ثالثا : حتى على إفتراض التزامنا جميعا بالشرعية ، وتغافلنا على أن جماعة الإخوان المسلمين معادية للديمقراطية. نحن نعرف الإنقلابات العسكرية . بل نحن العرب نكاد نكون خبراء فيها ! لأن أغلب البلدان العربية عرفت انقلابها العسكري ذات يوم : العراق ، سوريا ، ليبيا، المغرب ، تونس، الجزاير ... فالإنقلاب العسكري هو عبارة عن عملية عسكرية خاطفة يقوم بها مجموعة من الضباط وفق خطة دقيقة ، تستهدف إحتلال مقرات السيادة المركزية وافتكاك الإذاعة والتلفزة -لا يسمع بتفاصيلها الشعب ، إلا بعد إنتهاء فصولها السريعة - ووضع عناصر النظام القوية تحت الحراسة (في ثكنة مثلا كما حدث للرئيس أحمد بن بلة ). مع بيان عسكري رقم واحد .. وتفرض حالة الطوارىء . وينتهي الموضوع . .
أما في حالة مصر يوم 30 جوان، وبعد أن استنفذت المعارضة كل محاولاتها في إقناع الإخوان المسلمين بالحوار الوطني . وبعد أن توسط الجيش مرارا وتكرارا في مساعي ايجاد إطار وطني يضمن الوحدة الوطنية ويكون صمام أمان للمرحلة المقبلة . وبعد أن رفضت الورقة التي اقترحتها المعارضة يوم 12 جوان ، فإن عدد الذين نزلوا إلى الشارع لمطالبة مرسي بالرحيل، إثنان وثلاثين مليون إنسانا .. يعني أكثر من عدد سكان تونس وليبيا ولبنان والأردن مجتمعين ! (أقول هذا بلا مبالغة ؛ فالرقم صحيح).. بحيث حالة الإحتقان ، وإحتمالات تحول مدن مصر إلى انهار من الدماء بعد نزول عشرات الملايين للشوارع ، تدفع أي جيش في العالم يحترم نفسه إلى التدخل لمنع الكارثة . وبكل الأحوال، أنا لا استطيع أن أسمي ما حدث إنقلابا عسكريا .

أخيرا، الآن وبعيدا عن خطاب الأماني، وبعيدا عن العواطف الجميلة، التي لا تصنع سوى أدبارديئًا. صحيح أن ما حدث في مصر، عظيم جدا بالمعنى السياسي المباشر . فيوم 30 جوان 2013 تلقت الحركة الأصولية في الوطن العربي عموما ضربة قاتلة بسقوط جماعة الإخوان المسلمين. وسوف لن تتمكن هذه الجماعات من العودة إلى سدة الحكم أو الإستمرار في السلطة، مالم تغادر الحلم بدولة الخلافة المتخيلة ، وما لم تثبت أنها احزاب مدنية تعتقد فعلا في الديمقراطية وما لم تغادر منهجية العنف والتسلط والوصاية على الإسلام و على المسلمين .. ولكن في المقابل أعتقد أن هذه الجماعات وإن كانت عاجزة على الإستمرار في الحكم، فهي قادرة على الإستمرار في التخريب والإرهاب و بالتالي إفساد تطلع المجتمعات إلى الديمقراطية ومنعها من التحرك إلى الأمام. ومن الأهمية بمكان أن نتفطن ونقتنع بأن أزمة المجتمعات العربية عميقة ومركبة .. ولذلك فالإنتفاضات المليونية الهادرة هي فعلا قادرة على إسقاط الأنظمة . ولكنها غير قادرة على بناء الديمقراطية، بسبب الكوابح الثقافية، بسبب التخلف العلمي والتخلف السياسي، وبسبب أثقال الهزائم المرة وآثارها المدمرة، وبسبب تفوق الدول الإستعمارية التي لن تسمح بخروج مجتمعاتنا من التخلف إلا إذا فرض عليها ذلك فرضا. وبسبب ضعف النخب الثورية ضعفا قاتلا، مما يجعل قضية التحالف المدني الواسع التي فرضها التاريخ، عنوانا أولا في جدول أعمال الثوريين، لمواجهة الحركات الأصولية المدعومة سياسيا من الدوائر الإستعمارية، وماليا من الأنظمة العشائرية في الخليج النفطي المحتل.
لا يمكن بأية حال من الأحوال أن نظل نحلق في السماء دون أن ننتبه إلى إستعداد الجمهور الواقع تحت التضليل والفقر والقهر والجهل إلى السير وراء الشعارات العاطفية الدينية، التي ترفعها تلك الحركات المرتدة إلى الخلف. فموضوع إقلاع مجتمعاتنا نحو الديمقراطية والتمدن ونحو الإنخراط في العصر ، هو موضوع معقد ويحتاج إلى مجهود فكري تحريري وكفاحي جبار يرافق موجة التمرد العارمة .



#عزالدين_بوغانمي (هاشتاغ)       Boughanmi_Ezdine#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإنتقال الديمقراطي في تونس : مقتضيات التحالف مع القطب الليب ...


المزيد.....




- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري
- باي باي كهربا.. ساعات الفقدان في الجمهورية الجديدة والمقامة ...


المزيد.....

- مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة / عبد الرحمان النوضة
- الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية ... / وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
- عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ ... / محمد الحنفي
- الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية / مصطفى الدروبي
- جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني ... / محمد الخويلدي
- اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956 / خميس بن محمد عرفاوي
- من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963.......... / كريم الزكي
- مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة- / حسان خالد شاتيلا
- التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية / فلاح علي
- الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى ... / حسان عاكف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - عزالدين بوغانمي - أن تمنح الحكم للإسلام السياسي ، كأنك منحت سلاحا لمجنون