|
مصر بين شرعية النص و شرعية الميدان. الجزء الاول
الرفيق طه
الحوار المتمدن-العدد: 4145 - 2013 / 7 / 6 - 08:39
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ اليوم الثلاثين من يونيو من سنة 2013 و الصراع ، في مصر خاصة و في اغلب دول العالم عامة ، بالتحديد في اوساط المهتمين بمصر الوطن او مصر القومية ،محتدم بين فريقين . فريق يتشبت بشرعية محمد مورسي العياط رئيسا لمصر و فريقا نزع عنه الشرعية بالملاين التي تهتف بسقوطه في الشوارع . بغظ النظر عن الشروط التي اخذت محمد مورسي الى سدة الحكم على رأس جماعته ، جماعة الاخوان المسلمين، و ذراعها السياسي حزب العدالة ...بعد انتفاضة 25 يناير 2011 التي اسقطت محمد حسني مبارك ، الذي حكم مصر لمدة ثلاثون سنة متتالية ، و تولي الجيش مقاليد السلطة لفترة انتهت بانتخابات فتحت باب قصر القبة امام محمد مرسي العياط . محمد مورسي العياط هذا رئيسا شرعيا لمصر تقلد وسام هذا الشرف و المسؤلية بواسطة صناديق الاقتراع التي عبر من خلالها ، ووفق منهجية قانونية محددة سلفا ، جزء من الشعب المصري عن رضاه بمحمد به رئيسا و البقية عبرت عن رضاها بالصمت او القبول بالواقع . هذه الشرعية التي نالها محمد مورسي انتقلت من شرعية الميدان ، و اعني بالميدان الشارع و التظاهر ، االى شرعية نصية عبر تفويض هذه السلطة عبر الانتخابات و عن طريق قوانين و نصوص محددة . و هذا ضمنيا عبارة عن عقد بين الشارع و الميدان ،المالك المحتكر لكل الشرعية ،و الرئيس الذي تكلف بالمهمة . اذن هذه الشرعية الممنوحة للسيد مورسي هي شرعية نصية ولدت من شرعية الميدان . شرعية الميدان هذه لم تكن شرعية لو لم تلغي شرعية النص التي كان يحكم بها السيد محمد حسني مبارك و لمدة ثلاثين سنة و سحبت منه ليختار الشعب مؤتمنا اخر عليها . شرعية النص هذه التي خولت لمحمد مورسي العياط الحكم لم تكن هي شرعية انتخابية بواسطة صناديق الاقتراع ، و لكنها شرعية الميدان التي جعلت الانتخابات وسيلة لنقل تلك الشرعية الميدانية الى شرعية نصية . لان الشرعية الميدانية لا يمكنها ان تنتقل مباشرة من شرعية الميدان الى شرعية النص ،الا بعد مرورها من اليات تنظيمية محددة و تختلف حسب الشروط . الشرعية الميدانية تتحول الى شرعية نصية في مجتمع قبلي بسيط بواسطة التعيين الجماعي ووفق اعراف و قوانين بسيطة بساطة المجتمعات القبلية و العائلية . و تتطو اليات الانتقال نحو التقدم و التعقد كما تتطور العلاقات المجتمعية و تركيبها و تعقدها . من هنا كان لزاما على الشعوب و الجماعات التنازل عن الشرعية الجماعية للميدان الى شرعية النص تكون فيها المؤسسة القائدة لهذا الانتقال و التحول اقرب الى اطار ينال شبه الاجماع بين الاطراف في الشارع ، اذا لم يكن هو القيادة الفعلية لاعادة تمليك الشرعية الميدانية للاغلبية، بعدما تم السطو عليها بواسطة من يسيطر على الشرعية خلف النص . فاما ان تكون قيادة الميدان هي المنظم و المسير للشارع ، و هذه الحالة تتجسد في الحزب الثوري الذي له موقع الالمنظم و المسير و المحرض على الانتفاضة او الثورة ، ه ذا حال الحزب البلشفي بقيادة لينين الذي ادار الشارع و اعاد له شرعيته من القيصر ثم احتكر هذه الشرعية و سار بها لبناء الدولة الجديدة و المجتمع الجديد ، المجتمع الاشتراكي . و الحالة الثانية تتعلق بتسلم هذه الشرعية مؤقتا من طرف مؤسسة عليها شبه اجماع من طرف المتفاعلين في الشارع ، قد تكون مؤسسة منظمة كالجيش او مؤسسة انتجتها اللحظة كلجنة تسيير او حكومة ائتلافية ...و دور هذه المؤسسات انتقالي فقط . اي انه ينقل الشرعية الميدانية و يحولها الى شرعية نصية . في حالة الحزب الثوري فهو ينقل هذه الشرعية من الشارع الى حكم الطبقة الثورية بديكتاتوريتها على الطبقات الاخرى ، ديكتاتورية الاغلبية ضد الاقلية .التي تعمل على حل تلك التناقضات و الدخول في المجتمع الدمقراطي بنسبة شبه مطلقة . و هو المجتمع الشيوعي الذي يولد من رحم المجتمع الاشتراكي . مرورا بمرحلة ديكتاتورية البروليتاريا . في حالة ميدان بدون قيادة ثورية فلا بديل عن نقل الشرعية الميدانية الى الشرعية النصية عبر المؤسسة التي عليها اجماع او توافق . في مصر، سواء في الانتفاضة الاولى ليوم 25يناير2011 او الانتفاضة الثانية ليوم 30 يونيو 2013 ،المؤسسة التي نالت اجماع المنتفضين هي مؤسسة الجيش . لذلك بعد تسلم الجيش مقاليد السلطة يعود المتظاهرون الى منازلهم . ليتكلف الجيش بتدبير مرحلة انتقالية نحو تحويل الشرعية الميدانية الى شرعية نصية . في الانتفاضة الاولى تحمل الجيش مقاليد السلطة بتوافق مع مع المتظاهرين و بشبه الاجماع . و قد كانت الاصوات الرافضة لحكم الجيش و تدبيره للمرحلة الانتقالية اصواتا مختلفة عن الاخوان المسلمين ، الى حد اصبحت فيه مواقف الاخوان المسلمين و الجيش موحدة ضد المتظاهرين في ميدان التحرير.بل ان الاصوات تعالت ضد الاخوان على اساس انهم سرقوا الانتفاضة من اصحابها بتحالف مع الجيش . و قد بلغ الامر مستوى حرب فتحتها جماعة الاخوان على المتظاهرين في ميدان التحرير ضد العسكر . و قد ابانت الجماعة انذاك عن انتهازية غير مسبوقة مع المتظاهرين ، حيث انقلبت عنهم و عانقت الجيش الى ان وصلوا حد التماثل في المواقف . بل الامر بلغ التحالف ضد المليونيات التي نظمت ضد حكم العسكر و خاصة طول المدة الانتقالية . في هذه المرحلة كلها لم يبلغ الرافضون لحكم العسكر مستوى ارجاع الشرعية من العسكر كشرعية نصية الى شرعية ميدانية . و جزء كبير من اسباب الفشل هو قدرة الاخوان على تجاوز المرحلة بالاستفادة منها و نقل الشرعية الميدانية الى شرعية نصية يتحكمون فيها . و هو ما تم بالفعل بعد الانتخابات التي جعلت المتنافسين جد متقاربين في النتائج. هذا ما مكن الاخوان من حكم مصر بواسطة السيد محمد مورسي العياط . حكم اكتسبه بشرعية نصية و تحت مراقبة الشرعية الميدانية التي لم تغفل عن وليدتها لحظة . انتشى الاخوان المسلمون في مصر و رئيسهم محمد مورسي بالسلطة و تفننوا في انكار من سلمهم الرأسة بعد نزعها من محمد حسني مبارك . اعتقدوا ان الميدان غير قادر على استعادة شرعيته . راكم الاخوان المسلمون الاخطاء تلو الاخطاء ، الجرائم تلو الجرائم ، المنزلقات تلو المنزلقات ...منها ما هو عضوي في فكرهم ، و منها ما املته توازناتهم الذاتية و منها ما هو ناتج عن براغماتيتهم الزائدة. اصدر محمد مورسي الاعلانات الدستورية التي اثارت غضب الشارع و معارضيه ، لكنه تمكن من تجاوز مطباته بتعنته و استعماله لعامل الزمان و للتعاطف الكبير للجماهير مع انجازات انتفاضتهم حتى لا يتم التراجع عنها . و لكن مورسي افتقد احترام مخالفيه . حاصر الاخوان المسلمون المحكمة الدستورية لمدة طويلة اثارت غضب القضاة و الجسم القضائي عموما عليهم ، و افقد الثقة فيهم وفي استقلال القضاء في عهدهم بالتعدي على اعلى محكمة في مصر . ارتمى محمد مورسي العياط و جماعته في حسابات مذهبية و عنصرية في احضان حلف ابان عن عداء مبطن للقومية المصرية التي تشبعت بقيم الوحدة العربية و شموخ مصر فيها . حيث ان مصر تكرست فيها ثقافة لعب الكبار و تجاوز متاهات الصغار . دخل مورسي قياديا في الهجوم على سوريا داعما لمعارضة كشف الزمان انها عصابات ارهابية رجعية مدعومة من خارج سوريا ، وفق اجندات اقليمية و دولية دمرت سوريا ارضا و شعبا و حضارة . و لم تنل من نظام البعث فيها سوى الخسارة و الهزيمة . مغامرة ظهر فيها مورسي و جماعتة كلعبة بيد امراء قطر و القوى الغربية الامبريالية . و الرابح الاكبر هو المشروع الصهيوني لتقوية اسرائيل عبر نشر حروب اهلية في دول المنطقة . دون ان يعير مورسي الاهتمام للميدان الذي يراقبه . سهر مورسي على مفاوضات بين حماس و اسرائيل لمصلحة هذه الاخيرة في حين رفض اي حوار بين النظام السوري و معارضيه . عجرفة غير معتادة في مصر نحو الدول العربية . خاصة ان الانسان المصري يعتقد ان نهضته غير ممكنة خارج نهضة المشروع العربي القومي برمته . لكن مرسي لم يزد الا في اشعال نار الفتنة الطائفية في كل جبهات الشرق الاوسط و الخليج ، لكنه تشبت بالسلم مع اسرائيل و تثبيت معاهدة كامبديفد الخيانية ، و التي طالما تغنى الاخوان بالغائها قبل توليهم السلطة . في ظل هذه الظروف كلها دعت "حركة تمرد " الى الخروج للشوارع يوم 30 يونيو 2013 لاعادة الشرعية للميدان . دعوة لم تعرها جماعة الاخوان المسلمين اهتماما ، بل استهزات منها ، استهزاء اتى من الشعور بالاستقواء و الكبرياء و التعالي الذي تضخم اكثر من الممكن . اعلن احد قياديو الجماعة ان كل المعارضين للاخوان في مصر ، من حركة تمرد الشبابية و المعارضة الحزبية لن يتجاوزوا 38000 متظاهر على ابعد تقدير . فهل ستتمكن حركة تمرد الشبابية من استعادة الشرعية للميدان ام انها ستبقى شرعية نصية سلمتها الانتفاضة الاولى للسيد مورسي و جماعته ؟؟؟ لو قل العدد عن نسبة معينة من المتظاهرين ، نسبة الذين سوطوا لصالح الاخوان في الانتخابات ، تبقى الشرعية للسيد محمد مورسي دون منازع . اما اذا كان عدد المتظاهرين ضد محمد مورسي اكثر من الذين صوتوا لصالحه ، فان الشرعية النصية المسلمة بالانتخابات فقدت قيمتها و الغيت لتعود الشرعية لاهلها الاصليين و تصبح الشرعية القائمة و الفاعلة هي شرعية الميدان و لا شيء غيرها . كانت مسيرة يوم 30يونيو 2013 في مصر اكبر مسيرة عرفها تاريخ البشرية على الاطلاق . فقد فاقت الاعداد المشاركة فيها كل التوقعات . و كل التخمينات . فوجأ العالم كله و المتتبعون بما عرفته مصر ذلك اليوم . لم تعد مصر تتميز بالاهرامات وحدها ، بل بالمليونيات الرافضة لحكم مورسي كذلك. لم يعد الامر يتعلق بمقارنة عدد المؤيدين بعدد المعارضين ، الامر يتعلق بشرعية سلمت ثم سحبت . ارقى اشكال الدمقراطية ان تسحب الشرعية بشكل سلمي . و هو ما كان . يتبع : ما موقع تدخل الجيش ؟
#الرفيق_طه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مصر: الاخوان ، الجيش و المعارضة اي سيناريو
-
البيان في علاقة 20 فبراير بالعدل و الاحسان
-
فاتح ماي/ ايارللعمال اية علاقة ببن كران ؟
-
اليسار و اشكالية النضال الدمفراطي ( مساهمة في ندوة psu 7/8/1
...
المزيد.....
-
-جريمة تستوجب العزل-.. تعليق إرسال الأسلحة لإسرائيل يضع بايد
...
-
زيلينسكي: -معارك عنيفة- على -طول خط الجبهة-
-
نجل ترامب ينسحب من أول نشاط سياسي له في الحزب الجمهوري
-
بارون ترامب يرفض المشاركة كمندوب للحزب الجمهوري في فلوريدا
-
عاصفة شمسية -شديدة- تضرب الأرض للمرة الأولى منذ 2003
-
بيان من -حماس-عن -سبب- عدم التوصل لاتفاق بشأن وقف إطلاق النا
...
-
واشنطن تصدر تقريرا حول انتهاك إسرائيل استخدام أسلحة أمريكية
...
-
مصر تحذر: الجرائم في غزة ستخلق جيلا عربيا غاضبا وإسرائيل تري
...
-
الخارجية الروسية: القوات الأوكرانية تستخدم الأسلحة البريطاني
...
-
حديث إسرائيلي عن استمرار عملية رفح لشهرين وفرنسا تطالب بوقفه
...
المزيد.....
-
الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة
...
/ ماري سيغارا
-
الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي
/ رسلان جادالله عامر
-
7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة
/ زهير الصباغ
-
العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني
/ حميد الكفائي
-
جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023
/ حزب الكادحين
-
قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية
/ جدو جبريل
المزيد.....
|