أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - الرجاء أخذ العلم: سوريا ستنسحب، وكل شيء في لبنان سيختلف!















المزيد.....

الرجاء أخذ العلم: سوريا ستنسحب، وكل شيء في لبنان سيختلف!


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 1168 - 2005 / 4 / 15 - 10:18
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


يعترض على الوجود العسكري والأمني السوري في لبنان طرفان مختلفان: طرف لبناني وطرف دولي. تصاعد اعتراض الطرف اللبناني واتسعت قاعدته بعد التمديد للرئيس لحود في أيلول من العام المنقضي، ثم بصورة خاصة بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط الماضي. ولا ريب أن صدور القرار 1559 بينهما قد شد من أزر اللبنانيين المعارضين للوجود السوري، رغم أن دوافع اعتراض كثيرين منهم على الوجود السوري لا يطابق دوافع الاطراف الدوليين الذين كانوا وراء القرار الشهير.
الطرف الثاني هو غربي، أميركي فرنسي بخاصة. وقد يكون دمج القرار 1559 بين الدعوة إلى انسحاب القوات السورية وتجريد "الميلشيات اللبنانية وغير اللبنانية من سلاحها" حصيلة تسوية بين الدولتين الراعيتين للقرار. فالأولوية الفرنسية هي الانسحاب السوري، فيما أولوية الأميركيين هي تجريد "حزب الله" من سلاحه. وبعد اغتيال الرئيس الحريري تبنى الطرف الفرنسي لغة حازمة حيال سوريا، فيما لم تكن اللغة الأميركية أقل من لغة إملاء امبراطوري: انسحاب سوري كامل وفوري، عسكري ومخابراتي.

1
من شان القرار السوري بالانسحاب العاجل من لبنان أن يظهر التمايز بين المعسكرين، اللبناني والدولي، وربما أن يخلخل كلا منهما. إذ يفترض أن فوز الطرف اللبناني بمطلبه الاستقلالي سيقلل من مساحة التقاطع مع الطرف الغربي، الذي توجه القوة القائدة فيه أجندة تتخطى لبنان وسوريا معا. ثم إن الانسحاب السوري قد يسرع عملية الفرز داخل الطرف اللبناني ذاته بين من يعارضون الهيمنة السورية لأنها هيمنة وبين من يعارضونها لأنها سورية. الأولون استقلاليون منسجمون، يعترضون على كل هيمنة، ويطمحون إلى سيادة بلدهم واستقلاله، وربما يحرصون على علاقة طيبة مع سوريا المنسحبة. بينما يندرج الاعتراض العنيف على الهيمنة السورية عند الأخيرين في إطار عداء غير سياسي أو دون سياسي لسوريا. على كل حال من المنطقي أن نتوقع ان أعداء الهيمنة سيسعون إلى صداقة حقيقية مع سوريا غير المهيمنة، فيما قد تتراجع حدة العداء "الحضاري" لسوريا المنسحبة في اوساط المكون الثاني من الطيف اللبناني المعارض.

2
كذلك قد يغير الانسحاب السوري منوال الانقسام اللبناني الذي شهدناه بالخصوص بعد اغتيال الرئيس الحريري، بقدر لا يقل عن تغييره التحالف المعارض. فإذا كان محتملا أن تتخلخل عرى التحالف الموحد حول رفض الوجود السوري بعد تحقيق مطلبه، فإن من غير المستبعد أن يتكون تفاهم عريض ووسطي يضم استقلاليين لبنانيين متنوعي المشارب والطوائف، متميز عن تيارين متطرفين: اولهما معاد لسوريا في كل أحوالها، والثاني تابع لها في كل أحوالها أيضا، صنفان من الأتباع. وإن لم تدفع الولايات المتحدة بعنجهيتها وتصريحات رئيسها العقيدية وضغوطها اللاعقلانية الأمور نحو الانفجار فإن "حزب الله" سيكون جزءا من هذا التفاهم وليس من التطرف التابع لسوريا. ولعل في كلام أمين عام الحزب، السيد حسن نصر الله، يوم 6 آذار، ثم مظاهرة "الوفاء لسوريا" يوم 8 آذار، ما يدفع المعارضة اللبنانية خطوة نحو الاعتدال، وما يسهم في طلب التفاهم المشار إليه. وما جعل هذه المظاهرة مختلفة عن "مظاهرة المليون" التعيسة في تشرين الثاني الماضي هو الفرق بين سوريا المنسحبة وسوريا المهيمنة، أو بين قضية عادلة وقضية باطلة. لم تكن مظاهرة 8 آذار مظاهرة للموالاة. الواقع أنها تفرض على الجميع إعادة النظر بثنائية معارضة/ موالاة، وبالخصوص في المطابقة الضمنية بين المعارضة والاستقلال وبين الموالاة وطلب التبعية لسوريا. وإذا لم ينجح الاستقلاليون اللبنانيون في أخذ هذا الواقع بالاعتبار فلن يكون الواقع هو من يعاني من مشكلة.
لقد أسهم قرار الانسحاب السوري في إعادة التوازن إلى الساحة التي يصنع فيها مستقبل لبنان اليوم. وبقدر ما يكون الانسحاب كاملا وشاملا، وبروح طيبة أيضا، فإنه سيساعد لبنان كله على العدل والاعتدال، وعلى أن يكون حرا بالفعل، لا من سوريا فقط وإنما من العداء لسوريا كذلك. ولن يتأخر الانسحاب العسكري والأمني السوري أن ينعكس في انسحاب "السوري" من النقاش اللبناني، الأمر الذي سيضطر اللبنانيين إلى السياسة ومناقشة بعضهم بعضا.
إن الدرس البسيط المستخلص من تطورات الأيام الأربعة بين 5 و8 آذار 2005 هو أن وطنية لبنانية تتميز عن سوريا وحدها ستكون عرجاء، غير مستقرة وغير قابلة للاستقرار. هذه وصفة للسقوط لا للتوازن، وللانقسام لا للوحدة. إن من شأن وضع لبنان في "دائرة الطباشير القوقازية"، وتجاذب يديه من ساحة الشهداء وساحة رياض الصلح، ان يحطمه.

3
من جهة أخرى، قد يكون من شأن الانسحاب السوري أن يسهم في خلخلة التحالف الغربي المضاد لسوريا والموحد حول القرار 1559، أو أن يخفف من حدة الإجماع الغربي ضدها. إذ أن السياسة الأميركية المصرة على انسحاب سوري كامل وفوري، وللمخابرات كما للجيش، ذات تمركز جيوسياسي وإسرائيلي، يتصل بمشروع "الشرق الأوسط الكبير" وتأمين "مملكة إسرائيل" أو ضمان "قرن إسرائيلي جديد" في "الشرق الأوسط". وهو أمر لا يسهل التسليم بأن الأوربيين يسايرون الأميركيين فيه تمام المسايرة. وبينما تبدو الإدارة الأميركية الحالية غير بعيدة عن فرض تسوية على سوريا تقوم على مبدأ السلام مقابل السلام أو شيئا قريبا منها، يفضل الأوربيون سلاما يراعي بعض الحقوق العربية ويتيح الاستقرار وازدهار الأعمال، دون أن يعني ذلك ان سياستهم ذات تمركز اقتصادي. الواقع أن الأوربيين يفتقرون إلى استراتيجية كبرى (غراند ستراتيجي) ولذلك سياستهم بلا مركز، ولذلك أيضا يلتحقون بالأميركيين بعد تمنع.
وليس أدل على اختلاف الأجندتين من مثابرة الأميركيين، وبلسان الرئيس بوش شخصيا، على نبرة حادة وأوامرية إزاء سوريا حتى بعد إعلان الطرف السوري قرار الانسحاب من لبنان. اللغة الأوربية، بالمقابل، أكثر سياسية، دون أن تكون أقل وضوحا في طلب الانسحاب السوري. ولا يبدو أن "الامبراطور" معني بإدراك أن ذلك قد يكون عكسي النتائج على التفاهم اللبناني وعلى الاستقلال اللبناني الوشيك. فحين يجد بعض اللبنانيين أن الاستجابة السورية الإيجابية للمطلب الدولي الخاص بالانسحاب لن تجدي سوريا نفعا فإنهم قد يصطفون إلى جانبها خالعين ثوب الحذر، ومتخلين عن الحرص على تفاهم لبناني عريض. لقد انتقلت اللاعقلانية بسرعة من الصف السوري إلى الصف الأميركي، ولو لم تكن الولايات المتحدة هي الجبروت بعينه لتسابق المعلقون على وصف سياستها بالانتحارية والمقوضة للاستقرار. ولعله سيقع على عاتق الأوربيين تنبيه المركز الامبراطوري إلى ان سوريا بعد قرار الانسحاب ليست سوريا قبله، وأن إذلال سوريا مسيء إلى الاستقرار والاستقلال اللبنانيين وإلى الاستقرار في المنطقة ككل.

4
هناك طرف يميل المحللون إلى نسيانه في جرد حساب الانسحاب السوري من لبنان، أعني الشعب السوري. لم يكن السوريون منقسمين حول الوجود السوري في لبنان لتخف انقساماتهم بعده. هذا لا يعني أنهم كانوا موحدين في دعمه. الواقع أن السوريين غير منقسمين وغير موحدين بالمعنى الإيجابي للكلمتين، لا حول الشان اللبناني ولا غيره، وهذا لأنهم مبعدون من السياسية ومن إبداء الرأي. وفي هذا ما يسبغ درجة من التبرير لنسيان عموم السوريين في حساب التفاعلات والديناميات الإقليمية.
بيد ان أزمة الهيمنة السورية في لبنان، التي احتدت بعد التمديد للرئيس لحود وتفاقمت بعد القرار 1559 وتفجرت بعد اغتيال الحريري، تجاوزت عتبة التفاعل المعتادة لعموم السوريين. ورغم أن الخطاب الرسمي لم يكف يوما عن "التبشير بالأخطار" فقد ادرك السوريون ان الخطر حقيقي اليوم وليس محض لازمة مألوفة لخطاب زائف. ولا ريب أنه لذلك، لا لغيره، حظي خطاب الرئيس السوري مساء 5 آذار بمتابعة غير مسبوقة منذ عقود.
يمكن القول إن أيا من السوريين لا يدافع عن بقاء القوات السورية في لبنان، وإن اختلفت الدوافع والحماسة. ثمة معارضون قدماء للوجود السوري لأنهم يعتقدون أنه لا يخدم المصالح الوطنية لا لسوريا ولا للبنان، وثمة مؤيدون سابقون لنظام الهيمنة السورية يقبلون الانسحاب على كره خوفا من مصير عراقي للبلاد، وثمة جمهور وسيع يريد أن تخرج سوريا من لبنان لأن البقاء خطر ولأن اللبنانيين لا يريدوننا.
هل سيكون للانسحاب السوري تاثير على الخريطة السياسية السورية؟ هل سنشهد تبدلات جيولوجية لعلاقات القوى الداخلية؟ ربما. لكن هذا الاحتمال لن يتعلق بالانسحاب السوري من لبنان بحد ذاته، بل بالتأثيرات الجاذبة والنابذة للديناميات الدولية والإقليمية الراهنة، التي لا يشكل الانسحاب السوري من لبنان غير أحد وجوهها.
(كتب هذا المقال في 9 آذارالماضي، وتأخر نشره في "الحوار المتمدن" سهوا)



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في أصل -السينيكية- الشعبية
- وطنية تخوينية أم خيانة وطنية؟!
- جنون الاستهداف والعقل السياسي البعثي
- في استقبال التغيير: ليس لسوريا أن تتخلف!
- ما بعد لبنان: سوريا إلى اين؟
- على شرف حالة الطوارئ: حفلة لصيد -الخونة- بين قصر العدل وساحة ...
- نحو تملك عالمي للحداثة والتغيير تأملات حول شيوعية القرن العش ...
- نقاش حول الدين والثقافة وحرية الاعتقاد
- تسييس العلاقة السورية اللبنانية
- ما بعد الحقبة السورية: تحديات الوطنية اللبنانية الجديدة
- أمام الأزمة وجهاً لوجه
- من يقتل رفيق الحريري؟
- الإعلام الفضيحة: ماذا فعلت جريدة -تشرين- بالحوار مع الأسير ا ...
- السجناء السوريون في إسرائيل أو موقع الجولان في الوعي السوري ...
- دولة مؤسسات أم دولة أجهزة؟
- في ذكرى انتفاضة الجولان: الشجاعة وحدها لا تكفي!
- موجتان لنزع العقيدية في الثقافة السياسية السورية
- نظام اللاسياسة: العنف الطليق والعقيدة المطلقة
- ضد الحرية وليس ضد -الحرة-
- عشر أطروحات حول السلطة والندرة


المزيد.....




- قصر باكنغهام: الملك تشارلز الثالث يستأنف واجباته العامة الأس ...
- جُرفت وتحولت إلى حطام.. شاهد ما حدث للبيوت في كينيا بسبب فيض ...
- في اليوم العالمي لحقوق الملكية الفكرية: كيف ننتهكها في حياتن ...
- فضّ الاحتجاجات الطلابية المنتقدة لإسرائيل في الجامعات الأمري ...
- حريق يأتي على رصيف أوشنسايد في سان دييغو
- التسلُّح في أوروبا.. ألمانيا وفرنسا توقِّعان لأجل تصنيع دباب ...
- إصابة بن غفير بحادث سير بعد اجتيازه الإشارة الحمراء في الرمل ...
- انقلبت سيارته - إصابة الوزير الإسرائيلي بن غفير في حادث سير ...
- بلجيكا: سنزود أوكرانيا بطائرات -إف-16- وأنظمة الدفاع الجوي ب ...
- بايدن يبدى استعدادا لمناظرة ترامب


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - الرجاء أخذ العلم: سوريا ستنسحب، وكل شيء في لبنان سيختلف!